أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 33















المزيد.....

الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 33


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5093 - 2016 / 3 / 4 - 13:45
المحور: الادب والفن
    


3 – بِنية المكان: تعارض فلسطين/منفى
تبدو ثلاثة أماكن رئيسية بشكل واضح، وذلك طبقًا للتسلسل التاريخي القائم في النص: المنفى في مخيمات اللاجئين في لبنان، فلسطين، مخيمات اللاجئين من جديد. تبعًا لذلك، هناك تعاقب لأحداث يجرى التعبير عنها بلا تناسق غير الزمان، وبلا ترابط غير المكان. ولأن هناك مكانين متعارضين، فلسطين والمنفى، تتعاقب الأحداث في نوعين من الحالات، المتدهورة في مخيم البؤس، والمتطورة في مخيم الثورة. في المكان الأول تعيش أم سعد مع زوجها وأطفالها وعائلات أخرى، وفي المكان الثاني يتدرب سعد كفدائي. إذن تعاقب الأحداث في نوعيها ضروري لتحديد الأمكنة في نوعيها، فتصبح الأمكنة إطارًا لِلَّوحات كنظام سردي، إطارًا للأحداث كعناصر لِلَّوحات، وشرطًا للتطور السردي، في مخيم البؤس حيث الحالات متدهورة كمخيم الثورة حيث الحالات متطورة، أي أن التطور في السرد يكون لَمَّا هو متدهور كحالة ولَمَّا هو متطور كحالة، وإلا لَمَا اكتمل رسم اللوحة، ولَمَا كانت بين أيدينا "أم سعد" كنص.
إذن ليكون النص، تتحرك عناصر المكان سَلبًا أم إيجابًا، وفي تحركها السَّلبي كالإيجابي ينبني النص، وسياقيًا تتحرك هذه العناصر إيجابًا، حتى في المكان الذي من المفترض أن يكون ساحة للحالات المتدهورة: مخيم البؤس. لهذا، مع أن مخيم البؤس مكان كابح لساكنيه، إلا أن هؤلاء يرمون إلى التحرر منه بأفعالهم اليومية، فتقودهم أم سعد، وتحاول إخراجهم من هذا المكان، وذلك بتشجيعها ابنها على الالتحاق بصفوف المقاومة، بالمكان النقيض، فالتطور كإمكانية سياقية، مقابل التدهور، هو الذي سيمشي. لقد استطاع الشباب الذين أصبحوا فدائيين تحطيمَ القيد، وتجاوُزَ الكابح كمكان ضيق، إلى المكان الشاسع الأرجاء، فلسطين، حيث يقومون بإجراء عملياتهم ضد العدو.
لنر كيف يتعارض المخيمان في المجموعة الأولى للوحات الرواية:
"...ماذا نفعل نحن في المخيم غير التمشي داخل ذلك الحبس العجيب؟ الحبوس أنواع يا ابن العم! أنواع! المخيم حبس، وبيتك حبس، والجريدة حبس، والراديو حبس، والباص والشارع وعيون الناس، أعمارنا حبس، والعشرون سنة الماضية حبس، والمختار حبس، تتكلم أنت على الحبوس؟ طول عمرك محبوس، أنت توهم نفسك يا ابن العم بأن قضبان الحبس الذي تعيش فيه مزهريات؟ حبس، حبس، أنت نفسك حبس..." (ص 255)
تتتابع التعاسات كالشلال –مثلما يرى كلود بريمون- بحيث أن التدهور ينادي التدهور، غير أن القصور الذي يطبع نهاية التدهور الأول، والحال هذه، ليس المنطلق الحقيقي للتدهور الثاني. يعادل دِعام الوقف هذا –التأجيل- وظيفيًا مرحلة من مراحل التطور، أو على الأقل إنقاذ ما يمكن إنقاذه. منطلق المرحلة الجديدة للتدهور –مثلما يضيف اللساني الفرنسي- ليس الوضع المتدهور، ولكن الوضع الذي لم يزل مُرْضِيًا، لم يزل قابلاً للتطور، لهذا تتعاكس مع الصورة الكامدة (الحبس الذي أخذ شكل الوجود) صورة المخيم الذي اشتعل "مثلما يضع الإنسان عود كبريت في كوم تبن..." (ص 335)
الشيء نفسه فيما يخص صيرورة التطور نحو الأفضل، ليست هناك صيرورتان، ولتضمين هذا القصور، يُدخل الراوي في روايته ما يساوي مرحلة التدهور: أم سعد تعي تمامًا أن المخيم حبس، وهي تقاتل ضد هذا الوضع، بجرف الوحل مثلاً، بالتقاط متفجرات العدو، بإرسال ولدها إلى الجبهة، فتؤدي هذه الأفعال (من جوه التدهور) إلى خلق تصور جديد للمنفى، وعلى الرغم من دوام وضع القصور نسبيًا، سيُستخدم هذا الوضع ليكون منطلق مرحلة التطور. لم يعد لدينا تشيؤ الفلسطيني في المخيم، وإنما انقلاب كلي في موازين القوى: من داخل هذا المكان المتدهور يجري الاتصال بفلسطين، إذ يذكِّر عرق العنب بدوالي الخليل، كذلك "حين يُسقى فولاذ الرشاشات تُضحي له رائحة الخبز..." (ص 281)
في المجموعة الثانية للوحات الرواية يتبدل المكان، نحن في إسرائيل، لقد دخلنا، بفضل عمليات الفدائيين، إلى قلب فلسطين 48 نفسها:
"قال إنه كان في فلسطين، غرَّب كثيرًا، وظل يمشي جمعة أو أكثر مع أربعة من رفاقه. قال إنه قرَّب كثيرًا من البلد، ثم اختبأوا في الزرع..." (ص 281) ومن ناحية أخرى، يجري الاستشهاد بفلسطين 36، لنكون في قلب هذا المكان أيضًا (على لسان أم سعد ص 303-ص 315).
