أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق محمد عبدالكريم الدبش - الدين السياسي ... وأثره التأريخي في المجتمعات البشرية !















المزيد.....


الدين السياسي ... وأثره التأريخي في المجتمعات البشرية !


صادق محمد عبدالكريم الدبش

الحوار المتمدن-العدد: 5201 - 2016 / 6 / 22 - 21:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الدين السياسي ... وأثره التأريخي في المجتمعات البشرية !
سؤال تطرحه مجريات الأحداث في العراق والمنطقة والعالم !.. ما هي خياراتنا كمجتمع نعيش الأحداث بكل تجلياتها وتفاصيلها !.. وهل الدين هو خيار وأساس في بناء الدول ؟
وهل قيمه وفلسفته ونهجه ، يتعارض مع بناء الدولة العصرية ؟ ( الدولة الديمقراطية العَلمانية ) ؟ والتي تقوم على التعددية والمواطنة والحرية الفكرية وحرية الضمير والمعتقد ! سنرى كل ذلك من خلال بحثنا المتواضع هذا ، ونستند في رؤيتنا هذه الى مجريات حركة التأريخ البشري ، وما توصل أليه الفلاسفة والمفكرين من بداية التأريخ وحتى يومنا هذا ، وبرؤية معرفية وعلمية ، نعتقد بأننا توخينا الموضوعية في تناول أحداثها ، وبشكل مختصر وسريع ، ومن دون المساس بالمعتقدات الدينية والفكرية وبقناعات الناس وخياراتهم ، والتي هي محترمة ، ونُجِلُ كل من يتفق معنا ومن يختلف ، أو من يختلف مع رؤية ما جاء في به الفلاسفة والمفكرين ، وما طرحوه من مفاهيم .
من خلال تتبع التطور التأريخي لوجود الدين في العلاقات الدولية ، يتضح لنا .. أنه لا توجد أي حضارة في التأريخ بلا دين وقيم وتقاليد تؤطر طقوسها وأشكال تنظيماتها ، كما يذهب لذلك العديد من المؤرخين ، مثل المؤرخ الأغريقي ( فلوتارخس ) و( ألبرت أشفيسر ) في فلسفة الحضارة و قصة الحضارة للفيلسوف ( لول ديورانت ) و( تونبي ) وغيرهم .
فالدين موجود في العلاقات الدولية ، عبر المراحل الرئيسية لتطور التأريخ الأنساني ، منذ بداية التأريخ .
تميزت الحضارة اليونانية القديمة [ 750-146 قبل الميلاد ] بتعدد الألهة !.. حيث بلغ عددها أثني عشر ، أي أن بلاد اليونان لم تشهد نظاما دينيا موحد ، أنما كان لكل مدينة ديانة وطقوس خاصة بها ، وكان الدين عاملا في التفرقة بين اليونانيين ، أكثر من كونه عاملا لوحدتهم ، وكانت النزعة لأنفصالية القبلية والسياسية تغذي الشرك وتجعل التوحيد مستحيلا .
وأدت حالة تعدد الألهة وأنتشار الأساطير ، وسيطرة الفكر الغيبي على حياة الناس الى بروز أتجاهات فلسفية لتفسير الظواهر المختلفة بعيدا عن الدين !,. مع سقراط [469-399 قبل الميلاد ] وأفلاطون ( 427-347 قبل الميلاد ) وأرسطو [ 384- 322 قبل الميلاد ] وذلك في محاولة للتقليل من مساحة تأثير الدين ، حيث كان من قبل سقراط، كان هناك رفض للتحليلات الدينية والمقدسة للظواهر الطبيعية وكان السؤال ( من أين أتى كل شئ ) ؟ ومن أشهر هؤلاء الفلاسفة طاليس [ 635- 543 قبل الميلاد ] والذي يعتبره البعض أول فيلسوف يوناني حاول أيجاد تفسيرات طبيعية للكون والحياة لا علاقة لها بقوى ألهية خارقة .
