أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - موريس صليبا - - الكافر سعيد - يواجه المسلمين (16)















المزيد.....

- الكافر سعيد - يواجه المسلمين (16)


موريس صليبا

الحوار المتمدن-العدد: 5274 - 2016 / 9 / 3 - 19:20
المحور: مقابلات و حوارات
    


- الكافر سعيد – يواجه المسلمين ويتحدّث عن مشاكل العابرين

في الحلقة السابقة توقّفنا في حوارنا مع الأخ سعيد، أو الكافر سعيد، عند بداية نشاطه الروحي وتكريس حياته في خدمة المسيح الذي آمن برسالته الخلاصيّة للبشر دون أي تميّيز عرقيّ أو إتنيّ أو دينيّ، فحدّثنا عن الأنشطة الأولى التي مارسها أو أطلقها في البيئة التي اكتشف فيها المسيح وتعمّد فيها، وكذلك عن تطوّر مسيرته الروحيّة التي دفعته إلى التعمّق بتعاليم الدين المسيحي ولاهوته ودراسة الكتاب المقدّس، الأمر الذي مكّنه من تقبّل درجة القسوسيّة وممارسة وظائفها بطريقة استثنائيّة، نظرا إلى أصوله المغربيّة. في هذه الحلقة سيحدّثنا عن كيفيّة مواجهته للنقّاد ، خاصّة المسلمين منهم الذين تهجّموا عليه وهدّدوه بالقتل والموت. سيخبرنا كيف واجههم وبأي لغة خاطبهم. كما سنتطرّق معه إلى مواضيع أخرى لها علاقة بالعابرين من الإسلام إلى المسيحيّة.

س - مرحبا بك اخ سعيد في هذه الحلقة الجديدة من حوارنا. في خضمّ كلّ هذه اللقاءات والندوات والمحاضرات التي تشهد خلالها على مسيرتك الخاصّة، هناك من يؤيّدك ويشجّعك على مواصلة الرسالة التي كرّست نفسك لها. ولكن هناك بين المسلمين من يعاكسك وينتقدك، وبنوع خاصّ من يكفّرك أو يخوّنك أو يهدّدك بالقتل أو الموت. كيف تتعامل مع هؤلاء؟

ج - نعم، التقيت وما زلت حتّى اليوم ألتقي بالكثيرين من الذين يصفوني بالخائن أو الكافر أو المجرم الذي لا تغتفر أبدا جريمته. وأنا لا يزعجني أبدا لقب "سعيد الكافر". تعرّضت كثيرا لمثل هذه الحالات وما زلت. أنظر ماذا حصل معي مرّة في حيّ "برباس" (Barbès) في باريس، وهو حيّ يكثر فيه عدد المسلمين. كنت مرّة أشهد هناك عن اختباري وأوزّع الإنجيل باللغتين العربيّة والفرنسيّة. فجاءني رجل متقدّم قليلا في السنّ ونهرني قائلا:
"هل أنت هو المغربيّ والمسيحيّ؟
أجبته حالا: "نعم، وأنا فخور جدّا بذلك.
وعندما رأيته يزداد غضبا وعدوانيّة، أضفت قائلا: "وابي أيضا تعرّف على المسيح وتبعه."
حينئذ إزداد حنقا وامتعاضا، فهدّدني قائلا: "ألا تعرف أنّ أمثالك ينبغي توقيفهم ورجمهم حتّى الموت؟"
فما كان بوسعي إلاّ أن أرفع يديّ وأقول له: "ها أنا ماثل أمامك. ماذا تنتظر؟ ما تقوله يعبّر حقيقة عن تعاليم القرآن! هذا هو الإسلام! تفضّل! ماذا تنتظر؟
فخجل من نفسه وفرّ هاربا. وكلّ المتجمّعين حولي من المسلمين، قالوا:
"لا، لا، لا، لا، ليس هذا هو الإسلام."
فقلت لهم: "أنا آسف، فما سمعتموه من هذا الرجل هو برهان حسيّ هلى حقيقة الإسلام."

