أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - البيض الأرجنتيني














المزيد.....

البيض الأرجنتيني


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5121 - 2016 / 4 / 2 - 17:56
المحور: المجتمع المدني
    


الغلاءُ فاحشٌ. جميع أنواع السلع والخدمات تضاعفت أسعارُها في أيام قليلة، حينما انخفضت قيمة الجنيه المصري، فقلّت قوته الشرائية. يُذكّرُنا أجدادُنا أن الجنيه على أيامهم كان يساوي خمسة ريالات سعودية، لهذا كانوا يُسمّون قيمة العشرين قرشًا "ريالا"، وعلّكم تذكرون أغنية فيروز الطفلة وأنور وجدي: "معانا ريال". ويتذّكرون وهم يتحسّرون أن الجنيه المصري كان يكافئ عدة دولارات أمريكية. بل كان الجنية المستدير من الذهب الخالص عيار 24 قيراط، أقل سعرًا من قيمة الجنيه الورقي إذ كان يساوي 97.5 قرش صاغ مصريًّا. وظل الجنيه المصري أقوى من الدولار والجنيه الاسترليني والمارك الألماني حتى قيام ثورة يوليو 52.
كان الاقتصاد المصري أيام الملكية أقوى على نحو هائل من الآن رغم بذخ السراي ورغم الاحتلال ورغم استشراء الفساد؛ ليس لأننا كنّا دولة صناعية كبرى، ولا لأن تعداد المصريين كان أقل، بل كذلك لأن الشعب كان أكثر وعيًا وأقل هدرًا. نحن، كشعب، مشاركون في صناعة كارثتنا الاقتصادية، دون أدنى شك.
تجار اليوم جشعون. طمّاعون. يبيعون السلعة التي ثمنها جنيه بثلاثة جنيهات وأربعة وعشرة. ويجدون دائمًا مَن يشتريها. فيزدادون جشعًا، وثراءً، ونزدادُ فقرًا وجوعًا. مَن الذي علّم التاجرَ الجشَعَ؟ نحن. لأن وراء كل تاجر جشِع، مستهلكًا غير واع. الهَدرُ آفةُ المجتمعات الرجعية. قرينُ المجتمعات الشكلانية التي فيها يعمل المواطنُ ألف حساب "لصورته" أمام الآخر، دون أن يعبأ بجوهره. تذهب إلى الفكهاني وتخجل أن تشتري كيلو برتقال، رغم أن احتياجك في ذاك اليوم لا يتعدى نصف الكيلو. "ماذا سيقول عني البائع إن اشتريتُ أربع ثمرات؟ وماذا سيقول جاري الذي يقف يراقب عدد الأكياس التي سأحملها لأهلي؟ رجلٌ بخيل يشحُّ على أطفاله وزوجته؟ إذن أشتري خمسة كيلوجرامات، ومش هايخسّروا.” هكذا تقول لنفسك وأنت تشتري ما لا تحتاج وتدفع من قوت يومك ما تحتاج إليه مُرًّ الحاجة. لا يا سيدي! “هايخسّروا"! وسيكون مآلها سلة القمامة بعدما تتحنّط في درج الثلاجة مع غيرها من فاكهة وخضروات وعلب زبادي وعصائر عفّت نفوسُ أسرتك عن أكلها لأنها زائدةٌ عن الحاجة. ثم تشكو من العَوَز وضيق ذات اليد. وتنشأ معاركُ بينك وبين زوجتك لأنك لا تُلبّي احتياجات أخرى أساسية لا تجد في جيبك ثمنَها. وتلعن الفقر وجشع التجار والعيشة واللي عايشينها والمجتمع والناس. ولا تعترف أبدًا أنك أحد أسباب الغلاء وجشع التاجر والتضخم وعجز الموازنة. ولا تفكر أن تنظر يومًا إلى سلة مهملات بيتك قبل أن يحمل عاملُ النظافة ما بها من صنوف طعام مغدورة لم تؤكَل!
دعوني أحكي لكم قصة حقيقية عن وعي شعب لا يشبه شعبنا بكل أسف، علّنا نتعلم منهم كيف نروّض جشع التجّار بترويض أنفسنا.
