|
العرب المسلمون يعيشون مخياليا في الماضي
الطيب طهوري
الحوار المتمدن-العدد: 5170 - 2016 / 5 / 22 - 20:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتبت على صفحتي في الفايسبوك: الأمة العربية الإسلامية أمة ماضوية، يعيش أفرادها في الحاضر بأجسادهم وغرائز أجسادهم ، أما بعقولهم فهم يعيشون في الماضي .. علق أحدهم:توصيف الامة العربية على انها امة ماضوية توصيف غير موضوعي، ليس هناك مثقف واحد يدعو الى الماضوية على الاطلاق، فهل نعيش الماضي في السياسة والاقتصاد والثقافة والعلم والمؤسسات والرياضه وحتى الذهنيات المعبرة عن كل ذلك، الجواب لا نعيش ، والذين يرددون هذه التهمة ويلصقونها بها انما يعنون بالماضي الدين، وحتى الدين بصورته الحالية ليس ماضيا كليا فقد تم تاويل كثير من نصوصه عن طريق المقاربات المعاصرة، واعتقد ان الدين ضرورة حتى لمن لا يؤمن به ، فهو على الاقل يمثل ضمانه اخلاقية وسلوكية واجتناعية هامة للافراد والمجتمعات ، فمن الدين انحدرت الينا اصول القوانين والعلاقات الاجتماعه، القانون يمنع السرقه والتعدي والغش والكذب والخيانه ووو والدين سبق ان منع كل تلك القيم السالبة، فلولا الدين لما تاسست القوانين الوضعية على النحو الذي نراه الان، لذلك قلت ان الدين مصدر هام للقيم ، وهذا الدي هو في الحقيقة سبب الخلافات، نادرا ما يكون الاختلاف على اساس البرامح السياسية او الاقتصادية او الثقافية رددت عليه: نعم..نحن نعيش في الماضي نعيش نحن العرب المسلمين قي الحاضر بأجسادنا ، لكننا نعيش في الماضي بعقولنا ومشاعرنا..نعيش في الحاضر مستعملين كل ما أنتجه الآخرون وينتجونه فيه، مأكلا وملبسا ونقلا واتصالا ودواء.. و..و..وليس لنا خيار غير ذلك، لا لسبب سوى كوننا عاجزين تمام العجز عن إبداع وسائل الإنتاج بأنفسنا .. نعم ، نعيش في الحاضر اقتصادا أبدعه ونظمه الآخرون..لكننا للأسف، حتى ونحن نستعمل نظم اقتصاد الآخرين نستعملها – في عالمنا العربي الإسلامي هذا- بكثير من الفوضى والريعية، لآن تلك النظم أكثر من عقولنا.. نحن نعيش ما يسميه البعض بالتحديث..نستورد وسائل الإنتاج التي صنعها الآخرون ومواد الإنتاج التي أوجدها الآخرون..حتى بترولنا وموادنا الباطنية الآخرى التي نستورد بها وسائل الإنتاج نستعمل لاستخراجها وسائل من اختراعاتهم، يسيرها غالبا مهندسون وتقنيون منهم، ونستورد قطع الغيار لها من عندهم.. إلخ..إلخ..لقد توقفت عقولنا عن الإبداع منذ زمن بعيد.. في علاقتنا ذهنيا بالماضي ننقسم إلى قسمين: قسم يعيش على زخم الثورات التي قمنا بها ضد الاستعمار، يحتكرها ويحكم باسمها، ويبرر بها ما يراه مشروعية حكمه..قسم يعيش على احتكار الدين ويرى فيه الحل لكل مشكلات حاضرنا، مطالبا بالرجوع إلى ما يسميه فترة الإسلام الأولى، فترة صدر الإسلام..الحل الإسلامي فكرة تهيمن على عموم العرب المسلمين..ما هو هذا الحل عمليا؟..ضبابية كبيرة يطرح بها هذا الحل.. صحيح أننا نتأثر في الحاضر بثقافة الاستهلاك ونستعمل مختلف وسائلها، تماما كما نستعمل مختلف وسائل إنتاج الآخر ومنتجاته.. لكننا نستعملها ليس كمبدعين لها، بل كمتأثرين بها بحكم تواجدنا في العصر جسديا..نستعملها لأنها تكتسح بيوتنا وعيوننا وتغرينا بفعل الإشهار الذي يصاحبها ويخاطب فينا غرائزنا..لكننا لا نملك أي وسيلة لمواجهة تأثيراتها السلبية ..الوسيلة الوحيدة هي الهروب ذهنيا إلى ماضينا والاحتماء به ويرجاله،والافتخار العنتري بهما،دون جدوى..في كل قرية،في كل حي مسجد وأكثر..الأغلبية الساحقة من الناس تسأل إمام المسجد عن رأي الدين فيما يفعلونه أو ينوون فعله..الكثير من أساتذة الجامعات حتى، يسألونه أيضا..