أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - أمهاتُ الشهداء وأمهات الدواعش














المزيد.....

أمهاتُ الشهداء وأمهات الدواعش


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5125 - 2016 / 4 / 6 - 00:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل للدواعشِ أمهاتٌ مثل أمهاتِنا؟ هل تنتظر أمهاتُهم هداياهن غدًا في عيد الأم، مثلما تنتظرُ أمهاتُنا هدايانا؟ هل يعرفُ الداعشيُّ كيف يضمُّ أمَّه في حُنوٍّ وخضوع، مثلما نفعل مع أمهاتنا في عيدهن؟ هل تبكي أمهاتُهم حين يَنحرُ أبناؤهم أبناءَ أمهاتِ أخريات على مرأى من شاشات العالم؟ هل يلعنّ بطونَهن التي حملت أجنّةً لا تشبه أجنّتنا التي حملتها بطونُنا وهنًا على وهن؟ هل كُنّ يعلمن وهنّ يُرضعن أطفالَهن القُساةَ من أثدائهن أن تلك الأفواه الصغيرة التي تلقمُ النهودَ لتحيا، سوف تُطلقُ صيحةَ التكبير وهي تقتل؟ هل كُنّ يعلمن أن تلك الأجسامَ الضئيلة التي تُهدهَد الآن فوق حجورهن وأذرعهن سوف تكبُر وتتوحش وتنقضُّ في مقبل الأيام على ضحايا أبرياء يُحبّون أوطانهم؟ هل فكّرتْ أمهاتُ السفّاحين في أمهات الضحايا؟ هل جرّبن دموعَهن؟ هل يعرفن طعمَ النِّصال في كفوف أبنائهن تمزّق قلوبَ ثكالى حزينات؟ هل للدواعش أمهاتٌ؟ أين كانت أمهاتُهم حين كانت أمهاتُنا تصحبنا إلى مدارسنا؟ ماذا كنّ يفعلن حين كانت أمهاتُنا تُعدُّ لنا شطائرَ المساء لتضعها فوق مكاتبنا ونحن نستذكر دروسَنا لنفهم ماذا يجري في العالم من حولنا؟ كيف غفلت أمهاتُهم عن تعليمهم محبةَ الله ومحبة خلق الله؟
هذا العام، ثماني عشرة أُمًّا من أمهات مصر لن يترقبن طرقةَ الباب المُنغّمة، التي يخفقُ لها قلبٌ، ينتظرُ أن يدخل الابنُ فاتحًا ذراعيه والفرحُ يغمرُ ملامحَه، وهو يغنّي: “ستّ الحبايب، يا حبيبة. كل سنة وأنت طيبة". لن يجلسن في قلب الدار، مثل كلّ عام، يُخمّن: تُرى، ماذا ستكون هديةُ هذا العام! الهدية القاسية وصلت هذا الصباح مع أنباء الراديو، وعرفتِ الأمُّ أن الابنَ الطيبَ سقط على رمال العريش عند أبواب الفجر الأول، مُضرجًا في دمائه، والهديةُ، في غلافها الملون، في مأمن من سيل الدماء في جيب البدلة العسكرية، الذي يجاور القلب. ثماني عشر امرأة، سيعرفن طريقهن اليوم إلى محال الأقمشة الحزينة، ليكترين قماشَ الحداد الأسود، الذي لن يغادرَ أجسادهن الواهنة، حتى تضمّها القبور.
أذكر ذلك اليوم وأنا طفلة صغيرة في المدرسة الابتدائية. توزّع علينا "ميس راشيل" كروتًا صغيرة عليها زهورٌ ملونة، وتكتب على السبورة الكلمة التي سوف يدوّنها كلُّ تلميذ في بطاقته الخاصة. "ماما الحبيبة.... كل سنة وأنتِ طيبة......" مكان النقاط الأولى، أضع كلمة "سهير". ومحلّ النقاط الأخيرة أضع اسمي. هل فعل الداعشيُّ الطفلُ مثلما فعلتُ؟
