مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5303 - 2016 / 10 / 3 - 15:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بما أنك ترفض "القانون الإلهي" , ما هي السلطة التي تعترف بوجودها على السلوك البشري ؟
لا يقبل اللا أدري بأية "سلطة" بالمعنى الذي يقصده المتدينون . إنه يعتقد أن على الإنسان أن يحدد سلوكه بنفسه . بالطبع عليه أن يستفيد من حكمة الآخرين لكنه هو من سيختار بنفسه الناس الذين يعتبرهم حكماء , و حتى عندها لن يرى أن كلامهم فوق النقد أو غير قابل للنقاش . يمكن للاأدري أن يرى كيف يتغير ما يسمى "قانونا إلهيا" من وقت لآخر . يقول الإنجيل أنه يجب على المرأة ألا تتزوج أخو زوجها المتوفى , أما في حالات خاصة , فإن عليها أن تتزوجه . إذا كان الإنسان غير محظوظ ليكون أرملة دون أولاد و أن يكون لها في نفس الوقت حمو غير متزوج , فمن سيستطيع عندها مخالفة "القانون الإلهي" .
كيف تعرف ما هو صح و ما هو خطأ ؟ و كيف يرى اللاأدري ما يسميه المتدينون بالخطيئة ؟
لا يشعر اللاأدري بنفس الثقة التي يتحدث بها بعض المسيحيين عن الصح و الخطأ . مثلا , إنه لا يرى , كما كان معظم المسيحيين يقولون في الماضي , أن الأشخاص الذين لا يتفقون مع الحكومة في مسائل اللاهوت المبهمة أو الشائكة يجب أن يعاقب بالموت . إنه ضد محاكمة هؤلاء البشر أو غيرهم , و هو حذر جدا أيضا بكل ما يتعلق بالإدانات الأخلاقية . أما بالنسبة "للخطيئة" فإنه لا يراها فكرة مفيدة . إنه يرى بالطبع أن بعض أشكال السلوك مرغوبة أو مفضلة و بعضها غير مرغوب , لكنه يرى أنه حتى تلك التصرفات غير المرغوبة يجب معاقبتها فقط إذا كان مثل هذا العقاب رادعا أو يؤدي إلى الإصلاح , لا لأن مثل هذا العقاب هو أمر جيد بحد ذاته , أنه من الجيد أن يعاقب "الإنسان الشرير" لمجرد العقاب . هذا الاعتقاد بالعقاب الانتقامي ( العقاب لمجرد العقاب ) هو الذي جعل البشر قادرين على الإيمان بالجحيم ( بالنار ) . و هذا جزء من الضرر الذي أحدثته فكرة "الخطيئة" .
هل يفعل اللاأدري كل ما يريده ؟
بمعنى من المعاني : لا , لكن بمعنى آخر : فإن كل إنسان يفعل ما يريده . خذ المثال التالي : افترض أنك تكره شخصا ما لدرجة أنك تتمنى أن تقتله . لكن لماذا لا تفعل ؟ قد تجيبني : "لأن الدين يعلمني أن القتل خطيئة" . لكن من الناحية الإحصائية , فإن اللا أدري لا يقتل بنسبة أكبر مما يفعله الآخرين , بل إنه غالبا يقتل أقل مما يفعل الآخرون . لدينا جميعا نفس الأسباب كيلا نقتل . أقوى هذه الأسباب هو الخوف من العقاب . في الأوضاع التي لا توجد فيها قوانين , كما في حمى الذهب مثلا , فإن كل الناس يمكن أن يرتكبوا أية جريمة , رغم أنهم يلتزمون بالقوانين في الحالات العادية . لكنها ليست مسألة العقاب القانوني فقط , هناك أيضا الانزعاج الشديد من الاكتشاف المرعب و من الوحدة في أن تكتشف أن عليك أن تضع قناعا كي لا يكرهك الآخرون حتى أمام أقرب المقربين منك . و هناك أيضا ما يمكن أن نسميه "ضميرا" : إذا كنت تفكر بارتكاب جريمة فستحمل عبء الذكرى المرعبة للحظات ضحيتك الأخيرة على قيد الحياة أو منظره كجثة هامدة . صحيح أن كل هذا يتوقف على أن تعيش في مجتمع يلتزم بالقانون لكن هناك الكثير جدا من الأسباب غير الدينية لخلق مثل هذا المجتمع و الحفاظ عليه .
