|
إعاقة - قصة قصيرة
عبد الفتاح المطلبي
الحوار المتمدن-العدد: 5254 - 2016 / 8 / 14 - 03:15
المحور:
الادب والفن
إعاقة قصة قصيرة عبد الفتاح المطلبي صوتُ الإنفجارِ كانَ آخرَ ما سَمِعَهُ ثمّ اسودتْ الدنيا ونام، لايعلم كم لبث في هوة الظلام السحيقة ومن داخل سرداب النوم انتبه إلى أن الصمت يلف الكون وقليلا قليلا تراءت لهُ الدنيا مثل لوحةٍ مرسومةٍ بألوانٍ مائيةٍ، محتوياتها تتحرك ببطئ ، ظلال قاتمة لأشخاص يتحركون ، الأشجارُ ظِلالٌ ضبابيةٌ خضر ، سياراتٌ مضببة تسير بصمت، ورأى فيما رأى أنهُ يجلسُ على عتبة الصفيح التي كلفت أباه يومين من عمره لكي تبدو صالحةً قبل ذلك بكثير ، كان يُطل على ترابٍ هش يمتد أمامه ومجرى مياهٍ عفنه يتسلل عبر الباب متلوياً كأصَلَةٍ نحو بركةٍ آسنةٍ ليست بعيدةً، ظلّ غارقا بدهشته حين اكتشف أن الدراجةَ الحمراء التي طالما حلم بها هي الآن بين يديه ، شعر بامتنان لأبيه وربما لأمهِ وللعالمِ أجمع وبارتباكٍ شديد خشيةَ أن تلاحظ ذلك تلك الظلال المتحركة في الشارع والناس الذين ليس لهم ملامح، راح يشدّ قبضتيه على مقود الدراجة متلافيا النظر إليها ، إذ ترك عينيه ترصدان تحركات تلك الظلال بينما راح ينتحي بعيد عن العيون محاولا أن يعتليها ويسير بها كما كان يحلم دائماً، سقط من فوقها وتحطمت ساقاة مثل انحطام غصنين يابسين ، أكثر ما كان يخشاه أن يكون عجَلُ الدراجةِ قد تحطم ،... بعد ذلك بكثير وحين أفاق ظل مواظبا على الجلوس فوق دكة الباب المائلة نحو مطلع الفجر حتى بعد فقده لساقيه ، لم يعد يحلم بدراجة ولا بساقين وراح يحلم بكرسي ذي دواليب يقوده بيديه ... استمرّ ذلك طويلاً ..صباحا ومساءً بعدما توضب أمه الدكةَ وهي تحرص على أن تكون مثل كرسي بمسندين، تضع كثيرا من الخِرَقِ على الجانبين ، يواصل جلوسه بصمت وحين يظن أن العيون ابتعدت يتكئ على الحائط المملوج بطين أحمر يكاد يكون بلون الدم المصاب بالفقر، ينظرُ إلى كفيه وساعديه الشاحبين ثم يحركهما كمن يقود عجلة كرسي ذي دواليب ثم يستمر حلمه بكرسيّ ذي عجلاتٍ فضيةٍ لامعةٍ هذه المرة.... في يومٍ آخر قالت أمه لجانيت الناشطة بمنظمةٍ تخصّ ضحايا الحرب ردا على سؤالٍ وهي تجوب أحياء الفقراء المنكوبة بالتوما هوك : -هو يحلم دائماً،قبل هذا كان يحلم بدراجةٍ حمراء ذات عجلتين ففقد ساقيه كما ترين والآن يحلم بكرسي ذي أربع عجلات، وأردفت: - أنا متشائمة يا (ستّ) ربما ذلك يعني أنه سيفقد ذراعيه أيضا بقصف آخر جانيت وهي تطل من شاشة التلفاز قالت: -هربت إلى الأردن وعجزت أن أوفر لهذا الطفل عجلة َحلمهِ كرسيّ بدواليب ولم يأبه أحدٌ لأمرهِ وأنا هنا بعدما تلقيت تهديدا بالخطف ، كان صوت جانيت مشوبا برنة حزن عميق بيدَ أن (هاشم حواسم) كان ينصت إلى جانيت وهي تنثر الحزن العميق من بين انفراج وانطباقِ شفتيها المتحركتين فوق زجاج الشاشة، نظر إلى حوش الدار ، رأى الكرسي ذي الدواليب الذي سلبه من المشفى العسكري يوم استباحَ الأمريكيون بغداد وفلتَ الزمام، كان مرميا في زاويةٍ من الحوش، تململت دودة العاطفة في صدره إثر دفقات الحزن التي نثرتها