أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رمسيس حنا - مقدمة فى الحمل العذراوى















المزيد.....


مقدمة فى الحمل العذراوى


رمسيس حنا

الحوار المتمدن-العدد: 5203 - 2016 / 6 / 24 - 00:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا يوجد أنثى بشرية تحولت صفتها أو حالتها الجسدية من حيث كونها عذراء أو ثيب الى صفة مستدامة (permanent quality) و لصيقة بها (pertinent) و خصوصية (forte) و خاصية (characteristic/trait/attribute) و تعريف (definition) و تحديد (designation) و إسم مميز(distinguished name) لها بالذات إلا مريم العذراء والدة السيد المسيح. فكثير من العائلات يطلقون على بناتهن إسم "مريم" و لكن لا يوجد أنثى من البشر تُلقب أو تُسمى بـ"العذراء" غير مريم أم المسيح. فأنت عندما تقول: "العذراء" فإن مستمعيك أو قُرَّاءك يعلمون من تقصد و عقولهم تعلم أين تتوجه. و العذراء مريم أو مريم العذراء أو العذراء فقط هى وحدها التى أصبحت نهجاً و نبراساً و رمزاً للعفة و الطهارة و الامومة التى يتطلع اليها المثاليون و الرهبان و الراهبات و عامة المؤمنين من الناس فى الشرق و الغرب.

و العذراوية المستدامة أو الدائمة – حتى بعد الموت – ليست واردة فى أى ثقافة غير الثقافة المريمية التى حتى بعد أن ولدت السيد المسيح و حتى بعد موتها ظلت عذراويتها محفوظة و قائمة فلم يتحلل جسدها بل رُفِع الى السماء؛ و من ثم تكون مريم هى الوحيدة – دون نساء العالمين – ذات العذراوية الدائمة. هكذا يؤمن المسيحيون – خاصة – التابعون للمذهبين الكاثوليكى و الأرثوذوكسى و كثير من التابعين للمذهب البروتستانتى؛ و مثل هكذا أيضاً يؤمن المسلمون بمختلف طوائفهم. و ربما تكون العذراوية المريمية هى من الأمور القليلة التى أجمع عليها المتبوعون و التابعون فى المسيحية و فى الإسلام؛ حتى أصبحت العذراوية المريمية بصفة عامة هاجس محبب لكل الناس و يتجلى ذلك واضحاً من أعداد الناس الذين يرتادون أو يزورون الكنائس و ألاديرة المقامة على إسم العذراء فى جميع أنحاء العالم. بل يمكنك أن تعلم الى أى مدى يتعلق الناس بأمل رؤية العذراء فى تجلياتها و ظهوراتها التى يزعم كثير من الناس فى مختلف بلاد العالم أنهم شاهدوها عياناً بياناً. فهل هناك ما يبرر أن تتحول مريم من فكرة مجردة (abstract/insubstantial idea) الى كيان محسوس (concrete being) و العكس أى تتحول من كيان محسوس (concrete being) الى فكرة مجردة (abstract/insubstantial idea) قد لا يفهما المؤمنون البسطاء و لا يهمهم أن يفهموها طالما أن صورة مريم المحسوسة (concrete) ما زالت موجودة بعقولهم؟؟ و هل العذراء مريم أو مريم العذراء هى الوحيدة – حتى و لو كانت إسطورة – التى تم لها الحمل و الولادة العذراوية؟؟ فإذا لم تكن الوحيدة فلماذا لا يعلم أحد عن الأخريات؟؟ و لماذا لم يعط التابعون لأمهات الهتهم كل الإهتمام و كل الإحترام و كل التبجيل و كل التعظيم الذى يقدمه المسيحيون و المسلمون للعذراء مريم؟؟ و هل يتم هذا الأهتمام و هذا الإحترام و هذا التبجيل لمريم لعذراويتها أم لولادتها للمسيح ام لهما معاً؟؟ إن إرتباط عذراوية مريم بولادتها للمسيح إرتباط متلازم فلا عذراوية لمريم بدون ميلاد المسيح و لا ميلاد للمسيح بدون عذراوية مريم؛ فهل ميلاد المسيح بدون أب (بشرى) ميزة (privilege) و خصوصية (characteristic/specialty/attribute/forte) تعطى له قوة و سلطة (power) و تمثل له عضد (support) فتساعده فى رسالته، أم هى نقطة ضعف (point of flaw) تؤدى الى إنصراف الناس عن رسالة صاحبها؟؟ و ما هى حكمة الإله فى أن يرسل نبياً أو رسولاً من البشر و فى نفس الوقت فإن هذا الرسول خارج عن طبيعة وجودية البشر؟؟ و لماذا المسيح دون سائر الأنبياء و البشر هو الوحيد الذى ولِد بدون زرع بشر (بدون أب) فى وجود ثقافى يعول كثيراً على النسب البيولوجى و يتفاخر به كركيزة أساسية للإنتماء و شرف النسب فتكسبه مكانة إجتماعية و مصداقية لرسالته بين جموغ البشر الموجهة لهم الرسالة خاصة و أن هذا الإنسان لم يكن لديه أى قوة لإجبار الناس على إتباعه؟؟ فإذا لم يكن المسيح هو الأله أو النبى الوحيد الذى وِلِد من عذراء فهل هناك اَلهة اُخرى تمت لهم الولادة من عذراوات أو عذارى؟؟ و هل هناك تشابه بين اَدم و بين المسيح من حيث وجودهما أو وجوديتهما؟؟ كانت و ما زالت مثل هكذا أسئلة مثار جدل كبير حتى بين التابعين للطائفة الواحدة منذ أن تبلورت المسيحية لتصبح ديانة فى المنظومات الإجتماعية. و لكن الجميع يجمعون على أن حمل السيدة العذراء بالمسيح هو معجزة و عمل إعجازى ذو صفات و خصائص ميتافيزيقية قد لا يمكن أن يدركها الذين يحاولون إخضاع الحدث للفوحوصات المعملية و التجارب العلمية.

