|
يوم تواطأ الحداثيون والإسلاميون على الصمت
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 1392 - 2005 / 12 / 7 - 10:48
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مؤسف حقا أن تسقط الأقنعة عن الوجوه التي ملأت الشاشات والصحف والمنابر بشعار الحداثة وخطاب الاعتدال ، فتظهر حقيقة جبنهم ويتأكد بهتان شعارهم . ومؤلم أن تخر هيئات المجتمع المدني فجأة أمام تهديد لم يستهدفها مباشرة ، وهي التي تأسست على قيم الحداثة والمواطنة وثقافة حقوق الإنسان وترفعها شعارات لا تكاد تنتهي حتى تظهر عند كل مناسبة أو بدونها . لكل من هؤلاء هجرة هاجر إليها ، لكن الأكيد أنهم جميعا هجروا مواقعهم وهاجروا منها . يحسب المرء فعلا ، وهو يتتبع الخطب ويتصفح البيانات ، أنه ضمن مجتمع سياسي وثقافي يتعافى تدريجيا من أمراض الجبن ويتحرر من حبائل النفاق . مجتمع تتفاعل هيئاته مع الأحداث وتستجيب لنبضاته . بل لعله مدرك أنه كلما تعلق الأمر ب" مواجهة" الدولة ومؤسساتها ، تزايدت المنافسة بين تلك الهيئات من أجل إضعاف الدولة وتلطيخ سمعتها . فلا عذر لهؤلاء جميعا الذين بلعوا فجأة ألسنتهم وكسروا خيفة أقلامهم وانسلوا تحت جنح الجبن يتوسلون السلامة لأنفسهم ويستسلمون لمصير هُمْ مريدوه وراضون به . لكن فرق بين أن يرضى المرء لنفسه الهوان والإذلال وبين أن يرضاه لمجتمعه ويبث فيه نزعته . فكل مجتمع لا يجسر على الصمود ولا يكستب المنعة إلا بوجود الفئة المثقفة المهووسة بحب الوطن والمفجرة طاقات أبنائه وإبداعاتهم . ومتى خر المثقفون أمام الظلم أو الظلام ، فلا نهضة ولا أمل . لا عذر إذن لكل من يستأسد على مُقدّم أو قائد أو حتى وزير ، فيُظهر من الشجاعة ندرتها ومن التضحية روحها ، زاده العويل وأداته التهويل ؛ لكن عند المواجهة الفكرية تنهار عزيمته وتخور إرادته، فيمسي مستكينا فاقد العزم عديم الضمير . ولست هنا أطلب حماية ولا أرجو عطفا ، فقد علمتُ أن البيانات لا تجلب أمنا ولا توفر حماية . لكن من كان في موقف كموقفي هذا ، تكون نفسه تهفو إلى التآزر المعنوي الذي يُشعره بالدفء الإنساني ، وأن القضية التي يضحي من أجلها هي قضية الجميع . وأن هذا الجميع يحضنه ولا يتبرم منه ، وإن ظهرت العين بصيرة واليد قصيرة . قد يكون من الحمق الاحتماء بأرواح الأبرياء . ليس هذا قصدي ، بل القصد أن يتداعى المثقفون بالانتفاض والقلق على مصير المجتمع إذا أُخرست الألسن وصودرت الحقوق . إن ذلك وحده يولد الشعور بالانتماء إلى هذا الكل ويبعث في النفس الطمأنينة إليه . ولعل الانتحاريين أكثر وعيا وأشد حرصا على بث الطمأنينة في نفوس بعضهم بالانتماء إلى المجموعة التي تمحي فيها الذاتية والفردانية . ليس المطلوب أن تكون الهيئات المدنية والسياسية على هذا النحو من الانسجام والتوحد ، لكن الأمر لا يعفيها من الحد الأدنى من التضامن والتآزر . فالقلم الذي يكتب بيان التنديد بمسئول حكومي أو إداري ، هو نفسه الذي عليه أن يفعل المثل لا أكثر حين تتعرض حرية التعبير للاغتيال وحق الحياة للمصادرة من طرف قوى لا هي بالسلطة ولا هي بالدولة . فكما لا أجد عذرا للرفاق والأصدقاء والهيئات المدنية والسياسية الذين يريدون الحداثة ولا يسعون إليها ولا يضحون من أجلها ، وتلك سخرية القدر أن يطلب هؤلاء من ملك البلاد بسط الحداثة وهم يغتالون أسسها ، كذلك لا أجد عذرا للمعتدلين من الإسلاميين ، كانوا أصدقاء أو خصوما ، وهم يسلكون مسلك الجبناء ويصمتون أمام فئة تقتل الأبرياء باسم الدين الذي يجهر كل الإسلاميين أنهم جاؤوا لإحياء فرائضه وتصحيح فهمه . فليس لي إلا السخرية والشفقة على أولائك المسئولين بتلك الهيئات المدنية والسياسية ، الذين يريدون أن يجعلوا مني عطارا أحمل قضيتي على كاهلي وأطوف بها على أبواب دكاكينهم لأعرضها " بضاعة مزجاة " علّها تحظى بالشفقة وتثير التعاطف . ليطمئن هؤلاء جميعا أني لن أنغص عليهم خنوعهم ولن أطرق باب وكالاتهم ، ولن أبكي أبدا على عتبات تطؤها أقدام لا تتقن سوى دوس المبادئ وامتطاء الرقاب . نعم لن أستجدي تضامن الكائنات النخرة . كفاهم جبنا وتزلفا . فحبي لديني ووطني وللمواطنين البسطاء يمنحني من القوة والطمأنينة ما يجعلني أفضل الموت شريفا على العيش ذليلا . لأجل ذلك لن أكسر قلمي ولن أبلع لساني . فلن تقولوا عني " بئس الجبان أنت" لكني سأقول لكم " بئس الجبناء أنتم" وسيرددها معي الشرفاء من الأجيال الحالية والقادمة . لأن الذين جبنوا لن يكونوا سوى مسخرة أمام التاريخ والأجيال . أما من يمت على حب وشرف فستخلّد الصالحات ذكره .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب
...
-
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب
...
-
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب
...
-
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب
...
-
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب
...
-
منذ متى كان الظواهري رحيما أو حكيما ؟
-
رسائل التهديد بالقتل
-
التسامح مفهوم دخيل على الثقافة العربية
-
هل ستتحول - حماس- إلى نحس على الفلسطينيين ؟
-
خرافة إنكار علاقة الإرهاب بالتعليم الديني 3/3
-
خرافة إنكار علاقة الإرهاب بالتعليم الديني 3/2
-
خرافة إنكار علاقة الإرهاب بالتعليم الديني- 3/1
-
إرهابيون وإن غيروا فتاواهم
-
مطارحة من صميم المصارحة حوار مع صديق إسلامي 10
-
انتحاريون ليسوا كالانتحاريين
-
مطارحة من صميم المصارحة حوار مع صديق إسلامي 9
-
مطارحة من صميم المصارحة حوار مع صديق إسلامي-8
-
فكر الحركات الإسلامية أفيون النساء
-
مطارحة من صميم المصارحة حوار مع صديق إسلامي7
-
ومَكْرُ أولئك الشيوخ هو يَبُور
المزيد.....
-
أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو
...
-
مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ
...
-
ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
-
استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على
...
-
يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف
...
-
الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
-
ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا
...
-
باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال
...
-
الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-!
...
-
تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!
المزيد.....
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
-
عالم داعش خفايا واسرار
/ ياسر جاسم قاسم
المزيد.....
|