|
الدّينُ والعقلُ
ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 5279 - 2016 / 9 / 8 - 10:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لجميع الديانات في العالم دساتيرٌ بمسمّياتٍ مختلفة ، تدعو جميعُها إلى صالح الأعمال والخير ، قطعاً ، سواء كانت للحياة الدنيوية أو الأخروية . وقد إتبعت هذه الديانات في دعوتها أساليب مختلفة في التشويق والتحريض ، أوالترهيب من سوء العاقبة إذا خالف الفرد بنود دستور الدين . بتنوّع الأديان وتعاقب الدهور والمجتمعات والأجيال ، وتوارث كل جيل عن ما قبله ديانتهم ودساتيرها ، فقد أصبحت بنود تلك الدساتير بمثابة قوانين تنظم حياة الطائفة المؤمنة بها ، ليس من الناحية الروحية فحسب بل من النواحي الإجتماعية والنفسية ، حتى باتت مرجعاً لهم في جميع مناحي حياتهم . لم تبقَ الديانات الوسيلة التي تربط الفرد بخالقه ؛ يتعبّد بالصلاة والصوم والدعاء ليتقرّب إليه وينال رضاه ويحصل على حياة ثانية في جناته ، وينعم بنِعَمها ، بل جاءت بعض الأديان ببعض الفروض التي تتطلّب بالإضافة إلى الجهد البدني تكاليف أخرى ، منها تسديد بعض الأموال إلى جهات معيّنة كجزءٍ من الواجبات الدينية ، أو زيارة بعض الأماكن المقدّسة ، وتحمل تكاليف السفر وما إليها . هكذا أصبح الدين مجموعة من الفروض على الفرد ، لا يكتمل إيفاؤها إلاّ بإتباعها . وقد تواترت على الدول حكومات إختلف المسؤولون فيها في مدى إلتزامهم بالدين ، ومن موقع السلطة والإقتدار صدرت في كثير من الدول قوانين وضعية من مشيئة حكامها تفرض أحكاماً إضافية بل وأحياناً أحكاماً مخالفة للدين الذي يعتنقه بعض مواطني ذلك البلد ، فلم يكتفِ الحكام بفرض الصيام على الناس ، قسراً ، وجعل المخالف عرضة للعقوبات الدنيوية لمخالفته لقانون الحاكم ، وليس لفروض الدين التي يكون حسابها في الآخرة ، بل أن بعض الحكام يصدرون أحكامهم أن تكون رعيتهم جميعها على دينه ومذهبه هو ، وإلاّ يحال المخالف إلى المحاكم وينال عقوبة الجلد أو السجن أو تفرض عليه أتاوة تحت تسمية الجزية أو ما شابه . ما كان تبنّي حكام الدول لأي دين دليلاً على حرصهم على ذلك الدين ودستوره ، والعمل على حسن تطبيق مبادئه ، وإلاّ لما كان عملهم يؤدي إلى تردّي أوضاع الناس الإنسانية والإجتماعية والإقتصادية ، ولما تفشّى الظلم والفساد ، ما دمنا نعرف أن دساتير جميع الأديان تدعو إلى الصلاح . لقد كان دأب جميع الحكام ، إبتداءً من الذين إدعو بالحق الإلهي قبل آلاف السنين ، أو الذين تحالفوا مع المراجع الدينية العليا التي كانت تنصرهم وتدعمهم بالفتاوى والتوجيهات المغلّفة بما يوحي روحانيتها ، كل أولئك الحكام ، وهؤلاء الحاكمون اليوم ، إنما تمسكوا بالدين زوراً من أجل مصالحهم الدنيوية الضيّقة وضمان البقاء في الحكم . تولّدت بمرور الأزمان ، وتدخّل الحكام في شؤون الدين ، طبقة إجتماعية تتزلّف إلى الحكام وتفسّر بنود دستور الدين بما يتلاءم مع متطلباتهم ، دون مراعاة للمبادئ الأساسية لذلك الدين ، وعدم توافق تفسيراتهم مع المنطق العقلي . إن الإيمان بمبادئ أي دين يجب أن يكون على أساس القناعة الفكرية والعقلية ، إذ لا يصحّ إيمان أي فرد بتلك المبادئ إن هو لم يتفحصّها بعقله ، ويقتنع بها ، فكراً وقلباً ، وإنّما أصبح يطبقها لأنه توارثها من الذين قبله ، وإلاّ أصبح مثل هذا التديّن إفساداً للدين والعقل في آن . وبقصد " الحفاظ على الدين " إبتدع البعض من " رجال الدين " بدعة ، لا يمكن وصفها ، إلاّ أنها بدعة مخالفة للعقل والمنطق التحليلي والتاريخي لحياة البشر . هذه البدعة التي قُدّمت تحت يافطة الحفاظ على الدين ، لم تأت إلاّ لتحقيق أغراض آنية في حينها ، ولكنها ذهبت ، مع الأسف في مسارها حتى وصلتنا في هذا الزمن ، وما زال البعض يتبعونها دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء التفكير المنطقي العقلي بعدم توافقها أصلاً مع مبادئ ذلك الدين . بدعة رجال الدين " إعتبار دينهم ديناً مغلقاً ، غير تبشيري ، وأن ليس من مهام أحد أن يعمل على إقناع غيره ليكسبه إلى هذا الدين " . من هذا المنطلق يخلصون إلى بيت القصيد " لا يجوز لأي فرد يعتنق هذا الدين أن يقترن بالزواج من فرد آخر من دين آخر" ، ولذلك يتوارث الفرد دينه من والديه أو أحد هما ، في بعض الأديان . إن أردنا أن نناقش هذا الموضوع ، الجدلي ، من بداية الخليقة ، فنقول أن الخالق قد خلق النبي آدم وحدد له ديناً معيناً ، ثم خلق بعد آدم إمرأة " هي حواء " وربما جعل دينها نفس دين آدم ، وبالتالي فإن البشرية كلها من نسل آدم وحواء ، و لا يكون أحدٌ من دين آخر حتى يُبشّره بدين جديد ، ففي هذه الحالة تنتفي حالة التبشير بمعنى كسب شخص آخر من دين آخر إلى دين معيّن ، وعندها يقتصر العمل على التنوير وهداية العاق أو الكافر بالدين إلى صواب دينه . أما إذا إفترضنا أن الخالق لم يجعل دين حواء نفس دين آدم ، ففي هذه الحالة يكون النبي آدم أوّل المخالفين لربّه ولدينه بأن تزوّج من إمرأة لم تكن على دينه ، أو أنه بشّرها بدينه وكسبها إليه سواء قبل زواجه منها أو بعد ذلك . ثم يمكننا أن نتدرّج في النقاش الجدلي ونقول : إن الخالق لم يرسل نبيّاً إلاّ وكان من الذكور ، فأصبح هذا النبيّ هو الأول والوحيد في ذلك الدين ، فكيف تمكن هذا الفرد الوحيد ، أن يخالف ربه ومبادئ دينه ، وأن يتزوّج من إمرأة ليست على دينه ، وكيف تمكن من كسبها إلى دينه ، إن كان دينه ليس تبشيريّاً . وقد نجد الفرصة لنسترسل في السؤال : إن كان الخالق يرسل رسله ( الذكور ) ويحملهم أمانة نشر المبادئ الخيّرة الهادية إلى الصلاح ، فمَن من البشرعنده الصلاحية فوق الإلهية لنقض إرادته ، وإيقاف عملية التبشير ؟ وإن كانت تلك الأديان مُغلقة فكيف إنتشرت مبادئها وقامت مجتمعات واسعة لها في بقاع الأرض ؟ ثمّ هل جاءت الأديان ليقتصر أمرها بالزواج والنكاح فحسب ، أم أن الخالق أرسل الأنبياء لهداية البشر إلى الخير والصلاح ؟
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدناءة
-
قنّ الدّجاج ومجلس القضاء الأعلى
-
طريقُ المصالحةِ الوطنية .. وتكاليفُها
-
وُجوبُ ما يَجيبُ
-
نَحنُ . . هُم
-
الذّيليّة *
-
عجيبٌ ... لا مؤامرة و لا إستعمار !
-
كَشَفوا نِقابَهُم
-
أفكارٌ عقيمةٌ تحكمُنا
-
مُجَرّد حوار مع الذات
-
خارطة طريق
-
رِسالَةٌ مُبَطّنَةٌ
-
رَجُلٌ يُعتَمَد أم خُرّاعَةُ خُضرَة ؟
-
قانونُ البطاقة - الوطنية -
-
قُدرَةُ حَيدَر العباديّ
-
إحذَروا المُتآمرين
-
ثَورَةُ الشّعبِ وحيرةُ العبادي
-
قصّتان ؟ لا... بينهما رابط .
-
التَدَبُّر ومفتاحُ الحل
-
هَل مِن رجالٍ لفجرٍ جديد ؟
المزيد.....
-
ماما جابت بيبي.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على نايل س
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تجبر طائرة حربية إسرائيلية على ا
...
-
الأردنيون يدلون بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية وسط توقعات
...
-
مصادر فلسطينية: شهيدة ومصابون اثر قصف الاحتلال احد المساجد ب
...
-
مصر.. الأزهر يتخذ قرارا ضد صاحب فتوى سرقة التيار الكهربائي
-
تعرف على أجمل وأضخم كاتدرائية في أوروبا
-
المكتب السياسي لحركة أنصار اليمنية يدين مجزرة مواصي خانيونس
...
-
“نزلها الأن في ثواني”.. أحدث تردد لقناة طيور الجنة بيبي 2024
...
-
“بإشارة قوية” تردد طيور الجنة أطفال 2024 تابع الأناشيد وأجمل
...
-
استقبلها الآنــ بإشارة قوية.. حدث تردد قناة طيور الجنة الجدي
...
المزيد.....
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
المزيد.....
|