كيف يرى اللاأدري الكتاب المقدس ؟
إنه يراه تماما كما يراه رجال الدين المتنورون . إنه لا يعتقد أنه موحى من الله , بل أنه وثيقة تاريخية أسطورية و ليس أكثر حقيقية من كتابات هوميروس , و هو يرى أن تعاليمه الأخلاقية جيدة أحيانا و سيئة جدا في أحيان أخرى . مثلا أمر صاموئيل شاؤول أثناء إحدى الحروب أن يقتل , ليس فقط كل رجل و امرأة و طفل من الأعداء , بل حتى مواشيهم و حيواناتهم . لكن شاؤول لم يقتل الحيوانات و لذلك يطالبنا الكتاب المقدس أن نلعنه . كما أني لم أقبل يوما لعن إيليشا للأطفال الذين سخروا منه و لا آمنت ( بما يقوله الكتاب المقدس ) بأن الإله الطيب سيرسل اثنان من الدببة لقتل أولئك الأطفال .
هل يؤمن اللاأدري بحياة بعد الموت , بالجنة و النار ؟
مسألة ما إذا كنا سنعيش بعد الموت تحتاج إلى دليل . يعتقد كثيرون أن الروحانية و البحث النفسي يقدمان هذا الدليل . لكن اللاأدري لن ينظر في مسألة الحياة بعد الموت بجدية إلا إذا تأكد من وجود مثل هذا الدليل بالفعل . بالنسبة لي , لا أعتقد أن هناك أدلة للاعتقاد بأننا سنعيش بعد الموت لكني مستعد للإيمان بعكس ذلك إذا توفر مثل هذا الدليل . أما الجنة و النار فهي قضية أخرى . الإيمان بوجود النار يرتبط بالاعتقاد بأن العقاب لمجرد العقاب هو أمر جيد بحد ذاته دون أن يكون له أي أهداف للردع أو الإصلاح . لا يؤمن اللاأدري بذلك . أما بالنسبة للجنة فقد تقدم لنا الروحانية ذات يوم دليلا على وجودها لكن معظم اللاأدريين لا يعتقدون بوجود هذا الدليل اليوم و لذلك فإنهم لا يعتقدون بوجودها .
ألا تخشى عقاب الله لك لعدم إيمانك به ؟
كلا . أنا أيضا أنكر وجود زيوس و جوبيتر و أودين و براهما , لكن هذا لا يسبب لي أي شعور بالذنب أو تأنيب ضمير . لاحظت أن قسما كبيرا من البشر لا يؤمنون بأي إله دون أن يتعرضوا لأية مشاكل بسبب ذلك . و إذا تصادف و وجد إله بالفعل فإني أعتقد أن الاحتمال الأكبر أنه لن يكون مغرورا بحيث أنه سيشعر بالغضب من أولئك الذين يشكون بوجوده .
كيف يشرح اللاأدريون جمال و انسجام الطبيعة ؟
إني لا أفهم أين يفترض أن يوجد ذلك "الجمال" و "الانسجام" . في المملكة الحيوانية تفترس الحيوانات بعضها البعض دون أي رحمة و يموت معظمها بكل وحشية على يد حيوانات أخرى أو تموت جوعا ببطء . بالنسبة لي لا يمكنني أن أرى أي جمال أو انسجام في الدودة الشريطية ( دودة ممرضة تعيش في أمعاء البشر و الحيوانات – المترجم ) . لا يمكن القول أن هذا الكائن قد خلق كعقاب لنا على خطايانا لأنه أكثر انتشارا بين الحيوانات منه بين البشر . أعتقد أن السائل ربما يقصد جمال النجوم في السماء . لكن على المرء أن يتذكر أن هذه النجوم تنفجر دائما و أنها في كل مرة تنفجر فيها تحول كل شيء حولها إلى سديم أو ضباب . لذلك فإن الجمال في كل الحالات هو فكرة ذاتية و يوجد أساسا في عين من يؤمن به .