وكان مفهوم الخالق الأعظم لدى الفلاسفة اليونانيين يختلف عن مفهوم الديانات التوحيدية ، فالخالق الأعظم عند منظور أرسطو وأفلاطون لم يكن على أطلاع بكل شئ ولم يظهر نفسه للبشر عبر التأريخ ، ولم يخلق الكون ولن يحاسب البشر عند النزول .
وكان أرسطو يعتبر الدين فكرة لا ترتقي الى مستوى الفلسفة ، ويكتب في أي موضوع من مواضيع ما يكتبه بين الفضيلة ، التي هي دعامة العمل الأخلاقي ، وبين التعاليم الدينيىة.
، ويقول بأن المعرفة هي الحقيقة الخالدة ، أما الأيمان فهو أحتمالية مؤقتة .
كما سادت في اليونان القديمة بعض الفلسفات الدنيوية الأخرى ، مادية ديمقريطس ، حيث رأى ( 460-370 قبل الميلاد ) أن ليس في العالم ألا الخلاء والذرات ، منها تتألف جميع الموجودات ، فالذرات تتميز أحداها عن الأخرى .
ويرى أن حياة الكائنات الحية تعود الى ظروف والشروط الطبيعية للذرات وأنفصالها .
لقد زعزعت أراء ديمقريطس في النفس دعائم التصورات الدينية التقليدية ، كما فقدت الألهة صفاتها الخارقة ، فهم كالبشر ، مركبون من ذرات ، ألا أنهم أقوى وأكثر حكمة ، لكنهم لا يصنعون المعجزات .
ظهرت مجموعة من الأمبراطوريات التي لعب الدين فيها دورا محوريا ، سواء في نشأتها أو في حركتها ، وعلاقتها بغيرها من الأمبراطوريات .
ومن هذه الأمبراطوريات يمكن رصد دور الدين في تاريخ الأمبراطورية الرومانية ، والتي تعد من أعظم حضارات أوربا بعد الحضارة الأغريقية ، ويرحع تأريخها من يوليوس قيصر ( 44 قبل الميلاد ) .
بدأت المسيحية بالأنتشار في فلسطين ، التي كانت جزء من الأمبراطورية الرومانية ، ثم أنتشرت في الجزء الأوربي .
رغم ما مرت به الأمبراطورية الرومانية في القرنين الثالث والرابع ، من تفكك وأنحلال ، ألا أنه أزدهرت فيها الحياة الروحية والدينية ، ويكشف ذلك أن الناس في أوقات الأزمات السياسية والأقتصادية يتجهون دوما نحو القوى الروحية ويتعلقون بها ، أملا في الخلاص والنجاة .
ان الديانة الرومانية لم يكن لها وقعا عاطفيا في نفوس الناس الذين كانوا يقومون بعبادة الأباطرة ، أو تقديم القرابين للألهة الوثنية ، لا لشئ !.. سوى لقضاء مصالحهم الدنيوية الخاصة .وفي وسط هذا الفراغ الديني ، لم يجد أهالي الأمبراطورية وسيلة غير العقائد الدينية المختلفة القادمة من الشرق وهي عديدة وأخرها المسيحية .
وفي هذا الأطار رفض المسيحيون الأعتراف بأي عقيدة أخرى ، وأخذوا يجتمعون سرا لممارسة طقوسهم الدينية ، كما رفضوا أداء الخدمة في الجيش الروماني ، وأتخذوا يوم الأحد أول أيام الأسبوع ليكون ذا صفة دينية بدلا من السبت عند اليهود .