أن ثقافة الحمل العذراوى (virginal conception) لم تستحدثها او تبتدعها المسيحية و أقرها الإسلام. و لكنها هى جوهر عقيدى فى كثير من الميثولوجيات اللاهوتية (theological mythologies) قبل ما يُسمى بالأديان الإبراهيمية وفى جميع مراحل تطور العقل البشرى و فى جميع حضارات الإنسانية منذ نشأتها فى محاولاتها للبحث عن كينونة تحقق للإنسان أغراض ستة: أولها ألبحث عن و إيجاد شخصية كلية الطهارة لا تأتى بطريقة الإتصال الجنسى الذى حولته أو جعلته كثير من الثقافات الإجتماعية خاصة الشرقية منها الى نوع من النجاسة ثم خطيئة كبيرة من الكبائر التى يصعب على معظم الثقافات أن تتسامح معها؛ ثانيها محاولة الإنسان للتغلب على ظاهرة الموت التى لم يستطع الإنسان أن يتغلب عليها أو حتى يجد لها مبررأً – و ليس سبباً؛، فرأى أن خلوده و بقاءه يقع فى إمتداد جنسه أو نوعه. و ثالثها محاولة الإنسان للتواصل مع قوة خارقة تعينه فى حالات ضعفه الشديد إذاء بطش قوى الطبيعة و فداحة أمراضه الفتاكة؛ و رابعها مساعدته على تحقيق معرفة ذاته و تفسير المتناقضات فى ذاتيته بعد أن تم تغريب ذاته فور طرده من الجنة، و الغربة أو الا غتراب به الى الإحساس الدائم بعدم الإنتماء و الشعور بعدم الرغبة فى وجوده من قِبل الاَخرين (تكوين أصحاح 15 عدد 13) و (مزمور 39 عدد 12) و (مزمور 119 عدد 19)؛ و خامسها إيجاد قيمة لذاته تنقذه من عبثية الحياة و الوجود؛ و أخيراً لتحقيق العدل (justice) الذى بالتالى سوف يرفع عنه الغبن (unfairness) و الظلم (injustice) و عدم المساواة (inequity) و القهر (subjugation/subdual) و الألم (pain) و التهديد (threat) الدائم الواقع عليه فى الحياة الدنيا سواءاً من سلطات إجتماعية لديها كل أسباب القوة أو من الطبيعة نفسها أو من الأمراض التى يتعرض لها و إحتمال فشل الأساليب الطبية فى علاجها.