كيف يفسر اللاأدريون المعجزات و التجليات الأخرى لجبروت الله ؟
لا يعتقد اللاأدريون بوجود أية أدلة على "معجزات" وقعت بشكل مخالف للقانون الطبيعي . نعرف جيدا أن شفاء البعض بواسطة "الإيمان" موجود و أنه ليس "إعجازيا" بأي حال من الأحوال . في لورديس ( بلدة فرنسية صغيرة يقصدها الحجاج طلبا للشفاء , هي ثالث مقصد للحج الديني الكاثوليكي بعد القدس و روما – المترجم ) يمكن شفاء بعض الأمراض فقط لا جميعها . و تلك التي يمكن شفاؤها في لورديس يمكن أن يشفيها أيضا أي طبيب يؤمن به ذلك المريض . أما بالنسبة لبقية المعجزات مثل أمر جوشوا للشمس بأن تبقى ثابتة في السماء فإن اللاأدري يعتبرها مجرد أساطير و يشير إلى أن كل الأديان تمتلئ بمثل هذه الأساطير . هناك معجزات تثبت ألوهية آلهة الإغريق القديمة في كتابات هوميروس لا تقل عن تلك التي تثبت ألوهية الإله المسيحي في الإنجيل .
هناك دوافع متوحشة و همجية , تعارضها الأديان . إذا تخليت عن المبادئ الدينية , كيف يمكن للبشرية أن تستمر ؟
لا ينكر أحد وجود الدوافع المتوحشة و الهمجية , لكني لا أجد أي دليل في التاريخ على أن الأديان قد عارضت هذه الدوافع . على العكس تماما , فقد قدستها و سمحت للبشر أن يطلقوا لها العنان دون أي إحساس بالذنب أو تأنيب الضمير . كان الاضطهاد الوحشي أكثر انتشارا في الفترة المسيحية من غيرها . يبدو أن ما يبرر الاضطهاد هو الإيمان الدوغمائي . تتعزز الطيبة و تقبل الآخر كلما تراجع الإيمان الدوغمائي . في أيامنا ظهر دين دوغمائي جديد , هو الشيوعية . هذه الدوغمائية هي ما يعارضه اللاأدري . نزوع الشيوعية المعاصرة لملاحقة خصومها أو منتقديها يشبه تماما نزوع المسيحية لممارسة نفس الاضطهاد في القرون الأولى . تراجعت اليوم نزعة ملاحقة الخصوم في المسيحية أساسا بسبب كفاح المفكرين الأحرار الذين تمكنوا من جعل الدوغمائيين أنفسهم أقل دوغمائية . لو أنهم بقوا دوغمائيين كما كانوا من قبل لوجدتهم يعتقدون أن إحراق الهراطقة أمر جيد . روح تقبل الآخر التي يعتبرها بعض المسيحيين المعاصرين من خصائص المسيحية ليست في الواقع إلا نتاج المناخ الذي يقبل بالشك و الذي يشك في كل اليقينيات القطعية . أعتقد أن كل من سيدرس التاريخ بطريقة غير متحيزة سيصل إلى الاستنتاج أن الدين أنتج من المعاناة و الآلام أكثر بكثير مما منعه .
ما هو معنى الحياة بالنسبة للاأدري ؟
أشعر بالرغبة بأن أجيب بسؤال آخر : و ما هو معنى الحياة ؟ أفترض أن هذا يعني أنه للحياة هدف عام ما . إذا كان الأمر كذلك فإني لا أعتقد أن للحياة مثل ذلك الهدف . هكذا هي الحياة . لكن الأفراد قد يملكون أهدافا , و لا يوجد في اللاأدرية ما يدفعهم للتخلي عن أهدافهم . بالطبع لا يمكنهم أن يكونوا واثقين من تحقيق النتائج التي يسعون إليها , لكنك قد ترى أنه من غير الصحيح ألا يقاتل الجندي إذا لم يكن متأكدا من النصر . الشخص الذي يحتاج الدين لكي يناضل لتحقيق أهدافه هو شخص جبان , أنا أراه أقل شأنا من شخص يجرب حظه بينما يعترف أنه من الممكن جدا أن يهزم .
ألأ يعني إنكار الدين إنكار الزواج و العفة ؟
هنا أيضا سأجيب بسؤال آخر : هل يعتقد السائل أن الزواج و العفة ضروريتين للسعادة الأرضية في هذا العالم أم أنه يعتقد أنها تسبب لنا الكثير من البؤس هنا على الأرض لكنها مع ذلك ضرورية لبلوغ الجنة ؟ الشخص الذي يقول بالرأي الثاني لن يعتقد أن اللاأدرية ستقود إلى انحطاط ما يسميه هو بالعفة , بل إنه يعترف أن ما يسميه هو بالعفة ليس وسيلة لتحقيق السعادة للجنس البشري هنا على الأرض . أما إذا كان من أصحاب الفكرة الأولى , أي أنه يعتقد بوجود أدلة تثبت ضرورة الزواج و العفة , فيفترض أن تكون هذه الأدلة مقنعة أيضا لللاأدري . ليس للاأدريين آراء خاصة عن الأخلاق الجنسية . لكن قد يقر معظمهم بأن هناك أدلة قوية ضد إشباع الغرائز الجنسية بشكل مفرط . لكنهم يستمدون هذه الأدلة من مصادر دنيوية و ليس من الأوامر الإلهية المزعومة .