لا أحد يسأل عقله إلا نادرا..كل قضية تطرح على الإمام يروح الإمام يعدد قال فلان عن فلان للتدليل على الرأي/ الحكم الذي يقدمه لسائله، بدل أن يقول : قال العقل..لفظتا الحلال والحرام هما المهيمنتان على الناس في علاقتهم بالأشياء، لا لفظتا النافع والضار.. واقع الحال يقول بأننا محاصرون بثقافة حاضرية استهلاكية تجذبنا إليها وتغرينا، وتنجح في عملها ذاك ، فنرانا نتهافت عليها، لأننا لا نمتلك العقل الواعي الذي يجعلنا نعرف كيف نتعامل معها بحكمة ونستعملها بعقلانية..وثقافة ماضوية نهرب إليها محاولين الاحتماء بها واستعمالها كوسيلة لمواجهة الثقافة الأولى، دون جدوى..التدين المفرط،، الإكثار من العمرة والحج، صيام عاشوراء،وغير ذلك كثير ، تندرج هي الأخرى ضمن تلك الماضوية، حيث يلجأ الناس إليها ليراكموا من حسناتهم مقابل ما يرتكبونه من آثام في مختلف سلوكاتهم،غشا وكذبا ولا مبالاة ورشوة ومحسوبية وتضييع وقت، وعدم احترام عمل..إلخ..نركز كثيرا على الحديث في مختلف خطب مساجدنا على الافتخار بأسلافنا..في مختلف احتفالاتنا بالمناسبات الوطنية نفتخر كثيرا أيضا برجال الثورة..مقابل ذلك نرتكب الكثير مما يناقض ما نفتخر به من صفات وسلوكات في تلك الشخصيات..نحن نتخبط، لا نعرف ماذا نفعل ولا كيف نفعل، لأننا في الأساس لم نبن المواطن االعاقل الواعي الذي يواجه مشكلاته في هذا الحاضر بعقله تفكيرا وبإرادته عملا..نعيش على الريعية في كل حياتنا، ريع الأرض ماديا لنستورد ما نحتاج إليه من ضروريات حياة، وريع الماضي ثقافيا ونفسيا لنهرب إليه ونحتمي به، كوننا عاجزين عن مواجهة الحاضر واكتساح العولمة له وايتلاعها لنا ..نعيش خوفا مرعبا من الآخر فنصوره غولا يتربص بنا ليأكلنا في أية لحظة،وخوفا من الآخرة فنكثر الحديث عما ينتظرنا فيها من عذاب..يدفعنا خوفنا ذاك إلى مناصبة العداء لذاك الآخر ،وتهديد كل مفكر يظهر بيننا يدعونا إلى التفاعل مع ذاك الآخر والاستفادة من ديمقراطيته ونظمه المحكمة في التسيير وطريقة تفكيره،وعلمانيته، نكفره حتى، ونبعد العامة عن قراءة ما يكتبه، رغم ارتمائنا في احضان ثقافة الآخر الاستهلاكية ..يدفعنا الخوف من عذاب الآخرة إلى الغياب في التدين المفرط..يصير التدين ذك هو اختيارنا الأساس لكسب وتراكم الحسنات ( هكذا نعتقد) بدل أن يكون عملنا الصالح وبناء عقولنا بالمطالعة والنقاش والتفكير واحترام الوقت والعمل واحترام الآخر وسيلتنا لذلك الكسب..نحن نعيش التخلف المفزع عقليا ونفسيا..لم نخرج بعد عما سمي بعصر الانحطاط..عيشنا المتواصل في عصر الانحطاط مظهر أساس للدلالة على أننا فعلا نعيش عقليا ونفسيا وسلوكيا في الماضي.. ما زال الناس في مجمعاتنا حتى الآن يقسمون البشر إلى كفار ومؤمنين، تماما كما قسمهم أسلافنا( فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان)..لم ننتبه بعد إلى أن الوااقع الآن يقسمهم إلى متقدمين ومتخلفين، حضارة تتقدم وبداوة تراوح مكانها وتتخوف من الانخراط في تلك الحضارة..يقسمهم أيضا إلى إنسانيين وغير إنسانيين بالمعنى الأخلاقي والسلوكي.. العلمانية فتحت المجال واسعا لتعايش المختلفين فكرا ومعتقدا وجنسا ولونا في إطار الاحترام المتبادل والعمل معا على بناء المجتمعات، ونحن مازلنا نعيش في عصر تقسيم الناس إلى مؤمنين وكفرة..وا أسفاه.. ليس الإنسان بإيمانه أو كفره..