و عندما عرف الإنسان الخير و الشر، عوقِب على المعرفة كما ورد فى سفر التكوين رغم أن جميع أتباع الديانات الإبراهيمية يصرون على أن عقاب الإنسان الأول (اَدم) لم يكن بسبب إشباع غريزة حب الإستطلاع (inquisitiveness/curiosity) التى هى إحدى المكونات الأساسية للعقل البشرى و محاولته لمعرفة و إستكشاف معانى الأمر الذى خاطبه به الإله بالا يأكل من شجرة معرفة الخير و الشر؛ و يصرون على أن العقاب الذى أوقعه الإله على اَدم كان بسبب العصيان و مخالفته لأمر الإله و أكله من الشجرة التى نهاه الإله عن الأكل منها. و بفعلته هذه أُعُتبِر اَدم من قبل السلطة الكهنوتية مارقاً و خارجاً على طاعة الأله. و بناءاً على هذا السلوك أو المسلك يُعتبر متمرداً و عاصياً كل من يخرج على طاعة وكلاء الإله من الكهنة و السلاطين. ولأن الخير و الشر الذين عرفهما اَدم الإنسان لم يكونا الخير المطلق و لا الشر المطلق؛ فأراد أن يتوصل اليهما فأخترع الإنسانُ الإزدواجية أو الثنائية (duality/dualism/bilateralism/duplications) حتى يستطيع أن يفسر الظواهر و المظاهرات المتناقضة فى الطبيعة و فى نفسه؛ فجعل للخير المطلق كيان مستقل بذاته و سماه (الإله) الذى يأمل منه أن يرد له اللذة و المتعة فى الحياة التى كان يعيشها قبل إرتكاب معصيته، و جعل للشر كيان قائم بذاته و سماه (الشيطان) و الذى به و منه ينشأ المه و عذابه.

و لكن مفهوما الخير و الشر لم و لن يكونا مطلقين إطلاقاً لأنه لا يوجد شيئ مطلق على الأرض؛ و بالتالى سوف تتعدد المفاهيم الخاصة بهما و بدلاً من أن يكون لدينا مطلق واحد أو حتى مطلقين تعددت المطلقات مما أدى الى الصراع بين هذه المطلقات؛ و للدقة أكثر فأن الصراعات و الحروب تكون بين أتباع أصحاب المطلقات. و بالتدريج بدأ الإنسان يتصور أن الصراع بين الخير النسبى و الشر النسبى هو صراع بين الخير المطلق و الشر المطلق أى أنه صراع بين إله الخير الذى يتبعه هو و الشيطان (إله الشر) الذى يتبعه الأخرون؛ و فى هذا الصراع الأبدى قد يبدو الشيطان مالكاً لزمام الأمور فى بعض الأحيان و فى بعضها الاَخر يبدو الإله هو القابض بزمام الأمور لأن موضوع الصراع بين الإله و الشيطان هو – للأسف الشديد – ملكية الأنسان و من منهما يضم اليه أكبر عدد من البشر و يسيطر عليهم.

