صالح حمّاية
الحوار المتمدن-العدد: 5248 - 2016 / 8 / 8 - 11:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كثير هو الكلام الذي نسمعه عن قضية التحرش الجنسي في البلاد الإسلامية ، فالإعلام تقريبا هناك لا يكف عن الحديث عن هذه الظاهرة التي تحولت إلى صداع مزمن لتلك المجتمعات؛ وكثيرة طبعا هي الخطوات التي تتخذ في هذا الشأن ، و ليس أخرها قيام تونس مثلا بسن قانون لتجريم التحرش ، و قبلها فعلت الجزائر و المغرب ، وهو أمر رأت فيه الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة وكثير من الناس خطوة جيدة نحو حماية المرأة ، ولكن لنحاول التفكير في هذه القضية بأبعد من الأسلوب القمعي الردعي الذي اعتدنا عليه في المجتمعات الإسلامية ، و لنرى الأمر بزاوية أخرى تحاول فهم الإشكالية من الجذور ، وليس فقط سن قوانين بدون دراسة لحقيقة المشكلة وهي: لماذا يوجد أساسا تحرش في المجتمعات الإسلامية ، وبتلك الصورة الكارثية ، فما الذي يدفع ( و نحن هنا لا نتحدث عن شاب أو اثنين أو عشرة ، بل عن ألوف الشباب الذي كثير منهم مهذبون و خلوقون ) للتحرش ؟ ، فما الفرق بين شبابنا وشباب المجتمعات الأخرى التي لا تعاني من الظاهرة مثلا ؟
بالنسبة لهذا السؤال وإذا خرجنا عن الأجوبة النمطية التي اعتاد مجتمعنا على تقدميها لتمييع المسألة، كقضية انه غياب الزواج و انه لباس الفتيات، و أنه فتور الوازع الديني الخ التي كلها تبت أنها مجرد اغاليط يتم ترويجها لأهداف أيدلوجية محضة ، فما نجده في الحقيقة كجواب ، هو أن المجتمع المسلم هو الذي يفرز التحرش كحتمية لا مناص عنها للعلاقة بين الشباب و الشابات بسبب القيم التي يسير عليها ، فالمجتمع المسلم وفي ظل سلة القيم التي يؤمن بها و يسير عليها ، تؤدي إلى أن يكون هناك تحرش بالضرورة كإفراز لتلك الحالة المسيطرة في أرض الواقع ، و لشرح هذه الفكرة بطريقة أبسط ، لنسأل أنفسنا السؤال التالي : هل هناك أي سبيل تعلمونه للتواصل بين الذكور و الإناث في المجتمع المسلم للقيام سواء بعلاقة غرامية أو جنسية أو حتى صداقة عادية بدون أن يكون هناك حالة تحرش أو ما يشبه حالة التحرش ؟ فهل مثلا يمكن للشاب الذي يريد أن يصادق فتاة أن يتقدم لها للتعرف عليها ، ويحاورها بأسلوب مهذب بدون أن يجد رفضا وصدا في الغالب الأعم، بل و غالبا سيعتبر سلوكه كسلوك متحرشين ؟ و الجواب طبعا وكما نعرف جميعا هو لا ، فلا يوجد في الواقع أي سبيل للعلاقات الطبيعية بين الذكور والإناث في المجتمع المسلم ، لان العلاقات تلك أساسا محرمة ، و في ظل كونها محرمة ، فكل محاولة نحوها معدومة ، وطبعا وبما أن الشباب مضطر اضطرار بفعل الغريزة للتواصل مع الأنثى فهو ولا شك سيذهب مباشرة للتحرش ، وهنا كي لا نسارع بالإدانة مباشرة للشباب الذين يجبرون على هذا الخيار ، واعتبار سلوكهم سلوك نابع من رغبة في التحرش، وليس أنه حالة دفع من المجتمع نحو التحرش فالسؤال هو : و هل تم توفير أي مسار طبيعي للتواصل بين الشباب و البنات لكي لا يتحرشوا ؟ فهل مثلا هناك أماكن للتعارف ، أو جو مجتمعي منفتح يشجع على التعارف ؟ و الجواب طبعا هو مطلقا ، فالمجتمع لا يتيح سوى طريق واحد للعلاقات وهو مؤسسة الزواج البائسة والمتخلفة ، والتي نعرف الظروف الكارثية التي انتهت إليها ، وما عدى ذلك فليس هناك سوى التحرش ، وطبعا هنا ليحاول كل فرد يفهم هذه النقطة الحساسة أن يتخيل المثال بشاب مهذب وخلوق أراد أن يتعرف على فتاة باحترام في المجتمع المسلم ، فهل يقدر هذا الشاب مثلا ، أن يفعل هذا بدون بعض التحرش ؟ ، فهل هو لو حاول قصد البنت مباشرة والحديث معها سيمكنه هذا ، أم غالبا ستشبعه الفتاة سبابا على قلة أدبه وحديثه في تلك الأمور ( وتمسحه به بلاط الأرض كما يقول المصري ) و عليه وفي هكذا مناخ فلن يبقى للشاب إلا ان يتحايل كالبقية ويجد طريقة للحصول على رقمها و البدأ بإزعاجها عله يستطيع اختراق جدار المنع الذي يفرضه المجتمع ، أو أن يطاردها في الشعر ليستميلها كما حال البقية ، وهو ما يضعنا أمام حالة تحرش حتمية هي نتاج طبيعي للمجتمع المسيطر ، وليس البنت المعذورة لأنها من الضروري أن ترفض الكلام مع الشباب لان أهلها والمجتمع سيدينونها اذا فعلت ، وليس كذلك طبعا ذنب الشاب الذي يريد ان يعيش كإنسان و يلتقي بنصفه الأخر ، فهذه هي سنة الحياة ، وكما نرى هنا فحين نعود لقصة أسباب التحرش و مسألة سن قوانين رادعة لمنع المتحرشين من التحرش ، فالواقع أننا نقوم بكارثة ، بل وجريمة بحق الشباب و البنات ، لأنه إذا كان المجتمع لا يبقي سوى على التحرش كسبيل للتواصل بين الأنثى و الذكر ، ثم نقمع هذا السبيل الملتوي فنحن نفجر المجتمع و لا نحل المشكلة بل نحن نفاقمها ، لأنه بهذا المنظور إذا كان قمع العلاقات الطبيعية افرز التحرش ، فقمع التحرش سيفرز وبلا شك عقلية الاغتصاب ، واضن أن بوادر هذا يمكن ملاحظتها في المجتمع المصري بصورة واضحة ، فحاليا في مصر تقريبا اختفى ما يسمى بالتحرش مجازا من الشوارع ( ما اقصده .. كلام من الشاب للبنت ، ومعاكسات و بعض ربما حتى مد اليد ) ولكننا دخلنا في حالة قلع الملابس في الشارع من مجاميع مسعورة كأنهم ينتقمون من الأنثى ولا يعاكسونها حتى ، والتي ضحيتها غالبا ينتهي بها الحال إلى المستشفى على غرار ست البنات التي زارها السيسي شخصيا لتعزيتها .
الشيء الثاني ، انه من المتوقع إذا تم التشديد في قوانين التحرش في ظل غياب البديل السليم و الفعال ، أن هذا سيخلق حالة من العداء من الذكور للإناث ، فما معنى أن تعطي الحرية للبنت لكي تسير في الشارع تم تمنع الشباب من التواصل معها ؟ ، وطبعا و في ظل هكذا وضع فأنت تخلق في دواعش حاقدين على المرأة بالبديهة ، و هذا بالمناسبة هو ما يشرح هوس الإسلاميين بتحجيب المرأة و دفنها في البيت حاليا ، لانه ببساطة إذا كان للمرأة أن تخرج و تكون حرة فيجب ان يكون هناك حرية جنسية ترافق هذا الأمر ، لكي يكون هناك اخذ ورد بين الذكر والأنثى ، ولكن ان تخرج الأنثى ثم تمنع الذكر من التواصل معها ، فهذا اعتداء عليه ، ولنكون أكثر دقة فهو عملية استفزاز ، ففي النهاية هو إنسان وله رغبات ، كما طبعا للفتاة رغبات ، والمغزى هنا ليس أن نحمل طرفا ما المسؤولية ، ولكن الفكرة هي أنه السياق السليم الذي على المجتمع أن يسير به ، وطبعا لا حل لهذه المشكلة سوى الحرية الجنسية وحرية العلاقات ، لأنه مادامت الأنثى إنسان كامل متكامل لا يمكن قمعه ومنعه و حجبه ، فيجب أن تخرج المرأة ، و مادام خروجها يستلزم العلاقات الطبيعية بينها وبين الرجل ، فيجب السماح بهذا الأمر بالضرورة ، وهو عموما حال المجتمع المتوازن ، فالمرأة التي لها الحرية في العلاقات الغرامية ليست أداة جنسية كما يتم التصوير من بعض الإطراف للحفاظ على حالة القمع هذه ، بل على العكس هي إنسان مثلها مثل كل الناس ، وفي ظل مناخ الحرية فالأنثى نفسها سترتاح من طوابير المتحرشين ، وسيكون من يتقدم لها بلا شك إنسان مهذب وراقي في كلامه ، وهي من ستختار حينها من يعجبها ، وهذا الأمر مفيد اولا للشباب والشابات لكي يتعودوا على الجنس الأخر ، ومفيد كذلك للأزواج لان الزواج التقليدي الان أصبح ينتهي الى حالة عبودية للفتاة، لان الفتى لا يعرفها بل تزوجها فقط لتكون خادمة ، بينما حرية العلاقات ستتيح للأنثى الحرية لتختار الراجل المناسب ، الذي سيكون الزوج العطوف و الحبيب الخ .
وكما نرى من هذا التحليل فمشكلة التحرش إذن ليست مشكلة انعدام أخلاق عند الشاب ، ولا مشكلة غياب قوانين رادعة ( قوانين هي مطلوبة عموما ولكن في سياق مجتمعي سليم ) ولكنها مشكلة مجتمع يصنع المتحرشين بالضرورة ، فقيمه المعادية للحب والغرام والعلاقات بين الذكر والأنثى هي التي تخلق التحرش ، وحال أن تزول تلك القيم وتتلاشى فسوف نجد عودة للرومانسية وعودة للحب ، وعودة لأجواء البهجة الفرح كما هي كل العالم ، حيث الشباب والبنات يعيشون سعداء بدون خزعبلات المتطرفين عن الشرف و العفة وباقي الأمور الكارثيه التي دمرت المجتمع المسلم .
#صالح_حمّاية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