أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - عندما تغيب الاستراتيجية تُفقد البوصلة ويعم التيه















المزيد.....


عندما تغيب الاستراتيجية تُفقد البوصلة ويعم التيه


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 5073 - 2016 / 2 / 12 - 11:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما تغيب الاستراتيجية تُفقد البوصلة ويعم التيه
بصرف النظر عن تجربة الحزب الشيوعي المغربي ايام الحماية الفرنسية ،مرورا بعناوين " حزب التحرر والاشتراكية " الى " حزب التقدم والاشتراكية " ، وهي تجربة لا علاقة لها بالحزب الثوري ، لأنه اضافة الى يمينيته واصلاحيته ، وارتماءه الدائم واللاّمشروط في جانب النظام المخزني ، تثيرنا الحركات التي حاولت القفز على مثل هكذا تجربة ، بسبب عشقها اللاّمتناهي للأشكال التنظيمية والإيديولوجية التي اعتمدتها الحركة الثورية العالمية ، خاصة تجربة الحزب الشيوعي السوفيتي خلال حكم ستالين ، وتجربة الحزب الشيوعي الصيني خلال حكم ماو تسي تونغ . بطبيعة الحال فان المرجعية لهذه الحركات اخذت بالعديد من التجارب المحلية التي كانت افرازا للصراع الذي دار بين الحزب الشيوعي السفيتي والحزب الشيوعي الصيني ، من قبيل تجربة محمد انوار خوجة بألبانيا ، وتجربة الحزب الشيوعي الفيتنامي ، وتجارب اخرى الهمت فكر الحركة الثورية المغربية .
تعتبر فترة السبعينات قمة اوج الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، سواء منها منظمة الى الامام التي ثابرت وصمدت لفترة ليست بالسهلة ، الى ان تقطعت السبل بالمجموعات التي تعددت بفعل الصراعات التي بدأت منذ 1979 ، او منظمة 23 مارس التي لم تستطيع الاستمرار في اطروحتها التي بررت بها انفصالها عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية . فهي انقسمت الى عدة تيارات كان ابرزها الجناح الاصلاحي اليميني الذي كون تيار " انوال " تيمنا بجريدة انوال ، ثم في مرحلة لاحقة التأسيس لمنظمة ستعرف في بداية الثمانينات بمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، التي سيتم حلها لاحقا ، ولتنخرط مع تيارات اخرى محسوبة على اليسار الماركسي في ما يسمى اليوم بالحزب الاشتراكي الموحد .
بطبيعة الحال سوف لن نتطرق الى كل الجماعات التي ظهرت وكانت اسماء سموها ، لكن ما يهمنا انه منذ 30 غشت بالنسبة لمنظمة الى الامام ، ومنذ 23 مارس بالنسبة لمنظمة 23 مارس ، يكون قد مر اكثر من 46 سنة على انشاء هذه المنظمات ، والى الآن لا يزال بعضها يراود مكانه ، ودون ان يتمكن من بناء الحزب الماركسي اللينيني ، فأحرى بناء الحزب الشيوعي .
فهل تأسيس حزب النهج الديمقراطي ، واندماج منظمة العمل الديمقراطي الشعبي في الحزب الاشتراكي الموحد ، كان هو ما استطاع المناضلون الوصول له ، وهو ما يختلف جذريا عن طبيعة المشروع العام الذي كانت تلك المنظمات تطمح في الوصول اليه . انه بناء الحزب الشيوعي الذي سيتولى انجاز الثورة للوصول الى الجمهورية .
إذن السؤال : لماذا بعد مرور 46 سنة من الظهور لا زال البعض يتكلم عن تيار ، والبعض عن نهج ، والبعض عن نهج قاعدي ، والبعض عن اماميون ثوريون . لماذا لم تستطيع تلك المنظمات في انجاز ما نظرت له ، وأعطت من اجله ضريبة سنوات من السجن .
