أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 41















المزيد.....

الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 41


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5101 - 2016 / 3 / 12 - 12:16
المحور: الادب والفن
    


الشيء:

أما الشيء، المحور الجوهري للاتهام، فهو "لا يمت بأية صلة إلى شكل الإنسان أو الحيوان أو النبات الشائع. لونه أسود، وبالوسع إدخال اللون البنفسجي. ذو مظهر أقرب إلى القماش أو المطاط وتكوينه يتميز بفروع مثل أوراق الشجر العريضة فوق قَبة –سوف يستعمل فيما بعد كقبعة مبتكرة-... وبالنسبة لصوته فإن أقرب التصورات هو أن ينطق بواسطة مسجل." (ص 45- ص 46)
لا يعرف هذا الشيء الألم، وهو مسلوب من عنصر الإحساس:
"المتهم: ...ألا تتألم؟
الشيء: كلا بالطبع." (ص 52)
يعيش في الظلام، ويمكن لضوء النهار أن يهلكه:
"المتهم: وترى جيدًا في الظلمة؟
الشيء: أرى جيدًا كما أنا الآن، لو رفعت هذا الشيء عني (كان قد رمى عليه قميصًا) وأبعدت ما اتفقنا على أن اسمه ضوء." (ص 52)
وتُثبت كل هذه السمات (لا يتألم، يعيش في الظلام، يؤذيه الضوء) أن هذا الشيء يكوِّن جزءًا من عالم فيزيائي آخر:
"المتهم: من أنت؟
.................
الشيء: لقد احترقت مركبتي.
المتهم: مركبتك؟
الشيء: كنت قادمًا للاستطلاع هذه المرة.
المتهم: وحدك؟
الشيء: كان معي رفيق لست أدري ما حل به.
المتهم: هل أُرسلت خصيصًا إليّ؟
الشيء: كلا. قلت لك إن مركبتي احترقت وسقطت عندك. هذا كل ما في الأمر." (ص 52)
هذه هي الظروف الاستثنائية التي جمعت بين الشيء والمتهم، ظروف مركبة فضائية احترقت، فيبدو أن الاتصال بينهما محض صدفة. ادعاء أن كل شيء مضى بمحض الصدفة، بمعنى أن كل شيء مضى بشكل طبيعي بينما تُثبت المحاكمة أنه أُعد لكل شيء قبلاً، هم يريدون أن يوهموا بالصدفة هذه قدرية الأشياء، وأن ما يحصل كان مقدرًا له أن يحصل منذ بدء الخليقة، ولا شأن لأحد في الأمر: إنه قدر المتهم مثلما هو قدر الشيء! (بِنية إلغاء التعارض)
يمكن القول أيضًا إن الشيء سقط من السماء، ولم يأت من الأرض، مما يؤكد أن أولئك الذين أطلقوه من فوق، هم أولئك الذين يقودون، والذين يرون العالم من فوق. إن رؤيتهم دومًا ميتافيزيقية فوق طبيعية بالنسبة إلى الأماني المادية المشخصة والأكثر أرضية التي تأتي من تحت. (بِنية إلغاء النفي)
