أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد نجيب وهيبي - الاطار النظري العام لبرنامج الاشتراكيين















المزيد.....



الاطار النظري العام لبرنامج الاشتراكيين


محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)


الحوار المتمدن-العدد: 5196 - 2016 / 6 / 17 - 03:40
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الاطار النظري العام لبرنامج الاشتراكيين
بمناسبة الندوة الوطنية الأولى للحزب الاشتراكي اليساري 22 جويلية 2011 .
- حبيب القروي
- محمد نجيب وهيبي

يرتكز برنامج الاشتراكيين في تونس على اربع ركائز تمثل جوهر مشروعهم .ثلاثة ركائز تتعلق بالجانب الموضوعي ورابع ركيزة تتعلق بالجانب الذاتي .
أما الركيزة الأولى أو البذرة الأولى فهي الحرية وتتبعها العدالة الاجتماعية والاقتصاد التضامني كشروط موضوعية والحزب السياسي للطبقة العاملة كباعث للوعي للذات ومنظمة للفعل المستقل ركيزة ذاتية في البرنامج .
ونفهم ان المشروع الاشتراكي هو نمط انتاج اجتماعي يمثل حقبة تاريخية تمر بها البشرية كنتيجة وحل للصراع الذي تعرفه حول ملكية وسائل الإنتاج وما يترتب عنها من حروب ومجاعات ومآسي واستغلال الإنسان لأخيه الانسان .
ونفهم ان هذا الحل ينبت بذرة في نمط الإنتاج الرأسمالي ، ينبت في هذه المرحلة التي تمثل أرقى ما وصلته البشرية من تطور ولكن وفي نفس الوقت أعمق ما وصلته أيضا من تناقضات وصراعات ، تتوسع بقدر ما تتوسع الراسمالية لتبسط نفوذها على الأرض كلها .
وان مرحلة العولمة تضع نفسها أمامنا كصورة تتجلى فيها الرأسمالية باسطة هيمنتها على الأرض والفضاء وشمل الصراع هذا المجال كله .وعرفت بلادنا هيمنة نمط الانتاج الرأسمالي في السبعينات من القرن الماضي وبدأ يتسع ليشمل أوسع فأوسع التراب والعباد وصاحب هذه الهيمنة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي شكل سلطة دكتاتورية على المستوى السياسي وصلت مداها بداية هذه الالفية وتجسدت في سلطة الجريمة المنظمة العائلية وكاننا مقاطعة من صقلية ،
ومن المفاهيم الخارجة عن مسار التاريخ البشري اعتبار استقلالية أنماط الانتاج وانفضالها عن بعضها البعض بل القطيعة بين هذا النمط وذاك ونسيان أن للتاريخ جدليته التي تفرض ولادة فنشوءا فارتقاءا فهيمنة ، الولادة والنشوء وحتى الارتقاء تحدث في رحم القديم ولا امكانية للهيمنة هيمنة الجديد على القديم الا متى كانت الولادة والنشوء طبيعية ومطابقة لقوانين التاريخ دون قفز ولا تطويع ولا اجهاض ولا قطيعة .
تنبت البذرة الاشتراكية في رحم نمط الانتاج الرأسمالي وتنمو صلبة وبقدر ما يكون نموها طبيعيا بقدر ما تكون هيمنتها متينة وثابتة .
ومعاينتنا لفشل التجربة الاشتراكية الأولى وقفت على انه من أسبابها عدم احترام قوانين التاريخ الاجتماعي
1) الحرية
البذرة الاشتراكية الموضوعية الاولى في الرأسمالية هي الحرية ،وهي شرط اساسي لوعي الكادحين لذاتهم ، فدون حرية يكون الحديث عن وعي للذات من قبيل الدجل . لذلك كان برنامج الحريات السياسية أول الاهتمامات السياسية التي وضعناها نصب أعيننا .
من الثابت أن شكل السلطة الدكتاتوري مثل محركا لنضالاتنا لكن من حيث الوعي بأن الحريات هي المعبر والجسر للانتقال الديمقراطي وبلورة الصراع الطبقي والوعي الطبقي فقد كان واضحا لدينا ومنذ فترة حزب العمال الشيوعي ( وبرنامج الحريات وقعت صياغته وقتها) أن تحقيق الاشتراكية يمر بالضرورة بالحرية .
