أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عماد حياوي المبارك - فاز باللذات...















المزيد.....

فاز باللذات...


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5126 - 2016 / 4 / 7 - 15:56
المحور: المجتمع المدني
    


((من يبحث عن متع ولذات الحياة، عليه بعض الأحيان أن يجازف وأن يتهور لدرجة أن تكون له نتائج وخيمة، وعلى العاقل قبل الشروع بمغامرة أن يحسب ثمنها على صحته وجيبه والأهم... على سمعته)).

((فاز باللذّات من كان جسوراً))

هذه المقولة، كنا نرددها كلما ننوي القيام بعمل فيه جرءة وشجاعة وبعض التهور والأستعجال، وكنا نعتبرها كلمات معنية فقط بالشخص صاحب روح المغامرة الذي يقتنص الفرص الثمينة، وكاد ذلك أن يتسبب لي بمشاكل لم أقدّر حجمها.
(أمونة) أسم دلع لبنت رأيتها مرة واحدة فقط لكننا تحدثنا عبر الهاتف مرات، لم تكن طبيعية أو سوية، ولم يكن لقائي بها أيضاً، طبيعياً أو معقولاً...
هذه البنت كنت أسمع عنها في أحد أطراف منطقة سكني، وكان بيتهم يجاور أحد إعداديات البنين التي كانت تمتاز بتسيّب طلبتها. كان والدها يمسك مصلحة في أحد الأسواق بمركز بغداد، يعاونه أخوانها الثلاث الذين يكبرونها سناً، أما أمها فقد كانت ـ لسبب أجهله ـ مقعدة لا تقوى حتى على الكلام أو قضاء حاجتها.
المعلومات عن (أمونة) وأنشغالها كل ساعات النهار بأمها، ما كانت خافية على أحد بالمنطقة، والكل يُقدّر ذلك العمل الإنساني وتضحية هذه البنت بشبابها من أجل أمها، هذا الواجب الذي لم يدع لها سوى حرية بسيطة عند (حلّة) طلاب المَدرسة، حيث تقف ترصد الطلبة من خلف باب الحديقة، حتى صار متعارفاً أن يروها عند عودتهم لبيوتهم، والكثير منهم قد غيّر أتجاه بوصلته ليمر من أمام بيتها بتصرف بدا وكأنه ألزامي عليه!
كانت هذه البنت، بيضاء بشعر أشقر طويل وعيون عسلية وكأنها قادمة من روسيا، تلبس ثوب فضفاض قصير وتمسك بأعمدة الباب الحديدية وتعمل حركات وكأنها تقدم عرض في سيرك...
× × ×
غالبية الدور المستأجرة بأوربا تعود ملكيتها لشركات، ولو يحصل وأن يتعطل أحد مرافق خدماتها، يقوم المستأجر بالأتصال بالشركة فتبعث الفني المختص للقيام بعمله الذي تدرب عليه وأتقنه تساعده بذلك عُدد أختصاصية مناسبة ومواد أحتياطية كافية. هذا العامل حينما ياتي بطلب منا، نشعر ـ نحن الأغراب المتطفلون على مجتمعاتهم ـ بأنه قد جاء ليقوم بالعمل لأجلنا ويقدم لنا معروفاً، بينما الحقيقة أنه يؤدي عمله للشركة التي يعمل لديها ويتقاضى راتبه منها، وهنا يكون شعورنا غير شعورهم، فبينما نكون ممتنين له وندعوه لشرب القهوة ونتشكر بحرارة منه، يتعجب لتصرفنا ويرانا نبالغ بل ونخطأ التصرف، فهو يعلم جيداً لو أنه يدخل بيت مستأجر أو مالك هولندي لأداء عمل معين، سيتجاهله كضيف ويعامله كشخص ملزم بأداء واجبه ومن ثم عليه المغادرة على الفور. ويبقى تصرفنا مستمراً رغم تيقننا بأننا من وجهة نظره على خطأ، لتتعمّق الهوّة بين ثقافات وعادات شعوب مختلفة يجمعها بلداً واحداً رغماً عنها.
هذا التصرف أي الأصرار على حرارة شكر من يقدم لنا خدمةٍ ما، يُذكرني عندما كنتُ مهندساً في بدالات بغداد، وكنت مسؤولاً عن تحديد أعطال الهواتف وتوزيع مهام أصلاحها، وقد لاحظتُ كيف يستقتل المواطن ويكرر أتصالاته من أجل أصلاح هاتفه، لكن فجأةً يتوقف هذا المشترك عن الأتصال...
مسألة اصلاح الهاتف تتبع جملة خطوات تبدأ من الفحص لتحديد العطل ومكانه، هل هو في كارت المشترك أم في الشبكة الممتدة من مبنى البدالة حتى التقسيم قرب المنزل وصولاً لجهاز الهاتف، وغالباً ما يلح المشترك حينما يتصل من هاتف بديل مبرراً بأن هاتفه على أهمية قصوى، فهو ـ يقول ـ إما ضابطاً بالخدمة العسكرية ويجب أن يكون تحت الطلب من قبل آمريه ليلاً ونهاراً أو طيّاراً يؤكد بأن الخطوط الجوية تكون بأشد الحاجة له لو تأخر كابتن آخر عن قيادة طائرة جاثمة بالمطار، أو يأتينا ممن يقول أنه مدير مدرسة أو مركز أسعاق أو أطفاء... وغيرهم كثير. ولأنني كنتُ أعِد المشترك بمتابعة عملية الأصلاح، كنتُ أدون أسمه ورقمه وأستمع له كلما يؤكد لي أن هاتفه لا يزال عاطل، لكن وبمجرد أن ينقطع عن الأتصال ليومين أو ثلاث حتى أتيقن بأن هاتفه قد أصلح وما عاد بحاجة للتأكيد عليّ، وما أن أفحص خطه حتى أجده يعمل بصورة جيدة، فأتسائل ما الضرر لو أنه يتصل من نفس هاتفه الذي عادت له الحرارة ليقدم كلمة شكر سوف لن تكلفه شيئاً!
