صالح حمّاية
الحوار المتمدن-العدد: 5281 - 2016 / 9 / 10 - 23:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وحين نتحدث عن كون القطيعة مع اللغة العربية تعني عدى مكافحة الإرهاب ؛ أنها الحل للقضاء على التخلف من أجل الذهاب نحو النهضة الحقيقية ، القائمة على إرساء مبادئ الدولة الوطنية الحديثة ، فهذا كذلك أمر يمكن التدليل عليه بأدلة ملموسة ، وهنا فلنأخذ على سبيل المثال الدراسة التي نشرتها اليونيسكو حول واقع الترجمة بالنسبة للغة العربية ، فكما تقول اليونيسكو " ما ترجم إلى اللغة العربية، منذ عصر المأمون سنة 813 م إلى اليوم، لم يتجاوز العشرة آلاف كتاب، وهو عدد يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة فقط. وما تترجمه الدول العربية مجتمعة في السنة الواحدة لا يعادل خمس ما تترجمه اليونان وحدها في العام. و يبلغ متوسط ما يترجمه العالم العربي على مدى خمس سنوات هو 4,4 كتاب مترجم لكل مليون مواطن عربي، بينما متوسط الترجمة في هنغاريا مثلا فيصل إلى 519 كتاب مترجم لكل مليون مواطن هنغاري في نفس الفترة." ( موقع ساسة بوست 27 يونيو,2016 ) وهذا عدى طبعا الفقر في الإنتاج المحلي الميت بسبب هذه اللغة الميتة حيث مثلا "عدد البحوث المنشورة لكل مليون نسمة في البلاد العربية لا تتعدى 80 بحثاً في 2013، بينما تصل في إسرائيل إلى 1650 تقريباً." ( دراسة "البحوث العربية 2010-2014 و مقارنة مع دول الجوار " لــ د موزة بنت محمد الريان ) ومن هذا المنظور لهذا التخلف المزري في واقع الترجمة و النشر العلمي ، فما نصبح أمامه هو أننا أمام لغة مشلولة تماما ، بل أمام لغة قاتله ، فالفرد النطاق بالعربية فقط ، هو فرد محروم من 99% من الناتج المعرفي الإنساني ، هذا عدى أن الواحد بالمائة المتبقي له من المعارف باللغة العربية ، جله موبوء بالإرهاب و التطرف و الشر ، فالكتب المطبوعة باللغة العربية أغلبها كتب دينية أو شبه دينية ، و طبعا الكارثة المضافة لهذا أنها كتب محرضة على الإرهاب و التطرف ، ما يجعلنا نقول أن اللغة العربية هي في الواقع قيد للإنسان الباحث عن المعرفة ، و أنها فخ للمجتمع المتكلم بها ، لأنها لغة تعزله عن العالم المعاصر ، بل وعن كل ما هو مفيد ، ومن هذا المنظور فاللغة العربية لن تكون مطلقا بابا للتطور و النهضة ، وكل أمة ستحاول إستغلال اللغة العربية للنهوض سينتهي بها الحال لكارثة ، ولدينا سوريا و الجزائر كنموذجين ، فالبلدان سعيا لتعريب العلوم و المعارف و المناهج الدراسية ، وهو ما أنتهى بالبلديين إلى خراب لا يمكن تخيله ، و عموما فيبقى هذا الأمر أمرا مفهوما لأنه و إذا رجعنا لقصة الترجمة في عصر المأمون ، و التي يفتخر بها دعاة العربية، فما نجده أن تلك كانت فترة شاذة في تاريخ المسلمين ، و لليوم لا يزال الفقهاء يلعنون ما جرى من ترجمات، لأنها بحسبهم أدخلت للإسلام أفكارا هدامة ، وهي الأفكار الفلسفية ، فيما ما كان مفروضا على المسلم، هو أن يبقى حبيس كتب الدين فقط ، أو كما صاغها الشافعي في بيتين من الشعر (كل العلوم سوى القرآن مشغلة إلا الحديث وإلا الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا وما سوى ذاك وسواس الشياطين.) وعليه اليوم فأي دولة تريد أن تتطور وتتقدم ، فالأحرى بها ليس فقط تدريس اللغات الأجنبية الحية ، والتي تتيح للإنسان الإطلاع على العالم الخارجي ، والتي تفتح له الأبواب على البحوث و الدراسات و كل ما هو جديد من المنشورات الأدبية و العلمية ، بل و أن تكافح اللغة العربية كذلك ، فمما يغيب على الكثير من الباحثين اليوم ، هو أن سبب التطرف و الإرهاب و إنتشار الأصولية في بلادنا راجع كله لغياب أي كتب تتكلم عن الفكر الآخر ، فكم هو عدد الكتب التي تشيد بالحريات و بالتسامح وبحقوق الإنسان في اللغة العربية ، مقابل الكتب التي تروج للعنف و الإرهاب و خزعبلات عذاب القبر و ناكر ونكير ؟