نحن نلتقي حول مبدأ أن الحريات الاشتراكية متقدمة تاريخيا على الحريات البرجوازية تحت أي يافطة سواء كانت ليبرالية او غيرها.
ترتكز الحريات البرجوازية على أساس اقتصادي قوامه حرية المبادرة الخاصة ( لانشاء المشاريع) وحرية التجارة ( دعه يعمل دعه يمر) وبناء على هذا المبدا توسعت الحريات لتشمل ما يمكن البرجوازية من بسط هيمنتها وهي التعبير والمعتقد وقطعا مع هيمنة الاقطاع والكنيسة وشكل الدولة التابع لها جملة من المبادئ مثل الجمهورية وحكم الشعب واللائكية والعلمانية وهي كلها متعلقة بالسلطة السياسية والهيمنة الطبقية .
وما يميز الحريات الاشتراكية هو انها مرحلة أرقى من الحريات البرجوازية لاعتمادها تحرر الانسان من ملكية وسائل الانتاج ومن استعبادها له باعتبارها وسائل عيش ووسائل حياة.
ان هذه الوسائل تستعبد مالكها ويصير الراسمالي عبدا لوسائله وهو بتلك الوسائل بالذات يستعبد عماله وشغاليه وان الفصل بين ملكية الانسان لوسائل الانتاج وتملك الوسائل يحرر المالك والعامل على حد السواء.
وحتى الآن لم يقدم الفكر البشري طريقة لهذا الفصل بين الإنسان ووسائل الإنتاج غير مشركتها وتبدو الاشتراكية العلمية في هذا المجال صاحبة الريادة والوضوح واكتمال النظر .
وان مشركة وسائل الإنتاج من هذه الزاوية أي مجال الحرية تمثل بداية الانعتاق النهائي للبشرية من كل ما يكبلها ولما كانت القاعدة الاجتماعية للحريات الاشتراكية هي مجموع الكادحين وهم بالضرورة يمثلون الغالبية الساحقة في أي مجتمع فان تمثيليتها السياسية تأخذ طابعا اجتماعيا في حين تأخذ الحريات البرجوازية طابعا نخبويا في المجتمع وتكون المحدودية الوحيدة للحرية في المرحلة الاشتراكية هي الردة المتمثلة في حرية الملكية الفردية لوسائل الانتاج ولن تتمكن البشرية من القطع بسهولة مع هذه الحرية وقد عاشتها قرونا .
وان بذرة الحرية وقد زرعتها الرأسمالية في مرحلة الاقطاع وأنماط الانتاج المشابهة عرفت تطورا تزامن مع تطور الرأسمالية وبدأ يتسع ويأخذ عمقا أكثر فأكثر باتساع هيمنة رأس المال وشموله العالم كله وبدت الحريات السياسية مطلبا عالميا يشمل كل الشعوب وبدأت نهاية الحقبة القمعية الديكتاتورية في كل العالم بعدما عرفنا مرحلة التحرر الوطني وهذا التطور يمثل ظرفا موضوعيا أفضل لنضال الكادحين دفاعا على حقوقهم وحياتهم .
وهو ايضا وضع سانح للتنظيم المستقل ولبث الوعي الطبقي الوطني والاممي وبدأت تتشكل التنظيمات الاممية ،بطريقة مغايرة للامميات الاشتراكية والشيوعية ، لكنها في جوهرها منظمات مدافعة عن الطبيعة ، عن الحياة ، عن الحرية ، على الانسان في حقوقه الأساسية وضد المحافظين الجدد ،ضد سطوة العولمة والرأسمال المالي وان ما ينقصها هو بالضبط الوعي للذات وهو نقص موضوعي بالنظر لخفوت جذوة نضالات الكادحين وطلائعهم خلال العقود الماضية .
الحرية بذرة وجبت صيانتها من الاشتراكييين فهي شرط للمرور الى الاشتراكية مرحلة نماء الحرية وتكون الشيوعية مرحلة اكتمالها .
2) العدالة الاجتماعية .