س - من أين تستمدّ كلّ هذه الشجاعة؟

هذا هو عمل يسوع المسيح الذي يهبني القوّة لأتكلّم وأشهد باسمه وبحبّه لنا على الصليب. أشكر الربّ يسوع ألذي بنعمته تحرّرت من ضغوط وتهديدات عديدة، وأنا فخور بما بلغت إليه. أستطيع أن أقول لأيّ إنسان وبفخر واعتزاز: أنا مسيحيّ وكرّست حياتي لخدمة المسيح. نعم، هذه الشجاعة لا تصدر منّي مباشرة، أنا "سعيد" المغربيّ الأصل، بل من الربّ يسوع الذي يعمل في قلبي باستمراد ويقوّي إيماني.

س - يلاحظ أن عددا كبيرا من العابرين من الإسلام إلى المسيحيّة يمارسون إيمانهم الجديد بصمت دون الإباحة بذلك. يشاركون في اللقاءات والمنتديات والاحتفالات التي تنظّمها. غير أنّهم يجدون صعوبة في البوح عن إيمانهم بالمسيح في بيئتهم الأصليّة. ألا تلاحظ ذلك أيضا؟

ج - نعم، أعرف ذلك وألاحظه دائما. فهناك الكثيرون من العابرين لم يصلوا بعد إلى المرحلة التي أنعم عليّ بها يسوع المسيح. فهم ما زالوا مقيّدين، مكبّلين، وإلى حدّ ما، أسرى عوامل عدّة، من بينها الضغوط العائليّة والإجتماعيّة. فالأمر ليس بهذه السهولة. لكل حالة ظروفها ومبرّراتها. فمن الصعب مثلا على فتاة عابرة ما تزال تعيش تحت كنف أهلها أن تعلن ذلك أمام والديها وإخوتها الكبار. فلا شيء يحميها من الضربات والإهانات والشتائم والإضطهاد. هذا إذا لم ترحّل حالا إلى البلاد لتزويجها هناك قسرا وإدخالها في سجن الزوجيّة. والحالات من هذا النوع كثيرة، تتحدّث عنها الصحف يوميّا. لذلك أفهم لماذا تحتفظ معظم البنات بإيمانهن لنفسهنّ. ولكن بالمقابل، نرى أخوات عابرات كثيرات، يتحلّين بالجرأة، ويقاومن كلّ الضغوط. فلا يتردّدن إطلاقا بالقول إلى ذويهنّ: "أنا أصبحت مسيحيّة وعليكم القبول بذلك. شئتم ام ابيتم." غير أنّ كلّ حالة تختلف إذا عن الأخرى بحكم الظروف.
وهناك حالات أخرى نلاحظ فيها بعض الجبن، خاصّة عند الرجال العابرين، فلا تبرز لديهم تلك الجرأة والشجاعة التي تتحلّى بهما النساء، مع العلم أنّ بعضهنّ، ما بين السنّ الخامسة والعشرين والثلاثين، ما زلن يعشن مع الأهل والإخوة الكبار.

س- هل يمكنك أن تطلعنا على حالات من هذا النوع؟

ج – نعم، أودّ أن أقصّ عليك ما جرى معي في مدينة "نانسي" (Nancy)، حيث التقيت بكاهن كاثوليكي، قال لي:" تعرّف أحد ابناء رعيّتي على فتاة مسلمة، وهما يعيشان الآن معا، ويبدو أنّ هذه الفتاة عبرت من الإسلام إلى المسيحيّة. فقد استضافهما لفترة قصيرة شقيقها، وهو مسلم. فلم تمرّ فترة وجيزة حتى علم أن شقيقته قد تنصّرت. عندئذ انتظر صديق أخته على باب المدرسة وأخذ سكينا وطعنه في وجهه أمام الأطفال.".فقلت حالا لهذا الكاهن: "إذا انتظرتم على هذه الحال بصمت وهدؤ، في المرّة القادمة لن تكون الطعنة في الوجه، بل ستصل إلى العنق أو القلب."

