أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عماد حياوي المبارك - ((زوغق))















المزيد.....

((زوغق))


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4969 - 2015 / 10 / 28 - 00:19
المحور: المجتمع المدني
    


الحكاية حقيقية، جرت أحداثها بين ثلاثة أركان من بغدادنا الحبيبة، شارع النهر وساحة التحريات والفضل، وذلك بمنتصف السبعينات.
((زوغق))
خلال ظهاري الصيف اللاهبة، يكاد يخلو شارع النهر من المارة، وبينما يُغلق أصحاب المحلات الصغيرة أبوابهم للخلود للراحة ـ ومنهم آبائنا ـ نبقى نحن المراهقون نتجول تحت أشعة شمس عمودية ونذرع الشارع طولاً بعرض.
المحلات الكبيرة و(المغازات) تبقى مفتوحة الأبواب، كمخزن الافراح وبوتيك شفيق ومحلات الاطفال مثل المقص الذهبي ودنيا الطفل وعالم الاطفال مثلما يفتح (أورزدي باك) القريب أبوابه طيلة النهار.
بوتيك عالم الاطفال يجاور محل ومعمل المرحوم ابو ابراهيم (خليل مال الله)، تديره عاملات شابات لطيفات وفيه بضاعة طفل منوعة ومكدّسة وهو وان لم يكن عريضاً بشكل كافٍ فهو عميق ويتسع في نهايته ليصنع بعض من فسحة سمحت بوضع مائدتين تحيط بهما كراسي حديدية لتشكل (كفتريا) هي أصغر كفتريا شاهدتها بحياتي كونها لا تتسع سوى لثمانية أشخاص.
× × ×
كانتا هدى واُختها وداد (وهذين أسميهما الحقيقيين) يتجوَلنَ غير مكترثتين بحرارة الجو، طَيرين ناعمَين جميلين يطيرا في فضاء شارع النهر، محملتين بأكياس أنيقة لمشتريات كثيرة، فتم لنا إيجادهما وتحديد موقعهما قرب بوتيك عالم الاطفال، وباتَ على الصيادون المهرة تجهيز شباكهم لإصطيادهن!
(مو الشمس أقوى من ان تتحمْلنها؟) سألناهنَّ، وأضفنا (أكيد مشترياتكنّ ثقيلة عليكنّ).
ـ إحنة مستعجلين لا تصيرون فضوليين، جيبوا من الآخر... شباب.
إقترحنا أن نجلس في كفتريا عالم الأطفال، وافقن على أمل أن برودة المكان وبعض المرطبات الباردة (تكافح) حر الصيف وتمنحهن الراحة بعد مشوار يبدو أنه طويل، وهكذا سمح لنا هدوء الظهيرة بمجال أوسع لتكملة الحديث...
كانتا البنتين فعلاً في عجلة من أمرهنّ، ومشترياتهنّ أكثر من الطبيعي لسبب أثار فضولنا، ليأتينا الجواب من (هدى) التي عرفتني بأسمها أولاً...
ـ أختي (وداد) مستعجلة وتشتري مستلزمات تمثيل فيلم عراقي جديد، راح تصوره شوية ببغداد وشوية بالموصل.
ثم أكملت بفخر: أختي بطلة الفيلم.
ـ عظيم ... شنو من فيلم؟
ـ انتاج قطاع خاص، أستاذ سامي قفطان.
كانت فعلاً محاولة للفنان المجتهد (سامي قفطان) لتقليد الانتاج المصري الوفير والتجاري في السبعينات، بأن يأخذ بيد السينما العراقية متعثرة الخطوات وأن يخطو خطوة جريئة نحو الأمام بمسيرتها.
ما كان يميز (هدى) عن أختها المتكبرة (هدى)، أنها كانت بسيطة غير متعالية سمراء (من قوم عيسى) يميزها أمران، أنها (ترتل) بوضوح بحرف الراء، وذو عينين خضراويتن كبيرتين فتحتهما بقوة حين أجابتني بفخر عن سؤالي عن أسم الفيلم لتقول... (الزوغق)!
