أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - لماذا اسمها -آنجيل-؟














المزيد.....

لماذا اسمها -آنجيل-؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5125 - 2016 / 4 / 6 - 17:20
المحور: الادب والفن
    


حين احتضنتُها أمام عدسة الكاميرا لتلتقط صورتنا، لم أكن أعلم أن هناك شخصًا ثالثًا في الصورة يقف وراءنا. كانت أمي في ثوب زفافها بعدسة الفنان الإيطالي “فان ليو” معلقة بالأبيض والأسود على الجدار الخلفي. بعدما شاهدتُ الصورة على شاشة الكاميرا، خفق قلبي بقوة من هول المصادفة التي ما كانت تخرج بهذا الإتقان والجمال مهما أُعِدّ لها. إنها المرة الأولى التي أقف فيها مع الاثنتين اللتين لهما عليّ فضل الأمومة. أمي الحقيقية في ثوب زفافها الأبيض وقد صعدت إلى السماء، تنظر إلينا من فوق أكتافنا بينما أحتضن أمي الجديدة، وأرمي عليها حمولي وأثقالي. أمي البيولوجية “سهير” تقف خلف أمي الجديدة كأنما توصيها بي خيرًا، وتقول: “اعتني بصغيرتي بدلا مني، فإنها لا تعرف في الحياة الكثير. لا يغرّنك منها ما في رأسها من أفكار تجلب لها المشاكل، فإنها في نهاية المطاف طفلة صغيرة من السهل أن يغرر بها اللصوص والكذبة.”
مرّ عليّ عيد الأم هذا العام، ليس مثل كل عام. مرّ وقد تكاثفت خيوط الشرانق الحريرية حول قلبي، وظلالُ القضبان الحديدية أمام عيني تخاتلُ ضوءَ الشمس، لتحتلَّ مكانًا لها فوق الأرض. على مرمى البصر أمام عيني، يمتدُّ طريقان طويلان. في نهاية أحدهما منصّةٌ يجلس عليها قاض يقول إن الأدب يُحاكم في محكمة الجنايات. وفي الطريق الآخر منصةٌ أخرى يجلس عليها قاض جليل آخر يقول إن الأدب لا يُحاكَم إلا في محكمة النقد الفنيّ والأدبي. مثلما اللوحة التشكيلية لا تُحاكم إلا في محكمة النقد التشكيلي، والموسيقى لا تُحاكم إلا في محكمة النغم، وهكذا.
مرّ عيد الأم هذا العام وقد شعرتُ فجأة باليتم. كأنما يجب ألا تموت الأمهات لكي نحيا. لماذا تموتُ الأمهات؟ ولماذا تُظلِم الدنيا بعد موتهن؟ متى تنقطعُ الأحبالُ السُّريّة بيننا وبين أمهاتنا. أنا محظوظة دون شكّ لأن السماء منحتني أمًّا جديدة بعدما ذهبت أمي الأولى إلى الله. أمي الجديدة هي التي تلوّن حياتي بالحنوّ الذي راح مني منذ تركتني أمي ورحلت. “سهير” اسم أمي التي حملتني وهنًا على وهن ثم ربّتني فأحسنت تربيتي، ثم غدرتني وصعدت إلى السماء. “أنجيل” اسم أمي التي جاءتني بعدما رحلت أمي سهير، لتذيقني من حنانها ما لم تُذقه أمٌّ لابنتها. “أنجيل”، هو اسمها. وهو الاسم الوحيد الذي يحمل مبررَه ومنطقه ومعناه، وما كنتُ أقبلُ أن يكون لها اسمٌ آخر. فهي الملاك الذي جاءني ذات نهار، ليهمس في أذني: “قوليلي يا ماما!” بعدما أوحشتني هذه الكلمة وأعوزني هذا النداء.