س - هناك مسيرة سنويّة تنظّم للمسيحيّين وتشارك فيها. ما هو دورك في هذه المسيرة؟

ج - تجري هذه المسيرة في بداية شهر يونيو / حزيران من كلّ سنة. أشارك فيها منذ العام 2007 كمرشد وواعظ. يصل عدد المشاركين فيها أحيانا إلى حدود 26000، كما يحضر "كونسارت" روحيّ وغنائي حوالي 15000 شخص. خلال هذه المسيرة نعلن بشارة المسيح الخلاصيّة لكل البشر، بما فيهم الأفارقة والعرب والمسلمين والفرنسيّين من كل الأصول العرقيّة والدينيّة. وعندما نطرح السؤال على المشاركين: "من يريد منكم قبول السيّد المسيح مخلّصا في حياته؟"، نتفاجأ كلّ سنة بتدفّق مسلمين من البربر والأمازيغ وشمال إفريقيا والشرق الأوسط يشاركون لأوّل مرّة في المسيرة، يتقدّمون علنا للبركة وقبول السيّد المسيح في حياتهم. وقد تعلّمنا جيّدا من هذا الإختبار الذي يؤكّد لنا كم نستطيع أن نصل إلى قلوب الآخرين عندما نعبّر لهم عن محبتنا واحترامنا لكلّ منهم، وخاصّة عن أهميّة سلام المسيح وتعاليمه الساميّة في حياتهم.

س - تُدعى كثيرا إلى إلقاء المحاضرات عن المسيح في الكتاب المقدّس وفي القرآن، خاصّة في الأحياء الشعبيّة الحسّاسة المكتظّة بالمسلمين. هل تواجه فيها معارضين ومنتقدين لك؟

ج - كلّ مرّة أتطرّق إلى هذا الموضوع في المناطق التي توصف بالساخنة، وحتّى في الجامعات، أواجه مقاومة واعتراضات شديدة خاصّة من قبل المسلمين. أنا أخاطبهم ببساطة وأقول لهم: أنظروا ماذا يقول القرآن عن المسيح، وماذا يقول عنه الكتاب المقدّس، وهذا ما أؤمن به. أيّ كتاب جاء أوّلا؟ الكتاب المقدّس أم القرآن؟ بالنسبة لي الكتاب المقدّس هو الأصل.
وهناك لاهوتيّون ليبيراليّون يحاولون انتقاد الكتاب المقدّس وإبراز تناقضات في نصوصه. ويوجد أيضا مفسّرون للكتب المقدّسة يعترفون بأنّهم مسيحيّون، ولكنّهم لا يؤمنون بتاريخيّة يسوع المسيح. فإلى هؤلاء جميعا أقول دائما: الكتاب المقدّس هو مجموعة متلاحمة لا تناقض فيها. علينا أن ننظر إلى كلّيتها، واستخدام كلّ آية وردت فيه لتوضيح آيات أخرى. هكذا جرى مرّة معي في إحدى الندوات. إذ نهض أمين عام مسجد باريس وقال أمام الجميع: "يسوع قال ينبغي استخدام السيف". ولكنّه نسي ما شدّد عليه يسوع: "من أخذ بالسيف، فبالسّيف يؤخذ." لذلك ينبغي إعادة كلّ جملة إلى إطارها وموضعها. من خلال هذه اللقاءات والمناقشات يتّضح جيّدا أنّ معرفة الكثيرين من المسلمين للإنجيل عي معرفة سطحيّة للغاية. يتمسّكون ببعض الآيات ويعتبرونها أساسيّة، دون الإهتمام بفهمها ومغزاها. والمؤسف أنّهم بكتفون بأشياء سمعوها، ولا صحّة لها في الواقع، وبعتبرونها عقائد إيمانيّة ثابتة. فهناك أفكار وأقوال زرعها في عقولهم الأهل والأئمّة والأصحاب، وللأسف تأصّلت في أذهانهم.

س - ولكن ألم تعبر أنت شخصيّا بهذه المرحلة؟ ألم تكن لديك في الماضي أحكام مسبقة عن الإنجيل؟

ج - أنا لا أنكر ذلك قطّ. غير أنّني تحرّرت من كلّ ذلك بفضل النعمة التي دفعتني، من جهة، إلى التساؤل والتشكيك، ومن جهة ثانية، إلى التحقّق من كلّ ما هو وارد في النصوص. وعندما يتجرّأ المسلم على القيام بمثل هذه الخطوة، سيحرز نصرا كبيرا ويتحرّر من رواسب القرون الوسطى المعشّشة في وجدانه وكيانه، وتجعل منه إنسانا ولد في القرن العشرين أو الحادي والعشرين وما زال أسيرا مقهورا مكبوتا بتعاليم القرن السابع.
فعندما يُقال له: "الكتاب المقدّس محرّف"، ما الذي يمنعه عن البحث والتساؤل: من حرّفه؟ متى حُرّف؟ أين حُرّف؟ في أيّ مرحلة من الزمن؟ هل قبل مجيء محمّد أم بعد رحيله عن هذا العالم؟ هناك نصوص رائعة للغاية في الإنجيل كُتبت في فترات مختلفة، وكلّها تتحدّث عن نفس الرسالة ونفس التعليم وتثبت لنا أن "يسوع هو الطريق والحقّ والحياة."