الإنسان بسلوكه وما ينفع الناس به.. عيشنا وفق تقسيم البشر إلى مؤمنين وكفرة مظهر أساس آخر من عيشنا ذهنيا في ماضينا.. الدول الحديثة تتبنى العلمانية ، حيث الدولة لا دين له ،و تسير أمور كل مواطنيها المشتركة،دون تحيز لهذا الطرف أوذك ، بغض النظر عن معتقداتهم وألوانهم وآرائهم ومواقفهم من قضايا واقعهم وواقع من حولهم،وتصوراتهم للحياة.. وتتبنى أيضا الديمقراطية،إذ لاعلمانية في تصورها دون ديمقراطية.. أنظمة الحكم في عالمنا العربي الإسلامي عموما أنظمة استبدادية ، لاتسمح بمراقبتها ومحاسبتها واستبدالها بأنظمة أخرى وبشكل ديمقراطي..لا تسمح لشعوبها بالمشاركة في تسيير شؤون حياتهم المشتركة بشكل حر واع ، لا فرق في ذلك بينها وبين أنظمة الاستبداد العربية الإسلامية عبر التاريخ العربي الإسلامي.. تنص دساتير معظم بلداننا العربية الإسلامية على ان الإسلام دين الدولة فيها ،لها مجالس إسلامية أوما يشبهها، فيها وزارات للشؤون الدينية ومديريات تمثلها على مستوى الولايات أو المحافظات،تدفع أجور موظفيها وأئمة مساجدها من خزائنها..تسمح بالتعدد الزوجاتي، وتخضع في قوانين الأحوال الشخصية لأحكام الشريعة الإسلامية..تنظم شؤون الحج والعمرة لمواطنيها..بعضها تعترف بتواجد الأحزاب القائمة على الأسس الدينية فيها، رغم منع ذلك دستوريا في بعضها..يلعب الإفتاء الديني فيها دورا كبيرا في توجيه وتسيير مواطنيها..تمتنع عن تحديد النسل فيها أو تنظيمه خضوعا لضغط رجال الدين فيها..لا تسمح لغير المسلمين ببناء معابدهم، إلا في القليل القليل منها، ومضطرة بحكم الضغوط الدولية غالبا..لا تسمح بخروج مواطنيها من دينهم الإسلامي واعتناق ديانات أخرى بشكل حر وعلاني..مواطنوها أكثر ممارسة للتدين، أكثر ارتباطا بالحلال والحرام في حكمهم على ممارساتهم الحياتية المختلفة، حتى وإن كانوا عمليا يمارسون الكثير مما هو حرام، كالرشوة والمحسوبية والغش والاحتيال..إلخ، ثم يصومون عاشوراء لمحو ذنوب تلك الممارسات، أو يحجون لغسل أنفسهم من تلك الذنوب....فقط، لا تطبق الحدود، كحد الزنا وحد السرقة في معظمها..
#الطيب_طهوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين تقدم الغرب وتخلفنا..الأسباب أساسا
-
تأملات فيسبوكية
-
لماذا نحن لا ننتحر..لماذا هم ينتحرون؟
-
الأقوياء المتنفذون وحدهم من يخدمهم الدين في الواقع
-
لا خروج لنا من تخلفنا إلا بانفتاحنا على الحياة وتفاعلنا مع ب
...
-
من المستفيد من دروس التربية الإسلامية في مدارسنا؟
-
لماذا لم يتحرر المسلمون من استبدادهم ؟
-
عالمنا العربي يتردى أكثر..ماذا نحن فاعلون؟
-
عطشي الأرض..وأمطار يديك النار
-
شيء من العشب..أو ..من دمي
-
واصل غناءك أيها الرمل..واصلي رقصك أيتها النار
-
النهر يعشق أيضا
-
أطلال أخرى..
-
مر من جسدي
-
تلك الرسائل ما أروعها
-
الفتى..كل هذا الجسد
-
مريم
-
أبجدية لخماسيات جزائرية
-
إفريقيا بين السواد وزوارق أزرق الأحلام / الأوهام
-
رواية حنين بالنعناع لربيعة جلطي...... الخطر داهم..يا مثقفي ا
...
المزيد.....
-
تفاصيل الجلسة المغلقة لمجلس الشورى الاسلامي بحضور اللواء سلا
...
-
حميدو الولد الشقي.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر
...
-
من بينهم باسم يوسف وإليسا وفضل شاكر.. هكذا علّق نجوم عرب على
...
-
أردوغان بعد سقوط نظام بشار الأسد: نقف إلى جانب السوريين بكل
...
-
اسلامي: إيران تحظى بقدرات متكاملة في صناعة الطاقة النووية
-
ما هو موقف حركتي الجهاد الاسلامي وحماس من تطورات سوريا؟
-
القيادة العامة للفصائل السورية تعلن القبض على أشخاص ينشرون ا
...
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الان على القمر الصناعي وفرجي أطفالك
...
-
سلاف فواخرجي: -لن أتنكر لما كنت عليه سابقا- وأتمنى -سوريا ال
...
-
-يهود مصر-.. إسرائيل تنشئ مشروعا ضخما وسط تل أبيب
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|