أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - نضال نعيسة - عندما تطفئ الشموع















المزيد.....

عندما تطفئ الشموع


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1398 - 2005 / 12 / 13 - 11:11
المحور: الصحافة والاعلام
    


لو تركوا منه وجهاً، ولو جامداً لتطبع عليه القبلات، ولو تركوا منه ولو كفاً واحدا ليلوح بها مودعاً الأطفال والأحباب والأصدقاء. ولو تركوا منه ولو عيننين جامدتين تحدقان في الفراغ لتودع وجوه الأحبة في اللقاء الأخير قبل عناق التراب. ولو تركوا منه ولو يدا واحدة ليشد عليها الحزانى المفجوعين برفاق العمر المزهوق على عتبات الأوطان الثكلى. ولو تركوا منه فقط ولو بقايا صدر ممزق لم يعد يخفق بالحياة لكي يغفو عليه المحبون إغفاءة الوداع. وآه لو تركوا منه ولو هيكلا لجسد ملأ الدنيا ذات يوم صخبا وحياة، ليحمل على الأكف في مسيرة الفراق. آهٍ ما أقساهم هؤلاء القتلة الأجلاف حين أرادوا أن يمحوا كل ما تبقى من أثر لجبران عن قيد الحياة، ويحيلوه دفعة واحدة إلى سراب، وشيء كالضباب؟ آه كم هي تلك النفوس جذلى برائحة الدم، وسكرى بآهات الناس، وكم تنتشي بحضرة الموت، وأنين الأرواح؟ أمة لا تصحو كل يوم إلا على أخبار الموت، ويبدو أنه لا يطيب لها نوم إلا بعد أن تحصي عدد الأموات من الأبناء، ولا يهنأ لها عيش إلا في مجالس العزاء.

لم تعد، أبدا، بلادا جميلة كما كانت في سالف الزمان، فمن لم يقعده الرعب، وتخمد آماله المافيات، نسفته السيارات المفخخات بالديناميت والأحقاد، ومن لم تغيّبه زنازين الأمن والمخابرات، سحقه الفقر الأسود، ووضعه جنبا إلى جنب مع الأشباح، وأشباه الكائنات. ومن لم تسحقه ماكينات الإعلام، وحفظ كل القصائد والأشعار التي تتغنى بالعساكر والجنرالات، أصيب بالصم، والبكم، والجذام. إنها فضاءات لا متناهية من إنتاج الخوف، وتكريس ثقافة الاستئصال، وبلاد الموت الشامل التي لا تشبع من أجساد أبنائها الصغار. فراغات لاتملؤها سوى الجثث، ومساحات من الصمت المطبق لا يكسره سوى أصوات الانفجارات. وحمى قتل طالعة من كل مكان، لابسة لكل الأثواب. ومخطئ من يظن، وتراوده الأحلام الضغاث، بأن الأمور ستعود يوما كسالف العهد والزمان.

لقد هوى اليوم نسر جديد حلق طويلا في سماء الكلمة، وفضاء الحرية، وعالم الصحافة والإعلام، وأطفئت شمعة أخرى أضاءت طويلا دهاليز التزلف والظلام. فهاهي يد الموت والإجرام تضرب مرة أخرى، وفي قلب العاصمة اللبنانية بيروت، لتطال واحدا من رموز ما بات يعرف بالمعارضة وثورة الرابع عشر من شباط، وواحدا من أشهر الكتاب والصحفيين في لبنان، ورئيس تحرير جريدة النهار التي فاقت شهرتها مساحة لبنان الصغيرة. إنها جريمة جديدة تضاف إلى سلسلة الجرائم الأخيرة التي ارتكبت في لبنان ضد رموز بارزة مما بات يعرف بالمعارضة اللبنانية. وأخيرا صمت هذا القلم، وأجبر على السكوت بعد أن غرد طويلا خارج كل الأسراب. فهل هي رسالة، وأيا يكن القاتل، بأن لا مكان للكلمة الحرة، والموهبة والإبداع، وللرجال المميزين في أوطان باتت مهمتها التاريخية إنجاب المسوخ، والمشوهين، والمخلوقات المنغولية المجردة من الدماغ، وأشباه الكائنات الحية التي لا تتمتع بأي قدرمن الأحاسيس، والتمييز، والإنسانية، والأخلاق؟

