تاريخ الحزب الشيوعي الاحمر---2

سلطان الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 1386 - 2005 / 11 / 22 - 10:02
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    

في أوائل الثلاثينات، كانت منظمات الحزب قد نمت وتطورت ، وأصبح للحزب قواعده الاساسية في بيروت وطرابلس وحلب ودمشق ---، وفي نفس الوقت كانت مشكلة تعريب الحزب تبرز يوما بعد يوم كضرورة ملحة ، فقد كانت اكثرية كوادر الحزب وقياداته من الارمن ، بما لا يعكس مطلقا حجمهم السكاني الفعلي بين العرب . وقد أثر هذا الواقع سلبا على نمو الحزب ، فباتت الحاجة ماسة الى كوادر وقيادات عربية تستطيع العمل والنشاط في جميع الاوساط كي يأخذ الحزب حجمه المناسب في المجتمع ككل .
وهكذا خاض الحزب معركة التعريب في عام 1931 . كانت الخطوة الاساسية تتمثل في خلق كوادر وقيادات عربية ودعمها بأي شكل كان ، ومن هذا المنطلق تم ضم خالد بكداش الى اللجنة المركزية في عام 1931 ، ثم انتخب امينا عاما للحزب في العام التالي بضغط من ارتين مادويان الذي لعب دورا كبيرا في عملية التعريب ، التي استمرت حتى عام 1933.
قضية فؤاد الشمالي:
ولد فؤاد الشمالي في قرية سهيلة قضاء كسروان في لبنان عام 1894 . سافر الى مصر، وساهم هناك في تأسيس الحزب الشيوعي المصري عام 1921 بعد أن لعب دورا هاما في الصراع الفكري داخل الحزب الاشتراكي المصري ، ضد التيار الاصلاحي فيه، والذي ادى الى ولادة الحزب الشيوعي المصري. طرده الانكليز بسبب نشاطه السياسي ، فعاد الى لبنان عام 1923 ، حاملا معه مهمة تشكيل حزب شيوعي سوري لبناني . أسس حزب الشعب كواجهة شرعية لعمل الحزب الشيوعي ، ثم انتقى عشرة من افضل اعضائه ليعلنوا تأسيس الحزب الشيوعي في 2 ايلول 1924 . الا ان عملية التأسيس هذه ، لم تلق الاعتراف من مندوب $الكومنترن$ جوزيف برغر ، فاضطر فؤاد الشمالي الى الانضواء في عملية التأسيس التي تمت بإشراف جوزيف برغر في 24 تشرين الاول 1924، وهو التاريخ الرسمي لتأسيس الحزب المعترف به حاليا.
لعب فؤاد الشمالي دورا اساسيا وحاسما في ترسيخ قواعد الحزب في لبنان ، على اسس عمالية . وربط تطور الحزب الشيوعي بتطور الحركة النقابية العمالية فيه،. كما حقق الحزب تحت قيادته نصرا مؤزرا عندما استطاع فصل نقابات العمال عن اصحاب العمل.
فُصل فؤاد الشمالي من الحزب عام 1932 وكان امينا عاما له، ليستلم بعده خالد بكداش الامانة العامة. شُوهت سمعته وافتري عليه ، واتهم بالخيانة . وكان ابرز من قاد الحملة لإبعاده عن الحزب ، خالد بكداش ورفيق رضا ووهيب الملك . بقي اتهامه بالخيانة معلقا بالهواء من دون ادنى اثباتات ، كبقية التهم التي الصقت بغيره فيما بعد.
تشير كافة المعطيات ، أن ابعاد فؤاد الشمالي يرتكز على خلفية تمثيله للتيار العربي العمالي في الحزب، المستقل عن $الكومنترن$. الأمر الذي حدا $بالكومنترن$للاطاحة به ، عبر أولئك القياديين الذين توافقت نزعاتهم الفردية الأنانية مع رغبة الكومنترن تلك.
في 19 ايلول مات ابرز مؤسسي الحزب . نتيجة سوء التغذية حيث عاش سنواته الأخيرة فقيرا معدما في حالة مزرية من البؤس والجوع.
كتب فؤاد الشمالي العديد من الكتب في الفترة ما بين 1932 وحتى موته. الا أن القيادة حاربته بشدة ومنعته من نشر كتبه . وكان فؤاد الشمالي قد كتب أهم اعماله عام 1929 حول عمل نقابات العمال بعنوان(نقابات العمال) . هذا بالإضافة الى تأسيسه ((النقابة العامة لعمال الدخان في لبنان)). في عام 1935 اصدر كتاب((اساس الحركات الشيوعية في البلاد السورية- اللبنانية)) الا ان الجزء الثاني من هذا الكتاب والذي يتكلم فيه عن الاسباب الحقيقية لإبعاده عن قيادة الحزب ، آل الى مصير مجهول ولم يعثر على أي نسخة منه.
روى يوسف خطار الحلو على لسان أحد الرفاق الارمن ، وهو الرفيق أغوب الملقب ب(السولدا) والذي عايش الحزب منذ تأسيسه . وكان يوسف خطار الحلو قد التقاه في يريفان عام 1985 حيث قال:
(( ان الصهاينة هم الذين حاكوا المؤامرة ضد فؤاد . فقد حضر من موسكو ، بعدما أنهى دراسته في الجامعة التابعة للأممية الشيوعية ، المدعو حسن(وهيب الملك) وكان مزودا بتعليمات من الجهاز المختص عن شؤون سوريا ولبنان في $الكومنترن$ وكان اليهود الصهاينة يسيطرون عليه ، ولقد ساءتهم مواقف فؤاد الشمالي ولا سيما بالنسبة للقضية الفلسطينية ، وبخاصة عندما كان في المؤتمر السادس للأممية حيث حدد موقفا عنيفا ضد اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين . الأمر الذي أزعجهم ، فلفقوا تهمة العمالة وألصقوها بفؤاد . وقد نقل المدعو حسن ذلك الى قيادة الحزب في سوريا ولبنان فتلقف بعضهم هذه التهمة غير مقدر ما تجلبه من اخطار على تطور الحزب ، خصوصا عندما تقرر طرد فؤاد الشمالي لا من القيادة بل ومن الحزب ، وحل خالد بكداش مكانه)).
ويتابع يوسف خطار الحلو القول بأن أغوب قال له:
((أن التهمة التي ألصقت زورا بفؤاد الشمالي لم تبت من هنا ، بل صُدرت الى هنا بواسطة حسن .الخطأ أن بعض من بأيديهم القرار آنذاك تلقفوها وساروا بها الى نهايتها الى ان طرد فؤاد من الحزب)) (( أوراق من تاريخنا - الجزء الأول- ص431


