|
- الكافر سعيد- رسول المغاربة (7)
موريس صليبا
الحوار المتمدن-العدد: 5227 - 2016 / 7 / 18 - 14:30
المحور:
مقابلات و حوارات
صراع الهوية المزدوجة
نتابع الحوار مع الأخ سعيد. بعد قيامه بعمليّة التجسّس على شقيقته التي تركت الإسلام وتحوّلت إلى المسيحيّة، وبعد اكتشافه أمورا جديدة في حياة المسيحيّين وسلوكهم، يبدو أنّ "الكافر سعيد" دخل في صراع مع الذات في مرحلة المراهقة. وهذا ما سيطلعنا عليه في هذه الحلقة.
س – الأخ سعيد، يبدو أنّك في مرحلة المراهقة وقبيل بلوغ سنّ الرشد، عشت اختبارا مؤلما في حياتك. ما الذي حصل معك؟
ج – حياة المراهقة والسنوات التي تلتها لم تكن سهلة. عشت مرحلة مع الرفاق من بني جلدتي حافلة بالأحداث والتناقضات. لم يكن بوسعنا الوصول إلى إتّفاق معيّن في خضم ما نسمّيه بانتفاضة أو بثورة الشباب. آنذاك نأسّست حركة ما يعرف بـ "الحماية من العنصريّة" (ٍSOS Racissme) التي استُغلّت سياسيّا، رغم أنّها ضمّت عددا لا بأس به من الشباب من كل حدب وصوب. في كلّ ضواحي المدن الفرنسيّة حيث كان يسكن المهاجرون حصلت نزاعات ومشاكل أدّت إلى بروز العنصريّة، وبالتالي ألى رفض للآخر المختلف. في تلك الأجواء، تعرّضت نفسيّا للتمزّق والتمرّد لكون أبي من المهاجرين أتى بنا دون رضانا إلى فرنسا، وتعرّضنا مثل كلّ أتباع جلدتنا لمثل هذه المشاكل. وهذا ما دفعني إلى التفكير بالهجرة من هذه البلاد. وعندما برزت في وجداني قضيّة الهويّة الثقافيّة والإتنيّة والعرقيّة، أخذت أتساءل: هل أنا فرنسيّ أم سأبقى مواطنا مهاجرا إلى الأبد؟ كانت هذه المعزوفة تتردّد في خاطري باستمرار، كما كان هذا الخطاب يتردّد أيضا في وسائل الإعلام وعلى أفواه السياسيّين والمسؤولين، وكذلك في بيئتنا وحوالينا في الضواحي الفرنسيّة. لم نكن نسمع إلاّ معزوفة تقليديّة موجّهة تشير إلينا بالبنان: "هؤلاء هم المهاجرون وأولاد المهاجرين". عندئذ قلت في نفسي: "في النهاية، هنا لا يعترف أحد بنا. ينكرون علينا دائما هذه الهويّة الشرعيّة. فمهما فعلت، سأبقى دائما وأبدا في هذا البلد إنسانا متحدّرا من مهاجرين مغاربة."
س – في خضمّ هذا الصراع النفسي والتساؤلات الوجوديّة، ألم يترائ لك أي بصيص أمل يسهّل عليك الخروج من هذا المأزق؟
ج – في تلك المرحلة القاسية التي كنّا نتجرجر ونتأرجح خلالها بين التعلّق بالأسرة وبين البيئة الثقافية الغريبة، لجأت إلى الإحتماء بالإسلام، والوقوف ضد المجتمع الغربي الذي يفرض نفسه عليك في وسائل الإعلام، خاصّة عبر قنوات التلفزة. وانغمست مجدّدا في ممارسة الإسلام وفرائضه وتعاليمه، ولكن تبيّن لي بعد فترة من الوقت أنّني أسيرٌ "مطوّق" داخل سور كبير يفصل بيني وبين المجتمع، بيني وبين الخارج.
س – هل هذا يشير إلى أنّ ما عشته في سنّ الرابعة عشرة عندما تأثّرت بفعل تحوّل شقيقتك من الإسلام إلى المسيحيّة، وكيفيّة طريقة عيشها وحياتها الهنيئة، أصبح كلّ ذلك من مخلّفات الماضي، ولم يترك أي صدى في توجيه مستقبلك؟
ج – نعم، لم أنس ذلك، كما لم يغب عن بالي إطلاقا كيف شرحت لنا شقيقتي لقاءها بالمسيح. كما كانت في كل مرّة نلتقي بها تردّد على مسامعنا نفس المعزوفة، وتبرهن لنا بالوقائع كيف تمارس حياتها المسيحيّة وتعيش إيمانها بصفاء ونقاوة. ولكنّني لم أعر ذلك اهتماما خاصّا. وبالرغم من ذلك، لجأتُ أنا إلى الإسلام لأنقذ نفسي من حضارة الغرب، من فرنسا. ومع الوقت أخذت أشعر بمرارة بأن شقيقتي صفعتنا، لا بل نحرتنا بخنجر الخيانة. لأوّل مرة توضّحَ لي بأن إعتناقها للمسيحيّة يشكّل خيانة كبرى، ليس لي فحسب، بل أيضا لأصولنا ولانتمائنا ولديننا ولتراثنا. في تلك الفترة بالذات، أدركت خطورة ما فعلت وفظاعة خيانتها، ومدى الفضيحة التي سبّبتها لنا. كنت خائفا جدّا من أن ينتشر هذا الخبر بين رفاقي وأصدقائي وجاليتنا المهاجرة، وكذلك في الجامع الذي نصلّي فيه. كيف ستُفسّر خطوتُها هذه وكيف ستعتبر كفضيحة للعائلة ولبلدنا الأصليّ. نعم، آنذاك شعرت بحجم الصدمة وشدّة قساوتها عليّ وعلى مستقبلي.
س – في أيّ اتجاه دفعتك هذه الصدمة؟
ج –تألّمت كثيرا وعانيت من تداعياتها. وفي نفس الوقت، كشف لي اختبار شقيقتي في حياتها الروحيّة الجديدة أنّها أكثر ثقة بنفسها، وبالتالي أكثر استقرارا وارتياحا نفسيّا، وهذا أمر كنت افتقده كثيرا وأبحث عنه منذ سنوات. كنت بحاجة إلى اتّحاد روحيّ مع الخالق، إلى تكوين ثقة حقيقيّة بالربّ. وصلتُ إلى مرحلة من السأم والقرف من ترداد صلوات ميكانيكيّة لا عمق فيها ولا علاقة حقيقيّة مع من نسمّيه في الإسلام "الله"، هذا الإله البعيد، المخيف الذي أصلّي له دون معرفة، دون تواصل، ودون علاقة حميمة.
س – أتعتقد أنّ اختبار شقيقتك وكيفيّة تجسيد إيمانها الجديد في حياتها وفي سلوكها وخاصّة في علاقاتها مع العائلة إستفزّك كثيرا؟
ج – نعم، استفّزتني كثيرا خاصّة بسبب ثقتها بنفسها، وجمال اختبارها، ووهج الحبّ الذي كان ينضح من كلامها وسلوكها وطيب علاقتها معنا. فعندما قبلَت شقيقتي المسيح، كنت ما أزال طفلا ومراهقا. لم أشعر آنذاك بالاستفزاز ولا بالغضب. ولكن عندما لجأت في مرحلة لاحقة إلى الإسلام وواظبت على ممارسة فرائضه والتمسك به كملجأ يحميني ويساعدني على الإحتفاظ بهويّتي، أخذت أنظر إلى تركها للإسلام واعتناقها المسيحيّة كخيانة كبرى، وبالتالي كمصدر صراع شديد في قلبي. لم أعد أعتبرها شقيقتي، بالرغم من كوننا من ذات اللحم والدم، ومن أب واحد