أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - غزو العراق ومنطق ديكارت السقيم















المزيد.....

غزو العراق ومنطق ديكارت السقيم


طلال الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5222 - 2016 / 7 / 13 - 09:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في اعقاب صدور تقرير تشيلكوت بخصوص دور رئيس الوزراء البريطاني توني بلير غير المبرر بالمرة في احتلال العراق, يصر بلير على القول انه اتخذ قراره بغزو العراق بدوافع "حسن النية"(1). لذلك لايكترث بلير لما يتضمنه تقرير تشيلكوت المؤلف من اكثر 2 مليون كلمة والمحتوي لفقرات طويلة وعديدة بخصوص الكوارث والمآسي التي لا تحصي ولا تعد التي سببتها هذه المذبحة العالمية ومضاعفاتها العاتية على الشعب العراقي. بلير, المحامي اصلا (2), يريد ان يوحي لنا ان مقياس صحة الافعال هو النيات: فاذا كنت, مثلا, اقود سيارتي باتجاه معاكس للسير وتسببت في مقتل العديد من الاشخاص, فانه يمكنني دوما, كحجتي في الدفاع, ان ازعم اني لم افعل شيئا خاطئا لانه لم يكن في حسباني او في نيتي ان اقتل اي شخص, وكل ما فعلته هو السير في الاتجاه المعاكس واني اعتذر لمقتل الاشخاص السيئي الطالع الذين صادف وجودهم قيادتي لسيارتي في الاتجاه المعاكس, والذي كان مبعثه, للتأكيد ثانية, حسن نيتي. فالطبيب الجراح قد يحاجج ان حسن نيته كان مبعثه رغبته العارمة, كطبيب مخلص لعمله وحريص على انقاذ مرضاه. وصوله باسرع وقت الى المستشفى لاجراء عملية مستعجلة اذا كان تأخير اجراءها جراء السير في اتجاه المرور الصحيح كان سيسبب, وفق منطق لوغاريثمي للاحتمالات الطبية (3), بموت الشخص المريض.

وعندما نستغرب من منطق هذا الطبيب الجراح, فانه يسارع بالنظر الينا بكل استخفاف وازدراء وكأنه يوبخنا ويؤنبنا على قصور عقولنا ولكوننا لا نوازيه ذكاءً ولا حصافة عقل, وأللا لاستطعنا بكل يسر وسهوله ادراك ان ما سببه هذا الطبيب الجراح هو عين الحق, والحق يعلى ولا يعلى عليه, فهل هناك اعلى من حق يمليه منطق العلم والطب ورياضياته ومدعوما باخلاقيات طبية حميدة لا غبار عليها؟

وهل سنحتاج الى Isaiah Berlin, الذي يعتبره العديد اكبر عقل عرفه القرن العشرين (4), لنعلم ان منطق الطبيب الجراح, كتجسيد كاريكاتيري مصغر لمنطق اكثر اعوجاجا بما لا يقاس, منطق تبرير غزو العراق من قبل بوش وبلير, الذي سبب بمقتل وتشريد الملايين من العراقيين, هو منطق اعوج وسقيم؟

والبعض يعتقد, انسجاما مع قواعد المنطق الاعوج او السقيم, ان الغرب ومنطقه هو منطق الحق, خصوصا اذا كان مبعثه حسن النية! وطبعا ان من يقرر حسن النية من عدمها هو من يتخذ القرار وينسبه (قسرا!) الى حسن نيته. ومنطق هؤلاء, هم يزعمون, هو الحق بعينه كونه منطق حق القوة. فهم يؤمنون, بايمان يعادل ايمان المتدينين الاشداء بعقائدهم الدينية, ان الحق هو (احد تفرعات) منطق القوة ,وبذلك يصبح الحق معادلا منطقيا للقوة! وهم لا يخضعون مساواتهم للحق بالقوة لاي تساؤل او تشكيك لكونهم يعتقدون ان اتًباعهم قواعد المنطق الاعوج يعفيهم من التمحيص والتنقيب والسعي لمعرفة الحقائق كما هي, وليس كما تمليه قواعد منطقهم السقيم.

