أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 23















المزيد.....

الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 23


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5083 - 2016 / 2 / 23 - 14:04
المحور: الادب والفن
    


ب – المنطق السردي

على حَسَب أية وسائل فنية يمكننا أن نمنح العمل الأدبي معنى؟
وجدنا ثلاثة عناصر محددة للإجابة على هذا السؤال الهام:
- الحِوار.
- السرد.
- التركيب الدرامي.
لهذه العناصر الثلاثة منطقها الخاص، لكنها تلتقي لتوضيح ونقل المعنى.
نعني بالمنطق السردي: دورة الأحداث المتتابعة، ونقطة التقاء العناصر الخاصة بتركيب أدبي. بمعنى آخر، يمكن لهذه العناصر في مجموعها أن تعطي، بواسطة بِنية، كلاً جديدًا تمامًا، ومختلفًا نوعيًا.
لنحاول تطبيق هذا المنطق السردي على قصة "السلاح المحرم" (ص 301-ص 315).
ينبسط التدرج الدرامي على امتداد أربع مراحل متميزة، تظهر كتغيير تسلسلي لموازين القوى: إنها حكاية "أبو علي" الذي يخطف من الجندي البندقية، ويهرب بها.
المرحلة الأولى: يصف الراوي الوضع الأول، وذلك عندما يواجه رجال القرية جنديًا مسلحًا ببندقية، بصحبة أبي علي وأَخَوين عدوين.
المرحلة الثانية: يتطور الوضع، أبو علي ورجال القرية يريدون الاستيلاء على بندقية الجندي.
المرحلة الثالثة: يذهب أبو علي وحده أكثر فأكثر، ويتجاوز رجال القرية إلى الفعل، فيخطف البندقية، ويهرب.
المرحلة الرابعة: يحدثنا الراوي عن آخر تطورات القصة، وذلك باتحاد الأخوين العدوين ضد أبي علي ليقتلاه، ويخطفا البندقية منه.
تكمن دلالة القصة في التطور الطارئ على فعل الأخوين العدوين اللذين يغرقان في صراعات دائمة فيما بينهما من أجل السلطة، لكن إن أراد أحد أن يأخذ السلطة منهما، وهذا ما يرمز إليه حصول أبي علي على البندقية، اتحدا معًا ليهاجماه.

بِحَسَب أية وسائل أمكن التعبير عن هذه الدلالة؟

لا الراوي وحده، ولا الحوار وحده، استطاع أن يعبر عنها، التقاؤهما هو الذي أنشأ المعنى.
سنرى كيف يصف الراوي الوضع في المرحلة الأولى:
يزعزع وجود الجندي علاقات رجال القرية العادية عندما نقرأ: "لو كان الأمر عاديًا إذن لما وقف عبد الله إلى جانب فاروق، فإنهما يكرهان بعضهما كراهية مقيتة، لا بد إذن أن يكون الأمر خطيرًا." (ص 302)
يقودنا هذا إلى طرح سؤال على مستوى الحكاية: ما هو ذلك الأمر غير العادي؟ ولماذا؟ هذا السؤال يطرحه أبو علي على نفسه، عندما ننتقل من منظور الراوي إلى منظور أبي علي، من السرد إلى الحوار، ويتتابع منطق المحاولة الحكائية بلا صعوبات بين خطة الحوار وخطة السرد.
في المرحلة الثانية، يتطور الحدث بواسطة الكلام المباشر:
"صاح أبو علي مرة أخرى:
- سآخذها أنا يا شباب!
وأتاه صوت من طرف الحلقة المقابلة:
- أنت سيدها يا أبا علي!
كرر بصوت أعلى كأنما ليبعث الحماس في نفسه:
- سأخطفها منه.
قال نفس الصوت:
- إنها حلالك!
صاح مؤكدًا:
- إنها حلالي، سآخذها..." (ص304-ص 305)
في المرحلة الثالثة التي ينقلها الراوي، يهرب أبو علي مع البندقية باتجاه بيته، ليوقفه الأخوان العدوان، ولا بد أن يكون قد حصل شيء لتفسير هذا الانقلاب المفاجئ، فقد اختلفت موازين القوى، وبرز السؤال التالي: كيف ولماذا أمكن أن يحصل ذلك؟
"- أعطنا إياها وإلا قتلناك.
- عرفتكما.
وفكر بوجل: كيف حدث أن اتفقا معًا رغم الكراهية التي يحملانها لبعضهما؟" (ص 314)
بعد ذلك، يخنقانه لينتزعا منه السلاح.
رأينا من خلال مجموعة العناصر التركيبية كيف يستطيع شكل أدبي مختصر أن يعبر عن معنى عميق بواسطة اقتصاد كبير، ولكي ينعكس كل العام على كل الخاص، عليه أن ينجح هذا الشكل الأدبي المختصر، داخل المنطق السردي، في جمع الوَحدة البِنيوية التي تحيل دومًا الفردي إلى كل المجتمع الإنساني.

ج – الشكل المفتوح

يكون الشكل المفتوح عند الدخول في الموضوع على الفور وبلا مقدمات: نتعرف مباشرة على الأبطال دون أن نعرف حياتهم أو دوافعهم، وغالبًا ما يختفي الراوي ليترك أبطاله يتحدثون، يوضحون حالاتهم، فيتمظهرون، وبذلك يكون قد تم إلغاء المقدمة السردية التقليدية.
أما الحدث الذي يبني الروي، فيتشكل شيئًا فشيئًا كلما تقدمنا في قراءتنا، لأن الحدث حاصل قبل ذلك بكثير، ونتيجة لذلك يدخل القارئ مباشرة في قلبه "in medias res" ليقوم التوافق التدريجي بينه وبين الشخصيات، تدعمه فيما بعد إنارة تاريخية كافية.
تبدأ قصة "أبعد من الحدود" كالتالي: "صعد الرجل الهام الدرجات القليلة إلى بينه، فتح الباب، ألقى محفظته الجلدية فوق الطاولة... قبّل زوجته، نظر إلى طفله النائم في السرير الأزرق، فك رباط عنقه." (ص 277)
يؤخذ القارئ فورًا في دورة الأحداث: على عكس ما يحمله الأَخَوان العدوان في قصة "السلاح المحرم" من اسم، عبد الله وفاروق، اختيار الاسمين ليس جُزافًا، فالمقصود الملك عبد الله والملك فاروق، على عكس الاسم الدامغ لهذين الفاعلين، "الرجل الهام" شخص غامض لا يحمل اسمًا بل صفة فقط. إضافة إلى ذلك، نراه يدخل داره، فنفكر بالتالي في أن عمله الهام يشغله طوال النهار في الخارج: هناك حدث سابق. هذا وتخلق التقنية الوصفية "المباشرة"، البعيدة عن المغالطة، جوًا أوليًا حارًا يرتبط بفعالية باقي الحدث.
قصة "ورقة من الطيرة" تحتوي على سمة أخرى للطريقة المباشرة "in medias res": "ماذا كنت أريد أن أقول؟ نعم كنت أريد أن أحكي قصة ذلك الزَّبون الذي يشتري مني كل مساء ثلاثة أقراص من العجوة..." (ص 329)
هنا توجد أيضًا فعالية للحدث الذي ينشأ في مرحلة سابقة وصلت الآن إلى مرحلة معينة.
بينما تبدأ قصة "لا شيء" بحوار:
"وسألَ الممرضَ فيما كان يقتاده إلى الخارج:
- ماذا يعني انهيار عصبي؟
أجاب الممرض بجفاء:
- يعني أنك لست على ما يرام!" (ص 395)
في جميع الوَحَدات السردية التي عرضناها، بكلام آخر، في جميع الحالات السردية التي عرضناها، يترك القارئ نفسه ينجذب بسهولة مع مجرى الأحداث التي تبدو بلا نهاية محددة واضحة، فالقصة التي لا تعرف المقدمات التقليدية لا تنتهي بخاتمة تقليدية كذلك، بل "بخاتمة مفتوحة"، إذ تنتهي القصة بعدة أسئلة يخيل للقارئ معها أن شيئًا ما لم يُقَلْ بعد: "سيدي، أخشى أن يكون حَساؤك قد برد، فاسمح لي أن أنصرف." (ص 228)
عندما نعلم أن البطل الذي يتكلم هو الذي يبحث عنه في الوقت ذاته محدثه، الرجل الهام، نتساءل كيف سينصرف؟ كيف سينفد بجلده منه؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ كما لو كان الكاتب يريد أن تنتهي الأشياء بعلامة استفهام.
تفتح قصة "ورقة من الطيرة" أفقًا أوسع من القصة السابقة "أبعد من الحدود"، في اللحظة التي تنتهي فيها كالتالي: "لكني يومًا ما سآتي من فلسطين ماشيًا على قدمي كما أتيت في المرة الأولى، وسأبحث عن الشرطي هذا ما استطعت، ثم سأدعوه ليقضي شهرًا كاملاً في طيرة حيفا على حسابي... له الخيار أن ينتقل فيها كما يشاء، ويقف حيث يشاء." (ص 339)
لدينا هنا إنارة تاريخية لماضي الشخص المتكلم، فهو يعود بالخيال إلى وطنه، ويأتي منه ليدعو الشرطي الذي أساء معاملته في دمشق. يكمن البعد الذي أراد كنفاني إعطاءه في هذا التمني: تحرير أرض الوطن المرتبط بمصير غير معروف في المستقبل.
وتنتهي قصة "لا شيء" التي هي عبارة عن حوار بشكل أساسي كالتالي: "حسنًا... دعنا نذهب إلى الرئيس." (ص 402) لا شك أن الحدث سيتواصل فيما بعد، والجندي الذي واجه الممرض خلال الحوار السابق كله سيواجه رئيس المستشفى، ويفحمه أو يستسلم له. هذا الاحتمال مخفي وراء النهاية بعد أن أعطاها إياه المنطق السردي للقصة، وبناء على ذلك يتواصل دوران الأحداث إلى ما بعد النهاية.
ألا يلتقي هذا "الشكل المفتوح" بمصير الشعب الفلسطيني المفتوح الباحث عن هوية؟ لقد استطاع هذا الشكل بغموضه وفتحه آفاق المستقبل أن يحمل في طياته بذور مرحلة جديدة، وغني عن البيان أن نلح إلحاح اللساني الفرنسي جريماس على أهمية هذا التحديد الشكلي للوَحَدات السردية التي بتقديرها الاستقرائي وتطبيقها على عوالم دلالية أخرى لن يفوتها أن تفرض نفسها.


يتبع 6 – الأسلوب
أ – المفردات





#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 22
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 21
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 20
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 19
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 18
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 17
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 16
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 15
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 14
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 13
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 12
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 10
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 9
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 8
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 7
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 6
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 5
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 4
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 3
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 2


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 23