أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد نجيب وهيبي - التغييرات الإستراتيجية في المنطقة : الجزائر ، رياح التغيير ودور قوى اليسار الوطني















المزيد.....


التغييرات الإستراتيجية في المنطقة : الجزائر ، رياح التغيير ودور قوى اليسار الوطني


محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)


الحوار المتمدن-العدد: 4862 - 2015 / 7 / 10 - 04:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تجَدّدت المواجهات الأليمة في منطقة غرداية الجزائرية بين سُكّان المدينة من "الأمازيغ الاباضيين " و سكّان الجبل من "العرب المالكيين " مِمّا أودى بأرواح ما يُقارب 22 من مواطني الجزائر الى جانب أضعافهم من الجرحى وتدمير المُمتلكات الخاصّة والعامّة في ما يُشبه الحرب الأهلية الطّائفيّة ، التي عجز نظام الحكم في الجزائر على إحتوائها والقضاء عليها رُغم مجهوده الأمني والعسكري وحالة الاستنفار السياسي التي أطلقتها الحكومة القديمة والجديدة ولقائاتها المُتعدِّدة مع وجهاء المنطقة للحدِّ من هذا التناحر المذهبي الذي يُنذرُ بعاصفة إجتماعية وسياسية في مُجمل جنوب الجزائر القائم على حالة من الهدوء والاستقرار "أو سلم إجتماعي " أكثر هشاشة من الوضع العام الهشّ بطبيعته في كل الجزائر .
تَتَجدَّد المواجهات في ظلِّ تفاقم المُشكلات الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع مُعدّلات البطالة والتهميش في صفوف الشّباب ، الى جانب إرتباك أجهزة الدولة وأجنحة الحكم إثر ضُعف الرئيس بوتفليقة في ولايته الرّابعة التي أحدثت كثيرا من الإنزعاج منها في عدّة أوساط سُلطويّة ومُعارضة على حدِّ السواء ، مع تنامى تدريجي لوتيرة الإحتجاج والرفض لما هو قائم في أوساط الشّباب والناشطين في الدّاخل والخارج ، دون أن ننسى الأوضاع الإقليمية والدّولية المُتحرِّكة والمُتغيِّرة بِسُرعة .

النّظام العالمي الجديد يتخلَّصُ من مُعيقاته .

من أجل فهمٍ أفضل لما يحدُث في الجزائر خصوصا وفي المنطقة عموما وما ستؤول إليه الأمور علينا عدم الإكتفاء بالتحليلات المحَليّة للظواهر ، أو الغرق في عقلية المُؤامرة و التقييمات الذاتية للظواهر ، بل يجب العمل على ربط كل التغيُّرات الخارجية والداخلية وأهمُّها مُتطلّبات النِّظام العالمي الجديد والرأسمال العالمي ، الى جانب التغيُّرات الحاصلة في البنية الاجتماعية والاقتصادية لبلد أو منطقة ما ، وما تدُلُّ عليه الأحداث أنَّ النِّظام الرأسمالي العالمي سائرٌ بِشكل موضوعي في إتِّجاه سياسة الأقطاب المالية والإنتاجية العملاقة مع ما تستوجبه من أسواق عملاقة للبضائع وقوّة العمل على حدٍّ سواء ، تمهيدًا لتوحيد إدارة وتنظيم الإقتصاد والعلاقات الإجتماعية على مُستوى العالم ، وهو الترجمة العملية لقانون التركُّز والتمركز المُظطرد لرأسالمال مع كلِّ تطوُّر في النّظام ، الذّي يعمل من خلال المؤسّسات الدولية على تصفيَة أشكال الإنتاج والعلاقات و الوحدات الإقتصادية والسياسيّة المُتخلِّفة عنه والتي تُعيق تطوُّره في كلِّ منطقة ودولة على حده ثمّ في مُستوى العالم ، عبر فرض تغيير وإصلاحات سلميّة ، مرنة في بعضها أو عبر تدخُّلٍ سياسي وعسكري في أخرى ، وفق ما يَسمَحُ به ويوفِّرُه الواقع الموضوعي والمُعطيات الموضوعية ، أي درجة تعفُّنِ علاقات الانتاج ونُضج التنظيمات السياسية في كلِّ منطقة (بلد ، وحدة سياسية-إجتماعية ) . وفي هذا الاطار يندَرِجُ مشروع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، حيثُ العمل على تفكيك الأنظمة الكُليانية والديكتاتورية في المنطقة بعد إنتفاء الحاجة وإنقضاء عصرها .

