أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - مثقف الطريق الوسط الراكد وراء المنصب الكبير















المزيد.....

مثقف الطريق الوسط الراكد وراء المنصب الكبير


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 5125 - 2016 / 4 / 6 - 19:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اولا يجب التفريق بين المثقف الذي يستهلك القراءة ، وبين المفكر الذي ينتج الافكار . المثقف او الانتليجانسي يُكوّنون قاعدة واسعة ، بينما المفكرون يحسبون على رؤوس الاصابع . لذا فالمفكر يناقش القضايا الكبرى ويخترع البديل ، في حين نجد حدود المثقف تقف عند القراءة او التعليق ، وما يميزهم عن العامة ، انهم يقرئون ويناقشون ، وبخلفيات مختلفة ، وقد تكون متناقضة في نفس الآن . وبينما تجد المفكرون يهتمون بالمبادئ العامة وبالأصول ، وبكل تجرد اناني او مصلحي ، فان المثقف ينحو نحو المصلحة الخاصة والمنفعة الذاتية . ان المفكر حين ينتج الافكار ، فهو لا يتوخى جزية ، ولا دخلا او مكافئة ، في حين ان الانتليجانسي يربط كل شيء بفائض القيمة ، وبالربح المتوخى من التحرك او الحركة .
لكن رغم ذلك ، نكاد نجزم ان دوافع انتاج المفكرين والمثقفين ، تكاد تكون قضايا مصيرية . فلا يمكن تصور مثقف او مفكر ، دون قضية تلهم وجدانه وملكات تفكيره وفكره . لقد عُرفتْ ستينات وسبعينات القرن الماضي ، بظهور مفكرين ، وبظهور مثقفين . وبينما كان المفكرون ينتجون الافكار والنظريات ، كان المثقفون يستهلكونها بدرجات مختلفة . فمن منّا ينكر جون بول سارتر ، ومكسيم رودينسون ، وعبدالله العروي ، و محمد عابد الجابري ، وعزيز لحبابي وآخرون تركوا اثارهم وتأثيرهم في الحقل الثقافي . ومن منّا ينكر ان المثقفين هم من كان وراء تجديد افكار المفكرين ، حين ظهر لهم انها عاقر عن انتاج البديل الانساني . الكل يتذكر الشبيبة ودورها في مايو 1968 ، وفي خلق اليسار الجديد ، وفي تحمل اعباء استراتيجية فوق الطاقة . وهذا يعني ان كل الانتاجات الفكرية التي ساهم فيها مثقفو المرحلة كانت امتدادا لإنتاج المفكرين والفلاسفة الذين اناروا لهم الطريق ، وأرشدوهم نحو البوصلة .
وبمقارنة بسيطة بين الامس واليوم ، نكاد نصاب بالإحباط ، مما كان ينشر بالمجلات والجرائد المختلفة ، والإصدارات القيمة المتنوعة ، وبين ما يجري به العمل اليوم . لقد كانت بحق اصدارات العديد من المجلات مثل ( لماليف ) ( الاساس ) ( انفاس ) ( الجسور ) ( المقدمة ) ( الثقافة الجديدة ) ( الزمان ) (الى الامام ) ( الطريق الجديد ) ( 23 مارس ) ( الشرارة ) ( 24 مايو ) ( مغرب النضال ) ( طريق الثورة ) ( آفاق ) ( امفي ) ( المواطن ) ( الاختيار الثوري ) ( الافق ) .. لخ ، وبعض الجرائد مثل ( الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ) ( التحرير ) ( المحرر ) ( انوال ) ( البيان ) .. لخ بحق مدارس في التوعية الثقافية والسياسية ، وبفضلها تم تكوين شباب لا يزال يحمل مشعل زفرات التغيير نحو المغرب الافضل ، مغرب الحرية والديمقراطية ، والعدالة الاجتماعية ، وحقوق الانسان .