و لكن يبدو أن وسائل الشيطان مطلق الشر الأول الذى إخترعه كل فريق و أجمع على خصائصه كل الفرقاء أكثر واقعية و أسهل و أصدق تحقيقاً لوعوده و أكثر إغراءاً و أكثر جاذبية للإنسان؛ و من ثم كان لابد لحزب الإله أن يدخل هذه الحرب بالوكالة عن إله الخير، و إستخدمت أحزاب الإله كل المغريات التى يستخدمها الشيطان من نساء (سبايا) و من ثروات و غنائم و أسلاب؛ و لكن يظل الشيطان "الحقيقى" اكثر جاذبية من الإله فهو لا يضم اليه الناس بالقوة و لا يقدم لهم وعوداً أو وعيداً بعد الموت و لا يطالبهم بأن يحاربوا عنه و لا يحرم على الناس أشياءاً على وعد أنه سوف يبيحها أو يسمح لهم بها بعد الموت؛ فسياسة الشيطان مع البشر تبدو أكثر حكمة و أكثر واقعية و أكثر صدقاً و أكثر نفعاً للبشر. و أخلاق و مبادئ الشيطان ربما تسمو و تعلو فوق مبادئ أحزاب الإله لأن الشيطان يقدم مجالات أوسع من الإختيارات و لا يحرض على الحروب بين البشر عكس الإله الأبراهيمى الذى يحث و يشجع تابعيه على العدوان و الحروب. و رغم أن الشيطان لم يبعث رسلاً أو وكلاء له لينشروا أيديولوجية معينة له أو بمعنى معتقدات معينة بذاتها أو لترويج فكره إلا أن التابعين لحزب الإله دائمى الإتهام للشيطان بأنه هو الذى يوسوس للناس المختلفين معهم لكى يفكروا بطريقة تختلف عن طرقهم. و الأنكأ من هذا أنهم يؤمنون أن للشيطان قدرة غريبة و عجيبة لإختراق مخ و عقل الأنسان و السيطرة على تفكيره بل و مما زاد الطين بلاً أن هناك كثيرون يعتقدون ليس فقط فى إمكانية الشيطان أن يخترق عقل الإنسان و تفكيره بل أيضاً فى إمكانية إختراق الشيطان لجسد الأنسان و إمتلاكه له و السكنى فيه فيما يعرف بالمس الشيطانى أو اللبس الشيطانى (demonic possession) بل أن هناك كثيرون يعتقدون أن بعض البيوت أو الأماكن المهجورة مسكونة بالأشباح أو الشياطين أو العفاريت (demon haunted houses/places). بالإضافة الى ذلك فإن معظم – إن لم يكن كل – المؤمنين يعتقدون أن للشيطان مقدرة فى أن يظهر و يتشكل بأى شكل و فى أى صورة مادية محسوسة يريدها.