الجزائر آخر قطعة في الأُحجية .

رُغم إختلاف نسبي في الظّروف والمُتغيّرات الدوليّة عن فترة نهاية الثَّمانينات وبداية التسعينات ، الّا أنَّ الخلاصات والأهداف مُتقاربة ، وهو خلق منظومات سياسية مَرنة قابلة للتطويع وسهلة التغيير والخلع وفق آليات الديمقراطية والصّناديق بما يستجيب لمُتطلّبات وحدة الانتاج والاستهلاك على مستوى العالم ومعها الحُريّة المُطلقة لتنقُّل الرأسمال المالي والسلعي بين قُطبي العالم ، وفي هذا الإطار تتشابه الجزائر الحالية مع عراق التّسعينات ، من حيث :
- إرتكاز الجزائر على نظام إقتصادي ريعي مُتخلِّفٍ عن إقتصاديات العولمة ومتطلِّباتها وهَشٍّ ، يعتمدُ على مداخيل البترول والغاز (أي الطّاقة النّاضبة ) بشكل شبه كلي 90 ٪-;- من صادراتها وما يُقارب ثُلثي ميزانيتها ، مع غياب شبه كُلّي لقطاعات الخدمات والصّناعات المعمليّة .
- نظام سياسي ثابت شمولي ، عسكري ، مُتصلِّبٍ في سياسته الخارجيّة ، يتحكَّمُ عبر قبضة أمنيَّةٍ صارمة في الأوضاع السياسيّة الداخلية ، ذو طبيعة تدَخُّليّةٍ في مُحيطه الإقليمي وفي شؤون أجواره بشكل صريحٍ أو غير معلنٍ بدعوى حماية أمنه الاستراتيجي (المغرب ، تونس ، مالي ، ليبيا ) ، لم تُخفِّف من حدّتهِ مُحاولات الاصلاح التي سعى فيها بوتفليقة في دوراته الرئاسية الثّلاث السّابقة .
- رغم عدم خوضه لحروب نظامية مباشرة فإنَّ الّنظام في الجزائر قائم على عقيدة المواجهة والصُّمود ، بإسنادٍ من دعايةٍ إيديولوجيّةٍ شوفينيًّةٍ مُفعمةٍ بالعزّة القوميَّة والانتماء الوطني ، ساهم في بثِّها وإنتشارها المواجهة الدّامية مع الحركة الاسلامية في التِّسعينات وإستغلال الجيش الجزائري لزخم إنتصارات حرب التحرُّرِ الوطني .
- رغم الوحدة الوطنيّة الظّاهرة ، وعزّة الانتماء لبلد المليون شهيد ، الّا أنَّ المارد الجزائري ينام على مزيج جهوي ومذهبي وقومي ، قابل للاشتعال في أيِّ وقت اذا نشّطته قوى دوليّة وحتّى داخلية ، وهو قادر على التحرُّكِ في كلِّ الاتّجاهات ووفق أهواء مُتعدِّدة ، متقابلة كانت أو مُتعارضة ، لم يولِه نِظام بوتفليقة الاهتمام الكافي العشرين سنة الماضية ولم يسعى لحلِّه وفق تصوُّر وطني وقرائة إجتماعية واقعية لمظاهره ومستقبله ، بل إكتفى بالحلول الأمنية والمُعالجات السطحيّة القائمة على الرشوة الاجتماعية .

إنّ مُجمل هذه العناصر وغيرُها في ما يتعلَّق بالبنية العامّة للنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الجزائر ، إذا ما أضفنا لها رياح التغيير التي تعصف بالمنطقة كَكُلٍّ مع أزمة الانكماش في النمو في أوروبا والعالم ، تُنبِؤنا بأنَّها مُقبلة على التغيير السياسي لا ريب في ذلك وأنّها آخر أحجار اللُّعبة دونها لن يستقيم الحال .

بوتفليقة من رمز للإنقاذ الى هدف للوبيات المال والسياسة .