وعندما يقول الشيء إن مركبته الفضائية احترقت، في الواقع كل وجوده وسبب عيشه هما اللذان تحطما. من هنا يأتي الشعور بالاغتراب المليئُهُ عند الاتصال الأول بالمتهم الذي بيده الحل لعالم "لامغترِب" يخشاه خصومه. (بِنية إلغاء الزيف)
حتى أن الشيء لا يتكلم، إن الآخرين هم الذين يعبِّرون من خلاله:
"المتهم: وأنت تستطيع أن تتكلم؟
الشيء: إنهم يتكلمون من خلالي معك." (ص 53)
هو إذن عنصر وسيط بين المتهم وبين أولئك الذين دفعوه إلى هذه الحالة، وهكذا فهو الإنتاج الخام لأسياد هذا العالم، إنه لا يؤكد نفسه ذاتًا، ولا يسعى إلى ذلك، وبالإجمال، إنه يَخضع لأفكار الآخرين. (بِنية صون التطابق)
إنه "ضميرهم" كما جاء في "الباب": "ثمة شيء يبقى بعد أن يموت الجسد، هذا الشيء الذي تسمونه ضميرًا..." (ص 100) ولهذا علاقة وطيدة بفكرة الشيء-القبعة-الإيديولوجيا كما سنرى.
وعندما يسأله المتهم:
"المتهم: كيف تتناسلون إذن؟
الشيء: إننا نُزرع. إذا أردت رفيقًا قطعت جزءًا من جسدك ووضعته في الرمل، وسينمو ويصير رفيقًا. أو قل بالعدوى.
المتهم: مثل الشجر؟
الشيء: ليكن، مثل الشجر..." (ص 53)
يشابه هذا التناسل المتعدد الأنواع إكثار البكتيريا في مختبرات الوقاية من الميكروبات. ويُظهر هذا التطور البكتيري أن صانعي الشيء قادرون على إنتاج أنواع من جنسه بالجملة، مثلما هم قادرون على استعمالها ضد أنواع أخرى لتحييدها أو لوضع حد لها. يغدو الشيء إذن وأشباهه سيفًا يشهرونه للحفاظ على أنفسهم ضد التيارات "الضارة". (بِنية صون الإثبات)
لكن عندما يطلب الشيء أن يتعارف على المتهم، يندمج شيئًا فشيئًا في عالم لا يعرفه من قبل، مما يشكل خطرًا يهدد صانعيه:
"الشيء: اسمع! لنضع حدًا لهذه المهزلة، إننا نحتاج إلى التعارف في أول الأمر.
المتهم: إن اسمي...
الشيء: دعك من الأسماء، ألا ترى أن خلافنا يبدأ منها؟" (ض 53)
طالما أن الشيء لا يبدي أي اهتمام بالأسماء يبقى مرتبطًا بعالم ممتهن محتكر، لأن الاسم هو رمز الهوية والخصوصية، بمعنى آخر، كل ما هو بعكس التشيؤ وضياع الشخصية، فتقوم الهوة بين المتهم والشيء. في الحقيقة يمكن المتهم أن يتصرف بوعي حسب الخط الذي حدده لنفسه، بينما يرضى الشيء أن يتبنى بلا وعي الخط الذي حدده له "الآخرون". (بِنية صون الحقيقة)