حصل مرة أن أتصلت فتاة وقالت بأنها تتصل من الجيران لأن تلفونها قد توقف عن الخدمة وأنه ضروري جداً لأنها ترعى أمها المريضة طيلة اليوم طالما أخوانها وأبيها في دكانهم، والهاتف وَسيلتها الوحيدة للأستنجاد بهم كلما تطلبت حاجة.
ـ كيف تكوني بهذه المسؤولية وأنتِ لا تزالين صغيرة؟ دفعتني أن أسألها.
قالت بأنها ليست صغيرة وقد تعودت لوحدها الأعتناء بأمها وأنها لا تخرج ولا تنشغل بشيء أبداً جراء واجبها الثقيل هذا، صدقتها وأصلحتُ هاتفها بنفس اليوم، لتكون هذه الفتاة هي المشترك الوحيد التي كسرَ القاعدة وعاود الأتصال من بيته ليتشكر مني. الغريب أن عنوانها، أمها المريضة، أخوتها في العمل، تواجدها لوحدها، صوتها الناعس كلها أمور تنطبق على... (أمونة)، فكان فضول أن أستغرق بالحديث معها وأن أتأكد أنها الفتاة التي يعرفها شباب المنطقة، لكن لم يطُل أحداً منها نظرة ولا صادف أن بادلت أحداً أبتسامة.
هل سيفوز باللذات من كان جسورا؟ تساءلتُ وقررتُ بعد عدة أتصالات بدا من خلالها أنها لم تكن مترددة أو ممتنعة، أن أضرب موعداً معها. الموعد كان في باب بيتها كي أتعرف عن قرب على تلك البنت العصيّة على الشباب... (أمونة)؟؟
بدت من خلال زجاج سيارتي وهي تقفُ في باب بيتها، أنها بقمة الأناقة والجمال، فأركنتُ سيارتي بين سيارات مُدرسي الأعدادية المتوقفة هناك، كان الشارع هادئاً خالياً من المارة، تكلمنا قليلاً وكانت خائفة ومترددة من أن يرانا الجيران، فدعتني أن أجلس بالحديقة لأننا نعلم جيداً بأن لا أحد بالبيت أو على وشك الوصول حتى ساعة المغرب، وكان في أقتراحها وجهة نظر أن نتحدث مع بعض وجهاً لوجه...
على الأرجوحة التي عزفت ألحاناً كلما تحركنا بها، كانت (أمونة) تتصرف بغنج كما توقعتها بالضبط، لكنها كانت قلقة ليس من الشارع بل على أمها التي لا تقوى حتى على مناداتها سوى بالأشارة، فدعتني أن أدخل البيت وأن أترقب وضع أمها المريضة من بعيد...
كيف يمكن لعاقل في بلد محافظ أن يستجيب لدعوة مجنونة كهذه، لكن جاذبيتها من جهة والمقولة الحمقاء (فاز باللذات...) كانت تدفعني لأن أجازف وأتهور وأن أدخل معها... فدخلتُ. بهذه الأثناء كان دوام الأعدادية قد أنتهى وخرج الطلاب وبقيتْ عيونهم تترقب البيت والحديقة بكل فضول، فقد عودَتهم (أمونة) بهذا الوقت أن يرونها يومياً عند الباب... كيف لي الخروج من بيتهم وألف شاهد سيكون لي بالمرصاد! طلبتُ منها أن تتصل بأخوتها بحجة طمأنتهم على والدتها كي تتاكد من أنهم كلهم بالدكان ولم يتغير أو يحدث ما يدفع أحدهم بالعودة بهذا الوقت الصعب. لم يتزحزح الطلاب من أمام الدار إلا بعدما خرجتْ لهم (تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحلُ)*، ثم عادتْ وكان اللقاء معها من جديد ساخناً، ولم أخرج إلا بعدما خلا الشارع.
... في طريق عودتي كان عليّ تقييم الأمر، وكنت ـ دون أدنى شك ـ على خطأ وتهور كبيرين، حتى أن فوزي بهكذا لذات لا يمكن أن يُقارن بما كان ممكن أن يحصل، فالمخاطرة كانت كبيرة وكبيرة جداً، البنت كانت سهلة ومتعطشة وشديدة الرغبة في كل شيء، لم ألتقِ بحياتي بمثيلتها أبداً، فهي كانت لا تتردد بأخذ كل ما تشاء حين سنحت لها فرصة قد لا تتعوض بمثل ظروفها، وهو الأمر الذي زاد من خطورتها.
كان يجب أن لا يدخل إنسان بهكذا مجازفة ومغامرة رعناء، كان يجب حسابها بشكل متعقل وعدم الإنصياع فقط وراء الرغبة والفضول، وراء المثل اللعين الذي كان أفضل أن يُصاغ... (فاز بالأخطاء من كان متهوراً)!
عماد حياوي المبارك
× شاعر المعلقات،الأعشى، هو من شعراء ما قبل الأسلام، وأدرك الأسلام ولم يسلم، وكان كثير الترحال فتأثر شعره بكلمات أعجمية، كنّي بالأعشى لضعف بصره، عاش عمراً طويلاً حافلاً...
مطلع القصيدة وبعض من أبياتها الفصيحة الجميلة تتماشى وحكايتنا هذه...
ودّعْ هريرة إنْ الركبَ مرتحلُ وهلْ تطيقُ وداعاً أيها الرّجلُ؟
غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها تَمشِي الهُوَينا كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ
كَأنّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا مرّ السّحابةِ، لا ريثٌ ولا عجلُ
تَسمَعُ للحَليِ وَسْوَاساً إذا أنصَرَفَت كمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
ليستْ كمنْ يكره الجيرانُ طلعتها ولا تراها لسرّ الجارِ تختتلُ
يَكادُ يَصرَعُها، لَوْلا تَشَدّدُهَا إذا تَقُومُ إلى جَارَاتِهَا الكَسَلُ
هريرة: الأسم الحركي لمحبوبته