س - هل تعتقد أنّ المسلمين خُدعوا فعلا بأقوال وتعاليم كاذبة أثّرت سلبا في تكوينهم النفسيّ وفي معتقداتهم الدينيّة والآن تنعكس في سلوكهم وعلاقتهم مع الآخرين؟

ج - من المؤلم القول إنّنا في الإسلام تشرّبنا كلّنا هذه الأكاذيب والأضاليل منذ الصغر، وتغذّينا منها مع حليب أمّهاتنا عبر الأجيال، وغُسلت أدمغتنا بها، وما زالت الأجيال الصاعدة تتلقّفها وتتناقلها وتؤمن بها عشوائيّا، وتقودهم إلى المآسي والانحراف والتطرّف والإرهاب. أمّا الخروج منها فيحتاج إلى مساعدة روح الربّ القدّوس. فالذي ساعدني شخصيّا، هو تعمّقي بدراسة الكتاب المقدّس. قرأته مرارا وتكرارا. وخلال القراءة حاولت فهم مضمونه والبحث في الوقت نفسه عن التناقضات المزعومة التي يكرّرها علينا الشيوخ والأئمة ووعّاظ السلاطين. في النهاية، توصّلت إلى فهمها وإدراك تكاملها.

س - هل هذه الطريقة كافية للخروج من هذا المأزق؟

ج - بكلّ ثقة وإيمان، لا أشكّ إطلاقا في ذلك. أخبرني أحد المغاربة، وهو عابر مثلي إلى المسيحيّة، بأنّ أخاه، وهو داعية إسلاميّ في أحد المساجد، علم باعتناقه دين المسيح. حاول طويلا البحث في الكتاب المقدّس عن الأخطاء والتناقضات كي يعيده إلى حظيرة الإسلام. وبعد القراءة والدراسة والتمحيص، انتهى به المطاف إلى ترك الإسلام والإيمان بيسوع المسيح.
لذلك أقول وأكرّر، لا بدّ من أن يتحقّق المرء بنفسه، ولا يستند على الآخرين. العبور إلى الإيمان بالمسيح ليس فكريّا فحسب، بل ينبغي أن يصدر عن القلب. فالذي يبحث بجدّيّة عن الحقّ، يجده. ولكي نصل إلى الربّ، لا بدّ لنا من البحث عنه ومخاطبته بقلب وديع منسحق. ويسوع المسيح لا يأتي إلى قلوبنا ويُقبَل في حياتنا إلاّ بالتواضع والفرح. فهناك من يقول ويردّد: المسلمون يتحوّلون إلى المسيحيّة فقط في سبيل الحصول على تأشيرات دخول إلى الدول الغربيّة، أو على وثائق للإقامة أو للعمل، أو حبّا بالمال، أو بحكم تأثّرهم بالأميركان. كلّها خرافات وأكاذيب. شبعنا من تكرارها وأوهامها.