وهؤلاء ليس فقط لا يأبهون ل Berlin ولا يسعون الى اخضاع تفكيرهم الى قواعد المنطق السليم, ولكنهم لا يأبهون الى ما قاله غيره ايضا, مثل الفيلسوف الوجودي Kierkegaard الذي قال ان الحق لا تقرره الاغلبية, لان الاغلبية صنو للقطيع, والقطيع عديم العقل (5). وهم ايضا يخافون التفكير اكثر من خوفهم الموت. ولكننا نعلم ان الحق هو صنو للقانون الطبيعي. فنحن لا نستطيع الغاء (قانون) الجاذبية اذا قررت الاغلبية, لسبب او لآخر, بانعدام وجود الجاذبية او قانونها, وذلك لاسباب منها انهم لربما لم يسمعوا من قبل بنيوتن وقانونه, او لكونهم يعتبرون علمه علما بائدا او شيئا من هذا القبيل. وفي كل الاحوال ليس هنالك ما يستدعي هؤلاء لتبرير تصويتهم بالضد من وجود الجاذبية, فكلمتهم هي القانون وهم يرفعون انفسهم, شاؤوا ام ابوا, الى مصاف الآلهة التي تقول للشيئ "كن فيكون!" ولكنهم اذا كانوا متواضعين, قسرا او خيارا, فهم يضعون انفسهم في موضع الساحر الذي يكتفي بقول حوقلتة "افتح يا سمسم!", فتنفتح لهم عندها ابواب سمسم كما في افلام هوليوود للبالغين او الاطفال, ان كان هناك من ادنى فرق بين البالغين والاطفال في هذه الحالة.

ولكن لنترك الفلسفة وقواعد المنطق السليم او السقيم, فالقطيع لا يأبه بهذه "الترهات", لكونه مشغول دوما "باشباع حاجاته الاساسية!" وفق هرمية ماسلو في الاحتياجات البشرية (6). وعلى رأس هذه الاحتياجات, حسب عالم النفس ماسلو, هو الحاجة الى البقاء على قيد الحياة. اما حاجتهم الى برلين وكيرككَارد فتأتي في قعر السلم الهرمي. فهم يصرون على العيش كالحيوان رغم وضعهم قناع الانسان. ولكن هرمية ماسلو تتناسى ما لا يمكن تناسيه في عصرنا الراهن: انه بالرغم من اشباع الاحتياجات الاساسية, الا ان الرغبة, بمفهوم علم التحليل النفسي, لا يمكن اشباعها ابدا (7). ولذا تستمر الرأسمالية في العيش لكونها تخلق على الدوام احتياجات اصطناعية يسعى غالبية البشر الى اشباعها عن طريق المزيد من الاستهلاك القاتل للروح والملوث للبيئة. ولكن كيف يمكن للاغنياء ان يزدادوا غنى وللفقراء ان يزدادوا فقرا اذا لم ينهمك الكل, في سباق ماراثوني محموم, في الاستهلاك؟ وكأن سباقهم هو الوسيلة الاولى والاخيرة لاسترجاع اصالتهم كبشر وازالة اغترابهم كما تنبأ به ماركس. وكلما ازداد سعيهم لازالة اغترابهم بمزيد من الاستهلاك كلما فشل مسعاهم اكثر واكثر. والحقائق التي تدعم هذا الاعتقاد ملقاة حتى على قارعة الطريق. اما الذين يخشون الخروج الى الطرقات فيمكنهم, عوضا عن ذلك, قراءة رواية جون شتاينبك Of Mice and Men والتعرف على George Milton و Lennie Small في بحثهما عن العمل في كالفورنيا بعيد الكساد العظيم في 1929.

وهم كيانات عصابية ويعتقدون ان تلونهم كالسحالي سيعينهم على ارتقاء سلم ماسلو للاحتياجات البشرية, وان كنا نعلم حق العلم ان تلونهم لن يفيدهم قيد شعرة في اعتلاء سلّم ماسلو او اي سلم غيره, على الاقل من وجهة نظر داروين في الاصطفاء الطبيعي (8).

ومشكلة هؤلاء لربما ليست مشكلة فنية ناتجة عن ضعف التدريب في اخضاع تفكيرهم لضوابط تحول دون الانصياع الى اغواء شياطين المنطق السقيم. فالاغواء هو بالنسبة لهم له اسم آخر, والاسم الآخر لا يعني سوى التبرير لانفسهم وللآخرين بحقهم في العيش. بالطبع ان حقهم في العيش امر لا يمكن ولا يجب التشكيك فيه حتى للحظة واحدة. ولكنه يصبح صنوا لمنطق شريعة الغاب عندما ينسون او يتناسون انهم ضحايا تفكير سقيم رائده هو رينيه ديكارت, رائد العلم الحديث وليس غيره, الذي قال قولته الشهيرة "اني افكر, اني اذا موجود". ومقولته هي عنوان حضارتنا, حضارتنا الغربية: فهل, بعرف منطق حق القوة, من حضارة غيرها؟ فديكارت لم يقل: "اني اشعر, اني اذا موجود".