× × ×
هاتين البنتين كانتا تسكنان مع والدتهنّ في بيت مُلك يقع على ساحة (التحريات) مباشرة، وهم عائلة مسيحية بسيطة، وقد استقوى عليهنّ مستأجرو دكاكين حدادة اُخرجت من واجهة البيت وأجّرتها والدتهنَّ لهم في وقت سابق، وصاروا يضايقونهن وقد اغلقوا بحديدهم منافذ البيت كلها.
وكانت فرصة أن (أدعي) بأنني ذو علاقة بمتنفذين بالأمانة يمكنهم أنذار الحدادين أو حتى أجبارهم على الرحيل كون المكان ساحة (فلكة) رئيسية وليس من المعقول فرش حديدهم بها...
كان ذلك مدعاة للقاءات أخرى في كل منها كنت أعد (هدى)... خيراً !
ففكرت مع صاحبي (سالم المختار) أن نفاوض الحدادين بطريقة (السالميات) أي الترغيب والترهيب، لكن بدا عليهم (كحدادين) أنهم أشرس وأعنف من أن تتكلم بلغة عقل ومنطق معهم بموضوع يهدد وجودهم، كان كل ما حولهم بمحالهم لو يستخدموه، يكفي ليشطر رؤوسنا لشطرين أو أكثر، وإذا كانوا لا يتوانوا بإسماع البنتين كلام بذئ ومعاكسات رخيصة لا يقبل سماعها عاقل، فكيف سيتصرفون معنا نحن الأولاد قليلي حيلة لا يمكننا مجاراتهم أسلوباً وتصرفاً!
× × ×
كان في مدخل شارع الملك غازي (الكفاح) من جهة باب المعظم مبنى من طابقين يرتكز على أعمدة بغدادية يقع بمقابل منطقة الفضل بالضبط، فيه شقتين يوصلهما بالشارع سلم طويل ضيق جداً لا يتسع لشخصين بنفس الوقت...
هناك... وصف لي أحد الأقرباء محامٍ قال أنه (لهلوبة) في مسائل العقارات و(فك) الأشتباكات بين النزلاء وبين المؤجرين والمستأجرين وإخلائها لصالح المالك، وقال بأنه سيهاتفه قبل ذهابي له لشرح موقف البنتين وكيفية الوصول لحلول توافقية بين الخصمين...
هناك صعدتُ الدرج حتى نهايته ليقابلني أنسان ضخم خلفه أمرأة بعباءة وبوشية، قال لي عُد أدراجك فعلينا النزول أولاً، قلت، كيف ذلك وقد وصلتُ لقمة الدرج، ما عليك سوى الأنتظار لحظة واحدة، قال... لا عليك النزول أولاً، قلتُ بسخرية إذا فلنستشر المحامي ونرى ما يقوله!
وهنا، جاءني صوت جهوري من داخل الشقة يطالبني بالنزول وعدم إضاعة وقته... بدا من خلال نبرة الكلام، أن هذا المحامي، رجل صارم محنك لا يعرف الرحمة، فنزلتُ الدرج مرغم وأنا أردد... نعم، هذا ما يفيدنا بوجه الحدادين!
كان وصولي لشقته قد فسر سبب وقوفه بجانب الطرف الذي كان على خطأ، فالشقة التي يستأجرها قد شاركه فيها محاميين أثنين بحيث لم تبقَ أية مساحات تسمح بإنتظار زبائن، فكان عليهم الأنتظار في الشارع لحين (نزول) زبون، الأمر الذي دفع شاب أن يفتح كشك شاي ومرطبات على ناصية الشارع.
ـ السلام عليكم، جأتُ بصدد حل مشكلة البيت بساحة...
قاطعني: تلاثين دينار.
ما كان من مجال لنقاش الرجل الذي كان وقته فيما يبدو من ذهب، فالثلاثين دينار مقدم أتعاب قبل أن يخوض في المسألة، ومثلها بمنتصف الطريق، وبقدرهما لو كسب القضية!
إذاً كان موضوع اللقاء والذي كان سريعاً جداً بسبب (مشاغله) هو فقط حول أتعابه والتي لم يقبل عنها اي نقاش.