ظل الأباطرة الرومان يضطهدون المسيحيون الأوائل حتى مطلع القرن الرابع الميلادي ، ويحاولون القضاء على هذه الديانة بالقمع والدماء ، مثل نيرون ودقلديانوس وجالريوس ، حتى تغير موقف الأمبراطورية الرومانية من الديانة المسيحية تغيرا جذريا بأعتلاء الأمبراطور قسطنطين العرش ، فقد صدر مرسوم ( ميلان الشهير سنة 313 م ) أعترف فيه بالمسيحية على قدم المساوات م مع بقية الديانات الأخرى المعترف بها داخل الأمبراطورية .
عندما أشتد الجدل والخلاف المذهبي خشي الأمبراطور قسطنطين أن يؤثر على وحدة الأمبراطورية ، دعا الى عقد مجمع ديني في ( نيقية سنة 325م ) لحسم الخلاف ، وكان هذا المجمع أول مجمع مسكوني عالمي في تأريخ الكنيسة .
وهكذا أصبحت الدولة مجبرة على أن تكون طرفا في كل الخلافات الكنسية ، ولم تعد الخلافات المذهبية من خصوصيات الكنيسة وحدها ، بل كانت تتأثر بالظروف السياسية .
أن تدخل الكنيسة في شؤون السلطة الزمنية أخذ يستفحل بأزدياد ضعف الأمبراطورية الرومانية وأنحلالها ، حتى أنتهى الأمر بأن حلت الكنيسة محل الأمبراطورية الرومانية عندما غربت شمس الأخيرة في غرب أوربا ، والذي ساعد الكنيسة على أن يأخذ أساقفتها بدورما ، بأن يضطلعون بأعباء التنظيم الأداري في أقاليم الأمبراطورة ، أضافة الى النهوض بالتنظيم الكنسي ، والتي دفعت الكنيسة نتيجة لذلك ثمنا باهضا مقابل ما أحرزته من عظمة ، كلفتها التخلي عن سياسة التسامح من جهة ، وأنتشار الفساد !.. من رشوة وسرقة ومحابات في جهازها من جهة أخرى .، وأتساع نفوذها أدى الى أتساع الفجوة بين رجالها وجمهور لمسيحيين .
وغدى ألأمبراطور البزنطي ، أمبراطور القسطنطينية يمثل نوعا من القيصرية البابوية ، أي الجمع بين السلطتين السياسية والدينية ، أما في الغرب أختلف الأمر كثيرا !.. أصبحت لا تستطيع فرض سيطرتها على الكنيسة والدولة جميعا كما حدث في الشرق ، حتى وجدت الكنيسة الغربية ضالتها في شخص أسقف روما الذي تحول بكرسيه الى بابوية لها السيادة العليا على الكنيسة في مختلف بلدان العالم الغربي .
وخلاصة القول أنه في ظل عصر الأمبراطوريات ، وبصفة خاصة الأمبراطورية الرومانية ، أصبحت العلاقات الدولية تدور في وعاء ديني ، والتي أتسمت بتناحر عميق ودموي مثلما شاهدناه في الحروب الصليبية [ فكان البابا أربانوس الثاني .. 1088- 1099 م ، يرى أن وظيفة البابوية الأساسية هي القيادة العليا للحرب المقدسة ، ثم أن الحروب الصليبية هي بمثابة سياسة البابوية الخارجية ، فهي التي تدبرها وتتحرك وفقها ] ، مما أفرز شكا في أنسانية الديانات كلها أو بعضها ، وبدء تسخير الدين من قبل قوى أخرى لا تنتمي للمؤسسة الدينية .
يقول ( ول ديورانت ) في قصة الحضارة .. الجزء 27 ، وفي عام 1559 م نشر [ب ولس الرابع ) أول فهرس بابوي بالكتب المحظورة !!....وقد ورد فيه ثمان وأربعون طبعة مهرطقة للكتاب المقدس ، وأوقع الحظر على واحد وستين طابعا وناشرا ، وقد فرض على كل كاثوليكي الأمتناع عن قرءاة أي كتاب نشر سنة 1519 م دون أن يحمل أسمي المؤلف والناشر ومكان النشر وتأريخه ، وحرمت قرااءة أي كتاب بعد ذلك لم يحصل على أذن كنسي !!!