عندما يتكون اي حزب ثوري يجب ان يبادر الى تحديد استراتيجيته التي تعني تحديد مسار مرحلة ثورية كاملة . كما يعمد الى صياغة برنامج سياسي ، الذي يحدد الهدف البعيد ، والأهداف المرحلية القريبة ، اضافة الى معسكر الثورة ، ومعسكر اعداء الثورة ، وهذا ما قفزت عليه تلك الحركات ، مدفوعة بشعارات يسراوية كانت اكبر من طاقتها ، ولم تكن تعكس حقيقة الوضع الذي كان في جانب الحكم ، بل ان رفعها لشعارات مثل محاربة الاحزاب ، والاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، والتخندق الى جانب العنف باعتباره وسيلة ثورية تضفي صفة الثورية على الثوريين ، واعتبار ان كل ما هو عنيف ثوري ، وكل ما ليس عنيفا ليس بثوري ، والتعويل على الحركة الطلابية لانجاز القفزة النوعية .. كل هذا عرقل المسيرة التي بدأتها تلك التنظيمات ، وجعلها اليوم لا تبرح مكانتها عند انطلاقتها منذ 46 سنة خلت . اي غياب البرنامج السياسي الصحيح .
وفيما يخص البرنامج السياسي الصحيح هذا ، فانه يوفر الوضوح الفكري للحزب ولجماهيره ، ويسير بالحزب في الطريق السليم نحو تحقيق اهدافه الثورية .
تُعرّف الاستراتيجية الثورية الخط السياسي العام ، واتجاه الضربة الرئيسية للطبقات الثورية ، في مرحلة ثورية معينة ، وتحدد هنا موقع الطبقة العاملة بين مختلف الطبقات الثورية الاجتماعية ، وتُجْري ترتيبا سليما للقوى الاحتياطية الرئيسية والثانوية ، والنضال في سبيل تحقيق البرنامج طوال تلك المرحلة الثورية . وترتكز استراتيجية الثورة للوصول الى السلطة على دراسة مهام الحركة الثورية في مجملها ، ومعالجتها ، مع توجيه الضربة الرئيسية للثورة ضد اسس المجتمع المتخلف والمتحجر والقديم .
والمسألة الاستراتيجية الاكثر اهمية هي جذب الجماهير العريضة الى الكفاح ، اولا ، بكسب الاغلبية الى صفها ، بواسطة الحزب الثوري ، وثانيا ، بحشد الجماهير العاملة غير البروليتارية حول الطبقة العاملة . فالحزب الثوري البروليتاري يمر في تاريخ تطوره بمرحلتين :
الاولى ، تكوين الحزب وكسب طليعة الطبقة العاملة .
والثانية ، تتضمن كسب جماهير الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وعموم الشعب الى صف الحزب . مع اتخاذ السياسات الكفيلة بعدم فقدان الحزب صفته الطليعية .
وفي الوقت الذي يضمن الوعي بالاتجاه الاستراتيجي تحقيق الهدف الثوري بمعاناة اقل ومدى زمن اقصر ، فإن عدم الوعي بالاتجاه الاستراتيجي يورث البلبلة ، ويلحق خسائر فادحة بمعسكر الثورة ، بسبب سقوط هذا المعسكر في اي من الإنحرافين اليميني او اليساري .
والنضال الثوري عمل دائب ، بعيد النظر ، واسع الافق ، طويل النفس ، يضع التكتيك في خدمة الاستراتيجية .
اما ثورية البرجوازية الصغيرة ، فهم قصارى النظر ، ضيقوا الافق ، ضجرون ، متبرمون ، وغالبا ما تكون مواقفهم مجرد ردود افعال لموقف العدو ، وليست افعالا اصلية . اما حماستهم فسطحية ، اقرب الى الغضب والهستيرية والحمق . لذلك فهم يلجئون الى الاعمال الانتحارية ، دون مراعاة الظروف الموضوعية والذاتية ، معا ، متوهمين بان هذه الاعمال قادرة على تغيير النظام القائم بالضربة القاضية .