و فى مقابل ذلك و على العكس تماماً مما ينسبه المؤمنون من قدرات و أمكانيات للشيطان فى إختراق عقل الإنسان و السيطرة على أفكاره و لبس جسده و قدرته على الظهور و التشكل بأى صورة و بأى شكل – مما يدل على تفهم الشيطان لحدود و إمكانيات و أحتياجات الأنسان – فأنهم ينزهون الإله عن كل هذه القدرات و الإمكانيات و خاصة إمكانية الظهور أو حتى التجلى للإنسان فالإله لم يظهر لأحد ممن يدعونهم المؤمنون – أو ممن يدعون أنفسهم – أنهم صفوته و إختياره من أنبيا أو رسل. فموسى الوحيد من الأنبياء الذى يُدَّعى أنه كليم الإله لم ير الإله الذى يكلمه. ففى سورة الأعراف اَية 143 يتجلى الإله للجبل فيندك دكاً و يخر موسى صعقاَ و لكنه لا يرى الإله: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.) و فى سورة طه من الاَية 9 الى الاَية 12 يكلم الإله موسى من خلال شجرة مشتعلة بالنيران و لا يظهر له فى أى شكل؛ أى أن الإله أخفى نفسه وراء شجرة أو تجلى للشجرة مشتعلة بالنيران و أجرى حديثاً طويلاً مع موسى و لكنه لم يظهر له اللهم إلا إذا جاز لنا القول أن الإله ظهر لموسى فى صورة "نار مشتعلة فى شجرة" و الشجرة لم تحترق: (9 هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى 10 إذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى 11 فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى 12 إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى.) و فى سورة القصص نقرأ الاَيتين 28 و 29 : (28 فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ 29 فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.) و فى سورة النمل الاَيات من 7 الى 9 تؤكد نفس الموقف (7 إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ 8 فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 9 يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.) و تتطابق تقريباً هذه الرواية القراَنية مع رواية العهد القديم فى سفر الخروج أصحاح 3 الأعداد من 1 الى 6. و لكن المثير للإنتباه فى النصوص التوراتية و النصوص القراَنية (سورة الاعراف اَية 143) أن الجبل يندك دكا و يخر موسى صعقاً عندما تجلى الإله للجبل و لكن لا تحترق الشجرة و لا يحدث شيئ لموسى عندما يكلمه من الشجرة المشتعلة بالنيران بل يباركه الإله كما بارك نفسه و بارك ما حول النار بما فى ذلك من المكان او الأشخاص (موسى نفسه). و لكن الذى يثير الإنتباه أن المتكلم موجود داخل النيران و أن صاحب الصوت و صاحب الكلام يعرف نفسه لموسى على أنه الإله. ففى الاَية 12 من سورة طه يقدم الإله نفسه بطريقة صريحة لا تحتمل أى تأويل أو أى تفسير (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) كما أن الاَية 8 من سورة النمل تثير الإنتباه حيث تبين أنه عندما وصل موسى الى موقع الشجرة المشتعلة بالنيران سمع صوت الإله من داخل النيران: " فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا" أى أن الإله يقول بُورك من هو موجود داخل النار (أى ذاته) بل أن الاَية التاسعة تؤكد على أن المتكلم من داخل النار هو هو الإله " يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " و نلاحظ هنا إستخدام حرف التوكيد و ضمير الغائب ثم يليه ضمير المتكلم المنفصل فى الجملة الخبرية " إِنَّهُ أَنَا الله" فهل هناك وضوح أو تأكيد أكثر من هذا فى أن المتحدث أو المتكلم من داخل النار المشتعلة بالشجرة هو الإله؟؟ و مثل هكذا يكون الخبر فى اَخر الاَية 29 من سورة القصص " يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " فالمتحدث أو المتكلم يعرف نفسه و ذاته لموسى (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) و (إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيم) و (إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) بكل ما فى هذه الأساليب من توظيف لأسلوب التوكيد بـ"إنه" فـ"إن" للتوكيد و "الهاء" ضمير غائب شخصى يضفى قوة و تشديد على التوكيد و يزداد التأكيد عندما يُسند ضمير المتكلم الى حرف التوكيد فى "إنى" ثم يأتى ضمير المتكلم المنفصل (أنا) الذى يصل بالتوكيد الى أعلى درجة من التشديد و الذى لا تجدى معه أى تأويلات أو تفسيرات تحاول أن تنفى محدودية الإله بالمكان. و لكن يظل السؤال قائماً لكى نرى ماذا تقول التفاسير الإسلامية للرد على هذا السؤال: هل كان الله موجوداً داخل النيران عندما نادى موسى؟؟.

نقرأ فى كتاب "الميزان لتفسير القراَن"
(و أما المراد بمن في النار فقد قيل: إن معناه من ظهر سلطانه و قدرته في النار فإن التكليم كان من الشجرة - على ما في سورة القصص - و قد أحاطت بها النار، و على هذا فالمعنى: تبارك من تجلى لك بكلامه من النار و بارك فيك، و يكون قوله: "و سبحان الله رب العالمين" تنزيها له سبحانه من أن يكون جسما أو جسمانيا يحيط به المكان أو يجاوره الحدثان لا لتعجيب موسى كما قيل. و قيل: المراد بمن في النار الملائكة الحاضرون فيها كما أن المراد بمن حولها موسى عليه السلام).و قيل: المراد به موسى (عليه السلام) و بمن حولها الملائكة.) و قيل: في الكلام تقدير و الأصل بورك من في المكان الذي فيه النار - و هو البقعة المباركة التي كانت فيها الشجرة كما في سورة القصص - و من فيها هو موسى و حولها هي الأرض المقدسة التي هي الشامات، و من حولها هم الأنبياء القاطنون فيها من آل إبراهيم و بني إسرائيل. و قيل: المراد بمن في النار نور الله تعالى و بمن حولها موسى. و قيل: المراد بمن في النار الشجرة فإنها كانت محاطة بالنار بمن حولها الملائكة المسبحون. و أكثر هذه الوجوه لا يخلو من تحكم ظاهر) إنتهى الإقتباس من كتاب الميزان لتفسير القراَن. و لندقق فى عبارة " من ظهر سلطانه و قدرته في النار " و نسأل ماذا تفيد "مَنْ" و هى أسم موصول يُستغنى به عن ذكر الأسم العاقل الظاهر الوارد فى الاَيات المذكورة و هو "الله" و "ربك" و لكن يبدو أن المفسر أو الشارح يستحى أن يذكر الأسم و أستغنى عنه فجاء تفسيره غامضاً مع أن الاَيات و اضحة و صريحة جداً و لا تحتاج الى تفسير أو شرح.