نرى ان رجال الدين الكنسي ، بذهنية التحريم ، يصادرون حرية الناس في القراءة والأطلاع .
أن العالم الغربي المسيحي لم يستطع التخلص من قبضة الكنيسة ألا بعد الثورة الداخلية التي قادها المصلحون الكنسيون ، والتي أدت الى أضعاف الهيكل التنظيمي والسلطة المركزية وتشتيت ولاء الأفراد .
ومن الأسباب الأخرى المباشرة لهذا الأنهيار ، الأسباب الأقتصادية ، وأنهيار المجتمع الأقطاعي وظهور طبقة جديدة على أنقاض هذا المجتمع ، وهي البرجوازية بمفاهيم ومثل جديدة ، وبأسلوب في الحياة والتفكير ، يختلف عن أسلوب العصور الوسطى ، وهذه جميعها أدت الى أضعاف الكنيسة وفقدان سيطرتها ومكانتها الدينية وأثرها على الجماهير .
يعتبر صلح ( وستفانيا ) أول أتفاق دبلوماسي في العصور الحديثة ، أرسى نظاما جديد في أوربا يقوم على مبدء سيادة الدول ، فقد كان من نتائجه تراجع أهمية البابوية كقوة سياسية في أوربا وتجريدها من حق التدخل في شؤون الكيانات السياسية ، ونقل ممتلكات الكنيسة الى سلطة الدولة المدنية ، وأنهاء سيطرة اللاهوت على العقل في أوربا ، والتوجه نحو العلم والفلسفة ، وأقامة العلاقات بين أتباع الطوائف المسيحية الثلاث على قاعدة التسامح الديني ، وأقرار مبدء الأحترام المتبادل بين القوى ذات السيادة ، فيما يتعلق بشؤونها الداخلية وبصفة خاصة الدين ، وهذا يعني أن القوى ذات السيادة مستقلة عن غيرها من القوى في أختيار الدين الذي تتبعه ، فضلا عن أن الدين لم يعد يمثل عاملا ذا أهمية في تأسيس الوحدات السياسة ، بل أصبحت الرابطة القومية هي الأساس في أقامة الدول .
يقول جون لوك في كتابه ( رسالتان للحكومة ) .. الحكم لا ينبغي أن يحمل في طياته أية معرفة عن الدين الحق ، وهو يقصد بذلك أعتبار جميع الأديان سواء ، وأن الحكم يجب أن يتجاوزها جميعا .وطالب مونتسكيو ( 1689-1755 م ) بوضع السياسة والتأريخ ! .. كعلمين بعيدا عن التصورات الأخلاقية والميتافيزيقية ، وهو يعني أستبعاد التفسير الديني للكون .
ويرى ميكافيلي ( الدين وسيلة يمكن أستغلالها سياسيا ، وليس شيئا يجب أن نؤمن به ، ويقول في كتابه الأمير .. أن الدين ضروري للحكومة لا بخدمة الفضيلة ، ولكن لتمكينها من السيطرة على الناس ، ويقول أيضا : من واجب الأمير أحيانا أن يساند دينا ما ولو كان يعتقد بفساده ، لذلك فقد كفر بالأخلاق المسيحية ثم كفر بالكنيسة الكاثوليكية وعلى رأسها البابا .
الدين السياسي ... وأثره التأريخي في المجتمعات البشرية !
نهاية الجزء الأول
صادق محمد عبد الكريم الدبش
22/6/2016 م .
الدين السياسي ... وأثره التأريخي في المجتمعات البشرية !
الجزء الثاني والأخير .
وأعتبر فولتير ( 1778 ) أن فلسفة التأريخ تقوم على أساس فكرة التطور التقدمي للمجتمع في الأستقلال عن أرادة الله ، وهي دعوة الى فصل الدين عن السياسة ويقول أيضا .. عصر النهضة والتنوير سوف يحل محل عصر القمع والتسلط الديني .