ان القضية الأهم حتى الآن ، هي استلام خالد بكداش لمنصب الأمين العام ، بعد عامين من انتسابه للحزب ، وهو ابن لعشرين عاما فقط .
انه لمن المشروع للمرء تماما أن يطرح التساؤل التالي:
هل استلم خالد بكداش هذا المنصب عن جدارة؟
هل كانت مؤهلاته الفكرية والسياسية على مستوى هذا المركز القيادي ؟
وهل يمكن لابن عشرين عاما ان يقود حزبا شيوعيا؟

ان ذلك جرى كتكتيك سياسي فقط- وهو تكتيك خاطئ من دون شك- لاعتبارات عدة منها ضرورة التعريب وتطوير قيادات عربية ، ومنها الحاجة الى تقوية مكانة الحزب في سوريا ذات الثقل البشري الأكبر .
لم تكن لدى خالد بكداش ، أي خلفية فكرية أو سياسية تمت للأيديولوجية الشيوعية بصلة. ويختلف انتسابه عن انتساب نقولا الشاوي مثلا. ------------

من هنا بدأت الاشكالية الأولى في علاقة خالد بكداش مع الحزب. الاشكالية التي تجسدت في تسلم أعلى منصب في الحزب من قبل شخص صغير السن ، عديم التجربة، لا يعرف شيئا عن الفكر الماركسي . ان هذه الواقعة تشكل الأساس في ظهور عبادة الفرد لديه ، والتي تكرست كليا بعد الدعم السوفييتي له لاحقا . ان ضعف وعيه الفكري السياسي ، امام قادة الحزب المخضرمين وآنذاك ، كان من الطبيعي أن يدفعه باتجاه الابتعاد عن أي حوار ديمقراطي مع رفاقه ، تتجلى فيه قلة خبرته وثقافته، فبدأ بالتالي ينحو الى محاولة فرض آرائه بالقوة وتاليا كيل الاتهامات وتحطيم القيادات والكوادر البارزة ، وإبعاد المثقفين وهي السمة البارزة لظاهرة عبادة الفرد ، التي اخذت كامل ابعادها عند خالد بكداش فيما بعد.
لقد أخطأت القيادة وعلى رأسها ارتين مادويان ، خطأ فادحا، .
يبرر ارتين مادويان صعود خالد بكداش الى الأمانة العامة على الشكل التالي:

((انضم خالد بكداش الى اللجنة المركزية في النصف الثاني من العام 1931 لملء الفراغ الحاصل في اللجنة المركزية. وفي أوائل عام 1932 وباقتراح وإلحاح مني ، انتخب امينا عاما للحزب، لم يكن لدينا حل آخر تلك الآونة)) ثم يتابع((----------لكنه في المراحل اللاحقة أضر كثيرا فقد ولدت عنده تصورات عبادة الفرد)). (حياة على المتراس-ارتين مادويان- ص 129)
للحديث بقية
من اوراق الراحل سامر خوري

#سلطان_الرفاعي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات