أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال نعيسة - الحجاج نويل














المزيد.....

الحجاج نويل


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1410 - 2005 / 12 / 25 - 11:04
المحور: حقوق الانسان
    


في هذه الأيام الشتوية الباردة من كل عام تطل علينا شخصية بابا نويل أو السانتا كلوز مصحوبا بتلك الألحان العذبة التي تطرب الآذان. ويترافق مع طقوس، وعادات، واحتفالات اقتحمت أكثر المجتمعات محافظة وتشدداً وانغلاق، ولم تعد ثقافة المنع والإرهاب قادرة على منع تقدم هذه الظاهرة بقوة ودخولها إلى حياة الناس.

إنه الكريسماس أو عيد الميلاد الذي يتجسد بشخصية سانتا كلوز، أو بابا نويل الذي يحمل هدايا العيد للأطفال. إنه تقليد سنوي، وربما يعتبر واحدا من أكثر أيام السنة فرحا، وابتهاجاً عند الغربيين بشكل عام، ومناسبة لكثير من اللقاءات العائلية، والاجتماعية، والشخصية. وبغض النظر عن المواقف المختلفة للاحتفال بيوم كهذا في كثير من المجتمعات، فإنه لم يعد يمر بهدوء كسالف الأيام، بسبب ثورة التكنولوجيا والاتصالات، وسرعة تدفق الخبر والمعلومات. إنه يزحف باضطراد، وفي كل الاتجاهات، بفعل العولمة المباركة التي فتحت بوابات العالم على مصراعيها، بعد قرون من الجنون والقطيعة والهذيان، وبدأت تظهر ثقافات، وعادات جديدة، كما بادت وانقرضت مفاهيم وقيم قديمة. وسيظل التاريخ صاعداً في مسيرته الإرتقائية الكبرى دونما إبطاء نحو بلورة سلوك إنساني واحد وعام يجمع البشرية، ومهما كانت شراسة الرفض والمقاومة. ولولا هذه العولمة المباركة، لما كنا عرفنا شيئا عن أشياء أخرى مهمة في الحياة كحقوق الإنسان، أو الانتخابات، وتداول السلطات، ولا سمعنا يوما بشيء اسمه ديمقراطية أو برلمان، وما كنا حتى سنعرف عما يدور في قرية، أو مدينة وطنية قريبة في الجوار.

وفي دمشق الجميلة ارتفعت أكبر شجرة ميلاد في العالم والتي من المرجح أن تدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية، وبكل ما يحمله هذا المشروع من دلالات على تسامح الإنسان في هذه الأرض وتقبله للآخر، وانسجامه مع التطورات، كون هذا الأرض كانت مهبط الحضارات، وحاضنة، وموطئ الإنسان الأول. ومع العلم اليقين بتحفظ كثيرين على هكذا مناسبات إلا أنه وفي الآن ذاته، لم يعد باستطاعة أحد تجاهل هذه المناسبة وكتمها وإبقائها أسيرة وراء الستر والمحجوبات، كل ذلك بفعل التفاعل والتلاقح بين الثقافات، والحضارات، والأفكار.

لقد أصبح الكريسماس مجسدا برمز وهيئة السانتا كلوز، أو البابا نويل رمزا للتجدد، وتعاقب الحياة الذي يحمل التغيير والقادم الذي سيحمل الحب، والفرح للأطفال، والأمل بحياة أفضل، وغد مشرق أكثر بهجة وسرور. إلاّ أنه وبكل أسف، فقد أصبحت الأحلام البسيطة مستحيلات سبعة عصية على الإنسان في هذه الأصقاع، وصار شراء هدايا بسيطة للأطفال الصغار يعني عجزا سنويا مستديما في الميزانية الأسرية قد لا يستطيع "جد نويل" أن يغطيها، وأما حضور حفلة عائلية بسيطة، وفي مكان عام، فسيعني حتما كارثة اقتصادية وانهيارا للمشاريع الأسرية لأن هذه المصاريف وفي العهود الثورية المباركة والنادرة، حكر، وشيمة من شيم المحظيين، والمحظيات، واللصوص الأشراف، وأبناء الذوات فقط. ولذا تمر السنون كئيبة حزينة متثاقلة بطيئة بلا أي انتظار. وهذه اللحظة العابرة بكل سوداويتها قد تكون أكثر إشراقا من مستقبل قاتم لم يعد يحمل سوى نذر الشؤم والخراب والغلاء والحروب والبلاء. وفي كل كريسماس يتبادل الناس الهدايا، والبطاقات، والقبلات والتمنيات، وهنا يتبادلون الشتائم، والاتهامات، والإهانات، والتكفير، وتتجه العيون والمآقي الذابلات نحو السجون، والأقبية، والمعتقلات، حيث يقبع الآباء، والأخوة، والأحبة، والأحرار، وحيت تُهرس الأماني، وتسحق أحذية العسكر كل الأحلام. ومع مطلع كل سنة ترتفع معدلات الفقر، وتزداد نسب الأمية، وتكثر البطالة، وتنمو أعداد القتلى، وتصدح عقيرة الكذابين، والمنافقين الكبار بالوعود والأمنيات والسراب المخادع في البيداء.