وكبرنا قليلا لنتعلّم كيف نشتري هدايا الأم من مصروفنا. نتبارى لكي تكون هدايانا الأجملَ بين الأصدقاء، هل فعل الدواعشُ في طفولتهم مثلما فعلنا؟ كنّا ننتظر بشغف نظرة الفرح تُشرق في عيون أمهاتنا، ثم يتبعنها بكلمة ثابتة: "مش عاوزة حاجة. أنتم هديتي، بس ذاكروا وتفوّقوا، هي دي هديتي." هل فعلت أمهاتُ الدواعش الصغار مثلما فعلت أمهاتُنا؟ هل كان الدواعشُ في طفولتهم يخبئون نصال الدم في ثنايا هداياهم لأمهاتهم؟ هل كانت الأمهات تستقبل هداياهن وقلوبهن ترتجف خوفًا؟ هل يحزن الدواعشُ مثلما نحزن حين تطير أمهاتُنا للسماء؟ هل في عيونهم دموعٌ مثلما في عيوننا؟ هل في صدورهم قلوبٌ تتألم مثلما في صدورنا؟
كان هو اليومَ الأجمل، ونحن نجمع قروشنا ونختلس لحظة مارقة بعيدًا عن عيون الأمهات، لنشتري الهدية، ثم نعصر أذهاننا الصغيرة لنكتب كلمةً لا تشبه ما عداها من كلمات. هل كان الدواعشُ الأطفالُ يرونه اليومَ الأجمل مثلنا؟
أشكرك يا أمي على تعليمك لي الالتزام في القول والعمل والأخلاق. شكرًا يا أبي أن علّمتني أن حبّ الله لا يتمُّ إلا بحبّ خلق الله. شكرًا يا ربُّ على أمي الجديدة أنجيل، التي منحتها لي بعدما طارت أمي قبل ثمانية أعوام للسماء؛ حيث العصافيرُ والزهرُ والبراءة والجمال، وحيث الله وحنوّه. كل سنة وأمهاتُ الشهداء مُعزّاة برحمة الله على ما ابتلاهنّ من نزيف الثكل. كل سنة وأمهات الدواعشُ مُعزّاة برحمة الله على ما ابتلاهنّ من عذاب الشعور بالمرارة.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبقريةُ البسيط وعبطُ الفيلسوف
- سوطٌ لكل امرأة
- كُن مرآةً ولا تكن عكازًا
- البيض الأرجنتيني
- الست فضة والست ماري
- لقاء الرئيس الذي لم أحضره
- هل نلغي الدستور؟
- الكود الإنساني للأطفال
- تيمور السبكي... ونحن والدستور
- اسجنوا بورخيس مع أطفال المنيا
- أيها الشعراء غنّوا وأُسجنوا!
- الحريةُ مناطُ التكليف | أخرسونا لتدخلوا الجنة!
- لماذا لم يعصفِ اللهُ بالملائكة؟
- ازدراءُ الأديان ازدراءٌ للأديان!!
- سياطٌ على ظهر الحكيم
- قصيدة للشاعرة فاطمة ناعوت (سجن)
- سأهربُ إلى قبر جدتي
- قانون -نيوتن- الرابع
- ماذا قال لي برنارد شو
- رسالة إلى الله


المزيد.....




- الهجوم على كنيسة مار إلياس بدمشق يثير مخاوف المسيحيين في سور ...
- سوريا.. عملية أمنية ضد وكر إرهابي متورط بهجوم الكنيسة
- مفتي القاعدة السابق: هذا ما جعل بن لادن يجر أميركا لحرب في أ ...
- اعتقال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن
- الاحتلال يواصل إغلاق المسجد الأقصى ويعتقل 4 من حراسه
- صحفي يهودي: مشروع -إسرائيل الكبرى- هدفه محو الشرق الأوسط
- toyour el-janah kides tv .. تردد قناة طيور الجنة على القمر ا ...
- سوريا: تنظيم -داعش- الإرهابي يقف وراء تفجير الكنيسة بدمشق
- البابا ليو: يجب عدم التساهل مع أي انتهاك في الكنيسة
- حماس: إغلاق المسجد الأقصى تصعيد خطير وانتهاك صارخ للوضع التا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - أمهاتُ الشهداء وأمهات الدواعش