فكرنا بالأمر، فلو أخبرنا البنتين بمراجعة محامي وطلب أتعاب، لرفضن بشدة، لذا آثرنا (تحمل) نفقات أول ثلاثون ديناراً على أمل أن تتحرك القضية ونكسب الجولة على أساس أن (وساطتنا) أثمرت ليس إلا.
وهكذا سار الأمر ونقدنا الأخ الدنانير التي أخلـّت بميزانية طالب بالجامعة، فصرتُ (أفول) السيارة (نص تانكي) أسبوعياً كي يتبقى بالجيب ما يسد نفقات الأسبوع، وأمتنعتُ عن الأكل بالنادي ولا شرب المرطبات ولا تدخين (الروثمانز) بالجامعة!

لم يطلب المحامي أوراق ثبوتية وتخويل ولا أي شيء، وهو ما أسعدني، أراد رقم القطعة وعنوانها وفترة شغل المستأجرين... أمور كنت أستطيع الحصول عليها من (هدى) بسهولة.
مشى الرجل بالشكوى ضد الحدادين، وحذرنا بدورنا البنتين من عدم الاحتكاك بأي شكل بهم كي نحصل لهنّ على مبتغاهن، وهكذا مرت أيام ثم اسابيع وصارت مصداقيتنا أمامهن على المحك.
مرت أشهر والعلاقة مقتصرة على المهاتفة وكانت تصب بهذا الموضوع فقط، كثفنا مراجعاتنا للمحامي فقال بأننا خسرنا القضية لأن القانون لا يُجبر المستأجر على التخلي عن سكنه لو أنه ملتزم بدفع الإيجار، وعلينا الأستأناف وإلا فربما يتوقفون عن دفع الإيجار وسيضعوه بالمحكمة، وأن ثلاثون ديناراً أخرى علينا دفعها لأنها (قد) تفتح لنا باباً نلج من خلالها لإقناع الحدادين بترك المحلات حتى وإن (يكلفنا) ذلك بضعة مئات من الدنانير ندفعها نقداً لهم!

كانت قضيتنا خاسرة وكلام محامينا لا يطمأن أبداً لأنه عاد بنا لنقطة الصفر وبدا أنه (لعوب) متمرس المناورة والخداع، فرفضنا مقترحه وغادرنا غرفته غاضبين، وكان علينا أن نعالج الأمر مع الحدادين قبل أن يتعقد، فربما سيصطدمون بالبنات أو حتى يمتنعون عن دفع الأيجار لهنّ باليد.
في ساحة التحريات، كان الحدادون منشغلون بعملهم، يملاًون الجو بضجيج مكائن قطع الحديد ورذاذ الحديد ورائحة لحيم (الولدنك)، طلبنا منهم ان نتكلم مع (كبيرهم) فجاء بكل ود...
ـ أبواب، شبابيك، أقفاص، شتريدون؟
قلنا: نحل مشكلة الإيجار معك، نحن أبناء عم البنات.
فأجابنا بود بأنه يدفع الإيجار بانتظام وليس من مشاكل.
قلنا: لكنكم تزعجونهن وتتجاوزون على الشارع وهنّ يرغبن بإخلاء المحلات كلها.
قال: أنشاء الله سنبحث عن محل بديل لأن البلدية تمنعنا وتضايقنا، المسألة قد تأخذ أشهر...
قلنا: شكراً لك، ونحن نعتذر عن الشكوى بحقكم، وهي بالتأكيد ليست ضد أحد بالتحدديد.
ـ أي شكوى يا صديقي، لم تصل بنا الأمور للمحاكم، وكفى الله شر الكفار!