أما نيتشه ( 1844- 1900 م ) فقد تمييز بنقده الحاد للدين ، وبأعتراضه على فكر القطيع الذي يسيطر على البشر ، وأن على الأنسان أن يحرر عقله من أوهام الدين حسب رأيه .
لقد أجمع المفكرون الغربيون على ضرورة فصل الدين عن الحياة وعن الدولة ، وترك أمر الأيمان والكفر الى الأفراد بصفتهم الفردية ، وهو لا يحدد العلاقات مع الأخرين ، فلا ضرر منه مع أعتبار تصوراته عن الكون والأنسان والحيات ( الميتافيزيقية ) غير علمية وغير مسلًم بها ، كما لا ضرر من الألحاد أذا كان على النمط نفسه .
ووضع الفيلسوف دفيد هيوم ( 1711-1776 م ) نظرية متشككة للمعرفة ، تعتمد على التجريب ، والتي دمرت الأساس الميتافيزقي للاهوت الطبيعي .
كما أعتبر لودفيج فويرباخ ، والذي أثر بشكل كبير على فلاسفة أمثال أنجلس ، وماركس ، ودفيد شتراوس ، ونيتشه ، الله أختراعا بشريا وأنشطة دينية لتحقيق الأماني .
وأدرك العلماء في ذلك العصر ، أن المنهج الذي يطبقه العلماء الطبيعييون، يمكن تطبيقه على العلوم الأنسانية ، وقد ساعد على ذلك أن أن العلوم الطبيعية قد بدأت تتقدم بسرعة مذهلة ، وأجتاحت الثورة الصناعية أوربا .
وخلاصة القول أنه عندما دخلت أوربا عصر النهضة في القرن الثامن عشر ، ساد التفكير العلمي التجريبي والمنطق الوضعي ، وتدهور الأيمان بالدين وسلطة الكنيسة ، وسادت الحرية الفكرية والدينية .
كما شهد عصر النهضة بداية اللاهوت العقلي وأعتبار العقل أساس الأيمان وأساس كل نظام تتبعه الدولة ، وبدأت مرحلة تحكم العقل في كل شئ ، والأيمان بأن خلاص الأنسان لا يتأتى ألا بأعمال العقل دون وصاية عليه من خارجه .
وقد تطرق العقل الى اللاهوت الديني فسفهه وَسَخِرَ منه وهَدَمَ كثير من الأسس التي يقوم عليها ، ثم أنتقل الى الكنيسة وأظهر ما هي عليه من جمود وطمع السلطة .
أِنَ بُنْيَة ميثاق الأمم المتحدة ، والقوانين والمبادئ الدولية السائدة تكاد تُرَكٍزُ على منع العلاقات الدولية على اساس ديني أو عرقي أو لغوي أو أثني .
يتضح لنا من هذه اللمحة السريعة للتطور التأريخي لوجود الدين في العلاقات الدولية ، أن المجتمعات القديمة تفاعلت فيها ، المكون السياسي بالديني ، فأجتمعت الصفة الدينية بالصفة السياسية لدى الزعماء والقيادات ، حيث كانت الصفة الدينية تمنحهم أدوار سياسية وأجتماعية .
وقد عرفت كل الحضارات ديانات تتحرك على هديها الشعوب ، ويقر القرأن الكريم هذه الحقيقة فيقول ( وما خلقت الجن والأنس ألا ليعبدون ) ، وأعتبر أن العبادة كانت المهمة المركزية لخلق أدم عليه السلام ، وأنطلقت من عقيدة التوحيد المطلق في البدء ، ثم ما لبثت أن تداخلت عليها أشكال من الشرك ، فَعَبَدَ البشر الأصنام والشمس والكواكب وغير ذلك .