في أحد النهارات، ذهب مواطن أرجنتيني إلى السوبر ماركت ليشتري بعض احتياجاته. لاحظ أن سعر طبق البيض مرتفعٌ عن الأمس. سأل البائع؛ فأجابه بأن شركة الدواجن رفعت سعر البيض 1 بيزو! بهدوء أخذ المواطن الأرجنتيني علبة البيض وأعادها إلى مكانها قائلا إن هناك ما يعوضه عن البيض. حذا حذوه كلُّ المواطنين وقاطعوا البيض دون حملات تعبوية ولا رسائل.
ماذا كانت النتائج؟ في اليوم التالي: جاء مندوبو الشركات لإنزال انتاج اليوم في محلات السوبر ماركت كالعادة؛ فرفض بعض الباعة أن يأخذوا أي جديد لأن إنتاج الأمس لم يُبع، والبعض الآخر طلب تبديل إنتاج الأمس بإنتاج اليوم. توقعت الشركات أن المقاطعة ستنتهي خلال أسبوع وبعدها سيعود الناس للشراء، لكن الأمر لم يختلف. مازال الشعب الأرجنتيني على موقفه بعد مضي أسبوعين وشركات البيض تخسر. الشركات تخسر لإطعام الدجاج، والإنتاج لا يتوقف لأن الدجاج مازال ينتج بغزارة. فتراكمت الخسائر على تلك الشركات وتضاعفت. اجتمع أصحاب شركات الدواجن وقرروا إعادته لسعره السابق. وتواصلت مقاطعة الشعب الأرجنتيني للبيض، والشركات تكاد تفلس والمسؤولون يجن جنونهم لما يحدث. فاجتمع التجار مرة أخرى وقرروا ما يلي:
تقديم اعتذار رسمي للشعب الأرجنتيني عبر جميع وسائل الإعلام.
تخفيض سعر البيض عن سعره السابق إلى ربع القيمة السابقة.
إنها ثقافة شعبٍ ووعيه. ثقافة الاستغناء حين يعمُّ الغلاءُ، وثقافة عدم الهَدر حين تضيقُ ذاتُ اليد.
تقول الإحصاءاتُ الدولية والمراقبون الاقتصاديون إن الدول الأكثر فقرًا هي ذاتُها الدولُ الأكثرُ هدرًا. بينما الدول الغنية لا تعرف تلك الثقافات الشكلانية المرضية المقيتة. مَن سافر إلى دول أوروبا وأمريكا وغيرها من دول الغرب "الكافر" يعرف أن المواطن هناك يذهب إلى السوبر ماركت فيشتري عدد واحد ثمرة برتقال، دون خجل، وعدد واحد عنقود عنب وعدد 2 شريحة بطيخ ملفوفة في غلالة بلاستيكية شفافة أنيقة، دون خجل، وثلاث حبات من ثمر الخوخ دون ان ترتعد فرائصه وهو يفكر في نظرة الكاشير وماذا سيقول عنه. لن يقول عنه شيئًا لأنه مثله ينتهج السلوك المحترم نفسه، ولا يشتري إلا ما يحتاج إليه، وفقط. قاوموا الغلاء بالاستغناء. وقاتلوا الجشع بالوعي وعدم الهدر.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الست فضة والست ماري
- لقاء الرئيس الذي لم أحضره
- هل نلغي الدستور؟
- الكود الإنساني للأطفال
- تيمور السبكي... ونحن والدستور
- اسجنوا بورخيس مع أطفال المنيا
- أيها الشعراء غنّوا وأُسجنوا!
- الحريةُ مناطُ التكليف | أخرسونا لتدخلوا الجنة!
- لماذا لم يعصفِ اللهُ بالملائكة؟
- ازدراءُ الأديان ازدراءٌ للأديان!!
- سياطٌ على ظهر الحكيم
- قصيدة للشاعرة فاطمة ناعوت (سجن)
- سأهربُ إلى قبر جدتي
- قانون -نيوتن- الرابع
- ماذا قال لي برنارد شو
- رسالة إلى الله
- اسجنوا أولئك الثلاثة
- أم الشهيدة والأرنب المغدور | سامحيني يا سمراء!
- افتحوا نوافذَ قلوبكم للحب
- هذا العماءُ خطأٌ في الإجراءات


المزيد.....




- کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق ...
- المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: روسيا في طليعة الدول الساع ...
- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - البيض الأرجنتيني