أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 9














المزيد.....

الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 9


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5070 - 2016 / 2 / 9 - 10:14
المحور: الادب والفن
    


(أ2) أرض البرتقال الحزين
تدور المجموعة القصصية الثانية لسنوات الخمسين حول نفس الموضوعة الأساسية: شعور المنفي المعذب الذي يلتفت إلى الوراء، بعد أن بدأ يرصد الماضي، ويثير الأسئلة حول أوهامه. تميزت القصص بميلها إلى التحول باتجاه الحاضر، وأصبح الإنسان المنفي متسائلاً بشكل جذري، بلغة سردية تحاول تمثيل نظام الأشياء في عطوبيتها. من هذه الناحية اللغوية، تضيق هذه المجموعة القصصية سيميائيًا، وتقل عمقًا، لأن ما يلفت انتباهنا -كما يقول عالم اللسانيات جيرار جينيت- في تطور الأدب والوعي، الجانب الفريد، الصُّنعي، المشكوك فيه، للفعل السردي، ليس فقط في مضمونه، وهي حال كل قصص هذه الفترة، بل وفي شكله كذلك. لكننا لن نقيّم أعمال كنفاني، في هذه المرحلة من التحليل، على هذا الأساس اللغوي، وسنكتفي بالتركيز على الصورة مقابل الأدب والموضوعة مقابل الوعي، بالنسبة إلى أدب ووعي غسان كنفاني، وليس بالنسبة إلى الأدب والوعي.
بعد هذا التوضيح نقول: إن دافع الكشف عن الأكاذيب في قصة "الأفق وراء البوابة" يعود من جديد، وتبدو في العنوان صورة: البوابة التي تفصل بين الكذب والحقيقة. إنها حكاية شاب يجتاز بوابة مندلبوم قادمًا من الأرض المحتلة عام 48 (إسرائيل حيث عاش مع الكذب) إلى الجانب الآخر من مدينة القدس ليواجه الحقيقة. القصة في ذاتها بسيطة جدًا: يحاول الشاب إخفاء موت أخته التي قتلها الإسرائيليون عن عمته، بينما تحاول عمته بدورها إخفاء موت الأم عنه. عندما يلتقيان، وكل منهما يحمل هدية للأم وللأخت، يفهمان أكاذيبهما المتبادلة.
هناك ثلاث قصص أخرى تحمل عنوان "ثلاث أوراق من فلسطين"، نقع فيها لأول مرة على دافع الماضي الإيجابي. في قصة "ورقة من الرملة"، يفقد رجل امرأته وابنته بعد أن قتلهما الإسرائيليون، فيبيع أملاكه ليشتري أسلحة ومتفجرات يفجر بها نفسه ومن معه من المحققين وقت استجوابهم إياه.
أما القصة الثانية "ورقة من الطيرة"، فهي تحكي عن المقاتل القديم المنفي في دمشق، يبيع الكعك، ويسأل الماضي، مبديًا الجوانب الإيجابية للكفاح المسلح، وفي الوقت نفسه معبرًا عن استيائه من رؤساء الدول العربية الذين كانت في يدهم القيادة، فيقول: "الخطأ لم يكن مني أنا، كان من فوق." (44) بكل ما تحمله لفظة "فوق" من سلطة بالمتداول الشعبي.
أخيرًا القصة الثالثة "ورقة من غزة" تعيد من جديد وبشكل مباشر موضوعة المنفي الذي يبحث عن "السعادة" في أمريكا، وقد دعاه صديقه إلى العودة إلى الوطن ليقوم بواجبه في الصراع بعد أن قص عليه قصة ابنة أخته الصغيرة التي فقدت ساقها أيام حرب 1956، فيقول له: "عد لتتعلم من ساق ناديا المبتورة من أعلى الفخذ ما هي الحياة وما قيمة الوجود. عد يا صديقي، فكلنا ننتظرك." (45)
أظهرت الأوراق الثلاث ثلاثة جوانب للماضي: الشهيد ذو المشاعر الوطنية، المقاتل الذي خاب سعيه، والهارب أمام الحقيقة.
قصة "أرض البرتقال الحزين"، التي تحمل اسم المجموعة، من التعقيد بقدر ما كانت عليه "موت سرير رقم 12"، وذلك بسبب تعدد الدوافع التي تشتمل عليها موضوعة المنفى. للمرة الأولى لدينا نَفَسٌ يكاد يكون ملحميًا، نجد فيه ممرًا نوعيًا أدبيًا من القصة إلى الرواية، ف "أرض البرتقال الحزين"، يمكن اعتبارها رواية صغيرة، فهي في بنائها تقوم على متعارِضات ومتوافِقات تتداخل فيما بينها.
الصورة الجمالية لهذه القصة هي: البرتقالة الجافة، وللقصة بعض من سيرة الكاتب الذاتية: عائلة تغادر عكا إثر الاحتلال إلى لبنان، وعندما يرى رب العائلة البرتقالة في طريقه، ينفجر باكيًا. لم يستطع احتمال خزي المنفى: بلا عمل، بلا سلاح، بلا أمل (فقد حتى إيمانه بالله)، فيتمنى الموت، وهكذا نجده يحتضر، وإلى جانبه برتقالة جافة.
المنفي هنا هو اليائس، الإنسان الذي حارب، والذي اقتُلِع، وأُفْرِغ من جوهره الإنساني مثل ثمرة انتُزِعت من غصنها. حتى الله في نظره صار منفيًا، بعد أن أضاعه خلال الرحيل عندما نقرأ: "لم أعد أشك في أن الله الذي عرفناه في فلسطين قد خرج منها هو الآخر، وأنه لاجئ من حيث لا أدري، غير قادر على حل مشاكل نفسه، وأننا نحن، اللاجئين البشر، القاعدين على الرصيف منتظرين قدرًا جديدًا يحمل حلاً ما، مسئولون عن إيجاد سقف نقضي الليل تحته." (46)
بالنسبة لموضوعة الشعور المعذِّب للمنفي، نجد هنا تغيرًا هامًا لها، ألا وهو: كبرياء المنفي الذي يفضل الموت على الخزي، أو مسئولية المنفي الذي يصبح وحيدًا في عالم لا رحمة فيه. وفي كلتا الحالتين، نرى ما يراه عالم اللسانيات كلود بريمون، عندما يفضل الراوي من بين أشكال التجميل الأدبي ما يرمي إلى التحول في "الواجب" المناط بالبطل، المنفي هنا، واجب "التضحية" التي هو أهل بها.
لنلخص أعمال غسان كنفاني لفترة سنوات الخمسين نقول إنه كان يبحث عن تحديد إيديولوجي تميزت به بنية أعماله، فهو قد كتب خلال بحثه هذا معظم قصصه بين سنتي 56 و 1959 في دمشق والكويت، أي عندما كان يعيش تجربة المنفى، وفي الوقت نفسه كان يعمل على تثقيف ذاته، وقد زوده هذا التثقيف الذاتي بموقف ازداد أكثر فأكثر وضوحًا في تلك المرحلة التي كانت امتحانًا لفكر غسان وممارساته الأدبية وغير الأدبية.
هذا ما قالته زوجته عن سنواته في الكويت: "تابع غسان عمله السياسي خلال السنوات الست التي قضاها في الكويت، وكان يعلّم الرسم والرياضة. وفي الحقيقة، تشهد هذه السنوات على أهميتها الكبيرة في حياته، إذ كان يمارس أثناء فراغه الرسم والكتابة والقراءة، قراءة الأعمال السياسية، خاصة ماركس، إنجلز، لينين... وغيرهم." (47)