وتمثل العدالة الاجتماعية البذرة الثانية التي يزرعها الاشتراكيون في رحم الرأسمالية ،ويعملون على صيانتها وتطويرها وهي شعارهم في نظالاتهم الاجتماعية وان هذا الشعار بحكم التداول والشيوع بين كل المتدخلين في الشأن العام بدأ يفقد عمقه النظري والاجتماعي ويظل عند الاشتراكيين عزيزا مفعما بالحيوية .
ان الفهم المتداول للعدالة الاجتماعية يتلخص في مقولة التوزيع العادل للخيرات بين السكان وهو فهم فضفاض ولا يفي بالغرض لمعاينة التناقضات وسبل حلها .
يفهم الاشتراكيون أن تناقضا وصراعا اجتماعيا قائما بين رأس المال والعمل وأن الصراع يحتد وتطفو جذوته في تداول بين الهيمنة الكاملة والمنحسرة وتبقى تحت اليد الرأسمالية في هذه المرحلة ومآلها التحول الاشتراكي .
الصراع بين رأس المال والعمل له مجال أي منطلق هو المؤسسة الاقتصادية سواء كانت مؤسسة خاصة أو عمومية . فالدولة تتحول إلى صاحبة رأس مال عندما تكون هي المستثمر أو مسدي الخدمات العمومية .
النظر للمؤسسة الاقتصادية على انها رأسمال ووسائل إنتاج وعمل هو نظر قائم على احتساب الكلفة يهدف إعادة انتاج الوسائل على كاهل العمل ليس الا .
واقع الامر وداخل أي مؤسسة هناك رأس المال والعمل ، هما وحدهما طرفي الانتاج وطرفي الصراع داخل المؤسسة .
وسائل الإنتاج هي جزء من رأس المال لا غير ووضعها كطرف في المؤسسة كان دائما يهدف استنقاص قيمة العمل .
نحن نعلم أن رأس المال في أي مؤسسة هو بالضبط وسائل الانتاج و fond de roulement (تمويل عملية الانتاج) أي الأصول الثابتة والمتغيرة الضرورية لعمل المؤسسة وحتى المؤسسات ذات الكثافة التمويلية a vocation capitalistique العالية فانها لا تخرج عن هذه الدائرة ، لنا رأس مال من ناحية وعمل من ناحية أخرى .
ولنا ان نتساءل من يخلق الثروة ومن يملكها ومن عليه توزيعها حتى نحاسب على عدالة التوزيع ، هذا جوهر المسألة المتعلقة بالعدالة الاجتماعية .
لما تكون المؤسسة الاقتصادية متصالحة مع محيطها الطبيعي أي البيئي وتساهم في الحفاظ على مكوناته الحيوية وتعمل على تنميته عوضا على تلويثه .
ولما تكون نفس المؤسسة متصالحة مع محيطها الاجتماعي واعتبارها قوة العمل رأس مال بشري وجبت المحافظة عليه وتطوير قدراته الإبداعية والإنتاجية لا النظر اليه ككلفة انتاج وجب الضغط عليها من ناحية الأجر .
عندها تبدأ بذرة العدالة الاجتماعية بنموها داخل المجتمع الرأسمالي ، ولما يقع النظر الى التحويلات الاجتماعية على انها ضرورة اقتصادية لاعادة انتاج القوى المنتجة الاجتماعية ويقع التصرف فيها بعقلية الضغط على التكاليف فان التعليم والضمان الاجتماعي وغيرها تتحول الى سلعة خاضعة لقانون السوق .
وان مطالب الاشتراكيين في تعليم إجباري ومجاني يخرج التعليم من دائرة انتاج القوى المنتجة الاجتماعية ويجعله قيمة في حد ذاته ترتقي بالإنسان وعيا وكينونة ومصيرا . الانسان المتعلم النير والذي تحصل على ملكة التفكير مؤهل للوعي للذات أكثر من غيره ، والتأسيس الاشتراكي يمر من هنا.
تماما كما تمر الاشتراكية وعيا وبذرة في باقي مجالات التحويلات الاجتماعية وهي أهداف اشتراكية بحد ذاتها وبقدر ما يقع فرضها في المجتمع الرأسمالي بقدر ما تحتسب مكاسب للمجتمع الاشتراكي .
