أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 20















المزيد.....

الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 20


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5080 - 2016 / 2 / 20 - 09:44
المحور: الادب والفن
    



3 – بنية الشخصيات

أ – الراوي وموقفه الروائي

في المجموعة القصصية "أرض البرتقال الحزين"، لا يوجد راوٍ "أدبي" بالمعنى الكلاسيكي القديم، يتوجه "إلى القارئ العزيز"، أو يعلق على الأحداث والشخصيات. وكما سنرى فيما بعد، ليس هناك على التقريب سرد بكل معنى الكلمة، أي فيما يخص اللغة ووصف الأمكنة والأحداث، نعني أن هناك غيابًا للراوي "الكلي الوجود" "الكلي العلم" الذي يسيطر على الحَبكة كلها كما هو عند بلزاك. وعبثًا نجد لدى كنفاني راويًا يتدخل بين القارئ وما يقرأ (رأيناه في القسم الأول يرسل للقارئ الإشارات) لنشكل انطباعًا عن أدب "بلا وسيط" حر مباشر وخالٍ تقريبًا من التعليقات التفسيرية. ومثلما نلاحظ في الرواية التقليدية، يتدخل الراوي تدخلاً مباشرًا حيث يماثل دوره للعبة الساحرة عند لورنس ستيرن، الذي يبالغ في اللعب بالشخصيات إلى حد يقطع معه مسار الحكاية لِيُدخل حكاية أخرى، مدعيًا تذكرها فجأة. مثال ذلك: تقرع إحدى شخصيات ستيرن الباب دون أن تستطيع الدخول قبل أن يستطرد الكاتب خمسين صفحة بعيدًا عن الموضوع.
أو أنه الراوي "الكلي الوجود" "الكلي العلم" الذي يغيّر عن عمد منظور الشخصية، ليروي كل ما يعتقد بكونه ضروريًا للحكاية، مثل فيكتور هيجو الذي "يَعْلَم" في الوقت نفسه كل أسرار وتطورات شخصياته.
أو أنه الراوي "بكوده"، الذي هو الروي، الذي لا يعرف سوى نظام الإشارات الشخصي ونظام الإشارات اللاشخصي، أنا وهو، كما هو عند سارتر، أي لا يعرف سوى ما يعرفه البطل، فيبني كل الحكاية على أساس قضية الخطاب، وكما يفضل رولان بارت، على أساس فعل التعبير.
إن منظور الراوي في الرواية التقليدية يبقى أكثر من منظور شخصياته ذاتها، وما يرمي إليه هذا النوع من الرواية هو تقديم حَبكة بكل مكوناتها وكل توجهاتها، وبناء على ذلك استعمل لوكاتش المقولة الهيجلية "الكلية" لرواية القرن التاسع عشر البرجوازية، هذه الرواية التي تطمح إلى تقديم نظرة شاملة للمجتمع، ومن هنا تأتي أهمية "رواية المرحلة التاريخية".
لكن الراوي عند غسان كنفاني، على العكس من ذلك، يمحي أمام ما يروي، لا "يعلم" من فوق تاريخ الشعب الفلسطيني ليقصه على القارئ، لكنه يستعمل، على العكس تمامًا، منظوره من تحت، ذلك الذي يوصله كمعلومة تتعلق برمز (كود) يشارك القارئ فيه، ذلك الذي يقيم العلاقات بين الأحداث العادية المختلفة، علاقات هي جوانب أخرى من علاقته بالقارئ. هكذا تصبح الوقائع التاريخية البارزة مجرد حوادث بدلاً من تصنيف تصويري شامل، فقصص "أرض البرتقال الحزين" عبارة عن مقاطع تاريخية.
يجد هذا "التمقطع" بعده الفني على مستوى منظور الراوي بفضل وسيلتين مختلفتين:
1 – يبقى الراوي غير مرئي دون أن يُبدي تعليقًا، ويعمل على أن يكون للسرد المباشر دور ثانوي.
2 – يشارك الراوي مباشرة في الحكاية، ويتبنى المنظور الضيق للشخصية.
ترمي هاتان الوسيلتان الفنيتان إلى هدف واحد: يجب أن تَنْتُج مشكلة البطل المستسلم ومشكلة البطل المتمرد مباشرة من أقوال وأفعال الشخصيات لا من "تفسيرات الراوي"، فتحاشى كنفاني كل أثر بحثي نجده عند توماس مان على الخصوص أو بروست، لشرح فعل أو لوصف كاتدرائية أو لوحة. لهذا لم يكن كنفاني راويًا بالمصطلح المتعارف عليه، إنه، وبصفة جوهرية، "معلم الشكل المختصر"، فأصغر قصة في مجموعته "أرض البرتقال الحزين" خمس صفحات، وأكبرها أربع عشرة صفحة، والقصص الباقية تتراوح بين سبع صفحات وتسع.