وحضارة الحداثة, حضارة عصرنا, هي حضارة المستعمر القديم او الجديد, الحضارة الكارتيزية. فشعوب الحداثة هي الوحيدة القادرة على التفكير وتقرير ما هو صالح او طالح لشعوب ما قبل الحداثة, وما قبل الحداثة هو تعبير مهذب لما يعنوه, و لكنهم لا يجاهرون به لكونه غير لائق سياسيا, الشعوب البدائية, كالشعب العراقي بعرفهم. ويتحتم على الشعب العراقي التسبيح بحمد المحتل ليل نهار لانه فكر نيابة عنه, لعجزه عن التفكير, وعجزه عن التفكير, انسجاما مع ديكارت زعيم الحداثة, يعني ان الشعب العراقي ليس شعبا من البشر وليس له من حقوق كباقي الناس. فعلام اذا النحيب على موتاه حتى لو بلغ عددهم ما لا يحصى ولا يعد؟ وحكامنا, بعد الاحتلال او قبله, يوفرون كل ما من شأنه ليجعل التشكيك في منطقهم (يبدو وكأنه) من رابع المستحيلات.

ولكن الا يحق لنا ان نشكك في منطق ديكارت ونعتبره عليلا وسقيما؟ وهذا التشكيك هو بالضبط ما دفع المفكر و طبيب الاعصاب António Damásio الى كتابة كتابه الشهير Descartes Error: Emotion, Reason, and the Human Brain . انه الكتاب (9) الذي يعري منطق ديكارت المريض, ويدعو الى اعادة الاعتبار لمشاعر البشر وآلامهم. ان خطاب الكتاب يوفر الحجة والمنطق لاعادة تعريف الانسان. انه يدعونا الى سماع صيحات الألم ونحيب العراقيين. انه, من حيث يدري او لا يدري, يعرّف, على عكس بلير وبوش واتباعهما, العراقيين كبشر.
---------------
المصادر

1. Liars together to the end
https://socialistworker.org/2016/07/12/liars-together-to-the-end
2. Tony Blair Biography
www.biography.com/people/tony-blair-9214379
3 .Physiology physics woven fine
http://physiology-physics.blogspot.co.at/2008/05/logarithm-in-medicine.html
4. The Crooked Timber of Humanity: Chapters in the History of Ideas
http://press.princeton.edu/titles/9983.html
5. Kierkegaard on the Individual vs. the Crowd, Why We Conform, and the Power of the Minority
https://www.brainpickings.org/2014/11/26/kierkegaard-individual-crowd-conformity-minority/
6. Maslow s Hierarchy of Needs
http://www.simplypsychology.org/maslow.html
7. The Cambridge Companion to Lacan
http://www.english.upenn.edu/~cavitch/pdf-library/Braunstein_Desire.pdf
8. Adaptation
http://www.newworldencyclopedia.org/entry/Adaptation
9. Descartes Error: Emotion, Reason, and the Human Brain by neurologist António Damásio
https://bdgrdemocracy.files.wordpress.com/2014/04/descartes-error_antonio-damasio.pdf



#طلال_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقرير تشيلكوت يُثبِت صحة ما قلناه مرارا وتكرارا
- هجمات إرهابية تهز نظام بغداد العميل
- النقد الذاتي/الجلد الذاتي في الحزب الشيوعي العراقي
- فلسفة الطب ومجزرة اورلاندو
- العداء للمثلية الجنسية لا يقتصر على الاسلام
- جريمة بشعة لها جذورها في مجتمع مشبع بالعنف والكراهية!
- تسبيب النيوليبرالية للعنف واستفحاله مستقبلا
- النيوليبرالية نفسها تعترف بمثالبها وخطاياها
- -الفاشية الإسلامية-: -شاورما بدون بهارات!-
- رسالة عاملة منزل فلبينية الى ملك السعودية
- شاعرية الثورة في العراق من 1932 لغاية 1960
- اليسار الاوربي والاسلام: تجربة شخصية
- نيوليبرالية بريمر حطمت الزراعة العراقية
- الحزب لم يتخلى عن اللينينية لكونه لم يعتنقها اصلا!
- استخدام علوم الدماغ في مكافحة الماركسية المبتذلة
- السلطة في العراق تلجأ خداعا حتى الى ملكة بريطانيا لانقاذها
- الولايات المتحدة وسجلها المروع في انتهاك حقوق الانسان
- هل يمكن اصلاح العملية السياسية في العراق بدون التخلص منها؟
- صعود اليمين المتطرف في أوروبا ومشكلة اللاجئين
- لم يفلحوا في اماتة لينين، أو حتى اماتته ثانية!


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - غزو العراق ومنطق ديكارت السقيم