جانيت، قال في سرّهِ: الأولاد شبعوا لعبا بهذا الكرسي ، تحرك نحوه ، قَلبَهُ يمينا وشمالاً، لازالت عجلاته صالحةً رغم أن قماشتي المقعد والمسند قد اهترئتا إلا أنه لا زال كرسيا بدواليب، انتبه جيدا حين كانت جانيت تسترسل في الحديث الحزين ، عرف أين يسكن الصبي مبتور الساقين، في الصباح الباكر حمل الكرسي ذي الدواليب، طرق الباب، تركه قريبا منه، لصيقا للدكةِ وانسل بصمت سالكا دربا جانبيةً لكي لا يكتشف ذلك أحد....وراح يبصّ من وراء جدار شعر هاشم حواسم أنه قد فعل شيئا جيدا وعندما وصل إلى داره كان سعيدا ولأول مرة سمعته امرأته يغني.وهو صاحٍ ..... لقد خبرت صداحه عندما ينتشي وزجاجة العرق في حضنه بيد أن غناءهُ هذه المرة كان كالبكاء أيام قليلة مضت وقد أتقن الصبي قيادة الكرسي فقد كان يقوده دائما في الحلم وعلى دكة الباب، كان عليه بعد ذلك أن يبيع السكاير على الرصيف ، الأمر هيّن فأبوه يجلب له السكاير من الشورجة إذ صنع لهُ صندوقا بحزام تعليق على الرقبة والصندوق يستقر في حضنه وكان الأمرُ سهلا على الرغمِ من ضيق الرصيف إلا أن الناس كانوا يفسحون له فهم أصحاء وهوبلا ساقين وهكذا بدت الآمال تحوك بساطها الوردي في رأسه الصغير ... بعد شهر رجع إلى البيت ووجهه يلبس قناع الهمّ ، لاحظت ذلك أمه: -ها ..؟..مالك يا ولدي هل تعبت؟ -لا يا أمي ..لكن! -لكن ماذا ؟ -جدران الكونكريت ...وضعها الأمريكان -ما لها؟ - تعيق عجلات الكرسي فلا أستطيع السيربه على الرصيف -.......!!!! آه إعاقة أخرى . . ياللحظّ ! -الرجل صاحب الدكان الذي أجلس تحت مظلته طردني ..قال: -المكان لايسعك أنت والكونكريت إبحث عن مكان آخر .
#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضامَكَ الشوقُ
-
قلب النار
-
الوقوف على بساط القصيدة عند خديجة غربوب
-
يا جارةَ الروح
-
ليلتي لائلة
-
خديجة غربوب تصنع بدلة الإمبراطور غير المرئية
-
إستيقاظ
-
الأمم المتحدة
-
موجدة -قصيدة
-
إجتماع
-
وجد- قصيدة
-
قميص أحمر-بحر أزرق
-
لاتسأل الدار -قصيدة
-
حلول - قصة قصيرة
-
خيبة
-
مرثية الليالي - قصيدة
-
توجس - قصة قصيرة
-
أمنيات - قصيدة
-
صليل السلسلة -قصيدة
-
ظنون- قصة قصيرة
المزيد.....
-
ثبتها الــــآن .. تردد قناة ناشونال جيوجرفيك لأعظم الأفلام ا
...
-
الفائزة بنوبل للآداب هان كانغ: لن أحتفل والناس يقتلون كل يوم
...
-
علاء عبد الفتاح: الناشط المصري يتقاسم جائزة -بن بنتر- الأدبي
...
-
اعلان 1 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 167 مترجمة Kurulu? Osma
...
-
-مندوب الليل- يحصد جائزة الوهر الذهبي واحتفاء بالسينما الفلس
...
-
عفيف: من المؤسف ان بعض وسائل الاعلام في لبنان تصدق الرواية ا
...
-
روسيا تسلم سوريا قطعا أثرية اكتشفها الجيش الروسي في تدمر
-
الإمارات العربية إلى جانب 6 دول أخرى تشارك في مهرجان -أسبوع
...
-
دور قبائل شرق ليبيا في الحرب العالمية الثانية
-
الاستشراق البدوي.. الأساطير المؤسسة لرؤية الغرب للشرق
المزيد.....
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
المزيد.....
|