على عكس ما يريده النص -نقول "على عكس" تبريرًا لموقفنا المعروف من الرواية- نحن هنا في أرض محصورة، في حالة حصر وعدم وجود منفذ للمرور، فيكون فشل صيرورة التطور الناجم عن إدماج صيرورة معاكسة تمنعها من الوصول إلى غايتها الطبيعية، كما نرى رؤية بريمون، بعد أن أثبتت الوقائع أن "قلب" فلسطين ليس الساحة التي يتحقق فيها النصر. حقًا هذه الفلسطين هي دِعام الماضي كدافع ومحفز الحاضر كفعل، لكن التطور المبتغى كصيرورة، من هذه الناحية، يعادل التقهقر الممكن كصيرورة، فيعادل التطور الذي لم يحصل التقهقر الذي تم.
نجد المخيم من جديد في المجموعة الثالثة للوحات الرواية، لكن تحت شكل آخر، فالحدث يجري في مخيم ثوري، ولا يمكن بحال ربط صيرورة التطور بصيرورة التقهقر. هذا المخيم يقوم في المنفى غير أنه لا يتواقت معه، فهو يرمز إلى التغيير الذي أجراه الشباب على حالهم البائسة، وذلك عندما اختاروا الكفاح المسلح في مقابل كل موقف سَلبي: "فجأة تغير كل شيء..." (ص 331) التواقت ممكن بين الصيرورتين عندما يكون المكانان ممثليْن لمصالح متعارضة، المنفى بصفة عامة وفلسطين بصفة عامة، مخيم البؤس كتصغير للمنفى ومخيم الثورة كتصغير لفلسطين.
يجب علينا إضافة أن الكاتب، عندما يصف أبطاله، يُجري أحيانًا مقارنة بينهم وبين الأماكن: "فجأة رأيتها قادمة من رأس الطريق المحاط بأشجار الزيتون، وبدت أمام تلك الخلفية من الفراغ والصمت والأسى مثل شيء ينبثق من رحم الأرض." (ص 245) "ودخلت أم سعد، ففوَّحت في الغرفة رائحة الريف..." (ص 246) إذ ترتبط الأماكن، على الرغم من كل شيء، ارتباطًا وثيقًا بحياة الفلسطينيين اليومية، فتقهقر مصير الواحد يتماكن مع تطور مصير الآخر: لنفهم أثر الشخصيات على المكان، والعكس بالعكس، يجب قياس أهمية المكان عند الشخصيات، وبالتالي إدراك أهمية مفهوم البطل، فلكل بطل مفهوم بطولته. وفي السياق الفلسطيني، لكل بطل مفهوم مكانه. لهذا، لم يعرض كنفاني أماكنه كتفاصيل بسيطة. أضف إلى ذلك، أن أحداث الرواية تنتقل داخل هذا التعارض: فلسطين/منفى، وأن تغيير الأماكن يعبِّر عن تطور البطل إلى ثائر أو تقهقره إلى بائس. يجب ألا يَحتار البطل فيما يختار: لقد قبلت أم سعد بحرية انخراط ولدها سعد في صفوف المقاومة، وسيطلق هذا الاختيار أكثر من بديل على المستوى الفردي، وأكثر من بديل على المستوى الجماعي.


يتبع 4 – بِنية البديل: الثقافي الاجتماعي السياسي





#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 31
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 30
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 29
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 28
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 27
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 26
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 25
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 24
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 23
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 22
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 21
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 20
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 19
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 18
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 17
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 16
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 15
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 14
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 13
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 12


المزيد.....




- حضور لافت للسينما العراقية في مهرجان عمان السينمائي
- إستذكار الفنان طالب مكي ..تجربة فنية فريدة تتجاوز كل التحديا ...
- براد بيت اختبر شعورا جديدا خلال تصويره فيلم -F1-
- السويد.. هجوم جديد بطائرة مسيرة يستهدف الممثلية التجارية الر ...
- -البحث عن جلادي الأسد-.. فيلم استقصائي يتحول إلى دليل إدانة ...
- تقرير رويترز 2025: الجمهور يفضل الفيديو والصحافة البشرية وهك ...
- هكذا تصوّرت السينما نهاية العالم.. 7 أفلام تناولت الحرب النو ...
- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...
- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 33