للعدالة الاجتماعية واجهتي نضال للاشتراكيين المؤسسة من ناحية والمجتمع من ناحية ثانية وفي تكامل بينهما .

الاقتصاد التضامني
وتظل مشركة وسائل الإنتاج إحدى المعضلات التي تتطلب الدراسة والبلورة .
لقد اختزل لينين مشركة وسائل الانتاج في مجرد مصادرتها من طرف الدولة وهو ما أصبح يعرف بالتأميم وقد أدى هذا بالنسبة للتجربة السوفياتية وتابعاتها الى تضخم الدولة عوضا عن توجهها نحو الاضمحلال أي عوضا عن انحسارها وهو ما مثل قاعدة مادية لبروز ظاهرة رأسمالية الدولة .
ولم تكن التجربة اليوغسلافية بأفضل حال منها من ناحية النتيجة وان كانت تختلف في الشكل حيث ركزت على التصرف المشترك في المؤسسة من طرف الفاعلين فيها وكانت النتيجة تحويل جزء من الطبقة العاملة الى صفوف البرجوازية الصغرى .
ان الانقسام الطبقي الذي لازم التجربة الاشتراكية الأولى في اختلافها بين الدول غلب عليه طابع التخلف باعتبار أهمية الفلاحين العددية في المجتمع وهو ما يبرز تخلف القوى المنتجة الاجتماعية ووسائل الانتاج أي الهيمنة المحدودة لنمط الانتاج الرأسمالي ولم تكن مشركة وسائل الانتاج في جانبها العملي التطبيقي من ضمن اهتمام الأحزاب الاشتراكية في البلدان الرأسمالية المتطورة ، محور الامبريالية .لذلك فان الأممية الاشتراكية وبعدها الشيوعية لم يكن ضمن اهتماماتها طرح المسألة بما أنه بالنسبة للثانية والتي بعدها فقد وقع انجاز المهمة .
نطرح المسألة الآن في ظل انقسام طبقي جديد في مجتمع الرأسمالية المعولمة يرتكز على تفكك وتفتت الطبقة العاملة وانقسامها الى شرائح متعددة وتحول محور قوتها من العمال بالساعد الى العمال بالفكر ومن الكثافة العمالية في المؤسسات الصناعية الى الكثافة الفنية والهندسية .
ان تصور أن مشركة وسائل الانتاج هي مجرد مسألة شكلية ستحلها الدولة الاشتراكية أو انها من ضمن المهام البرامجية لحزب الطبقة العاملة المطروحة في مرحلة الانتقال الاشتراكي مخالف لجدلية التاريخ وعلى كل حال فندته التجربة الأولى للاشتراكية .
تفترض الجدلية من ضمن ما تفترض ، أن تنبت البذرة الاشتراكية في رحم المجتمع الرأسمالي ولما كانت مشركة وسائل الانتاج من جوهر الاشتراكية العلمية التي هي منظار رؤيتنا الكونية للانسان والعالم فانها تصبح مسألة نظرية للحل الآن وليس غدا ، أي في المجتمع الرأسمالي بالذات وليس في مرحلة الانتقال الاشتراكي.
نحن نعطي في برنامج حزبنا أهمية كبرى لدور الدولة في المجال الاقتصادي والاجتماعي من حيث الاستثمار المباشر في القطاعات الاستراتيجية كالتجهيزات الأساسية والطاقة والمياه والغذاء والتعليم والصحة وغيرها وهو ما يترتب عنه وجود مؤسسات للدولة ملكا للشعب ممولة من أمواله وقد تخضع للخوصصة كما وقع خلال العقود الماضية ، وقد عالجت مواقف اليسار التونسي بكل أطيافه المسألة من كل الزوايا الا من زاوية الاشتراكية –الزاوية الوحيدة التي كانت غائبة عن الكل هي زاوية مشركة وسائل الانتاج – لم تطرح المسألة للنقاش وحتى وعينا بها كان غائبا تماما .
الآن ونحن نضع الأسس والتصورات لبرنامج حزبنا من الناحية العملية فان لهذه المسألة –مشركة وسائل الانتاج –اهمية قصوى بما انها البذرة الاشتراكية في رحم الرأسمالية وبما انها ستكون المعدل régulateur لدور الدولة في هذا المجال وبما أن الانتقال الاشتراكي ليس مجال تجربة بل مجال انجاز مهمة تاريخية للبشرية فان كل التجارب يجب أن تقع الآن في المرحلة الرأسمالية .