وهؤلاء الثوريون ، شديدو الولع والعشق باللغط الثوري ، الذي لا يضع للظروف الموضوعية اي اعتبار ، ولا للتغييرات التي ستجدُّ كل لحظة .
ان النضال يمكن ان يأخذ مجرى ثوريا ، ويكتسب طابعا جماهيريا ، فقط إذا ما حافظت الطبقة الثورية من عمال وفلاحين على دورها القيادي ، واستقلالها الطبقي ، وتحالفاتها العريضة الصحيحة . وعلى الحزب الثوري ان يخوض نضالا ايديولوجيا بلا هوادة ، ضد الفوضوية والتطرف اليساري والانتهازية اليمينية في آن . وهذا كله يضع على عاتق الحزب الثوري مسؤولية تلخيص تجربة الثورات ونضالها الشعبي . وعلى الحزب ان يحدد بدقة عناصر قوته ونقاط ضعفه ، وان يتعلم من خبرات وتجارب الاصدقاء والأعداء على السواء .
وقيادة الحزب الثوري هي قيادة استراتيجية . ومهمة القيادة الاستراتيجية هي استخدام جميع القوى الاحتياطية ، المباشر ة وغير المباشرة ، بشكل صحيح ، لتحقيق الهدف الاساسي من الثورة في المرحلة المعينة من تطورها . وتنحصر شروط الاستخدام الصحيح للقوى الاحتياطية فيما يلي :
اولا : مركزة القوى الرئيسية للثورة ، في اللحظة الحاسمة ، على اضعف نقطة لدى العدو ، عندما تكون الثورة قد نجحت ، والهجوم يسير على اشده ، والانتفاضة المسلحة تدق الابواب ، وعندما يكون انضمام الاحتياط الى الطليعة هو الشرط الحاسم للنجاح . وهنا يجب الالتزام يما يلي :
---- عدم اللعب ابدا بالانتفاضة المسلحة ، وعند البدء بها يجب السير بها الى النهاية .
---- حشد قوى متفوقة كثيرا على قوى العدو ، في الزمان والمكان الحاسمين .
---- حين تبدأ الثورة المسلحة ، ينبغي العمل بأشد عزيمة وحزم ، والانتقال الى الهجوم ، و لان الاقتصار فقط على الدفاع هو موت الثورة المسلحة .
---- السعي لمفاجأة العدو ، واختيار اللحظة التي تكون فيها جيوشه مبعثرة في حروب هامشية او محلية ، او بسبب التناقض الحاصل بين القيادة المرتبطة بالنظام ، والقواعد التي تعتبر امتدادا للشعب داخل الجيش .
---- احراز نجاحات ، مهما كانت صغيرة ، كل يوم وكل ساعة ، والاحتفاظ مهما كان الثمن بالتفوق المعنوي . فلا يجب السقوط في اخطاء 3 مارس 1973 ولا في اخطاء 16 يوليوز 1963 .
ثانيا : اختيار اللحظة المناسبة للضربة الحاسمة للثورة المسلحة المفتوحة المباشرة ، وهي اللحظة التي تكون فيها الازمة قد بلغت ذروتها ، وتكون الطليعة مستعدة للقتال حتى النهاية ، وتكون القوى الاحتياطية مستعدة لتأييد الطليعة ، ويكون الارتباك على اشده وأقصاه في صفوف الخصم .
ثالثا : بعد اتخاذ الاتجاه ، والسير فيه بلا هوادة ، ورغم الصعوبات والتعقيدات التي تبرز في الطريق المؤدية الى الهدف الاساسي للنضال ، ولا يغيب هذا الهدف عن ناظريها ، ولكي لا تتيه الجماهير عن الطريق في سيرها نحو الهدف وفي سعيها للتجمع حول الطليعة الثورية . ان اغفال هذا الشرط يؤدي الى خطأ خطير ، يعرفه البحارة بفقدان الاتجاه .