المراجع
(42) غسان كنفاني: المرجع السابق، ص 149.
(43) غسان كنفاني: المرجع السابق، ص 163.
(44) غسان كنفاني: أرض البرتقال الحزين، الجزء الثاني، ص 338.
(45) غسان كنفاني: المرجع السابق، ص 350.
(46) غسان كنفاني: المرجع السابق، ص 368.
(47) آني كنفاني: غسان كنفاني، المكتب المكسوبي للشرق الأدنى، بيروت 1973، ص 13.


يتبع ب: بيروت: أول إشارة لفهم عميق



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 8
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 7
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 6
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 5
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 4
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 3
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 2
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 1
- رعب - المشاهد الكاملة
- رعب - المشهد العاشر
- رعب - المشهد التاسع
- رعب - المشهد الثامن
- رعب - المشهد السابع
- رعب - المشهد السادس
- رعب - المشهد الخامس
- رعب - المشهد الرابع
- رعب - المشهد الثالث
- رعب - المشهد الثاني
- رعب - المشهد الأول
- إرهابيون السيناريوهات الكاملة


المزيد.....




- إيران تقيم مهرجان -أسبوع اللغة الروسية-
- مِنَ الخَاصِرَة -
- ماذا قالت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز بشهادتها ضد ترامب؟ ...
- فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
- شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما ...
- -نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا ...
- فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 9