الرسمالية خلقت اقتصاد السوق ومعه مؤسساته الاقتصادية حيث تستعمل وسائل الإنتاج التي تعود ملكيتها حسب قانون الملكية الخاصة للرأسمالي وحده – الذي يحتكر فائض القيمة المنتج بشكل اجتماعي وجماعي- ، ومن هنا فان مشركة وسائل الانتاج تمر بالضرورة عبر رؤيتنا/تصورنا للمؤسسة الاقتصادية ودورها في عملية الإنتاج
.لنعد تشكيل رؤيتنا للمؤسسة الاقتصادية على ضوء استراتيجي قوامه العنصر البشري ووسائل الإنتاج والمحيط المعاشي . فهذا يقربنا أكثر من هدفنا الاستراتيجي الا وهو الانتقال إلى الاشتراكية .
ان النضال الاقتصادي والاجتماعي الذي تقوم به الطبقة العاملة وممثليها هي أحد أشكال النضال من اجل اقامة مجتمع العدل الاشتراكي والقضاء على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ومعها الانقسام الطبقي للمجتمع ،وهذا المسار النضالي يفترض ضمان نمو أسس المجتمع الاشتراكي ومراكمة الشروط الموضوعية والذاتية اللازمة والضرورية لتحقيق الانتقال التاريخي لمجتمع العدل .
وهذه الشروط تتضمن من بين أخرى وفرة الانتاج والتطور العلمي والتقني وتطور القوى البرشية واطلاق الابداع والخلق الى أقصى حدوده الممكنة كما تفترض وعيا واستعدادا لدى الطبقات المظطهدة بظروف اظطهادها ، ودرجة عالية من التنظم وتملك المعارف والعلوم الضرورية لتنظيم وإدارة المجتمع ومع هذا وذاك انتشار ثقافة وفكر وأخلاق الاشتراكية بين الناس ومنها الحرية والمساواة والتضحية والعمل لصالح المجتمع خارج عقلية الربح الأقصى والفردانية وشكل عام خارج مقولات البرجوازية الأساسية المكثفة " في دعه يعمل دعه يمر " ، انها باختصار تتضمن التحسين الدائم لشروط عيش الطبقات الأفقر في المجتمع وشروط النضال السياسي ضد أسباب فقرهم ، عبر انتزاع سياسات لتوزيع أعدل للثروة الوطنية وارساء منظومة سياسية ديمقراطية أكثر فأكثر مباشرة وتشاركية .
ولذا في ظروف المد وفي الانعطافات التاريخية التي تكون فيها البرجوازية على استعداد لتقديم التنازلات والتخلي على جزء من الربح ( للمحفاظة على مصالحها ) على الاشتراكيين العلميين والصادقين أن يسعوا الى استنباط منوال تنموي اقتصادي واجتماعي وسياسي يحقق أكبر قدر من العدالة في توزيع واعادة توزيع الثروة الوطنية بين مختلف شرائح المجتمع ويحقق توسيع دائرة المشاركة السياسية والتنظم لصالح قوى الإنتاج الفعلية والطبقات الأكثر عرضة للتهميش والاستغلال.
ان الملكية الجماعية لوسائل الانتاج (مشركتها ) هي الرد النهائي على ما يعانيه المجتمع اليوم من انقسام طبقي وبؤس وشقاء لغالبيته وتفاوت رهيب في مستويات العيش ، ولكن العالم اليوم غير مستعد موضوعيا بعد لهذا ولم يجد بعد الطريقة العلمية والإجابة على طريقة هذه المشركة ، ولكن من ناحية اخرى وتحت ضربات ونهوض الطبقات المحرومة في وجه قوانين السوق الشرسة تعلم المجتمع البرجوازي ومعه مالكي وسائل الانتاج حقيقة كون عليهم أن يجاروا أحيانا قوانين حركة التاريخ التي تفرض عليهم الحد من سطوة قانون الربح والملكية لضمان تجديد قوى الانتاج الاجتماعية وتطويرها بما يتطابق مع علاقات الانتاج وهذه العملية المتصاعدة تحد شيئا فشيئا من قانون الملكية الخاصة من ناحية وتحقق التقدم من ناحية التنظيم الاقتصادي والاجتماعي ليتوافق مع نمو وتطور القوى المنتجة على كل المستويات والأصعدة .