رقم1 ورقم2

يقدم كنفاني رقم1 ورقم2 كالتالي: "شخصان متشابهان، أنيقان دون إفراط، ودون ما يوحي بالرسمية. صوتاهما -بصفة عامة- حياديان وميالان للتقريرية." (ص 45)
الواقع أن لهما نفس الشخصية، ويلعبان نفس الدور، دور الحاكم. منذ بداية المسرحية يعلنان أن المحكمة انتهت، وأنهما بصدد إصدار الحكم:
"رقم1: (وكأنه يكمل حديثًا) أما وقد انتهينا من المحاكمة فسأصدر الحكم الآن. قف كي تسمعه كما ينبغي." (ص 46)
تُظهر كل إجراءات الدعوى أن الحاكمين يريدان التخلص من المتهم ومنها بسرعة وبأي ثمن:
"رقم2: لننته من الموضوع بسرعة، دعنا نشنقه هنا والآن، أليس هذا هو الحكم الذي اتفقنا عليه...
................
رقم1: أيها القاتل.
رقم2: قاتل ووقح أيضًا.
رقم1: قاتل رهيب (مشيرًا إلى الشيء الأسود أمامه) والجثة ما تزال أمامه وقد بدأ ينكر حتى قبل أن ندفنها.
رقم2: حتى قبل أن يجف دمها.
المتهم: دمها؟
رقم1: لننس موضوع الدم (ملتفتًا إلى رقم2) الحقيقة أنه لا يوجد دم.
رقم2: قتلها خنقًا.
المتهم: خنقًا؟ إنه شيء لا يستعمل الهواء.
رقم1: قتلها، وهذا يكفي." (ص 46- ص 47)
كما نرى، يبحث الحاكمان عن إلصاق التهمة بالمتهم بأية طريقة، فيناقض أحدهما الآخر قولاً وفكرًا. إجمالاً، يشبه كلاهما الجلاد الذي، لكثرة ما اعتاد من مشاهد الدم والعذاب الإنساني، قد انتهى بإتلاف أحاسيسه، ليغدو فظًا قاسي القلب. (بِنية التماثل والاختلاف)
كذلك هما يرفضان رؤية المحاكمة تدور بشكل طبيعي، لأنهما يرفضان الاستماع إلى بريء:
"رقم1: إن الجريمة واضحة، ليست في حاجة إلى إضاعة الوقت. لم يعرف هذا الشيء أحدًا غيرك. فمن إذن قتله؟ كيف يمكن أن يقتل إنسان ما شخصًا لا يعرفه؟
رقم2: (للمتهم) لقد أحرجك هذه المرة ووضعك في الزاوية، لماذا لا تجيب؟
المتهم: إننا في الواقع نقتل الذين لا نعرفهم.
رقم1: (يقهقه) لقد أوقعناك في الفخ أيها القاتل. لقد ضحكنا عليك وسحبنا منك الاعتراف الكامل، ربما لآنك غير خبير في هذا الموضوع، فهذه أول جريمة ترتكبها في حياتك، وأنت لم تكن قاضيًا في حياتك ولا مرة..." (ص 48)
تتضح هنا تمامًا مناورات الحاكمين، إذ يحثهما سلوكهما المنحط، بلا وعي، على إعطاء صورة واضحة عن عالمهما: أناس مهرة في كل ما يلحق الأذى بالآخرين، قادرون على لعبة "أبو الوجهين" حسبما ينفعهم هذا أو ذاك. إذا قالوا إن باستطاعة المرء أن يقتل من يعرف، فمن الممكن أن يعني ذلك عندهم العكس، وهذا ما هم بصدد فعله مع المتهم. إن استدلالهم لا منطقي بقدر ما هو متناقض، ولكن، أليست طريقة المحاجَّة هذه أفضل سلاح لزعزعة البصيرة عند الآخرين؟ (بِنية الاستدلال والاستبدال)
أضف إلى ذلك، كل مرة يحاول فيها المتهم تقديم وجه إنساني للشيء، يعتبره الحاكمان مخادعًا. بكلام آخر، يمثل كل فعل إيجابي للحاكمين فعلاً سَلبيًا يمكنه في كل لحظة أن يفجر البِنية "المنطقية" للمحاكمة. (بِنية الإيجابي والسلبي)
كما قلنا سابقًا بخصوص هذه المسرحية الأقرب إلى الرواية، يأتي تحديدنا لها تحديد جيرار جينيت على أساس أنها التمثيل لحدث أو لأحداث متتابعة واقعية أو خيالية بواسطة اللغة، وخاصة اللغة الكتابية، هذا شيء بديهي، لكن ذلك لا يعني لدى كنفاني أنه يغلق على نفسه باب البداهة، فما يوجد في نصه من مشاكل وصعوبات جزء من "تمرينه" الكتابي، وشرط من شروط الكتابة، كما يرى اللساني الفرنسي. فالكتابة لا تجري مجرى الماء، والسرد لا يمشي مِشية الذئب، هكذا، بشكل طبيعي، والجمل لا ولا الأحداث تكون بتنسيقها، لأن الأساسي في تطور الأدب والوعي الأدبي –كما يجتهد جينيت- السِّمة الفريدة الصُّنعية الإشكالية للفعل السردي. سنكتفي بهاتين الكلمتين عند هذا المستوى من عرض الوقائع، على أن نعود إلى سبر عمق البحر الكنفاني في فصولنا التحليلية، ولنتابع الآن تشليح باقي الشخصيات من ثيابها.


يتبع السيدة وأم السيدة



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 40
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 39
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 38
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 37
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 36
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 35
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 34
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 33
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 31
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 30
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 29
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 28
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 27
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 26
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 25
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 24
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 23
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 22
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 21
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 20


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 41