لئن تمكّن الرئيس بوتفليقة في 92 من خلق رمزية وطنيّة حول شخصه وسُلطته وإنتزع إعتراف المؤسّسة العسكريّة برجاحة توجُّهه ، كما إتّخذ خيارات سياسيّة داخلية وخارجيّة جريئة في ما يتعلَّقُ بملفّات المُصالحة الوطنية والانفتاح على الشّركات العابرة للقارّات في ملفّات الطّاقة والشّراكة الاقتصاديّة ، الى جانب توليه لملفّات إجتماعية تتعلَّقُ برفع نسبي في درجة رخاء شرائح واسعة من الشعب الجزائري (ترفيع الأجور ، تحكم في الأسعار ، إسكان إجتماعي ... الخ ) ، مِمّا أسنده دعمًا شعبيًّا مكّنه من تقليص تدخُّلِ رجالات الجيش بشكلٍ مُباشرٍ في الشُّؤون السياسيّة و هو الأمر الذي أفسَحَ له المجال لاطلاق نصيبٍ من الحُرّيات السياسية والمدنيّة التي أكسبته إحتياطيا من الحُلفاء في الدّاخل ليُعزِّزَ سُلطة الرّئاسة ، ساعده في ذلك إرتفاع مداخيل النّفط وتدَفُّقِها لميزانية الدّولة بشكلٍ كبيرٍ .
تمكّن النظام الجزائري في أوج التسعينات وسنوات الألفين من مُراكمة ريع جيِّدٍ من مردود قطاع الطّاقة ، إستثمره في الترضيات السياسيّة لأجنحة السُّلطة المُختلفة ولوبياتها ، الى جانب الرّشوة الاجتماعية في شكل هبات وإعانات ومشاريع خدميّة إجتماعيّة قدّمتها الدَّولة للجزائريين لتحقيق سِلمٍ أهليّة وهميّةٍ ، قائمة على تغطية المُشكلات عوض حلِّها والاستعانة بعصى الأمن الغليظة كُلّما خرج أحدهم أو مجموعة ما عن الصّراط ، مُلوِّحا دائما ومُهدِّدا بإطلاق مارد الجيش الشعبي الجزائري من عقاله ، وهو الأمر الذي حجب عنه إطلاق سياسات إقتصادية وطنية تتوجَّه للاستثمار في القطاعات ذات القيمة المُضافة العالية أو تثوير قطاعات الفلاحة والصّناعات الغذائية ... الخ ، أو إنتهاج سياسة إجتماعية وديمغرافية وطنيّة تُحوِّلُ شِعار الوحدة الوطنيّة الى واقع ملموسٍ وتصهرُ التنوُّعَ الجزائري في كُلِّ واحدٍ مُنتِجٍ للثروة والعلاقات الإجتماعية الوطنية .
وسُرعان ما خفت بريق ورمزيّة الرئيس المُنقذ ، وتباطأ نَسَقُ إصلاحاته الدّاخلية والخارجية ومعها إحتياطي حُلفائه أيضا ، في دورته الرئاسية الثّالثة ، التي صاحبها إستكراش وإستثراء لوبيات الجيش وعودتهم الى السّاحة السياسيّة من أبواب واسعة ، كما إتَّجه إحتياطي البلد الريعي من الطّاقة التنقيبية النّاضبة الى الشُّحِّ ومعها موارده المُتدفِّقة الى ميزانيّة الدّولة ، فأنحسر معها دورها الاجتماعي الخدمي ، مِمَّا ساهم في تعرية المزيد من الآفات الإجتماعية والإقتصاديّة الدّفينة .
ظهرت للجزائر في السنوات الأخيرة مُعضلتان أسهمتا الى جانب ضُعف رمزيّة بوتفليقة وجهاز رئاسته في مزيد تخمُّر الأوضاع يُمكنُ إعتبار :