ولم تعد كل أجهزة الإنذار، ولا وسائل التمويه والإخفاء، أو أي من السيارات المصفحات التي تنتجها كبرى شركات السيارات، ولا عقول مهندسيها، ومصمميها الأذكياء بقادرة على إنقاذ حتى المليارديرية، أوكبار الساسة، والكتاب، وعابري السبيل من المتعوسين الفقراء. وليس بمقدور أحد التهرب والمرواغة من تسونامي الموت الجامح، والقتلة. وحين يصدر قرار الموت وحكم الإعدام، ويستهدف أي كان، فما على عزرائيل إلا التنفيذ والإجهاز فورا على الأرواح. كما لم تعد دول عزيزة قادرة بحالها على حماية نفسها، ولا جيوش جرارة أن تحمي أحد جنرالاتها، ولم يعد أحد بقادر على حماية نفسه من الولوغ في دوامة الموت التي تكبر كل يوم وتطلب مزيدا من الأجساد، ولا يهم إن كانت الضحية معارضاً، أو موالياً، أو مسالما محايداً خرج ليجلب خبزا وحلوى لأحبابه الصغار، فالقتل أصبح صناعة خاصة بامتياز بهذه المنطقة التي لم تعد تعرف كيف تتعايش مع الحياة، وأصبح الموت لازمة يومية كالسكر والملح والماء، وبدونه لا طعم للحياة، والكل في سباق محموم لتسجيل الأرقام القياسية في حصد الأرواح، والتربع على الجثث وجماجم الأبرياء. فشهوة القتل، وحى الانتقام أقوى من كل التحصينات. وأصبح وبالا وشؤما أن يكون المرء مميزا في أي شيء، حتى في صنعة الحب التي هي كنه وجوهرالإنسان، ولو فاق حبه للأوطان ماهو مسموح به في النشرات الرسمية، وميزانيات الحكومات الخاسرة، فسينزل عليه الغضب الساطع، ويحكم فورا بجرم مخالفة الإرادة السامية، ويسجن مؤبدا بتهمة الإدمان.

وبعيدا عن كل هذا النعيق المصاحب، في هكذا مناسبات، والذي بدأ يصدّع الرؤوس في كل مرة، من نفس جوقة الغربان، فإنه لمن السابق لأوانه التشاطر، والتذاكي، واستباق التحقيقات، وربط جريمة اغتيال المرحوم الكاتب اللامع جبران تويني بأية جهة كانت. ومن السذاجة تماما، وبمكان، تحويل الأنظار باتجاه واحد في كل مرة تتناثر فيها الأشلاء، فهذه صنعة البلهاء. فهناك لاعب ماكر، يتقن فن إشعال الفتن، وتأجيج البراكين الخامدة في كل مكان،وداهية يتحرك، ويحرك آخرين من خلف الستار، ويتحكم بالمشهد العام، وهذا ما لا يقدر عليه كثير من اللاعبين الصغار، ولابد أن هناك دوما من يجيد استغلال الأخطاء، والصيد في المياه العكراء، وتسويق الأوهام، وإتقان فن الإيحاء.

يبدو أن "المتردية" قد طاحت فكثرت السواطير، والسكاكين، والجزارين المولعين برائحة الماء. إنه شيء أكبر بكثير من خيال دهاة المخططين،وفقهاء السياسة المتذاكين الشطار، والمحللين الاستراتيجيين الفصحاء، والعبرة كل العبرة فيما هو قادم وآت، وهاهي تباشيره الأولى تلوح من بين ركام السيارات، والجثث المتفحمات، وحجم الدمار.

لن نتكلم، ونسهب كثيرا في مزايا ومناقب الفقيد، فهذا متروك للتاريخ، والحقيقة، والزمان، ولا يمكننا سوى الترحم على هذا العلم الأدبي والإنسان البارز المغوار وعليه ألف رحمة من الله. وإنها لخسارة كبرى بكل المقاييس أن ترى شموعا تذوي في عز الظلام. وعندما تطفئ الشموع فقط، نتذكر أن الظلام موجود بكثرة في كل مكان، ونعرف، أيضا، عندها قيمة النور، ومعنى الضياء.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لِمَ الإحراج يا سيادة الرئيس نجاد؟
- نبوءة علي الديك
- مدرسة الحوار المتمدن
- نهاية رجل شجاع
- مُصحف سيادة الرئيس
- عودة الوعي للسوريين
- قناة الشام الفضائية
- الحوار المتمدن ومحنة الأمل الكبير
- فرصة الأخوان التاريخية
- الاستبداد هو الاستبداد
- نجوم خلف القضبان
- شدّوا الحزام
- كلاب أمريكا
- جنازة وطن
- الرسالة
- عرس الدم
- فرنسا الشمولية
- دعاء الجنرالات
- عصافير لا تطير
- ربيع سوريا الواعد


المزيد.....




- -يعلم ما يقوله-.. إيلون ماسك يعلق على -تصريح قوي- لوزير خارج ...
- ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق -تيك توك-؟
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن للبحث في -عدوان الإم ...
- -عار عليكم-.. بايدن يحضر عشاء مراسلي البيت الأبيض وسط احتجاج ...
- حماس تبحث مع فصائل فلسطينية مستجدات الحرب على غزة
- بيع ساعة جيب أغنى رجل في سفينة تايتانيك بمبلغ قياسي (صورة)
- ظاهرة غير مألوفة بعد المنخفض الجوي المطير تصدم مواطنا عمانيا ...
- بالصور.. رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -الم ...
- -إصابة بشكل مباشر-.. -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مقر قي ...
- واشنطن تعرب عن قلقها من إقرار قانون مكافحة البغاء والشذوذ ال ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - نضال نعيسة - عندما تطفئ الشموع