ان الاشتراكية ليست مقولات ثابتة أو جامدة وهي علمي لهذه الصفة بالذات فنحن ندرك اليوم أن التجربة التي انطلقت رأس من عملية انتزاع الملكية بالقوة الثورية ولم تراعي في ذلك مستوى تطور قوى الانتاج ونضج علاقات الانتاج وان شهدت تنمية متسارعة في البداية لانها كانت حامية لمصالح الغالبية من الكادحين الذين دفعتهم الحماسة الى تحقيق معدلات نمو خيالية ، الا أنها سرعان ما تعرضت لأزمات وانهارت حيث تحولت البنية السياسة والتنظيم الاجتماعي المتخلف نسبيا على تطور القوى المنتجة الى عائق لها فلم تحقق الوفرة المرجوة منها .
ومن هنا ظهرت مقولات تبني الاشتراكيين لمنوال تنموي تضامني ، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وتنامي تنظم الكادحين وتطور منظمات وحركات المجتمع المدني المعارضة لاقتصاد السوق والتي فرضت تنازلات على البرجوازية وطنية وعالمية لصالح منظومة اقتصادية وأجتماعية وسياسية أكثر عدلا لصالح المظلومين مع دفع الحريات السياسية والفردية الى أقصى حدودها وضمان مشاركة أوسع ما يمكن من مكونات المجتمع المدني في القرار السياسي واعادة الاعتبار الدولة في مراقبة تحقيق المصلحة العامة وظهور مؤسسات وجمعيات القروض الصغرى وانتشار تطبيق الديقراطية المحلية الوقاعدية ...الخ وهو الشيئ الذي يقلص الهوة بين يملكون ومن لا يملكون وسائل الانتاج ويقلص من الفقر ويسمح بظهور أشكال من الملكية مناقضة للملكية الخاصة وممهدة للقضاء عليها بشكل لا عنفي وهي :
- ملكية الشعب المباشرة عبر التعاضديات والتجميع الطوعي للملكيات الصغرى دون انتزاع أو حيف .
- ملكية الدولة










3) الاشتراكية حركة أممية
لئن عبر ماركس منذ البدايات (في البيان الشيوعي) على الطبيعة العالمية لرأس المال بمقولة ليس لرأس المال وطن الا أن فكرته لم تتضح حينها كما نراها اليوم وقد وجدت محاولات توحيد النضال العمالي على مستوى العالم معارضة شديدة وإعاقة من مفكري البرجوازية والبرجوازية الصغرى تحت شعارات شوفينية من قبيل الخصوصية الوطنية والقومية والهوية ...الخ ، أما اليوم فان العولمة بوصفه مرحلة أرقى من مراحل الرأسمالية قد وحدت رأس المال على مستوى العالم بأسره بمؤسساته السياسية والاقتصادية والعسكرية والايديولوجية ، فتحول الى كتلة موحدة أكثر فأكثر كلما زادت سعة وعمقا في أنحاء العالم ،بشكل عابر للقارات والأوطان بحدودها الجغرافية والسياسية وحتى الحضارية .
ان المسالة الأساسية التي يجب حلها لتجاوز نمط الإنتاج الرأسمالي والتشكيلة الاجتماعية الرأسمالية برمتها هي مسالة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وهذه الأخيرة تتركز يوما بعد يوم بيد أقلية من الرأسماليين تضيق قاعدتهم على مستوى العالم بفعل قانون المزاحمة فيما بينهم والسعي إلى احتكار الربح . ان الرأسمالية وكلما تقدم بها العمر وكلما تطورت وتجاوزت أزماتها ، كلما حولت أخص خصائصها وقوانينها إلى نقيضها وكلما خلقت داخلها باكورات المجتمع الجديد والعلاقات الاجتماعية الجديدة التي ستزيحها ومعها بؤسها مرة والى الأبد .