رابعا : المناورة مع قوى الاحتياط ، بشكل يمكن معه التراجع بنظام ، عندما يكون العدو قويا ، وعندما يكون التراجع امرا لا مفر منه ، وعندما يكون من غير المفيد وبشكل واضح ، قبول المعركة التي يريد الخصم ان يفرضها ، ويصبح التراجع نظرا لوضع ميزان القوى ، الوسيلة الوحيدة لتجنيب الطليعة الثورية الضربة التي تهددها ، وللاحتفاظ بالقوى الاحتياطية وإبقائها الى جانب الطليعة .
ان الغاية من استراتيجية كهذه هي كسب الوقت ، وإضعاف معنويات العدو ، وحشد القوى للانتقال بعد ذلك الى الهجوم .
اما القيادة التكتيكية ، فهي جزء من القيادة الاستراتيجية ، تخضع لأوامرها وتوجيهها . ان مهمة القيادة التكتيكية هي هضم جميع اشكال نضال الطبقة الثورية وأشكال تنظيمها ، وتأمين استخدامها للحصول ، ضمن توازن معين للقوى ، على الحد الاقصى من النتائج الضرورية لتهيئة النجاح الاستراتيجي الذي هو الاستيلاء على الحكم .
اما شروط الاستخدام الصحيح لأشكال نضال الطبقة الثورية من عمال وفلاحين وطلبة ثوريين ومثقفين مخلصين وأشكال تنظيمها ، فهي :
1 --- ان توضع في المقام الاول ، اشكال النضال والتنظيم التي من شأنها – لكونها ملائمة اكثر من غيرها لشروط المد والجزر في الحركة – ان تسهل وتؤمن تسيير الجماهير نحو المواقف الثورية ، وتسيير الجماهير الغفيرة نحو جبهة الثورة ، وتوزيعها على هذه الجبهة .
فليست القضية ان تدرك الطليعة الثورية استحالة الاحتفاظ بالنظم القديمة وضرورة قلبها والقضاء عليها ، بل القضية ان تدرك الجماهير العريضة هذه الضرورة ، وان تبدي استعدادها لتأييد الطليعة في هذا المسار . لكن ذلك لا يمكن ان تدركه الجماهير إلاّ بتجربتها الخاصة . ان القضاء على النظام امر لا مفر منه ، وتقديم اساليب نضال وأشكال تنظيم تسمح للجماهير بان تدرك ، بصورة اسهل ، وبالتجربة ، صحة الشعرات الثورية . تلك هي القضية الاساسية في الثورة .
2 --- الوعي ، في كل لحظة ، بأهمية العثور على سلسلة التطورات ، وعلى الحلقة الرئيسية التي إن شدّدْناها نشد السلسلة كلها ، ونقرب ساعة الصفر . فالمهم هو ان نجد بين مهام الحزب تلك المهمة الملحة التي يشكل حلها النقطة المركزية ، والتي يضمن انجازها حل المهام المباشرة الاخرى ، حلا جذريا وناجحا .
ومعروف ان الاستراتيجية تتغير كلما انتقلت الثورة من مرحلة استراتيجية الى اخرى ، مع ثباتها طوال كل مرحلة من هذه المراحل .
ويمر الكفاح الطبقي المعاصر بثلاث مراحل استراتيجية ، لا بد من مراعاة الخطوط الفاصلة بينها ، لنجنب مخاطر القفز بالمغامرة ، عن مراحل حتمية . وهذه المراحل هي :
× الاولى ، وفيها يجري الكفاح ضد الاقطاع والكمبرادور والنظام المتعفن ، وضد القهر الشعبي اليومي ، من اجل اقامة الدولة الديمقراطية الشعبية . والثورة هنا وطنية ديمقراطية ، معادية للإقطاع والامبريالية وللتصورات الفاشية العقائدية ، وهي تتطلب اقامة جبهة وطنية ديمقراطية .