و جاء فى "مجمع البيان" فى تفسير القراَن:
(عن الحسن و قتادة “ فلما جاءها” أي جاء موسى إلى النار يعني التي ظن أنها نار و هي نور” نودي أن بورك من في النار و من حولها" قال وهب لما رأى موسى النار وقف قريبا منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة لا تزداد النار إلا اشتعالا و لا تزداد الشجرة إلا خضرة و حسنا فلم تكن النار بحرارتها تحرق الشجرة و لا الشجرة برطوبتها تطفىء النار فعجب منها و أهوى إليها بصغث في يده ليقتبس منها فمالت إليها فخافها فتأخر عنها ثم لم تزل تطمعه و يطمع فيها إلى أن نودي و المراد به نداء الوحي "أن بورك من في النار و من حولها" أي بورك فيمن في النار و هم الملائكة و فيمن حولها يعني موسى و ذلك أن النور الذي رأى موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتقديس و التسبيح و من حولها هو موسى لأنه كان بالقرب منها و لم يكن فيها فكأنه قال بارك الله على من في النار و عليك يا موسى و مخرجه الدعاء و المراد الخبر قال الكسائي تقول العرب باركه الله و بارك عليه و بارك فيه و قيل بورك من في النار معناه من في النار سلطانه و قدرته و برهانه فالبركة ترجع إلى اسم الله و تأويله تبارك من نور هذا النور و من حولها يعني موسى و الملائكة و هذا معنى قول ابن عباس و الحسن و سعيد بن جبير و قيل معناه بورك من في طلب النار و هو موسى (عليه السلام) فحذف المضاف و من حولها الملائكة أي دامت البركة لموسى و الملائكة و هذا تحية من الله سبحانه لموسى (عليه السلام) بالبركة كما حيا إبراهيم (عليه السلام) بالبركة على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا رحمة الله و بركاته عليكم أهل البيت ثم نزه سبحانه نفسه فقال «سبحان الله رب العالمين» أي تنزيها له عما لا يليق بصفاته تعالى عن أن يكون جسما يحتاج إلى جهة أو مكان يوجد فيه.) إنتهى الإقتباس من كتاب مجمع البيان. و نحن نسأل أيضاً هل من فى النار هم الملائكة؟ و إذا كانوا الملائكة فما الغرض من تواجدهم هناك؟ و هل كان الصوت الذى نادى موسى و الذى أوله المفسر أو الشارح على أنه "صوت الوحى" هو صوت صاحب الوحى "الله" ام هو صوت أحد الملائكة. فإذا كان صوت أحد الملائكة فهل يقول الملاك عن نفسه (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) و (إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيم) و (إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)؟؟؟ و مثل هكذا تأتى التفاسير غامضة و متهربة و مترهبة و متخوفة مما هو واضح و لا يحتاج الى تفسير.