يقول المؤرخ الأغريقي فلوتاخس : ( قد وجدت في التأريخ مدنا بلا حصون ، ومدنا بلا قصور ، ومدننا بلا مدارس ، ولكن لم توجد أبدا مدنا بلا معابد . ( 1 )

الكنيسة قبل الثورة الفرنسية !... كانت هي التي تتحكم بمقدرات الأمبراطوريات ، ولها السلطة المطلقة !.. بما في ذلك سلطة الأمبراطور نفسه والقيصر والأمراء ، وهم يمتلكون السلطات الدينية والسياسية !.. حتى جاءت الثورات في أمريكا وأنكلترا وفرنسا !.. عندها تم تجريد الكنيسة من السلطة السياسية بأعتبارها "كيان ذي رسالة روحية، وليس ذي رسالة سياسية"وتعتبر أن الكنيسة مؤسسة "روحية" يجب عليها الاهتمام بالروحانيات وبالصلاة والطقوس والعقيدة... وعدم التدخل في الشئون السياسية اتباعا لكلمة السيد المسيح: "ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، معتبرة طبيعة السياسة تختلف تماما مع طبيعة الكنيسة، وتؤكد أن الكنيسة الكاثوليكية لم تنتعش وتزدهر إلا عندما تخلت عن دورها السياسي.
كلمة السياسة في أصولها اللغوية – كما جاء في لسان العرب- هي من ساس الأمر سياسةً: أي قام به، والسياسة هي القيام على الشيء بما يصلحه. وتعني : فن إدارة المجتمعات الإنسانية .
لكل من الكنيسة أو أي مؤسسة دينية أخرى ( جامع .. او حسينية .. أو دير وغير ذلك ) والدولة استقلاليتهما الواحدة عن الأخرى في حقل عملهما الخاص.
فالكنيسة والجامع والدير والحسينية ، أو أي مؤسسة دينية ، تتنظم بأشكال تلبي حاجات المؤمنين الروحية، فيما الجماعة السياسية تنشئ مؤسسات وعلاقات لخدمة كل ما يؤدي إلى الخير العام ويلبي طموح شعب هذا البلد أو ذاك ، وتنظم الدولة وتشرع قوانينها لتطوير حياة الناس المادية .
وهما مؤسستين تربطهما مصلحة مشتركة !.. والشراكة هنا تعني ؟.. أن الكنيسة أو أي مؤسسة دينية !.. لا تنافس السلطة السياسية بل تُقرّ بصلاحية المجتمع المدني والسياسي واستقلاليته، وفي الوقت عينه تنتظرمن الدولة أن توفر لها الظروف والشروط اللازمة لتأدية رسالتها.
وحصر سلطاتها بالكنيسة أو بمؤسستها الدينية وعباداتهم ، وبما لا يتعارض مع علمانية الدولة ، وفصل الدين عن الدولة .. ما يحدث عندنا هو نفسه ما حدث سابقا ، ولا خيار للعراق وشعبه !.. ألا بتجريد الدين السياسي والمؤسسة الدينية من سلطاتهم السياسية ، ومنعهم من التدخل في شؤون الدولة وسياساتها وأنظمتها .
ولابد أن نعرج قليلا على العلمانية وفحواها ومعناها ، يقول الدكتور فاروق رضاعة [ اصطلاح العَلمانية بفتح العين _ العالم- ، وكان من الأفضل استعمال كلمة (دهرية) وهو وصف زماني وليس مكاني مثل كلمة العالم ، يقول رضاعة : سوف أضطر لاستعمال مصطلح الَعَلمانية كونه المصطلح الدارج في الكتابات السياسية العربية .
للوصول الى رؤية واضحة لا بد من العودة الى أصول ظهور هذا المصطلح واستعمالاته تاريخيا والفلاسفة الذين طوروا هذا المفهوم في العلوم السياسية والفلسفية ومنها طبيعة أنظمة الحكم و أسس بناء الدول .