في ذلك الوقت لم نكن نلحظ فكر انتهازي او وصولي ، بل ان الصراع كان حول المشروع العام وحول المبادئ ، وحول طريق الوصول الى هذا المشروع العام .
لكن اليوم انقلبت الصورة راسا على عقب ، ولم نعد نلمس مثقف ، ولا مفكر من الطراز الرفيع ، كما كان الحال في ستينات وسبعينات القرن الماضي ، بل تضبب المشهد ، وانتصرت الفردانية ، والمصلحة الشخصية ، على المبادئ والقيم الكونية ، وسرى هذا النمط حتى على من كان يروج للبضاعة بشكل انتهازي حربائي .
وبالرجوع الى الساحة ( الثقافية ) اليوم ، نكاد نجزم انتفاء المناضل المثقف الملتزم ، وتوسعت رقعة المهرولين ، واللصوص ، واصطحاب العتبة في كل المجالات ، وليس فقط في الانتخابات التي اضحت مطية للاغتناء السريع وغير المشروع .
ان من اسوأ ( المثقفين ) اليوم من خلال ما ينشر ببعض المواقع الالكترونية ، او من خلال التعليقات التي تتناول مجالات مختلفة ، هناك نوع ، وهو الاغلبية يتمتع بدرجة عالية من المكر ( الذكاء ) ، وانه بالغ الطموح ولو باستعمال اقذر الوسائل وأخبث الممارسات . ان هذا النوع الحربائي اللاّمبدئي والوصولي ، يدرك سوء احوال الرعية العبيد ، وشيوع السخط غير المنظم والمنتظم اوساطهم ، كما يعترف في قرارة نفسه ، بإخلاص المعارضين المزيفين ، ورغبتهم الحقيقية في الاصلاح ، كما يٌعْرفون بذكائهم الماكر الحرامي ، أنّ معظم المعارضين لن ينجح المال او المنصب في رشوتهم ، وإنهم لا يبيعون راحة ضميرهم بأي ثمن . ولكنهم ايضا متشائمون بطبعهم ، وقليلو الثقة بالناس ، وشديدو الاحتقار للجمهور وشديدو العجلة . فهم قليلو الامل في ان تصلح الاحوال بسرعة ، بحيث ينالون ما يؤهلهم له ذكاؤهم من مناصب ومسؤوليات . وربما مر عليهم في الماضي زمن لم يجلب لهم فيه ذكاؤهم من مناصب ونشاطهم إلاّ الحسرة ، اي عانوا من سنوات الجوع ، والحرمان ، او السنوات العجاف ، فآلوا على انفسهم ألاّ يعيدوا الكرّة من جديد ، وألاّ يلدغوا من الجحر مرتين ، فعزموا على استخدام ذكائهم بما يعود عليهم بالنفع والنفع السريع .
انهم يحتقرون العوام والرعايا وبسطاء الناس لسبب بسيط ، هو ان الجمهور الرعايا يبدو كأنه لا يمنحُ ولا يمنعُ ، على الاقل في المدى القصير والمتوسط ، وهم بسبب افراط طموحهم وتعجلهم غير قادرين على الانتظار . ومنهم من نشأ هو نفسه ، من بين هؤلاء البسطاء والرعاع والرعايا ، ولكن ذكاءه ونشاطه اعطاء من الفرص ما تميز به عنهم ، فإذا هو الآن قادر على مجالسة ( الكبراء الكبار ) ، و ( العظماء العظام ) . خاصة وقد تعلم ان البسطاء ، قليلو الحيلة ضعيفو القدرة . فالأجدر به إذن أن يتمسك بما بلغه من حظوة لدى اسياده الكبار ، بأي ثمن ، خشية ان ينحدر مرة اخرى الى ما قاسى منه في طفولته المحرومة ، وشبابه المعتوه الفقير . انه قد يعرف في قرارة نفسه قيمة هؤلاء الرعايا والرعاع البسطاء الحقيقية ، فهم قد يكونون حقا اطيب قلبا وألطف معاشرا ، وقد يكمن في عاداتهم وتقاليدهم اثمن ما يريد المغرب الحفاظ عليه ، وهو على كل حال الاغلبية الصامتة المفتوخة ، فمصلحتهم هي مصلحة المغرب ، وإرادتهم هي ارادته . ولكنهم في نظر هذا النوع من المثقفين كمٌّ مُهمل ، إذ ان الميزان الوحيد الذي يستخدمونه في التقييم ، هو ميزان منفعتهم الخاصة ، وقد علمتهم تجاربهم ، ان الرعايا ( الرعاع ) ، مهما كانت ميزاتهم ، وبلغ عددهم لن يحققوا لهم نفعا . وما دامت هذه القناعة هي الراسخة ، فمن الاحسن والأجدر استغلالهم واستعمالهم كالقطيع .