أليس الإيمان بالعقل أمر خطير ؟ أليس العقل قاصر و غير كاف بدون النزعة الروحانية و القانون الأخلاقي ؟
لا يوجد شخص عاقل , و لا أي لاأدري , "يؤمن بالعقل وحده" . يتعلق العقل بالحقائق , التي يراقب بعضها و يتأمل في بعضها الآخر . السؤال عما إذا كانت هناك حياة بعد الموت أو عما إذا كان هناك إله هي أشياء تتعلق بهذه الحقائق , و لذلك يرى اللأدري أنه يجب مقاربتها بنفس الطريقة التي نحاول فيها الإجابة على سؤال "ما إذا كان سيكون هناك خسوف للقمر غدا" مثلا . لكن دراسة الحقائق وحدها لا تكفي لتحديد ردودنا أو أفعالنا , لأنها لا تحدد لنا الأهداف التي علينا أن نسعى لتحقيقها . للبحث عن أهدافنا نحتاج إلى شيء آخر غير العقل . يبحث اللاأدري عن هذه الأهداف في قلبه ( في داخله ) لا في أية أوامر تأتيه من الخارج . إليكم هذا المثال : لنفترض أنك تريد أن تسافر بالقطار من نيويورك إلى شيكاغو , ستستخدم العقل أو المنطق لتعرف جدول حركة القطارات أما الشخص الذي يعتقد أنه يمتلك قدرة أو مهارة خاصة تجعله يستغني عن قراءة جدول حركة القطارات فإنه سيعتبر شخصا غبيا . لكن أي جدول قطارات لن يتخذ عنك قرارا ذكيا , سيكون عليك أن تتأمل في عوامل أخرى واقعية لتصل لمثل ذلك القرار , وراء تلك العوامل أو الحقائق ستوجد أهداف نعتقد أنه علينا أن نسعى إليها , و هذه الأهداف , لا تنتمي فقط لعالم العقل رغم أنها يجب ألا تتعارض معه . العالم الذي أقصده هو عالم العواطف و المشاعر و الرغبات .
هل تعتبر أن كل الأديان هي أشكال من الدوغما أو الخرافة ؟ و أي من الأديان القائمة تحترمه أكثر من غيره و لماذا ؟
كل الأديان المنظمة الكبرى التي سيطرت على أعداد كبيرة من الناس تحتوي على قدر ما من الدوغما , لكن "الدين" كلمة ليس لها معنى واضح و دقيق . الكونفوشوسية مثلا قد تسمى دينا رغم أنها لا تشتمل على أي دوغما . و بعض أشكال المسيحية الليبرالية تراجعت فيها الدوغما لأقل حد ممكن . من بين الأديان التاريخية الكبرى أفضل البوذية , خاصة أشكالها الأولى , لأنها كانت أقل الأديان التي لاحقت أو طاردت خصومها .
هل يعتقد اللاأدريون أنه لا يمكن التوفيق بين العلم و الدين ؟
يعتمد الجواب على ما نعنيه "بالدين" هنا . إذا كنا نعني منظومة أخلاقية فمن الممكن أن نوفق بينها و بين العلم . أما إذا كانت تعني منظومة دوغمائية ( عقائد جامدة ) يجب أن تعتبر صحيحة دون أي نقاش فإن هذا لا يتوافق مع الروح العلمية التي ترفض قبول أي شيء دون براهين أو أدلة , و التي تعتقد أن الوصول إلى اليقين التام أمر غير ممكن .
أي دليل يمكن أن يقنعك بوجود الله ؟
أظن أني إذا سمعت صوتا في السماء يخبرني بكل ما سيحدث لي في الساعات الأربع و العشرين القادمة خاصة تلك الأشياء غير المتوقعة , و إذا وقعت تلك الأحداث فعلا , فإني قد أبدأ بالاقتناع على الأٌقل بوجود ذكاء ما فوق إنساني . يمكنني أن أتخيل أدلة أخرى مشابهة , لكن حسب علمي , لا توجد مثل هذه الأدلة حتى اليوم .
نقلا عن
http://scepsis.net/eng/articles/id_5.php
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