وفي الحقيقة، لم يعد هناك في الحياة شيء اسمه حلم، أو أفق مفتوح يفضي إلى تفاؤل ما، ولا يوجد لا بابا، ولا ماما، ولا أخ، ولا عم، ولا ابن خالة نويل في هذه الأصقاع المظلمة المشؤومة من الحياة. هناك قمع نويل، وفساد نويل، ومخابرات نويل، وجنرال نويل، وعريف نويل، وغلاء نويل، وأحزمة نويل الناسفات، ها هي كل ما تحمله لنا "باباواتنا" من هدايا على مر السنين والأيام، ولا تقتصر على يوم واحد من العام، ولو اقتصر الأمر على يوم واحد في السنة فقط، لكنا في أحسن حال. كل هذه الباباوات العابسات، المكشرات، المكفهرات تسرق الفرح من العيون، وتكسر الفؤاد، وتدمي القلوب المفجوعة بالأوطان. باباواتنا التي عرفناها من الصغر هم مجموعة من الجنرالات، والسجانين، والمرتشين، والمهربين، والمحاسيب، والفاشلين، والجلاوزة، والطغم العسكرية المدججة بالأسلحة، وبالبزات، والهراوات الماريشالية التي تحمل الأوامر العرفية، وقوانين الطوارئ، وقرارات المصادرة والإغلاق، ويهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور. ولو أرادت الرعية في هذه الأصقاع التبرك بأية شخصية تجلب لهم السعادة والهناء، من بين تلك الشخصيات الكثيرة المرعبة، والمتراكمة في مجاهل الدماغ فأي سيّاف، وأي فرعون، وأي حجاج، وجنرال، وصدّام ستختار؟ ماذا سيحمل هؤلاء من هدايا للناس على مدار العقود والسنوات، وهل سيبقون أية بسمات على الشفاه؟

بماذا سيحلم الأطفال الصغار بعد أن سُرقت، وحُظِّرت حتى الأحلام في هذا اليوم المميز من العام بكل معانيه الأسطورية، ومحاذيره الدينية، وهذا إذا تركت لهم المافيات المتغولة أصلا أية أحلام، أو أية بارقة أمل لأي أحلام؟ وماذا سيتمنون بعد أن ضاق كثيراً هامش الآمال، وأصبح محصورا بالنذر اليسير، والضروريات الدونية من الحياة التي تبقي الإنسان حيا وقادرا على الاستمرار؟ كما صارالحلم محدودا بفئة واحدة محددة من الأخيار المبشرين بالمليارات، لاتترك لأي خيال ومهما كان خصبا أية مناورة أو آفاق. من سيجلب الحلوى، والشوكولا، والبسمة للأطفال بدل القهر، والفقر، والتشرد، والعذاب؟ ومن سيعيد البسمة لتلك الوجوه التي أدمنت الوجع والأحزان؟

في الحقيقة ليس هناك من حل سوى "الحجاج نويل" الذي يتكفل لوحده بكل الأماني والأحلام.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأجندة العربية والأجندة الأمريكية
- صلوات لاستسقاء الديمقراطية
- نقطة نظام
- عندما تطفئ الشموع
- لِمَ الإحراج يا سيادة الرئيس نجاد؟
- نبوءة علي الديك
- مدرسة الحوار المتمدن
- نهاية رجل شجاع
- مُصحف سيادة الرئيس
- عودة الوعي للسوريين
- قناة الشام الفضائية
- الحوار المتمدن ومحنة الأمل الكبير
- فرصة الأخوان التاريخية
- الاستبداد هو الاستبداد
- نجوم خلف القضبان
- شدّوا الحزام
- كلاب أمريكا
- جنازة وطن
- الرسالة
- عرس الدم


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال نعيسة - الحجاج نويل