وأمّ واحدة، بل أصبحتُ أنظر إليها كفتاة فرنسيّة، كافرة، خائنة. مررت فعلا في مرحلة صعبة. من جهة، ما زالت حالة التمرّد بعد المراهقة ملتهبة في وجداني، بالإضافة إلى خيانة شقيقتي لنا ولديننا، ومن جهة أخرى، الأحداث السياسيّة المؤلمة التي تعرّض خىلالها آنذاك المغاربة من الجيل الثاني في بعض ضواحي المدن الفرنسيّة في ظلّ مشاغبات مع السلطات الأمنيّة التي لجأت إلى إطلاق الرصاص عليهم لإخمادها. على أثر ذلك، اضطرت الحكومة الفرنسيّة في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وبأمر من الرئيس فرانسوا ميتران، إلى تغيير سياستها وإعطاء عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيّين أوراقا ثبوتيّة، كما مدّدت بطاقة الإقامة للمهاجرين الشرعيّين من خمس إلى عشر سنوات. ولكن لم يتغيّر شيء على الإطلاق على أرض الواقع، كما لم أشعر بأي تغيير بالنسبة لهويّتي. فكنت أُعتبر دائما كـ"عربيّ" ويُشار إليّ بالبنان. وكنت أرى ذلك في عيون الذين ينظرون إليّ، في سلوكهم، وفي مواقفهم. كان بمقدوري أن ألجأ إلى الإسلام الراديكالي، السلفي، الأصوليّ، هذا الإسلام الذي يتجاوب مع تمرّدي، ومع حالة الرفض في المحتمع الغربيّ، والحرمان من هويّة شرعيّة. كان بوسعي أن أقول في النهاية لا يمكن إبجاد مكان مناسب لي خارج الإسلام، مثلما فعل رفاق كثر. في تلك المرحلة كنت فريسة سهلة وخصبة بوسع أي مسلم أصوليّ أو سلفيّ أن يتصيّدني ويضمّني إلى حركة الإسلام الراديكالي الثائر على الغرب وحضارته وتراثه.
س – يلاحظ اليوم أن عددا كبيرا من الشباب المتحدرين من موجات المهاجرين إلى فرنسا وإلى أوروبا يعتبرون الإسلام وكأنّه هويّة ينبغي الإنتماء إليها، وبالتالي التمسّك بها. كيف ترى هذه الظاهرة وهل يمكن أن تدوم؟
ج – نعم، معظم هؤلاء الشباب يعرّفون عن أنفسهم كمسلمين. في السابق كنّا نفتخر ببلداننا الأصليّة، والآن نتبجّح ونفتخر بالدين الذي ننتمي إليه. غير أنّ الإسلام ليس هويّة، بل دين، وبالتالي نظام مغلق. هذه ليست ثقافتي. الإسلام هو العربيّة السعوديّة وليس بلدنا. الإسلام يبتلع الفرد بكامله. في هذا الإطار ينتشر اليوم ما يسمّى بالإسلام الشعبيّ أو الشعبويّ. يتكيّف مع الواقع الثقافي والتقليدي دون أيّ تشكيك بالتقاليد التي لا يستطيع التصدّي لها. في المسيحيّة، إذا برزت توجّهات تتنافى مع تعاليم الكتاب المقدّس، حالا يقوم رجال الدين المسيحيّون بتنقّيتها وتشذيبها، كتعددّد الزوجات مثلا. فيسوع المسيح علّمنا ما يلي: "تترك أباك وأمّك وتتبع زوجتك!"، أي زوجة واحدة. أما القرآن فيقول لنا: "وانكحوا من النساء ما طاب لكم، مثنّى وثلاث ورباع... وما ملكت أيمانكم."