× (أمونة): المطرب الشعبي ـ شفيق جلال
http://www.youtube.com/watch?v=iLgyFkuCNZ0
أمونة بعثت لها جواب أمونة ولا سألت عليّ
أمونة أيه الأسباب؟ أمونة مَ تردي عليّ
على كيفك، إنشاء الله مَ رديتي عليّ يا أمونة
علمتيني الحب إزّاي أنا كنت أصلي ما جربتوش
لو الحب عَ يمشي وراي عَ أشوفو ولا أكلمهوش
إتمسكنتي بقينا أحباب إتمكنتي بتلعبي بيّ
أمونة إيش الأسباب أمونة مَ بترد عليّ
عشمتيني بحبك ليّ وشمّتي بيّ أصحاب
اللي في يوم مَ سألتي عليّ ولا إلتقيت برد جواب
مَعْرفتِك كلها عذاب وبأيدك عملتيني هفيّة
أمونة إيش الأسباب أمونة مَ بترد عليّ

× دار مي...
فاز باللذات من كان جسورا وماحظيت بلذه من أتجسّرتْ
فزت بدموع وندم بلا حبيب الله شاهد غيرهن ماحصّلتْ



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا لو تشرق الشمس من الغرب؟
- حواسم أيام زمان
- على مودك
- أبو عبد الله
- خطة لا يعلم بها أحد
- ليلة من ليالي رأس السنة
- كرسمس
- للأذكياء فقط... أيضاً
- للأذكياء فقط... رجاءاً
- من هم الأذكياء؟
- حدث بشارع حيفا
- كونتاكت
- أبو ناجي
- لاند خود
- ((زوغق))
- ((ديوان بالديوانية))
- (أوتو ستوب)
- ((خوردل روز))
- آيدلوجيات وأستراتيجيات
- بين الرصافة والكرخ


المزيد.....




- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عماد حياوي المبارك - فاز باللذات...