لماذا امحاء الراوي هذا؟

يعبِّر الشكل الأدبي هنا عن نقطة أساسية لمضمون أعمال هذه المرحلة: إنه زمن "البحث" و "التساؤل".
يبحث الشعب الفلسطيني عن جواب، ويتردد غسان كنفاني بين موقف المراقب والمشارك، من هنا تأتي رغبة الكاتب في أن "يجعل شعبه يتكلم" ليفهم هو نفسه سبب الهزيمة.
يؤكد المثال التالي الوسيلة الفنية الأولى التي تقلل من أهمية السرد المباشر، وتحيله إلى دور ثانوي، إذ تحتوي القصة الأخيرة "لا شيء" على مقاطع سردية غير ذات أهمية، عدا عن مقدمة ليست من الراوي، بل عبارة عن حدث صحفي مكتوب: "نقلت الأنباء أن جنديًا على الحدود صب فجأة رصاص رشاشه على الأرض المحتلة، فاقتيد إلى مستشفى الأمراض العصبية." (21)
تبدو الوسيلة الفنية الثانية التي تُكثر من مشاركة الراوي معاكسة للأولى، مع الامحاء التام للكاتب "الكامل العلم"، إذ لا يعبِّر الراوي فقط عن مشاركته بتبنيه نفس منظور الشخصيات (بصفته صديقًا للشخصية أو فردًا من أفراد العائلة)، لكنه يعبِّر أيضًا عن جو من الشك والتساؤل، مع محاولة اتخاذ بُعْدٍ مما يجري.
في قصة "أرض البرتقال الحزين" التي هي عبارة عن سيرة ذاتية، كما سبق لنا ذكره: تهرب عائلة من هجوم للإسرائيليين يضطرها إلى قطع الحدود اللبنانية، يكون الراوي فردًا من أفراد العائلة، يحادث الراوي أخاه، ويصف أحداث الهرب بعد وقوعها.
يمكننا تفسير الذكرى المُرَّة، وعدم فهم أسباب الهرب، بتغير المنظور الذي يذهب من "أنا" المشارِكة إلى "أمك" (كما لو أن ذلك لا يعني أمه هو كذلك)، ويمتد إلى "هُمْ"، بمعنى أن الراوي يراقب ويلاحظ من الخارج عندما نقرأ: "لم أكن أستطيع أن أجد بشرًا ألتجئ إليه، وأن نظرة والدك الصامتة تلقي رعبًا جديدًا في صدري، والبرتقالة في يد أمك تبعث في رأسي النار، والجميع صامتون، يحدقون في الطريق الأسود..." (13)
هكذا يمكننا اختصار الموقف الرويي في الامحاء خلف الحكاية، أو في المشاركة المباشرة في الحَبكة، وبالتالي ليس الكاتب كنفاني حاضرًا حضورًا مباشرًا بصفته راويًا، وإنما غير مباشر بواسطة الشخصيات.