*- الأولى ذاتيّة تتعلَّ بأجنحة السُّلطة المتنازعة ، فحيث أبعدت الرّئاسة في أوجها جنرلات الجيش عن السّاحة السياسيّة المباشرة ، فقد أفسحت المجال لجهاز الاستعلامات والأمن (المُخابرات) لتلعب دورا متناميا في الشؤن الداخلية والخارجيّة ، ليتعاضم تأثيره وتتوسّع علاقاته السياسيّة مع طيف واسعٍ من المُجتمع السياسي والمدني الجزائري ، عبر إنتزاعه للمُبادرة في ملفّات الأمن القومي والتصدّي للارهاب والفساد من مؤسّستي الرِّئاسة والجيش على حدٍّ سواء ، ساهم في هذا ترَشُّح بوتفليقة في حالته هذه للدورة الرئاسية الرّابعة وما رافقها من رفض وتملمُلٍ في صفوف النُّخبة وطيف واسعٍ من شرائح الشعب وخاصّة الشّباب ، وخروج قضايا فسادٍ بالجُملة لرجالات الرئاسة وزراء ومسؤولين مقرّبين منه ، فيما يتعلَّقُ بقضايا الطّاقة والإثراء الغير مشروع لِتُظاف الى قضايا الفساد التي طالت المؤسّسة العسكريّة والتي تدخّل الرئيس الجزائري عديد المرّات لاحتوائها ، ويبدوا أنّ ملفّات الفساد التي طالت وزراء وأدّت الى تغيير حكومي شَمِلَ ثماني وزارات طالت الطّاقة والداخلية الى جانب تغييرات أخرى في الديوان الرئاسي وفي مؤسّسات وطنية أخرى أهمُّها "سوناتراك" ، كانت نتيجة لتفاقم الازمة الاجتماعية وإستباقا لسيناريو مُشابه لتونس. ، خاصّة مع إنتشار مُؤَشِّرات حول تدَخُّل جهاز الاستعلامات والأمن (المُخابرات ) في هذه التطوُّرات الى جانب قوى سياسية رئيسية مع تزامن فتح نقاش حول إنتخابات رئاسية مُبَكِّرة ، والاحتياط من إمكانيّة تِكرار السيناريو المصري بإستيلاء الجيش على السُّلطة بدعوى مواجهة الارهاب وضمان حماية نمط المُجتمع الجزائري ، وهو ما يجعل بوتفليقة شبه معزول في مرمى نيران مُعسكري اللوبيات المُتصارعة ، في ظلِّ مُجتمع سياسي ومدني مُنقسمٍ وقوى يسارية وإشتراكية مُتذبذة المواقف ومُرتبكة الخيارات في المسألتين الوطنية والديمقراطية بين الشِّعارات والممارسة ، غَيْرُ مُدركة لطبيعة التناقضات الرئيسية التي تَشُقُّ العالم اليوم ومُتطلِّبات النِضال الاشتراكي الديمقراطي الأممي في عصر الرأسمالية المُعولمة وما تستوجبه من تثوير للأطروحات والخروج بها من سقف التصوُّرات القديمة المُغرقة في الشوفينيّة والمؤامراتية والتذيُّلِ للنُظُمِ الأمنيّة بدعوى الحمائية الوطنية ، لدولٍ لا تعرف من الأوطان غير سلبها وإظطهاد مواطنيها.
*- بينما الثانية موضوعيّة وتشمل مجموعة من المُعطيات تتعلَّقُ بالخيارات السياسيّة والاقتصادية للنظام الجزائري تُجاه مُحيطه الدَّولي في ظِلِِّ أزمة النمو والطّاقة العالمية ويُمكن إيجازها في ثلاث رئيسية كما يلي :