و فى جميع الحالات يظل الإنسان العادى هو الضحية الفعلية لغموض التفاسير كما هو ضحية للصراع الدائم بين الخير و الشر سواءاً كانا نسبيين أو مطلقين؛ أى أن الإنسان المسكين الفقير التابع هو ضحية الصراع بين الإله و الشيطان و بالتالى بين حزب الإله و حزب الشيطان. و لأن لا الإله و لا الشيطان يظهران بحقيقتهما فكان لابد لهما من وجود طبقتين متناقضتين ترعى مصالحهما كل على حدا فظهرت طبقات الكهنة و السلاطين و الشيوخ التى إغتصبت فكرة الإله و حلت محله. و أصبحت فكرة الإله حكراً على جماعة معينة من يتبعها فهو من حزب الإله و من يختلف معها أو يتبع غيرهم فهم من حزب الشيطان. و ليس صدفة أن تطلق بعض المجموعات المسلحة على نفسها "حزب الله" و يطلق بعض الأشخاص على أنفسهم أسماء "اَية الله" و "سيف الله" و "المعتصم بالله" و "المنتصر بالله" الى اَخر تلك الأسماء المقترنة بالله حتى لا يعترض على سلوكياتهم معترض و من ثم أصبحت الفوضى هى السمة الغالبة بين المتبوعين و التابعين و غير التابعين.

فإذا كان هناك إله واحد حقيقى – حقيقة مطلقة – لماذا لا يتعامل مع البشر مباشرة؟ لماذا لا يكشف نفسه لهم؟ لماذا يُعّين هذا الإله و كلاء له من البشر ليكونوا وسطاء بينه و بين خلقه؟ هل هو غير قادر أن يتعامل أو يتواصل مع جموع البشر التى خلقها؟ أم أن جموع البشر غير قادرة على التعامل و التواصل مع هذا الإله؟ فإذا إستطعنا أن نجيب على السؤال الثانى بإقرار عدم مقدرة أو إمكانية جموع البشرعلى التعامل أو التواصل مع هذا الإله فإننا سوف نجد مبررات و أسباب كثيرة تعزو عدم معرفة الأنسان للتعامل مع الإله منها عجز الإنسان و قصور ملكاته عن إدراك الحقيقة المطلقة كما أنه لا حضور فعلى (actual) أو حسى (tangible) لهذه الحقيقة المطلقة فى حياته اليومية. على أننا لا نجد أى مبرر أو أى سبب لحجب الإله نفسه عن البشر و قصر نفسه على جماعة منهم (الأنبياء و الكهنة و الشيوخ). فإذا كان الإله يتعامل مباشرة مع جماعة دون عن البشر جميعاً فماذا يعنى ذلك غير المحاباة. لماذا يختبئ الإله وراء هذه الطبقة أو المجموعة من البشر؟ لماذا لا يكشف عن نفسه فيأخذ صورة الإنسان الذى يتعامل معه إذا كان الإنسان لا يستطيع إدراك الإله بالصورة الحقيقية و الفعلية التى هو عليها؟ لقد توصل المصرى القديم الى مقولة قد تبدو أكثر منطقية من أى نصوص دينية عرفها الأنسان و هى: "أن ملكوت السموات داخلك و من يعرف نفسه أو ذاته جيداً سوف يجدها."
دمتم بخير
رمسيس حنا



#رمسيس_حنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنير
- مفهوم العذراوية المريمية
- مفهوم العقل فى معجزات شفاء المرضى
- فاطمة ناعوت: رسالة
- نرجسية الإنسان فى النصوص الدينية
- نرجسية الأنسان فى النصوص الدينية
- النرجسية الموسوية
- مقدمة فى النرجسية الدينية
- تأصيل النرجسية (Narcissism) فى تطور السلوك الإنسانى
- النرجسية (Narcissism) أو أضطرابات الشخصية النرجسية (NPD)
- إسطورة صَّدَى و نارسيسس (Echo and Narcissus)
- السامى اللبيب يكشف عن عقدة كراهية المرأة (Misogyny)
- من الذى يدفع الثمن؟ فورة الغضب
- السامى اللبيب و التأصيل العلمى و النفسى لثقافة الأديان السال ...
- من الذى يدفع الثمن؟ 2 -الإكذوبة الكبرى-
- من الذى يدفع الثمن؟ 1
- من هو الله الذى يدحض وجوده السامى اللبيب؟
- أنياب الذاكرة -شعر-
- تأملات فى السقوط 3
- تأملات فى السقوط 2


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رمسيس حنا - مقدمة فى الحمل العذراوى