× الثانية ، وتبدأ مع تطور الطبقات الثورية ونمو قوتها ، وازدياد نفوذها ، وبعد ان تكسب الى صفها الجماهير شبه البروليتارية في المدينة وبالبادية . عندها يبدأ الكفاح من اجل تحقيق الثورة الاشتراكية ، بضرب الاحتكارات ، عن طريق تحقيق تحالفات معادية للاحتكار .
× والثالثة ، تبدأ مع انتصار الثورة الاشتراكية ، وتتضمن تحقيق تطوير سريع للاقتصاد ، والتفوق على الرأسمالية العالمية في المنافسة الاقتصادية . وهو امر من شأنه التعجيل في نهاية الرأسمالية في البلدان المختلفة .
وتتميز كل مرحلة من مراحل الاستراتيجية بمحتواها السياسي ، وبتوازن خاص للقوى ، وبتطور معين لمستوى نضوج الوضع الثوري في البلد .
ان الحزب الثوري مطالب بتعريف خطه السياسي لمرحلة استراتيجية كاملة ، والذي يؤسسه على تحليل علاقات القوى الطبقية المحلية ، ويُعنى بحل المسائل الرئيسية لتلك المرحلة .
ان المسائل التي لا بد من معالجتها ، في برنامج سياسي ، لتحقيق الاهداف السياسية للنضال :
÷ تحديد طبيعة المرحلة الاستراتيجية .
÷ تعريف الهدف الاستراتيجي الذي يتم السعي لتحقيقه .
÷ ترتيب الاهداف المرحلية والعاجلة ، والتي من شأنها حشد المزيد من الجماهير حول الحزب وبرنامجه قبل الوصول الى الحكم ، كما ان تحقيق تلك الاهداف المرحلية من شأنه تقريب المسافة الى الهدف الاستراتيجي .
÷ تحديد قوى معسكر الثورة والقوى الحليفة ، وأسلوب حشدها حول البرنامج الثوري ، والحزب الثوري .
ويستحيل التحديد للبرنامج السياسي للحزب ، وكذا توجيه النضال الجماهيري بنجاح ، دون استيعاب كامل ، وفهم وضاح لأسس ومبادئ النظرية الثورية ، ودون معرفة صحيحة بالقوانين الموضوعية للتطور الاجتماعي ، دون استيعاب اتجاهات هذا التطور . و لأنه بدون هذا الاستيعاب ، فان القوى الثورية ستنزلق الى المغامرة ، والبلانكية ، وتنعزل عن الجماهير .
ان قطاعات عريضة من الشعب – كالفلاحين الفقراء ، والحرفيين الصغار ، وصغار الملاك ، وصغار التجار ، والطبلة الثوريين ، والمثقفين الملتزمين ، والمستخدمين والموظفين وأشباه البروليتارية --- تقترب من الطبقة الثورية في مستوى معيشتها ، كما ان لها مع البروليتارية مصالح مشتركة في النضال ضد النظام العتيق المستبد والاستبدادي ، وضد الرأسمالية والامبريالية والصهيونية ، الامر الذي يحتم على الحزب الثوري ، وعند تحديه لاستراتيجياته وتكتيكاته ، معالجة مسألة اي الطبقات والفئات ستؤازر الحزب في نضاله المستميت ، والى اي مدى .
وعليه فان القوى الاحتياطية للثورة الاشتراكية يمكن ان تكون : مباشرة وهي :
ا ) جماهير الفلاحين الفقراء ، والجماعات المتوسطة من سكان البلاد .
ب ) بروليتارية المدن المجاورة .
د ) الطلبة والمثقفون ورجال التعليم .
ه ) المستخدمون والعمال والموظفون وكل المسحوقين والمستغلين و المفقرين من قبل النظام القائم .
و ) في مراحل معينة من الثورة ، حتميا سينضم اليها الضباط الوطنيين الاحرار وقاعدة الجيش المنهوبة والمسحوقة والتي تتكون من ابناء الشعب الثائر .