لهذا السبب تجدهم في فترات الانتفاضات الشعبية التي تبشر بالاستمرار ، ينضمون سريعا الى صفوف الجماهير ، وليس الرعايا ( الرعاع ) ، لان هؤلاء لا ينتفضون ، دائما خانعون وخاضعون ، ومن ثم تراهم يُنظّرون للأفكار الاستراتيجية الهامة من اشتراكية ، ودكتاتورية البروليتارية ، الى الملكية البرلمانية ، الى الجمهورية بمختلف تلاوينها وعطورها . وتجدهم يتقمصون دور التمجيد والتشبث بالزعماء السابقين ، لإضفاء هالة قدسية وتاريخية ، وربما البحث عن مشروعية مفقودة ، للركوب عليها بإقناع الخرفان بوجهة نظر الثوار ، بل ويتعهدون بالسير في ركاب الزعيم ، ويكتبون عنه المقالات والروايات الصحيحة والمغلوطة غير الصحيحة ، كما لا يترددون في ذرف الدموع تأثرا بمناصرتهم للفقراء . لكن اذا انحسرت الهبّة او الانتفاضة ، وتراجعت ، بل وفشلت ، وأصابها الهرم ، لا يجدون من الحياء ولا الخجل ، ما يدفعهم الى الاكتفاء بما حققوه من وراءها من منافع ، والى التزام الصمت على الاقل ، بل يندفعون للبحث عن السيد الجديد ، ليقدموا له فروض الطاعة والولاء ، والتشبث بأهداب العرش المجيد ، متشبثين حتى النخاع بالخصوصية ، وبأصل الدولة الراعية المرعية ، وبالمقدسات التي لا يخجلون من تركيزها في امارة المستبدين الرجعيين .
وإذا كانت المهمة هنا ليست بسهلة ، لأنه افتضح امرهم ، وتعرت اوراقهم ، وانكشفت عورتهم ، لأنه سبق لهم ان قالوا العكس ، فانه لذكائهم لا يعدمون مخرجا . والمخرج هنا النفاق بأشكاله الظاهرة والمبطنة ، لهم اكثر من وجه ووجه ، طالما ان الضحية وكالمعتاد ، هم الرعايا ( الرعاع ) اي( هاجوج وماجوج ) الذي حياته من مماته لا تعنيهم في شيء . فهم متشبثون بالسدة العالية بالله ، وبالطقوس والتقاليد المرعية ، اما الحداثة والعصرنة ، فهي فقط للتسلية وللبيع والشراء في العبيد الرعية . ان هذا النفاق هو ما نسميه بالطريق الوسط السهل غير الممتنع .
لكن يخطئ من يفهم من ذلك ، ان سلوك الطريق الوسط ( اولاد لحرام ) لا يتطلب احترام اي قواعد او ضوابط ، وانه يكفي للنجاح فيه ، ان تُردّدَ ما يَرِدُ اليك من اسيادك ، والمشرفين والموجهين لك من تعليمات . فهذا يصلح فقط لجمهور المصفقين لا المثقفين . ان مثقف الطريق الوسط يعرف جيدا ان نجاحه في الوصول الى ما يريد ، يتطلب اتباع مجموعة من القواعد التي ثبتت مع الزمن فعاليتها .