إن الرأسمالية في مرحلة العولمة لم تبقي من قانون الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج غير شبح يحتضر ويخفت بريقه أمام سرعة حركة رأس المال المالي العالمي وتوحده وتركزه أمام الطابع الاجتماعي العالمي للإنتاج والاستهلاك وهذا التناقض الذي يحتد بشكل مطرد بين طابع التملك الخاص والطبيعة الاجتماعية للإنتاج هو الذي ينتج كل أشكال الفقر والبؤس والحيف الاجتماعي والمجاعات والحروب وينشرها على مستوى العالم وان بدرجات مختلفة غير عابئ بأوطان أو قوميات أو أمم ولا يستحضرها إلا في مواجهاته الحاسمة مع من لا يملكون إلا قوة عملهم وحياتهم يتعيشون منها أو يكادون ، من أجل أن يفتت وحدتهم ويشتت قواهم ويتمكن من الاستفراد بكل جزء على حده.
ان الاشتراكية العلمية إنسانية في توجهها وفلسفتها وهي لهذا أممية ليس من قبيل الترف الفكري ولكن للحقيقة الموضوعية القائلة بأن المجتمع الاشتراكي يأتي استجابة لمطلب تجاوز عدم التطابق بين شكل التملك الخاص لوسائل الإنتاج وبين علاقات الإنتاج الاجتماعية ولأن هذه الأخيرة معولمة فان علاقة الملكية المتطابقة معها والتي تدفع نحو تطورها تكون جماعية (اشتراكية) أممية .
وقد رفع شعار أممية النضال ضد رأس المال بداية بالصيغة التالية "يا عمال العالم اتحدوا" وكان مجردا للتعبير عن التناقض التاريخي الأساسي الذي يشق المجتمع بين قوة العمل ورأس المال ، ثم مع تعقد العلاقات الاجتماعية والسياسية وتطور مؤسسات الدولة البرجوازية ومعه الصراع السياسي والنقابي رفعت الأممية والأحزاب الشيوعية شعار "وحدة العمال والفلاحين والطلبة " وبعد ذلك ومع اشتداد الصراع من اجل التحرر الوطني ضد الامبريالية والاستعمار ظهر شعار أممي للإجابة عن التناقضات الخاصة بتلك المرحلة ينادي ب" بوحدة الشعوب والعمال في النضال ضد هيمنة الامبريالية" .
ولئن يظل الأصل هو مطلب وحدة الطبقة العاملة على مستوى العالم بوصفها الطبقة الثورية المناقضة للبرجوازية والتي أنتجتها بالذات علاقات الإنتاج الرأسمالية وحملتها مهمة القضاء عليها وعلى الانقسام الطبقي والطبقات ككل مع ما يصاحبها من استغلال وميز واغتراب من أجل إقامة مجتمع العدل الإنساني ، فان لكل مرحلة من مراحل الرأسمالية تناقضاتها ومسائلها الخاصة أساسية أو ثانوية تأتي متلازمة مع مدى تطور وسائل وقوى الإنتاج ومنها علاقات الإنتاج الرأسمالية وما تفرزه من مظاهر اجتماعية وسياسية وتغيرات في مستوى بنية الطبقات الاجتماعية وشرائحها وقطاعات الانتاج وعلى الاشتراكيين أن يضبطوا لكل مرحلة شعاراتها الخاصة التي تكثف الاجابة عن الحلول الممكنة لتناقضاتها وتحدد التحالفات الطبقية والسياسية الممكن القيام بها خدمة لمصلحة النضال من أجل الانتقال الى الاشتراكية .
لقد فرضت العولمة والثورة العلمية والمعرفية المصاحبة تغيرات كبرى في عملية الانتاج ودورة المال والاعمال كما أنتجت أكبر قدر من البؤس والشقاء والتفقير .