كان أول .. من أوائل الذين قاموا بنقلة نوعية فكرية هامة في هذا الموضوع ، الفيلسوف الإنكليزي لوك ( 1632-1701)عندما قام بنشر أطروحاته الفلسفية بشأن نظريات الحكم ،مستفيدا من أفكار أخرين سبقوه داعيا الى Secular State
دولة عصرية (عَلمانية )لا تتدخل المؤسسة الدينية في شؤون أدارة الدولة وسن قوانينها وتشريعاتها .
و دعا الى فصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية ، وأن هذه السلطة التشريعية يجب أن تكون منتخبة من الشعب ويجري تغيرها بين فترة وأخرى في الانتخابات .
حدثت الثورة الإنكليزية عام 1640وأنتصرت ، كان لوك في منفاه ومع انتصارها أخذ قادتها بنظريته في شكل الدولة، والانتخابات وعدم تدخل المؤسسة الدينية في شؤون الحكم ، وفصل السلطات ألتشريعية والتنفيذية وَ أُسُسْ للديمقراطية التي تطورت تدريجيا الى أن وصلت الى ما عليه ألان .
وبعد الثورة الفرنسية وضع الدستور الفرنسي 1871و على نفس المفاهيم التي دعا لها لوك .في عام 1787 أصبحت الولايات المتحدة ألأمريكية أول دولة تعلن في دستورها أنها دولة عَلمانية، وأضافت في دستورها مفهوم أخر لفصل السلطات ، اضافة للفصل بين السلطة التنفيذية والتشريعية ، أضافت فصل السلطة القضائية وتشكيل المحكمة العليا الفدرالية.. وسلطتها القضائية أعلى من أي سلطة أخرى .
[ ويطرح الكاتب رضاعة السؤال التالي : هل يمكن فصل الدين عن السياسة ؟
العديد من الكتاب والقسم منهم له مواقع مرموقة في الكتابة السياسية أو البعض من السياسيين (العَلمانيين ) يقولون بفصل الدين عن السياسة ، وأعتقد أن هذه الأطروحات سببها عدم الوضوح في الفرق بين ( عَلمانية ) الدولة و( عَلمانية )المجتمع .
في (عَلمانية ) الدولة التي دعا لها لوك و من طور هذه النظرية من بعده كانت الدعوة الى (عَلمانية) الدولة الديمقراطية وفي مثل هذه الدولة ، كما في الولايات المتحدة الأميركية ،مثلا يظهر في الواقع العملي أنه لا يمكن فصل الدين عن السياسة ،مثال على ذلك ، رجل الكونجرس ألأميركي المنتخب من قبل الناس في ولايته مسيحي كاثوليكي متشدد يلتزم مواقفه وفق عقيدته ومذهبه ، وعند التصويت في الكونجرس على موضوع الإجهاض يصوت ضد أي نوع من الإجهاض ولأي سبب ، هذا هو موقف سياسي أرتبط بعقيدته الدينية وأتخذ موقفه أثناء التصويت على هذا الأساس.
هناك أمثلة عديدة لا أريد أن أزحم المقال بها، هذا التعقيب لفاروق رضاعة .
في الدولة العصرية ( العَلمانية ) الديمقراطية تحترم أرادة الفرد وحقه في أتخاذ المواقف الفكرية والسياسة وفقا لقناعته ، ومن جملة هذه القناعات الالتزام الديني الشخصي واتخاذ المواقف على هذا الأساس، سواء كان عضوا في مجلس النواب أو أية هيئة منتخب عنها، ومعرفة الناس له و بمواقفه وقناعاته، حيث تلعب حرية الفرد دور أساسي و هذا ما يفرقها عن عَلمانية المجتمع .
يذكر بعض الباحثين و الكتاب أن هناك عَلمانية متشددة و عَلمانية غير متشددة ، و لكن في الحقيقة هناك فرق جوهري وأساسي بين العَلمانيتين عَلمانية المجتمع و عَلمانية الدولة .