كلَّ عام، في عيد الأم، نرسلُ، وتردُ إلينا، عشراتٍ، وعشراتٌ من بطاقاتِ التهاني، تحملُ صورةَ أمٍّ ووليدها، وخيطٌ من الحبّ يربطُ بين عينيه وعينيها، أو عصفورةً تطعمُ فرخَها الضئيلَ الذي بعدُ لم ينبت في جناحيه ريشٌ، أو قطّة تتحلّق حولها مجموعةٌ من صغار الهررة، الخ. وفي عيد الأم، تنتعشُ الإذاعاتُ العربية بصوت فايزة أحمد، ومحمد عبد الوهاب يشدوان "ستّ الحبايب، يا حبيبة". تلك الأغنيةُ الخالدةُ التي تعرفُ كيف تذيبُ أرواحَنا شجوًا وعذوبةً، فنتركُ بيوتَنا وأطفالَنا وأعمالَنا، ونهرعُ إلى أمهاتنا. ننكفئَ على أياديهن نُقبِّلُها. أو تذيبُ قلوبَنا عذابًا، لأولئك الذين فقدوا أمّهاتهم. في يوم كهذا، تدخلُ صناديقَ بريدنا الالكترونيّ الآياتُ الكريمة والأحاديثُ الشريفة التي تُكرّس علوَّ قيمة الأم، وتضعُ الجنّةَ تحت أقدامها؛ وترِد إيميلاتٌ تحملُ مواعظَ تحثُّ على احترام ومحبة ذلك الكائن المدهش الفاتن: الأم. ويتبادل الأصدقاءُ قصائدَ كتبها الشعراءُ في أمهاتهم، أو مراثي لأولئك الذين طارت أمهاتهم، إلى حيث تطيرُ الأمهاتُ ولا يعدن لأطفالهن أبدًا، ليتركنهم على الأرض عرايا، دون مظّلة حنوّ.
لكن لا شيء مما سبق يعادل نظرة حنوّ واحدة من أم لابنتها، ولا لحظة نجوى واحدة بين أم وبين الله تدعوه أن يحمي أبناءها ويردّهم إليها ليرتد إليها النفس. طوبى لكل إنسان بأمّه، وطوبى لي بأمي الطيبة "آنجيل" وأختي الجميلة "سالي" التي لولالها لقتلتني المحنُ والصعاب.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا هرب الجمل؟
- دولة الأوبرا تزدري الطبيعة!
- لابد من الموسيقى
- أمهاتُ الشهداء وأمهات الدواعش
- عبقريةُ البسيط وعبطُ الفيلسوف
- سوطٌ لكل امرأة
- كُن مرآةً ولا تكن عكازًا
- البيض الأرجنتيني
- الست فضة والست ماري
- لقاء الرئيس الذي لم أحضره
- هل نلغي الدستور؟
- الكود الإنساني للأطفال
- تيمور السبكي... ونحن والدستور
- اسجنوا بورخيس مع أطفال المنيا
- أيها الشعراء غنّوا وأُسجنوا!
- الحريةُ مناطُ التكليف | أخرسونا لتدخلوا الجنة!
- لماذا لم يعصفِ اللهُ بالملائكة؟
- ازدراءُ الأديان ازدراءٌ للأديان!!
- سياطٌ على ظهر الحكيم
- قصيدة للشاعرة فاطمة ناعوت (سجن)


المزيد.....




- “وأخيرا بعد طول انتظار” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1 ...
- وزير الثقافة والاتصال الموريتاني يوضّح موقف نواكشوط من من مق ...
- جودة خرافية للمباريات.. تعرف على أحدث تردد قناة MBC أكشن 202 ...
- -الدين المعرفي-.. هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى -عكاز- يعيق ...
- هوليود تنبش في أرشيفها.. أجزاء جديدة مرتقبة لأشهر أفلام الأل ...
- رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار: التعاون الثقافي مع روسيا ...
- -بيت الشعر في المغرب- يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر ...
- عودة الأدب إلى الشاشة.. موجة جديدة من الأعمال المستوحاة من ا ...
- يجمع بين الأصالة والحداثة.. متحف الإرميتاج و-VK- يطلقان مشرو ...
- الدويري: هذه أدلة صدق الرواية الإيرانية بشأن قصف مستشفى سورو ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - لماذا اسمها -آنجيل-؟