... ماذا كان يفعل محامينا، فهو لم يحرك ساكن ولم يُقم حتى شكوى، وهل العودة له ستحل المشكلة وتُعيد دنانيرنا الثلاثون، قمنا بالأتصال بقريبي الذي بادرني الكلام نيابة عن المحامي الذي أكد له بأنه أخبرنا منذ البداية بأن قضيتنا (خاسرة) وأنه قام (بتحرياته) اللازمة ومحاولاته الحثيثة طيلة أشهر ووصل من خلالها لطريق مسدود!
كان علينا ولأجل التواصل مع البنتين، أن نخبرهما بأن الحدادين وبعد (ضغوط) منا قد أستجابا أخيراً وسيُخليا الدكاكين خلال فترة ليست بالطويلة...
قلن بالهاتف والذي كان بداية النهاية لعلاقتنا المتذبذبة معهنّ، بأن ما توصلنا إليه هو ما سمعنه من الحدادين منذ سنتين خلت!

عماد حياوي المبارك
× لست أدري في يومنا هذا، هل الحدادين وربما أولادهم لا زالوا يشغلون المحلات الآن، أم أستطاعت الأمانة الأستقواء عليهم وإجبارهم إخلاء الدكاكين وحصرهم بالمنطقة الصناعية من أجل... بغداد أجمل وأنظف!
× لم يكتب لفيلم (الزورق) النجاح، لعدم توفر أرضية وأسس لنجاحه، وفشل رغم بعض مقاطع (الجذب) التي تخللته وحُشرت فيه، ومثلما كان الصراع بين طرف الخير يمثله الصياد البسيط وطرف الشر الذي مارسه أباً قاسٍ متسلط داخل الفيلم، كان خارجه صراع أيضاً، بين طرفين... قوي متسلح (بالحديد) وضعيف متسلح (بالقانون)!
https://www.youtube.com/watch?v=HEVhddC6kKo
فيلم الزورق، سامي قفطان ، وداد شوقي




#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ((ديوان بالديوانية))
- (أوتو ستوب)
- ((خوردل روز))
- آيدلوجيات وأستراتيجيات
- بين الرصافة والكرخ
- ((أطوار))
- حزب الفراشات، بين الباستيل والخضراء
- (( وعد الله))
- ناس تأكل الكباب...
- ((لستُ أدري!))
- ((وساطة!))
- مجرد كلام سلطنة
- سليخة
- وهابيون جدد
- ثلاثاً في ثلاث
- هبهب
- من نصرٍ... إلى نصر
- جواسيس (غشمة)
- حواس وعجايا
- فيكتوريا


المزيد.....




- الصحة العالمية تحذر من -حمام دم- ومن امتداد المجاعة لجنوب ال ...
- فرار 8 معتقلين من سجن في هايتي والشرطة تقتل 4 آخرين
- الآلاف يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة باتفاق رهائن مع حماس
- ميقاتي ينفي تلقي لبنان -رشوة أوروبية- لإبقاء اللاجئين السوري ...
- فيديو.. سمير فرج يُشكك في عدد الأسرى الإسرائيليين: حماس تخفي ...
- برنامج الأغذية العالمي: أجزاء من غزة تعيش -مجاعة شاملة-
- مديرة برنامج الأغذية العالمي: شمال غزة يواجه بالفعل مجاعة كا ...
- -جيروزاليم بوست-: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ...
- فعلها بحادثة مشابهة.. اعتقال مشتبه به دهس طفلة وهرب من مكان ...
- المياه ارتفعت لأسطح المنازل.. قتلى ومفقودون وآلاف النازحين ج ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عماد حياوي المبارك - ((زوغق))