ب – الشخصيات الرئيسية والشخصيات الثانوية

تجد ملاحظاتنا حول موضوع الراوي ذي الشكل المختصر توازيًا على مستوى الشخصيات، ويمكننا تفسير "الشكل المختصر" هنا بتخفيض عدد الشخصيات. إضافة إلى ذلك، لم تظهر هذه الشخصيات بصفتها خاصيات، بل نماذج. للشخصيات/النماذج علاقات تعاقدية من خلال التنظيم الكلي للقصة، عمادها لعبة الرفض والقبول، لهذا لا يصف كنفاني أية نفسية لشخصياته، بل يُبرز "الفعل" بشكل جوهري.
وهكذا فقد اختصرت الشخصيات بتجريد كبير: هناك "رجل هام" (14)، "شاب" (15)، "جندي" (16)، "ممرض" (17)، "بائع كعك" (18)... إلى آخره، وفي كثير من الأحيان لا يحملون أسماء. كما أن كنفاني لا ينسب إليهم سوى صفة واحدة، عندما يصلهم ببعض للتفريق بينهم، وليس لدمغهم بصفات ذاتية. تتعلق هذه الصفات إما بالمهنة (بائع كعك)، أو بالعمر (شاب)، وكذلك غالبًا ما يكون التعيين الوصفي بالنسبة إلى العلاقة بين أفراد العائلة. في قصة "أرض البرتقال الحزين"، تنتسب كل الشخصيات إلى نفس العائلة، ويقدمها الراوي هكذا: الأم، الأب، العمة، العم، الأخت، الأخ... (19). ويبلغ اختصار الشخصيات أقصاه بواسطة الضمير "هو" أو "أنت" (ورقة من غزة) (20) التي هي عبارة عن رسالة مرسلة إلى صديق، تعيد توزيع الأدوار بين الضمائر.
يوجد الاقتصاد الفني ذاته في عدد الشخصيات، إلى جانب بعض الشخصيات الثانوية الأخرى التي على هامش الحدث، وعندما تظهر مجموعة من الناس مثل "الجنود الصهاينة" في قصة "ورقة من الرملة"، فهم يتصرفون كشخصية واحدة، وعلى مستوى توزيع الأدوار تتم حل مسألة التحول من شخصية عدوة إلى شخصية صديقة أو من شخصية مستسلمة إلى شخصية متمردة.

أية خاتمة يمكننا أن نستنتج من تجريد الشخصيات وتحويلها إلى "أرقام"؟

أولاً: الوسيلة الفنية التي استخدمها كنفاني هي لتحاشي التفرد، وإبراز مصير كل الشعب الفلسطيني، فهو لا يريد أن يُظهر قدرًا فرديًا، لكنه على العكس، يرغم القارئ على أن يرى حالة "نمطية" بين حالات من المعاناة.
ثانيًا: اعتمادًا منا على عالم اللسانيات جريماس، بتبني النظام المختصر البسيط للشخصيات، ولتسجيل فواعل القصة، يمكننا أن نقدم، تحت شكل مكثف، الالتزامات المتعلقة بالأدوار في الوضع "النمطي" للروي.
ثالثًا: يجب رؤية المسافة التي تفصل ذلك العهد (سنوات الخمسين) عن المكان الذي يستحقه كنفاني وسط شعبه، فالتشخيصان الفردي والتاريخي في جميع أعماله يسيران وتطوره الإيديولوجي. ومع ذلك، نجد بعض التمهيدات التي عبرت عنها قصص المجموعة، والتي تُبدي عناية كاملة كيلا يضيع المضمون التاريخي لقدر هذا الشعب.
في "ورقة من الطيرة"، يُذْكَر اسم البطل الوطني إبراهيم أبو دية الذي شارك مع عبد القادر الحسيني في الكفاح السابق لمعارك 48. وفي معركة ميكور حاييم عام 48، يحكي الراوي عن مفاخر حامد الحميطي رئيس حامية حيفا الذي دك إحدى المطاحن المليئة بجنود الهاجانا. أما ثالث الوقائع التاريخية، فيتعلق بحادثة "ريفانيري"، مصفاة البترول المعروفة في حيفا، حيث قاتل عمال المصنع، مما أدى بالسادة الإنجليز إلى طردهم، فتجد المراجع حول الإنجليز مكانها بنفس الأسلوب التجريدي الذي يقدم الحادثة كحالة "نمطية"، تكمن أهميتها في وظيفتها كمؤشر لكفاح الشعب الفلسطيني الصعب بمجموعه.


المراجع
(12) ص 395.
(13) ص 368.
(14) ص 277.
(15) ص 277.
(16) ص 302.
(17) ص 395.
(18) ص 329.
(19) ص 363-374.
(20) ص 241-350.
(21) ص 319-327.
(22) ص 329-339.


يتبع 4 – بنية الحدث
أ – مكان الحدث



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 19
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 18
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 17
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 16
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 15
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 14
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 13
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 12
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 10
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 9
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 8
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 7
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 6
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 5
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 4
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 3
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 2
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 1
- رعب - المشاهد الكاملة
- رعب - المشهد العاشر


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 20