- أوَّلها مسألة الاستثمار الأجنبي في الطّاقة (البترول والغاز ) النّاضبة في شكليها الطبيعي أو الصخري (حديث الاستغلال ) والتي تتملّك الجزائر على إحتياطي ضخم منه في صحرائها الجنوبية يجعلها في المرتبة الثالثة عالميا بعد أمريكا والصين ، يُمكِنُ أن يُعوِّض تدني مُستويات إستخراجها وإحتياطييها من البترول التنقيبي الطبيعي ، وفي هذا الملفِّ بالذّات تعترض شُركاء الجزائر وحتى نظامها مُشكلتان أساسيتان ، 1) رُغم الاصلاحات التي قام بها النّظام الجزائري في ما يتعلَّق بإسناد رخص التنقيب وإستغلال البترول للشركات "الأجنبية" الا أنّ تكلفتها لا زالت تُعتبر مُرتفعة وغير تنافسية إضافة لفرض شراكة شركة سوناتراك وفرض ضرائب تصاعدية حسب كميات الاستخراج . 2) تمت عرقلة مشروع إستخراج الغاز الصخري من قبل قوى وطنية وقبايلية لأنَّه يستنفذ إحتياطي المنطقة من الماء الصّالح للشراب ومياه الري إضافة الى أخطاره الجيولوجية الأخرى ، وخلاصة ملف طاقة الجزائر أنّها تفقد بشكل تصاعدي مداخيله وما كان يوفّرُه من رخاء لخزينة الدولة وهو ما يفتح على تغييرات جذرية في التوجُّهات الاقتصادية والخارجية وحتى في علاقة شرائح من النظام الجزائري مع الشركات والدول الكُبرى .
- وأمّا الثانية فتتعلَّقُ بالسياسة الخارجية للنّظام الجزائري فيما يَخُصُّ ملفي سوريا ومساندتها للنظام ضدّ التحالف الأورو-أمريكي وجماعاته من الجيش الحرّ ، الى جانب ثبات الجزائر على موقفها في عدم السّماح لدول النّاتو بالتدَخُّل الدائم (قواعد عسكرية وقواعد عمليات) في شمال ووسط إفريقيا عبر مدخلي مالي وليبيا وسعيها الدّائم للعمل إقليميا ومحليّا للتصدي للمجموعات الانفصالية والارهابية (محاولة مجموعة دول "الميدان") .
- وأمّا الثّالثة فعلى ما يبدو إستراتيجية تتعلّق بسعي القوى المالية لخلق أقطاب إستهلاكية وترويجية واسعة تستجيب لمدى تركز وتمركز رأسالمال في أقطاب إنتاجية ، وتتمحور حول إعاقة الجزائر لإمكانية قيام سوق مغاربية (شمال إفريقيا) مفتوحة أمام حُريّة حركة البضائع ورأسالمال بشكل سلس ودائم بين ضفتي المتوسط ومنها الى العمق الافريقي (سوق متنازع عليها بين الانتاج الصيني والأورو أمريكي) ، وذلك من خلال رفضها لاقامة علاقات مع المملكة المغربية وتدخُّلها العلني في قضيّة الصّحراء .