علمانية المجتمع
لا يمكن أن تكون هناك عَلمانية المجتمع إلا في نظام دكتاتوري يلجأ للقوة والقسوة لمنع أفراد المجتمع من اتخاذ مواقفهم في الحياة على أساس ديني .
هذا النظام يفرض ( العَلمانية )على كل المجتمع وليس على الدولة ومؤسساتها فقط ،حيث يتم تحجيم دور علماء الدين ومنعهم من القيام بواجباتهم في نصح الناس وإرشادهم والاهتمام بالأمور الروحية لهم و للناس بشكل عام .
و أن مثل هذه المجتمعات لا تعيش في ظل دولة ديمقراطية بل دولة شمولية دكتاتوري تحرم الأنسان من حريته الفردية وتفكيره الحر.
عَلمانية الدولة :
في الدولة العَلمانية لا تتدخل مؤسسات الدولة في القضايا الروحية للإنسان ففي أوربا والولايات المتحدة الأميركية تنتشر المساجد والحسينيات الى جانب الكنائس والمعابد الهندوسية واليهودية , وجميعا لهم نفس الحقوق أمام القانون، ولم نسمع عن مذابح ذات طابع ديني أو مذهبي. و كذلك لا تتدخل المؤسسة الدينية بشكل مباشر في عمل مؤسسات الدولة وعلى العكس من ذلك نشاهد القتل والمجازر تأخذ طابعا دينيا أو مذهبيا كما في العراق و باكستان ، وأستطيع الجزم أن هذا القتل سياسي بالأصل أعطي غطاء ديني أو مذهبي خدمة لمصلحة هذه المؤسسة الدينية أو تلك .
ومن هنا أهمية التفريق بين الدولة المدنية حيث أن الديمقراطية والدستور شرط أساسي في بنائها والدولة العَلَمانية التي يمكن أن تكون دكتاتورية النظام أو ديمقراطيته .]
1- المصدر : التطور التأريخي لوجود الدين في العلاقات الدولية / أعداد / صدفة محمد محمود [ باحثة دكتوراه في العلوم السياسية / كلية الأقتصاد والعلوم السياسية / جامعة القاهرة / مايو 2010 / .
2- المصدر : المحصور بين قوسين مجتزء من مقال عنوانه / العَلَمانية .....بين المجتمع والدولة/ للكاتب الدكتور فاروق رضاعة / مقالات وبحوث / مؤسسة الحوار الأنساني .
صادق محمد عبد الكريم الدبش
21/6/2016 م



#صادق_محمد_عبدالكريم_الدبش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تغيير أسم العراق ضرورة موضوعية ؟
- أرفعوا أصواتكم .. مطالبيين بتغيير أسم العراق !
- الأم أيقونة الوجود .. وسره المكنون .
- بهرز .. مدينة المدن .
- الى أين نحن سائرون ؟ الجزء الثالث والأخير .
- رسالة من مجنون !... الى ساعي البريد العاقل ؟!.
- الى أين نحن سائرون ؟ الجزء الثاني .
- الأيمان بشرعة الله ... وبقيم الدين الحنيف !
- الى أين نحن سائرون ؟ ..هل لبناء دولة المواطنة ؟ .. أم ترسيخ ...
- للفاتنة الحسناء .... أصللي !
- الرثاء في الشعر الجاهلي والقريض .
- خواطر وحكم وعبر ..
- العاشر من حزيران .. ودولتنا العتيدة !
- ناظم حكمت .. 1902 -1963 م .
- بغداد تعانق الموت !.. وهي واقفة ؟
- أمرأة من بلادي ...
- هل أطفالنا سيحتفلون في عيد الطفل العالمي في الأول من يونيو ح ...
- الى الحكام الفاسدين المتربعين على السلطة في عراق اليوم .
- هل على الشعب أن يطيع الحاكمين الفاسدين ؟
- يمكن للجميع التعايش !... والعيش المشترك !


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق محمد عبدالكريم الدبش - الدين السياسي ... وأثره التأريخي في المجتمعات البشرية !