وغير مباشرة : وهي :
ا ) التناقضات والنزاعات بين الطبقات غير البروليتارية ، إذ يمكن للحزب الثوري استعمالها لإضعاف العدو الخصم وتقوية احتياطاته .
ب ) التناقضات والنزاعات والحروب مثل حرب الصحراء ، او تدخل مجلس الامن طبقا للفصل السابع عند معالجة قضية الصحراء ، او حصول نزاع مسلح مباشر مع احدى الدول المجاورة ، وانعكاس ذلك على المستوى الاجتماعي المترهل .. الخ . فمن الممكن ان يستخدم الحزب الثوري هذه الوسائل غير المباشرة في هجومه او خلال مناوراته في حالة التراجع الاضطراري .
ان الطبقة البروليتارية عاجزة وحدها عن انجاز الثورة ، بالرغم من تمتعها بالوعي السياسي العالي . ذلك ان البروليتارية ضئيلة الحجم في المجتمع مقارنة بالطبقة السائدة التي تملك ادوات القمع ، من بوليس ، الى جدرمة ، الى جيش ، الى مخابرات مختلفة ، الى ادوات ووسائل ايديولوجية مثل القنوات التلفزية ، والراديو ، والجرائد المختلفة من ورقية والكترونية ، الى الاجهزة النقابية، الى الاحزاب الادارية وشبه الادارية والأحزاب العميلة .. الى الشمكارة والمجرمين .
التطرف اليساري والانتهازية اليمينية : في جميع مراحل التاريخ يلاحظ ان المتطرفين اليساريين يركزون دائما على العامل الذاتي ويعطونه اهمية اكثر من اللازم . فبمجرد تشكيل الحزب الثوري حتى يبادر هؤلاء الى تبني الخطط الهجومية ، ودون مراعاة لعنصر استعداد الجماهير للنضال والتضحية ، كما ينكرون الحاجة الى العمل السياسي الدءوب والمستمر ، ويستصغرون شأن النضالات المطلبية للبروليتارية والعاملين جميعا ، ويكتفون احيانا بممارسة الدعاية ، بينما لا يقدرون حاجة الجماهير الى الخبرة والتجربة السياسية ، حتى تتحرك وتنتقل الى المواجهة ، وتكشف عن قدرتها المبدعة الهائلة . فهم يكتفون فقط بترديد الجمل والشعارات الثورية الفارغة من اي مضمون ثوري ، كما يرفضون التراجع المؤقت ، او حتى الموقف الدفاعي ، او المواقف التوفيقية الاضطرارية ، حين تكون الثورة في انحسار . كما يعتمدون اسلوب حرق المراحل ، او تخطي المرحلة التاريخية ، والقفز عليها ، وتحقيق بالقرارات الارادية والنزوات الطائشة . ويقسمون الاشكال المتعددة للنضال بين انماط ثورية عند اعتمادها على العنف اللفظي ، وأخرى غير ثورية عند رفضها للعنف خارج زمانه ومكانه . كما ان هؤلاء المتياسرين ، يزدرون التحالفات ، ولا يريدون غير مجتمع لا وجود فيه سوى للبروليتارية النقية وحدها ، وخاليا تماما من البرجوازية الصغيرة وما فوق الصغيرة والطبقة المتوسطة . اي مجتمع حسب الطلب .
اما الانتهازيون اليمينيون ، فيتجاهلون الوضع الثوري واللحظة الثورية ، ويتنكرون للأهداف الاستراتيجية للحزب الثوري ولطبقته الثورية ، في الوقت الذي يكرسون جهودهم للتكتيك وحسب ، للتنازلات المتوالية ، للتفريط ، وباختصار تعمل الانتهازية اليمينية للإصلاح وليس للثورة ، لترميم المجتمع البرجوازي ، لا لتغييره تغييرا جذريا .
ان الانحراف اليساري هو ظل الانتهازية اليمينية مقلوبا . وجوهر الانعزالية اليسارية هو عدم الثقة في الجماهير ، والعجز عن الاندماج فيها .