س – قمت بمقارنات عديدة بين الإسلام والمسيحيّة. ولكن توجد في فرنسا جالية يهوديّة متنوّعة وقد هاجر معظم أفرادها، مثل المغاربة المسلمين، من دول شمال إفريقيا إلى فرنسا. كيف تنظر إلى اليهود وما موقفك منهم؟
ج – في الحيّ الذي كنّا نسكن فيه، تعلّمت كثيرا من سلوك والديّ وطريقة معاملتهما مع الجيران. فيوم الأحد، عندما كانت والدتي تطبخ "الكسكس" المغربي، كانت تشارك به الجيران، الذين أخذوا رويدا رويدا ينظرون إلينا نظرة احترام وحبّ وتقدير. ولكن الحال لم يكن هكذا مع البعض الآخر الذين كانوا عنصريّين، يستخدمون كلابهم لمهاجمتنا، علما أنّي في صغري كنت شديد الإرتعاب من رؤية الكلاب. فكنت أتمنى أن أكبر سريعا لأتمكّن من الردّ عليهم ومعاقبتهم بالضرب. هكذا ترعرعت وكبرت في هذا الجوّ من الرفض والكراهية للغرب. ولكن لم أكن أبدا ضدّ اليهود. فكنت أدافع دائما عن الضعيف وعن الصغير. أذكر عندما كنت في المدرسة، كنت أدافع عن الضعفاء وأناصر التلاميذ العُجر الذين هم مثلي، كما أدافع عن التلامذة الفرنسيّين الضعفاء. وقد ترك ذلك أثرا عميقا في نفسي. أمّا بالنسبة لليهود، فأوّل ما سمعت عنهم، كان عبر شاشة التلفاز والأفلام التي تُبَثُّ عن المحرقة، خاصّة تلك التي حصلت في مخيّم "أوشفيتز" (Auschwitz) في زمن الحكم النازيّ، حيث تعرّض عدد كبير منهم للتعذيب والترهيب والحرق في أفران الغاز. عند مشاهدة تلك الأفلام، شعرت وكأنّي واحد منهم، وتأثّرت كثيرا لما تعرّض له هذا الشعب. في تلك الأثناء وبسبب الأحداث في فلسطين والصراع بين اليهود والفلسطينيّين، كانت والدتي تشتم كثيرا المسؤولين الإسرائيليّين أو الأمريكيّين ، ولكني لم أهتمّ إطلاقا بكلامها، ولم أشارك بأيّ مظاهرة كانت تنظّم في الشوارع ضد اليهود.
#موريس_صليبا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- الكافر سعيد- رسول المغاربة (6)
-
- الكافر سعيد- رسول المغاربة (5) -شقيقتي الكبيرة تعتنق المسي
...
-
- الكافر سعيد - رسول المغاربة (4)
-
-الكافر سعيد- رسول المغاربة (3)
-
-الكافر سعيد- رسول المغاربة (2)
-
سعيد الكافر، رسول المغاربة
-
هوبار لومار : -المسلمون يكذبون علينا وعلى أنفسهم-
-
القرآن في مشرحة -اللوغاريتم-
-
حول كتاب حامد عبد الصمد - انهيار العالم الإسلامي -
-
ألإسلام بحاجة إلى ثورة جنسية - الحلقة الثالثة والأخيرة
-
ألإسلام بحاجة إلى ثورة جنسية - الحلقة الثانية
-
ألإسلام بحاجة إلى ثورة جنسية
المزيد.....
-
-حزب الله- يصدر بيانا عن حصيلة لقتلى ومصابي الجيش الإسرائيلي
...
-
انفجارات ضخمة في بيروت بعد صدور أمر إخلاء من قبل الجيش الإسر
...
-
طائرة عسكرية تعيد 97 شخصًا من لبنان إلى كوريا الجنوبية
-
أوكرانيا تُسقط طائرة حربية وروسيا تدعي سيطرتها على قرية في م
...
-
مواجهات عنيفة في وسط الهند: مقتل 31 مسلحا ماويا في اشتباكات
...
-
فرنسا تنظر في طلب إفراج مشروط عن أقدم سجين عربي في العالم (ص
...
-
ترامب يعود إلى بنسلفانيا حيث تعرض لأول محاولة اغتيال
-
غارات إسرائيلية على منطقة القصير بريف حمص عند الحدود السورية
...
-
عشرات القتلى والجرحى وقصف غير مسبوق.. تحديث الوضع الميداني ف
...
-
كاميرا RT ترصد معاناة ذوي الإعاقة داخل خيام النزوح والمستشفي
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|