القاعدة الاولى : كل موقف سياسي يتخذه النظام له شكله ومضمونه . وهنا فمثقف الطريق الوسط ، كثيرا ما يجد ان موقف النظام ، يصعب او يستحيل عليه تبريره ، لتعارضه الفاضح مع المصلحة العامة ، او مع ابسط مبادئ العدالة او الحكمة ، ولتعارضه مع ما سبق له اتخاذه من مواقف قبل الارتماء في احضان النظام . ففي مثل هذه الاحوال يحسن تجاهل جوهر الموضوع كلية ، والتركيز على الشكل . مثلا فجرت مواقع مختلفة بيانات وإخبار بحسابات بملايير الدولارات في الابناك السويسرية ، او ممارسة طرق غير اخلاقية لتهريب العملة والتهرب من الضرائب ، فعوض الانكباب على جوهر المشكل الذي هو فساد النظام اصلا ، يتم تعويم النقاش حول ممارسات يعتبرونها جد عادية وشائعة الهدف منها خدمة الوطن . اما وزير العدل فقال " لا علم بي ب " وثائق باناما " .

نفس الشيء نسجله عند اطلاق مغتصب الصبيان دنيال كالفان ، فعوض تسمية الاشياء بمسمياتها وتحديد المسؤولية بشكل واضح ، يعمم النقاش حول اختزال المسؤولية في المندوب العام للسجون ، واعتبار المشكل قد حل بإعفاء المسئول من مهامه . او ان يلجأ النظام الى الغاء الدعم الممنوح لبعض السلع الاساسية ، فيقوم الحربائي مثقف الطريق الوسط مثلا ، بالتركيز على ضرورة عرض الامر على البرلمان ، قبل اتخاذ الاجراء مع تجاهل جوهر الموضوع الذي هو تفقير وتجويع الرعاع الرعايا . وهنا لا ننسى كيف تعامل مثقف الطريق الوسط مع الدعوة الى الغاء تقاعد البرلمانيين والوزراء .
القاعدة الثانية : من الخطأ ان نتصور ان هناك شيئ في هذا الكون ، مهما بلغت مساوئه ، ليست له بعض المزايا ايضا . وإذا كان من سمات اليمين التغاضي عن مساوئ الوضع الجاري ، ما دامت مصالحه الاساسية متحققة فيه ، وإذا كان من سمات اليسار ، بحكم بحثه المستمر عن الافضل ، التأكيد على النقائص وطرق تلافيها ، فإن افضل مسلك لصاحب الطريق الوسط الذي لا يريد اغضاب اولي الامر ، وفي نفس الوقت يريد التظاهر بالحرص على الاصلاح ، ان يعدد لكل امر من الامور ما له وما عليه ، حتى تتميّعُ الامور ، ويبقى كل شيء على حاله . فالاشتراكية لها ما لها وعليها ما عليها ، وكذلك الرأسمالية ، وكذلك الانفتاح والانغلاق ، ودعم السلع وعدمه ... الخ ، بل حتى التفاوض مع النظام وأولي الامر او مع وكلائهم له ماله وعليه ما عليه .
عند عرض الموقف او الموضوع على هذا النحو ما له وما عليه ، سيتبين لكل عاقل نبيه ، ان المسألة ليست بالبساطة التي يتصورها المعارضون لمبدأ التفاوض ، وإنما هي مسألة متعددة الجوانب وبالغة التعقيد ، بحيث يمكن تأييد موقف النظام دون خشية الخطأ .
فمثقف الطريق الوسط دائما يبحث عن التضْبيب والخلط والتعتيم ، ولا يتردد لحظة في ايجاد التبرير الشافي لموقف متناقض مع موقف سابق . ان ما يطمح له مثقف الطريق الوسط ، هو تكييف مصالحه الشخصية ، مع الدفاع المغشوش والمخدوم عن الرعايا ، في حين ان الخاسر هم هؤلاء ( الرعاع ) التي تسوق الحلول والاتفاقات بين مثقف الطريق الوسط ، وبين النظام في غيابهم . فالمصالح متبادلة ، ولا تحتاج إلاّ شيئا من الجرأة للاندماج في المفهوم الجديد للسلطة .