الجزائر ورياح التغيير : إستشرافًا للقادم من الأيّام .

لئن تمكّنَ النِّظام الجزائري الى حدود ضفر بوتفليقة برئاسيته الرّابعة بِجُهد إستثنائي ، من إدارة معاركه الدّاخلية والخارجية بدهاءٍ يُحسبُ لَهُ ، مُستغِلّا في ذلك كُلَّ أوراقه المُتاحة من ملفّ التصدّي للإرهاب الى ورقة العزّة القومية وحماية الوحدة الوطنية من التخريب مرورا بضمان التوازن والإستقرار في إقليم دول الصّحراء ، فأستطاع في مرحلة أولى الخروج من المُستنقع المالي ومجموعاته المُسلَّحة الذي دفعته اليه فرنسا دفعا في 2012 ، كما تجاوزته نِسبيّا عاصفة التغييرات التي ضربت المنطقة من شرقها إلى غربها من القرن الإفريقي الى الصّحراء الكُبرى ، من دارفور الى الصّحراء الغربيّة ، فأستطاع إخماد شرارات الاحتجاج الأولى وأستنفر ما في جعبته من حنكة سياسيّة وأمنيّة وما في خزينته من بقايا عائدات ريع باطن الأرض لتصدير أزمته المُتصاعدة لأجواره ونشر كاسرات رياح تمتَصُّ حِدَّة رياح التغيير الشمالية القاسية.
الّا أنّ المُعطيات على الارض تتحرَّكُ ضِدَّ فريق الرئيس بوتفليقة ، فهاهي موريطانيا تخرجُ من تحالف دول "الميدان" وتُصعِّد موقفها الديبلوماسي ضدَّ دولة الجزائر (طرد ديبلوماسي من الجهتين ) مُضيفة للأزمة الديبلوماسية المُستعصية بين الجزائر والمغرب ، أخرى مغاربية إفريقية ، وهاهي السّاحة السياسيّة تنقضُّ على رجالات الرئيس من كُلِّ حدب وصوب في قضايا فساد وسوء إدارة وغياب نجاعة التّدَخُّل في مسائل تُهدِّدُ وحدة المُجتمع الجزائري ، وهاهي الشّبكات وناشطي ما وراء البحار ومنهم صنيعة مُختبرات تغييرات النُّظم بدأت تتحرَّكُ وإن بِشكلٍ حذرٍ وبطيئ .
جملة هذه المُتغيّرات تُحيلنا على تخمُّر الأمور في الجزائر وإستعدادها للإقدام على تغيير ، شاءت الظُّروف -العزلة النسبية للرجل الأقوى فيها - أن تفتح له الامكانية في أن يكون أكثر سلاسة وأقلَّ عُنفا وتدميرا من أمثاله في المنطقة وأن يكون الأقرب للنموذج التّونسي ، ذو توجُّهٍ أكثر ديمُقراطيّةً ووطنيّةً ، إن إستوعبت القوى الاشتراكية الديمقراطيّة واليساريّة الوطنيّة عموما دروس ما يحدث عالميا وإقليميا وتوحدّت في مشروع سياسي ومجتمعي مُشترك يَفرِضُ التغيير المدني الديمقراطي السِّلمي ، بما يضمن التكافؤ في تقسيم العمل والثروة في ظِلِّ النِّظام العالمي الجديد ، ويكون سندا لكُلِّ حركات التحرُّرِ الاجتماعي في المنطقة والعالم ورافعة من روافع النِّضال من أجل حريّة الشُّعوب المُظطهدة والطّبقات المُفقّرة وحقّها في العدالة في توزيع الثروة ، فمهمّة اليسار الاشتراكي والديمقراطي الجزائري اليوم تتجاوز حدود الجزائر ، لأنَّ عليه أن يرسُم لنفسه وللآخرين أفُقا أرحب وأوسع ، بأن يدفع المعركة أشواطٍ الى الأمام ، فينتزع المُبادرة من دوائر العسكر والأمن والمُخابرات ويعيدها الى دائرة الفعل المدني الشعبي الواعي والمُنَظَّم ، بعيدا عن التَّذَيُّلِ لدوائر الإمبريالية ومُمثّليها أو ديماغوجيا الأنظمة الكُليانية وأعوانها ، وأكثر من مُجرَّدِ المُعارضة الايجابية والمُشاركة السلبيّة (مثل التجربة الرائدة والايجابية حينها بترشُّحِ لويزا حنُّون مُمثِّلة اليسار في الانتخابات قبل الفارطة ضد بو تفليقة ) التي عفى عنها الزمن وتجاوزتها المُعطيات مع الحيطة والحذر من إخلاء السّاحة والشّارع لإستنجاد النِّظام الحالي بقوى الاسلام السياسي "المُعتدلة" (لقاءات راشد الغنوشي مع رموز نظام بوتفليقة ومنهم هو شخصيا وتغيُّر موقف الرئيس الجزائري من حركة النّهضة ) لتغيير موازين القوى لصالحه والذّهاب في سيناريو سلس مقبول دولي لفرض خليفة لبوتفليقة من داخل منظومته (ورُبّما يكون بن بليز المُقرّبِ من بوتفليقة من الأسماء المرشّحة وهو وزير الدّاخلية السّابق الذي عينه مؤَخّرا في الديوان الرئاسي برتبة وزير دون حقيبة ) وهو من السيناريهات المرجَحّة نظرا لما حقَّقه نموذج "النمط" التونسي من تقاسمٍ سلمي للسُّلطة بين قوى مدنية وإسلامية تحفظ مصالح الدوائر المالية العالمية وتُحَقِّقُ إستقرار سياسيا يضمن تحقيق خياراتها الاستراتيجية وسلاسة رواجها شرقا وغربا ، بالإضافة لقبول نظام المخزن "الملكي" في المغرب بإصلاحات من داخل نفس المنظومة وبنفس الخيارات .
أمّا السيناريو الثّالث المرجَّحِ وإن بِحضوض أقلّ هو تكرار تجربة الانتقال من نظام بن بلّة للهواري مدين عبر التّدَخُّلِ المُباشر للجيش لاعبا ورقة التصدي للارهاب وإنقاذ البلاد من حمّام دم وخطر المجموعات الاسلامية التي أرهقت وأرعبت شعب الجزائر في تسعينات القرن الماضي .