س - لماذا تشدّد كثيرا على فضيلة التواضع؟

ج - كيف لا أشدّد عليها والمسيح نفسه علّمنا إياها ومارسها في حياته على الأرض. وُلد في مزود في بيت لحم، ولم يختر قصرا شاهقا فخما ليولد فيه. يصفونه بالنّاصريّ، نسبة إلى قرية صغيرة تقع في شمال فلسطين، تُدعى النّاصرة، لا أهميّة لها على الإطلاق. فأنا لم أسمع قط بنبيّ جاء إلى هذه الدنيا بمثل هذا التواضع، وُلد في مذود حقير وليس في "البيت الأبيض" أو في قصر "فرساي". لم يحمل أيّ سيف بيده، لم يتزوّج، ولكنّه مات ثم قام من بين الأموات، وكان بمنتهى الكمال. والقرآن بنفسه يصفه بأجمل الأوصاف وبقول عنه: لا نبيّ أعظم من يسوع. وأذا حاولنا مقارنته مع كلّ الأنبياء، فلن نجد من يتفوٌق عليه بالقداسة والفضيلة والكمال. لم أصل إلى هذه النتائج الرائعة والمقنعة إلاّ من خلال دراساتي المقارنة والمعمّقة للكتاب المقدّس والقرآن. وهذا ما سهّل عليّ بالتالي التفكير بالعلاقة التي أقيمها مع يسوع المسيح، لأنّه أصبح حقّا مركز الثقل في حياتي. لا شبيه له. هو الذي قادني بنعمته وحبّه إلى هذا التغيّير الجذريّ في حياتي، وإلى الندامة الصادقة على كلّ ما اقترفته في السابق من أعمال سيئة. ولا بدّ لي من أن أشدّد على أنّ لا قيمة للندامة إن صدرت فقط من اللسان والفم، بل ينبغي أن تنبثق عن قلب صادق ومنسحق.

س - تدعوك غالبا المؤسسات الحكوميّة لزيارة السجون والتحدّث إلى المساجين، ومعظمهم من المسلمين. كيف تتحدّث معهم وتخاطبهم؟ وما هي ردود الفعل عندهم؟ وما هو اختبارك في هذا المجال؟

ج - أزور غالبا السجون الفرنسيّة وأتحدّث إلى المساجين. أخاطبهم بكلّ حريّة وبمنتهى الصراحة. أتحاور معهم بصدق ودون مواربة. وكلّ مرّة أدعى إلى زيارة السجون، أعيش اختبارا مختلفا عن الآخر. في إحدى المرّات دُعيت لزيارة سجن في مدينة "أنجرس" (Angers) بصفتي قسّيس مغربيّ. عند وصولي، كان هناك حوالي أكثر من ثلاثين سجينا مسلما يؤدّون الصلاة. إنتظرت النهاية، وأعطي لي الكلام. قلت لهم بكل صراحة: "لا تؤاخذوني سأكون صريحا معكم. أنا لا أمارس التقيّة. كنت مسلما مثلكم، والآن أنا مسيحيّ، وسأشرح لكم لماذا؟" خلال ساعة ونصف، وضّحت لهم ما هو يسوع المسيح، وما هي المسيحيّة، وما هو الإختبار الذي عشته مع المسيح، ولماذا أتى إلى هذه الأرض. وبعد المداخلة والحوار الطويل والصريح والصادق، جاءني عدد منهم قائلين: "نتمنّى قبول سرّ المعموديّة، ونتمنّى قبول المسيح مثلما قبلته أنت!"

س - هل تعتقد أنّ ذلك يكفي لقبولهم المسيح كي يعرفوا حقيقة تعاليمه ويواصلوا المسيرة؟

ج - كلاّ، هذا لا يكفي، بل لا بدّ من متابعة كلّ من تلمسه نعمة المسيح، ومرافقته في مسيرته الروحيّة، نظرا لما سيتعرّض له من معارضة، وازدراء، واستهزاء، واضطهاد، وغضب عارم من قبل ذويه، وعائلته وبيئته. لذلك ينبغي أن ينطلق كلّ منهم من أسس ثابتة قائمة على الكتاب المقدّس. فمن يتغذّى باستمرار من هذا الينبوع المقدّس، لا بدّ من أن يتقوّى بالمسيح، والكنيسة ترافقه بفضل المؤمنين والأخوّة الصادقة التي سيشعر بدفئها وحلاوتها. لذلك نعمد إلى توزيع الإنجيل على الذين يرغبون في قراءته، في العربيّة أو الفرنسيّة أو الأمازيغيّة. فهناك ترجمات في لغات مختلفة للإنجيل حتي في اللهجات المحلّيّة مثل اللهجة المغاربيّة والبربريّة السائدة في جنوب المغرب، أو بربريّة السوسي، أو بربريّة الريف. فكلمة الربّ منتشرة في كل الأرض.