والفروق والتباينات بين التطرف اليساري والانتهازية اليمينية شكلية . فتوافقهما يأتي من كونهما يخطئان الحل السليم . انهما يتوالدان من بعضهما ، وكل منهما يؤدي خدمة الى الآخر ، ويسنده ويرعاه . وتحالفهما يفرض نفسه بسبب طبيعتهما العميقة . وهكذا من الناحية السياسية تتماس الاطراف . وهنا ينطبق تشبيه الزعيم الوطني الديمقراطي ، صن يات صن ، الذي يرى في المواقف السياسية دائرة وليست خطا مستقيما ، مما يجعل نقطة اقصى اليسار فيها تقع فوق اقصى اليمين .
هكذا ، بينما ينطلق الاتجاه الثوري ، دائما ، من المنهجية النظرية ، من اكثر المفاهيم نضجا ليعود الى التطبيق ، الى الوضع الملموس ، ويضعه في الاعتبار ، وينمي هذه المفاهيم ، نرى الانتهازية اليمينية تنزلق الى الانتقائية ، في حين يميل اليساريون المتطرفون الى التقريرية .
إذن فبدون استراتيجية وبدون تكتيك ، وبدون برنامج سياسي ثوري وواضح ، فان اي حزب ثوري سيزيغ عن ثوريته ، وسيبقى محكوما عليه بالترنح بين الانتهازية اليمينية وبين التطرفية اليسارية .
كانت هذه الحقيقة الساطعة من اكبر الاسباب الرئيسية التي جعلت من اليسار السبعيني يراود المكان الذي ظل فيه ، منذ 30 غشت ،1970 ومنذ 23 مارس 1970 . وما ظهور تيارات مختلفة كلها تتكلم باسم هذا اليسار ، وعاجزة عن بناء الحزب الثوري الذي تم التنظير له منذ اكثر من 46 سنة خلت ، لهو اكبر دليل على تنقل هذا اليسار بين التطرف اليساري ( النهج الديمقراطي القاعدي ، النهج الديمقراطي الماوي ، البديل الجدري ، الاماميون الثوريون .. الخ ) وبين الانتهازية اليميمنية ممثلة في ( حزب النهج الديمقراطي ، رابطة العمل الشيوعي ، تيار المناضلة .. ) .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحقيق الوعد الالهي : دولة الاسلام
- سؤالان حرجان ومحرجان : هل يوجد هناك شعب صحراوي . وان كان الا ...
- لو لم يكن ادريس البصري وزيرا للداخلية لكان في المعارضة -- من ...
- مملكة السويد تقرر عدم الاعتراف بالجمهورية الصحراوية -- حين ي ...
- شيء من الدراما : الأبسينية دون كيتشوتية مُتطورة لحل ازمة الث ...
- الدولة البوليسية : ان الشكل الاكثر بشاعة للقهر هو استغلال اج ...
- المؤتمر الرابع عشر لجبهة البوليساريو
- تحليل : في استحالة ثورة شعب مخزني اكثر من المخزن
- فشل القصر الملكي في تدبير ملف الصحراء
- محكمة العدل الاوربية تلغي الاتفاق التجاري حول المواد الفلاحي ...
- فشل زيارة المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة السيد كر ...
- الى الجلاد المجرم الجبان المدعو عبداللطيف الحموشي المدير الع ...
- تهديد البوليساريو بالعودة الى الحرب
- بين رسالة بانكيمون وخطاب العيون ورقة حمراء في وجه الملك
- المنع من مغادرة التراب الوطني او اغلاق الحدود
- من اغتال الشهيد المهدي بن بركة
- إمّا جمهورية تندوف ، وإمّا الاستفتاء وتقرير المصير
- تداعيات اعتراف مملكة السويد ب - الجمهورية الصحراوية -
- محاكمة البيضاء
- اسباب التطرف ودواعيه


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - عندما تغيب الاستراتيجية تُفقد البوصلة ويعم التيه