القاعدة الثالثة : عدم التسرع في الحكم : ان من الاخطاء شيوعا في التحليل السياسي ، وفي التعليق على الاحداث الجارية ، محاولة الحكم على موقف معين ، وتقييمه قبل ان تظهر نتائجه كاملة . فمثقف الطريق الوسط دائما يتجنب التسرع في اصدار الاحكام ، بل يغيب عن الانظار ، او يهرب حتى تمر الزوبعة او الفضيحة ، لأنه لا يريد اضاعة علاقته بالمخزن الشريف ، القادر لوحده على جعل النهار ليلا والليل نهارا . فهو هنا يتقلد ويتقمص دور الحكيم الناضج الذي يستخدم العقل للثريت ، باعتبار ان العجلة من الشيطان . والحال انه يحافظ بكل ما أوتي من قوة على وضع يذمه نهارا ويمدحه ليلا . ان الحفاظ على مصالحه تدفع به للتحالف حتى مع الشيطان وليس فقط مع النظام .
القاعدة الرابعة : المدح بما يشبه الذم : كثيرا ما نقابل اشخاصا ، وما اكثرهم مُولعين بالفخر بأنفسهم ، مع تغليف هذا الفخر بغلاف من النقد الذاتي . فنقابل مثلا من يقول عن نفسه ، ان فيه عيبا خطيرا ، هو الصراحة المفرطة ، او ثقته التي لا حد لها بالناس ، او الاخلاص في العمل لدرجة اهمال صحته ( تصريح الوزيرة الحيطي بانها تعمل 22 ساعة في اليوم ) ... الخ . ان هذا المدح بما يشبه الذم ، هو احدى صور النفاق الناجحة التي يمكن ان يستخدمها مثقفو الطريق الوسط . فحينما يكون الموضوع محل النقاش هو مثلا ، نظام التعليم ، فالأفضل عدم مناقشة ارتفاع معدل الامية ، وفي معرض الشكوى من عدم العدالة في قوانين الضريبة ، فالأفضل الاقتصار في نقد نظام الضرائب على الاشارة الى انخفاض اجور موظفي الضرائب ، او عدم كفاءتهم ، او قلة عددهم وهكذا .
القاعدة الخامسة : اخفاء اوجه الاختلاف بين الماضي والحاضر ، من خلال التركيز على بعض الاشخاص ، او الشخصيات ، او الاحداث المجهولة في ذهنية الرعية و ( الرعاع ) . مثلا لتبرير المشاركة في الاستحقاقات ، يلجأ مثقف الطريق الوسط الى اعطاء الامثلة والعبر ، بتصريحات زعماء تاريخيين كانوا دوما مع المشاركة ، او اعطاء امثلة تبريرية لمحطات شارك فيها الحزب في الانتخابات ، ومن اهم مزايا استعمال الامثلة التاريخية ان العامة تجهلها ولا تعرف تفاصيلها .
ان امساك العصا من الوسط فن ليس من السهل الالمام بكل قواعده ، فهو يكاد يحتاج لإتقانه ، الى موهبة طبيعية ، لا يمكن اكتسابها بالمران . فآنت امّا من مواليد حزب الوسط او من التعساء . ولكن يمكن الاشارة في عجالة الى بعض القواعد الاخرى التي لا تخلو من معنى . من ذلك قاعدة القاء المسؤولية على مجهول . والمقصود بذلك ان يُصور مثقف الطريق الوسط المشكلة ، على نحو يصعب معها القاء المسؤولية على اولي الامر . فمثلا يفسر عجز الميزانية المدفوعات ، و عجز ميزانية النفقات الباهظة للنظام ، مثل كثرة عدد السيارات المخصصة للبلاط ، وللوزراء ، بالانفجار السكاني ، وارتفاع معدل المواليد . في حين اصل المشكل استشراء الفساد بمفهومه العام والواضح .