ومن التغيرات الحاصلة تطور الاقتصاد اللامادي والمعرفي الذي أوجد شكلا جديدا من العمل يعتمد بشكل شبه تام على القدرة الذهنية والعلمية عوض القوة الجسدية المباشرة فلحقت جيوش أخرى بصف الطبقة العاملة ومنهم الفنيين والمهندسين والمعلمين والأساتذة ...الخ كما أن سطوة قوانين السوق وقانون الربح تدفع الى تدهور المقدرة الشرائية والقضاء على الطبقات الوسطى والبرجوازية الصغرى وتفقيرها ، كما ارتفعت بشكل كبير جيوش العاطلين عن العمل و أصبح أعداد الفقراء والمحرومين من حقهم في حياة كريمة من مأكل وملبس ومسكن وعلاج مفزعة بشكل كبير ومنتشرة في كل ربوع الأرض وانتشرت معها مظاهر الفساد والأوبئة والأمراض النفسية والانتحار والاجرام المنظم والارهاب وحتى المجاعات ...الخ في حين تحتكر قلة من الرأسماليين الرخاء والثروة والعيش الرغيد تحت حماية مؤسسات أمنية وإيديولوجية وعسكرية طفيلية تزيد من بؤس المليارات من الناس وتقتطع من قوتهم ودمائهم ما يحقق استدامة الاستغلال .
ان المطلوب اليوم أكثر من أي عصر سابق هو وحدة كل المستغلين والمحرومين والمظلومين ضد آلة الاستغلال والظلم وضد الحرمان على مستوى العالم ، انها وحدة عابرة للقارات والقوميات والاثنيات وخارقة للثقافات الخصوصية التي لا تعدو كونها أحد الأوهام التي صنعتها البرجوازية كجدران عازلة تعيق الكادحين عن الوعي بوحدة ظروف استغلالهم ومنها الوعي بضرورة وحدتهم ضد سارقي ابداعهم وخلقهم ونتاج عملهم المشترك ، ضد سارقي حقهم في الحياة والرخاء وهي وحدة الغالبية الساحقة والمسحوقة من سكان الأرض ضد الأقلية المستكرشة والمتمعشة من خيراتها ليكون الشعار الواجب رفعه في النضال الأممي لهذه المرحلة "وحدة كل الكادحين والمظلومين في وجه البرجوازية العالمية" .
ملاحظات :
1) هذه المداخلة من تقديم الحبيب القروي ومحمد نجيب وهيبي بمناسبة الندوة الوطنية الاولى للحزب الاشتراكي اليساري بتاريخ 22 جويلية 2011 .
2) هده المداخلة لا تزال في حاجة الى إستكمال وتطوير



#محمد_نجيب_وهيبي (هاشتاغ)       Ouhibi_Med_Najib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تخلي المركزي التونسي عن دوره الوطني هو المتسبب الرئيسي في إن ...
- ملاحظات حول رفض نواب الجبهة الشعبية التصويت على قانون المساو ...
- حلب تحترق !! بل سوريا تحترق !! أو في أولوية الدفاع عن الوطن
- في ملف الارهاب : خطابات إستهلاكية وشعبوية شعارها -الوحدة الو ...
- -ولد الشعب - يترنح يمينا مرة تلو أخرى
- داعش ترفع الصّراع أعلى من سقف التنافس الديمقراي الجمهوري على ...
- التغييرات الإستراتيجية في المنطقة : الجزائر ، رياح التغيير و ...
- اليونان مرّة أخرى : سيريزا تُسْرِعُِ الخُطى حتى لا تفقد وسط ...
- اليونان : الانتصار يفتح باب المواجهة الأصعب
- دولة -الربيع- طبقية بإمتياز ولا علاقة لها بالعدالة الاجتماعي ...
- وينوا البترول ؟ بين المؤامرة والمطالبة بحقًّ
- مصر : معارضة حكم الاعدام لا تفتح الباب على تبييض اي من الرجع ...
- ا لأول من ماي : اليوم العالمي للعمال أو عيد اللامعايدة
- طرابلس : ليبيا حُرقة في القلب ، والقُدسُ : فلسطين ألمه الدائ ...
- قِيلِ أنَّ - ثورةً- وُلِدتْ هنا !!!
- لماذا يَجِبُ أن نُعارض الإرهاب ؟ وكيف تتمُّ مُقاومته ؟
- تعليقا على ورقة - الادارة المستحيلة لليورو- : سمير أمين :الح ...
- ام الدنيا -مصر- تعود الى بيت الطاعة العربي !!! او عذرا باريس ...
- ملاحظات سريعة حول مقولة -انهيار الاقتصاد -
- القرآنيون ،التاريخ وحدود العقل : محمد الطالبي نموذجا


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد نجيب وهيبي - الاطار النظري العام لبرنامج الاشتراكيين