س - تتكلّم مع الناس بصفتك "قسّيس مغربيّ". كيف ينظرون إليك؟

ج - عندما أقول للناس "أنا قسّيس"، وفي الوقت نفسه، "أنا مغربيّ"، تتكاثر على وجوههم إشارات التعجّب والإندهاش. وحتّى اليوم ما زلت أدفع الثمن بسبب ما أتلقاه من إهانات واعتراضات وحتّى تهديدات. وفي الوقت ذاته، أعيش اختبارات رائعة للغاية. في الواقع، لم يُعترف بعد اليوم بمقام ما يسمّى بـ"القسّيس المغربيّ"، اي رجل دين مسيحيّ مغربيّ الأصل والمولد. فأنا أتمنّى أن أكون قسّيسا وراعيا لكنيسة في بلدي الأصليّ، وأن تعترف بي رسميّا سلطات المغرب.

س - ما هو عملك اليوم كقسّيس، وما هي الأنشطة التي تمارسها علما أنّك لست مسؤولا رسميّا عن أيّة رعيّة أو مؤسّسة؟

ج - يتركّز عملي بنوع خاصّ على خدمة المغاربة في فرنسا، على بلسمة جروحهم، على التخفيف من آلامهم. فهناك عدد كبير منهم يتحوّلون بصدق إلى المسيحيّة، ولا يعرفون بالتالي كيف يواصلون مسيرتهم الجديدة مع المسيح. بصفتي قسّيس مغربيّ أهتمّ بشؤونهم وأساعدهم قدر المستطاع كي يجدوا توازنا وانسجاما في حياتهم الجديدة. أن يكون المرء من أصل مغاربيّ ومسيحيّ ليس وصمة عار على جبينه بل ثروة روحيّة لا تثمّن. لذلك أعمل في كلّ الكنائس دون تفرقة، الكاثوليكيّة منها والبروتستانتيّة. والهدف من ذلك هو تغيّير العقليّات وإفهام الجميع بحقّنا أن نكون من أصول مغاربيّة ومن أتباع يسوع المسيح. بالنسبة لبعض المسلمين يصعب عليهم أن يقبل أبناء جلدتهم وأتباع دينهم دينا آخر. لذلك أقول لهم علنا: "عليكم أن تقبلوا المعاملة بالمثل. فعندما تقبلون وترحّبون بالفرنسيّين الذين يتحوّلون إلى الإسلام، عليكم أيضا أن تقبلوا بحق المغاربة الآتين من تونس والجزائر والمغرب، وبحقّ كلّ مسلم باعتناق المسيحيّة."
وكذلك يقوم عملي كقسّيس في فرنسا على توعية الكنائس والشعب الفرنسيّ على مآسي الإضطهاد التي تعاني منها الكنائس الصامتة والجماعات المسيحيّة المختبئة في الدياميس والتي تتعرّض باستمرار لكل اساليب الترهيب والرعب في الجزائر وفي كلّ مكان تقمع فيه حريّة العبادة وحريّة الضمير وباقي الحريّات الدينيّة.


شكرا، أخ سعيد، وإلى اللقاء في حوار آخر.



#موريس_صليبا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - الكافر سعيد – يلتزم في خدمة المسيح (15)
- - سعيد الكافر - وأزمة المسلمين في أوروبا مع هويّتهم (14)
- -الكافر سعيد- يصارح والديه بحبّه للمسيح
- -الكافر سعيد- يتصالح مع الذات والأهل
- الكافر سعيد يقبل المعموديّة (11)
- الكافر سعيد، و صرعة حبّه في يسوع المسيح (10)
- -الكافر سعيد- يعود إلى التمرّد والتشدّد والإنحراف (9)
- الكافر سعيد يشكّك في الإسلام (8)
- - الكافر سعيد- رسول المغاربة (7)
- - الكافر سعيد- رسول المغاربة (6)
- - الكافر سعيد- رسول المغاربة (5) -شقيقتي الكبيرة تعتنق المسي ...
- - الكافر سعيد - رسول المغاربة (4)
- -الكافر سعيد- رسول المغاربة (3)
- -الكافر سعيد- رسول المغاربة (2)
- سعيد الكافر، رسول المغاربة
- هوبار لومار : -المسلمون يكذبون علينا وعلى أنفسهم-
- القرآن في مشرحة -اللوغاريتم-
- حول كتاب حامد عبد الصمد - انهيار العالم الإسلامي -
- ألإسلام بحاجة إلى ثورة جنسية - الحلقة الثالثة والأخيرة
- ألإسلام بحاجة إلى ثورة جنسية - الحلقة الثانية


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - موريس صليبا - - الكافر سعيد - يواجه المسلمين (16)