منها ايضا الاشارة الى عدم وجود بديل . إذ مهما ساءت الاحوال ، فمن السهل ان تبين ، ان كل البدائل المطروقة ، اسوأ بكثير من الوضع الراهن ، ومن ثم ، فمن المصلحة الرضا به وتأييده .
منها ايضا اختيار التعريف الملائم للمصطلحات . مثلا اصطلاح الانفتاح الاقتصادي ، او الانفتاح السياسي ، بما يوهم الرعية بان الانفتاح الواقع بالفعل لا يختلف عما يجب ان يكون . هكذا يجري تغليف بيع المؤسسات الوطنية للأجنبي ، بالانفتاح الاقتصادي رغم ما يصاحب ذلك من اغلاق للمصانع الوطنية ، وتسريح وتشريد الشغيلة ، اما مقالب تعديل الدساتير بما يكتفي بتشتيت الفصول ، مع بقاء نفس الوضع ، الما قبل مقلب تعديل الدستور ، الى الما بعد المقلب والمُركّزُ لنظام الاستبداد والحكم المطلق ، فيجري تغليفه بالانفتاح السياسي .
ويتصل بموضوع المصطلحات قاعدة اخرى مؤداها ، ان كثيرا ما يكون من الاهم والأفيد ، استخدام مصطلحات جديدة ، تكون ذات وقع محمود على الاسماع . مثلا لو تم وصف اسوأ ما يتخذه النظام من اجراءات مفقرة ، فيتم وصف الغاء الدعم للمواد الاساسية للشعب ، بترشيد الدعم ، حيث ان مصطلح الترشيد ، هو اخف وطأة ، وألطف موقعا ، من مصطلح الغاء المساعدة الممنوحة للفقراء وهكذا .
ان الطريق الوسط ان كان قد حقق للمثقف الأمان والثروة ، فانه محدود الاثر في تحقيق المنصب الكبير ، خاصة اذا استمرت الكتابة في هذه الموضوعات مدة طويلة . فإذا كان المنصب الكبير هو الهدف ، فلا مناص من اتباع القواعد المتقدمة . اي التنصل من المبادئ مع تحمل الانتظار في قاعة الانتظار لعل النظام يستدعيك يوما ما من الايام .
انه الزمن الرديء



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الصحراء مغربية ؟
- هل سيتم حل قضية الصحراء الغربية بلجوء مجلس الامن الى الفصل ا ...
- التجييش والتهييج
- هل تعترف الامم المتحدة بالجمهورية الصحراوية ؟
- وضع المرأة في المجتمع الراسمالي : الجنس والاستغلال
- المرأة المحتقرة في النظام الراسمالي
- في المغرب سلك القضاء من وظائف الامامة
- اربعون سنة مرت على تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية
- النظام الملكي في مواجهة مباشرة مع مجلس الامن والامم المتحدة
- الدولة القامعة
- عندما تغيب الاستراتيجية تُفقد البوصلة ويعم التيه
- تحقيق الوعد الالهي : دولة الاسلام
- سؤالان حرجان ومحرجان : هل يوجد هناك شعب صحراوي . وان كان الا ...
- لو لم يكن ادريس البصري وزيرا للداخلية لكان في المعارضة -- من ...
- مملكة السويد تقرر عدم الاعتراف بالجمهورية الصحراوية -- حين ي ...
- شيء من الدراما : الأبسينية دون كيتشوتية مُتطورة لحل ازمة الث ...
- الدولة البوليسية : ان الشكل الاكثر بشاعة للقهر هو استغلال اج ...
- المؤتمر الرابع عشر لجبهة البوليساريو
- تحليل : في استحالة ثورة شعب مخزني اكثر من المخزن
- فشل القصر الملكي في تدبير ملف الصحراء


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - مثقف الطريق الوسط الراكد وراء المنصب الكبير