، و شخصيا أجدني وفي هذه النقطة ؛ متعاطفا مع الفرد العربي الذي نتهمه بشدة بأنه فرد لا يقرأ ، فالواقع و ماذا سيقرأ أساسا و هو محروم من الكتب المفيدة و المهمة ، فأي كتاب يفتحه ، إلا ووجده مليء بالإرهاب و التحريض على العنف و الكراهية ، وفي أحسن الأحوال سيكون كتاب عن الخرافات و الدجل و الشعوذة ، وعليه فشخصيا أرجح أن يكون سبب العزوف عن القراءة في المجتمع المدعو عربي ، راجع و بشدة للأهوال التي تحويها الكتب المكتوبة بالعربية ، فالناس و لكي ترتاح من ذلك الصداع المزمن التي تسببه تلك الكتب ، فهي قد أهملت القراءة أساسا لأنها لا تفيد بشيء ، أما القلة القليلة الباقية من الكتب طبعا ، فهي وكما نعلم ممنوعة ومحاربة ولا يمكن الحصول عليها ، و أي جولة في معارض الكتاب التي تقام في بلداننا تكشف لك هذا ، ففيما تحضا كتب الإرهاب و التطرف بمساحات مهولة لعرضها، وبل يصل الأمر إلى حتى ترويجها بأثمان مخفضة رغم نوعية الطبع الفارخة التي طبعت بها ، فالكتب الأخرى أساسا ممنوعة من الدخول ، وعليه فبالنسبة لكل إنسان يعتقد أنه يجب أن يكون هناك نهضة و حداثة وتطور ، فطريق النهضة واضح ، وهو أنه لا يكون ، ولن يكون باللغة العربية ، بل هو على العكس من هذا ، لن يكون إلا بالقضاء على هذه اللغة ، لأن تلك اللغة هي احد أعمدة التخلف الأساسية التي يعاني منها الشرق الأوسط ، و للتأكد من هذا الأمر ، فلا أسهل من استطلاع رأي الأصولية الإسلامية و جماعات الإرهاب و التطرف حول رأيهم في مسألة اللغة العربية ، فمعلوم أن هؤلاء جميعا لن يدعموا أي شيء يحسنن من حال المجتمع و الوطن نحو الأفضل ، ونحن نعلم ان هؤلاء جميعا مؤيدون للغة العربية ، ومؤيدون بشدة لفرضها على الناس ، و عليه فواضح جدا أن هذه اللغة لن تخدم من يتوسل النهضة ، وعموما ليس من الصعب على الإنسان فهم السبب الذي يجعل الأصولية الدينية تنادي بالعربية وترفض أي لغة أخرى ، فاللغات الأخرى لغات حرة ، و لغات تفتح للإنسان الأبواب مشرعة له للنهل من جميع الثقافات العالمية ، وتمده بالأفكار والتصورات الجديدة و العالمية ، بينما حجز الإنسان في سجن اللغة العربية ، فسيجعله حبيس الموروث الديني الأصولي و الإرهابي ، و الذي لن ينتج سوى فرد مؤيد للأصولية ، ومنه فالأصولية الدينية بالبداهة مع الحفاظ على اللغة العربية و تعميمها ، في المقابل يعتبر تحجيم دور اللغة العربية تحجيم لقوة تلك التيارات ، و تحجيم لنفوذها ، ومن هنا نحن نجد أن جميع التيارات الأصولية و الإرهابية ترفض رفضا قاطعا أي مساس باللغة العربية ، وهذا لأنهم يدركون أن المس بتلك اللغة ، هو ضرب مباشر للقنوات التي يتسللون منها لعقل المواطن ، و اليوم ولو نرجع للمعارك الدائر حول العربية و التدريس باللغات الأجنبية في الكثير من البلاد، فنحن نجد أن الأصولية الدينية هي من تقف وراءها ، فمثلا تعتبر جماعة الإخوان المسلمين ، و جمعية العلماء المسلمين في الجزائر اليوم هي المحرض الأول ضد سياسات الإصلاح في المدرسة الجزائرية ، و التي تهدف إلى إستبدال دراسة العلوم في الجزائر ، من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية ، حيث حاليا تقوم هذه الجماعات بحرب معلنة تستخدم فيها كل الوسائل ، المشروعة وغير المشروعة على غرار فضيحة تسريبات الباكالوريا ، لإفشال هذا المسعى ، وكذلك الأمر يمكن قوله على بلدان الخليج ، حيث يحذر الأصوليون مرارا هناك، من أن الإنفتاح في الخليج على العمالة الأجنبية ، وعلى التدريس باللغات الأجنبية و المناخ الاقتصادي المزدهر الذي أدى لولوج الكثير من الخبرات الأجنبية التي تستخدم لغات غير اللغة العربية ، قد أدى للإضرار باللغة العربية ، و أنه يجب أن يعالج هذا الأمر و إلا سينتهي إلى كارثة ، وطبعا مفهوم الكارثة بالنسبة للأصولي دائما هو أن يتطور المجتمع ، ويزداد إنفتاحا وتقدم ، لأن المشروع النقيض الذي يحمله هؤلاء للمجتمع و الدولة ، هو مشروع الشمولية الدينية و الظلامية ، و الخراب على غرار ما يجري في داعش وغيرها .
وعلى هذا فنحن نصل إلى نتيجة حتمية مفادها أن لا مكافحة للإرهاب ، و لا حل لمعضلة التخلف ، و لا حل لمشكل تفشي الجهل و الفشل في المجال العلمي و المعرفي ، و لا نهضة و لا تطور ولا إزدهار سوى بالتخلي عن اللغة العربية كلغة تستعمل في الدراسة والتعليم و المجتمع ، لأن المؤكد أن بقاء هذه اللغة مسيطرة على واقع الفرد و المجتمع ، لن ينتهي سوى بالخراب و الدمار عليهما معا ، و الشواهد على هذا وكما نقلنا كثيرة ، ويبقى فقط أن نتعظ .
(رابط الجزء الأول من المقال .) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=530788
#صالح_حمّاية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.