وللخُلاصة لا سبيل للخروج بالجزائر والمنطقة مِمَّا هي فيه غير أن تنهض قوى اليسار مُوَحّدة لتستثمر اللحظة التاريخيّة وتناقضات السّاحة ، مسترشدة بمآلات التّجارب المُحيطة ، مُستلهمة من التجارب العالميّة (اليونان مثلا) القائلة بإمكانيّة كبح جماح الدوائر المالية العالميَّة متى توفّرت الارادة السياسيّة الجريئة والبرنامج الثوري الذي يُقنِعُ الجماهير ويجمعها حوله دفاعا عن مصالحها وآمالها ، فتتمكّن بذلك من إفشال خيارات صنيعة المُخابرات والمخابر السياسية الدوليّة وتويل طاقتها الدّافعة لصالح الوطن والمواطن حتى لا تُؤخذ من حيث أخِذا رفاقها وجيرانها ، وحينها ستكون بلد المليون شهيد لأحفادهم بحقٍّ وتكون قلعة للصُّمود والمواجهة بأبعادها الثوريّة المُتماهية مع إتّجاهات حركة التَّاريخ .



#محمد_نجيب_وهيبي (هاشتاغ)       Ouhibi_Med_Najib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليونان مرّة أخرى : سيريزا تُسْرِعُِ الخُطى حتى لا تفقد وسط ...
- اليونان : الانتصار يفتح باب المواجهة الأصعب
- دولة -الربيع- طبقية بإمتياز ولا علاقة لها بالعدالة الاجتماعي ...
- وينوا البترول ؟ بين المؤامرة والمطالبة بحقًّ
- مصر : معارضة حكم الاعدام لا تفتح الباب على تبييض اي من الرجع ...
- ا لأول من ماي : اليوم العالمي للعمال أو عيد اللامعايدة
- طرابلس : ليبيا حُرقة في القلب ، والقُدسُ : فلسطين ألمه الدائ ...
- قِيلِ أنَّ - ثورةً- وُلِدتْ هنا !!!
- لماذا يَجِبُ أن نُعارض الإرهاب ؟ وكيف تتمُّ مُقاومته ؟
- تعليقا على ورقة - الادارة المستحيلة لليورو- : سمير أمين :الح ...
- ام الدنيا -مصر- تعود الى بيت الطاعة العربي !!! او عذرا باريس ...
- ملاحظات سريعة حول مقولة -انهيار الاقتصاد -
- القرآنيون ،التاريخ وحدود العقل : محمد الطالبي نموذجا
- اي وحدة ؟ واي يسار نريد ؟
- رجاءا لا تتلاعبوا بقطاع التعليم الثانوي حتى لا تكسروا شوكته ...
- الذهيبة جرح آخر للشعب التونسي او في مظاهر تهافت السلوك السيا ...
- في - السبسيات - او ما بعد طرطرة -الرئاسة - ... بين المؤقت و ...
- ان 14 جانفي 2011 ليست مهرجانا ، ولا يجب ان تصبح ذكرى...
- ملاحظات حول اضراب اعوان نقل تونس ... الاضراب حقّ مشروع ، دون ...
- السبسي ،الصيد ، النهضة ...انطلقت مسيرة -استكمال - البناء.


المزيد.....




- خلال مقابلة مع شبكة CNN.. بايدن يكشف سبب اتخاذ قرار تعليق إر ...
- -سي إن إن-: بايدن يعترف بأن قنابل أمريكية الصنع قتلت مدنيين ...
- ماذا يرى الإنسان خلال الأسابيع الأخيرة قبل الموت؟
- الفيضانات تستمر في حصد الأرواح في كينيا
- سيناتورة أمريكية تطرح إقالة مايك جونسون من منصبه بسبب الخيان ...
- ماتفيينكو تدعو لمنع المحاولات لتزوير التاريخ
- -سفينة الخير- التركية القطرية تنطلق نحو غزة (صورة + فيديو)
- أصوات الجمهوريين تنقذ جونسون من تصويت لإقالته من رئاسة مجلس ...
- فرنسا والنازية.. انتصار بدماء الأفارقة
- مسؤولون إسرائيليون يعربون عن خشيتهم من تبعات تعليق شحنة الأس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد نجيب وهيبي - التغييرات الإستراتيجية في المنطقة : الجزائر ، رياح التغيير ودور قوى اليسار الوطني