أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكريا كردي - حكاية ثورة الخائفين ..














المزيد.....

حكاية ثورة الخائفين ..


زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)


الحوار المتمدن-العدد: 5073 - 2016 / 2 / 13 - 15:28
المحور: الادب والفن
    


وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم.....وما هو عنها بالحديث المُرجَّم
- زهير ابن أبي سلمى -
في يومٍ منَ الأيام كنا على قارب صغير قديم ، مَطلي بطبقةٍ رقيقةٍ شفافةٍ ذات ألوان باهتة، يسمى قارب جمهورية الخوف، كان فيه أمانٌ أقوى من أمان المراقد، وكنا على متنه دائمي التأفف وعدم الرضى، نتقاتل طوال الوقت، تارة يَعلو صياحنا وتارة يَخفت..
ننصب لبعضنا المكائد، نلقّْن أطفالنا جهالات الماضي المزيف ونحصنَّهم بالهويات القاتلة، ونزعم أننا نقص عليهم أحسن القصص، لنزرع في عقول ناشئتنا الترهات التاريخية، ونختلق الانتصارات والأمجاد..
كنا على ذاك القارب بما لدينا فرحين، لا نتألم لإنسانية المغضوب عليهم ولا الضالين، ولا نعرف كيف نحب أو كيف نحزن، ننافق في المأتم والمعزى، ولا نحفظ من مكتباتنا الفارهة سوى عناوين الأغلفة وبعض قصار السور .. التي تجعلنا نتسابق في النفاق والتملق ، ونتبارى في أفانين الكذب في كل المناسبات الوطنية..
كانت استراحات أعيادنا تنوس بين فرحة الإشترار والزهو في زهق الأرواح ..
لانفهم ولا نريدُ أن نفهم، ولا نُدرك أننا لا نفهم.. نعيش في خيلاء اللغة ونقتات من هشاشة الماضي المُدبَّج بالأكاذيب ..
كان دأبنا إفشال الناجح وهوايتنا فقئ العيون المُبصرة وخنق البصيرة النافذة.. عقولنا شاخصة إلى السماء ، وأرواحنا تتوسل ذاك العالم الموهوم وجنانه، مقابل هذا العالم المعلوم الذي نعيش أمانه..
لم يكن العلم لنا قط غاية، وكان التعليم عندنا مُجرَّد حشو ذواكر وتلقين، لا نعرف عن صدق المعرفة شيئاً ، بل كنا عيَّاريين ومَهَرة في اصطناع رغوة من الكلام، وهدر الوقت في ثرثرات لا طائل منها، وكانت جلَّ أفكارنا تدور في فلك الشعر وغبار الصور البيانية..
شعارنا الخالد ( لنا الصدر دون العالمين أو القبر). لا نعترف بخطأ ، ولا نعرف كيف نعتذر، مدارسنا سجون ، وسجوننا قبور ، لانعرف القناعة، أشداء على أنفسنا وعلى غيرنا ، ولم نؤمن يوماً أن نيل المطالب لا يكون بالتمني، وأن العلياء دونها شقاء العقل وتعب المعرفة..
وبالرغم من كل ذلك كان القارب مبحراً بنا ببطء شديد نحو الهاوية، جميعنا مُسجلون في دائرة السجل المدني على قيد الحياة، فنحن أحياء وما بأحياء ، من يموت منا قد يعيش بيننا لأجيال، يأمر وينهي، كلنا ذكور ولا نرضى إلا أن نكون جنساً واحداً، حتى نساءنا تتشبه بالرجال عند المديح ، كل سلوكنا عادات، وكل أنماط تفكيرنا ردة فعل..
كان الرُبّان يتواصل معنا بالصور التي تغطي كل أركان القارب تقريباً، وكان يسكن في أنفاس كل واحد منا، وكنا لا نشعر به يَرْبضُ على أنفاسنا إلا عندما يذيعون له الخطاب المُسجل، أوحين يتهادى معنا المَرايا بين الحين والآخر، أو حين يضحك ..
ولكن مع ذلك ، كنا مُبحرين بأعمارنا إلى الهاوية على مَهْل رصين ، وكانت حواسنا ضعيفة جدا باستثناء حاسة النطق ..
وذات يوم ، قرَّرت الرياح الغشومة والأعاصير المَدروسة أن تتحرَّر من عبء وجودنا ، وتكاثر أجداثنا، ونادت قطيعيتنا للثورة ، فلبينا النداء ، وأعْليّنا الثُغاء ، ولوَّثنا بسرعة ما نحمل من ماء ، ظناً منا أن اليابسة أمامنا أو باتت قريبة على مرمى حجر..
لم نكن نعلم، ولم يكن بمقدورنا ان نعلم، أن العاقل من يُفاضل في الحياة بين السيء و الأسوء ، وأن السر الأعظم في الحياة هو التوازن ، وأن الجاهل الأحمق في طبعه يهوى أن يعيش في ظنٍ دائمٍ، ويَرغب أن يظُن دائماً أن سوء معاشه هو الدرك الأسفل من السوء المعيش.. .
وبدلاً من الثورة على أنفسنا المُترَهِلة جَرَّاءَ الجهل والخرافة والخوف ، ثُرْنا على ما تبقى فينا من روابط مُهترئة، ونهضنا نطلب الردى لبقايا الحيوات المجتزأة .. ونستعجل وفاتنا..
فاعتصمنا بحبل الله ، وتسَلَّح كل مِنّا بقبرٍ أو جَدَث، واستحضر كل منا ما استطاع من جدوده، فكثرت الرايات وتناثرت الغايات .. وعلا العويل الطائفي من الجميع ..
وكان كلَّما ثار نقع الحرب بيننا، صفقت الرياح الشريرة لنا أكثر فأكثر، وزادت البروق الحقيرة من رُجومها علينا، إلى أن انقلب ذاك القارب ، وتفتت ذاك الحاجب، فتناثرنا كعصف مأكول، وذهبت ريُحنا في إتجاهات قاتلة، وأنقضت أمالينا الفاشلة..
وإلى الآن ، لم تستطع العواصف الخيّرة أن تنقذ من ذِكْرنا سوى شبح لطفلين يتيمين، يتقاتلان في خيمة اللجوء ، حول من كان أبوه السبب في ضياع ذاك القارب .. يتضوران جوعاً ، وكل مُنهما يُمسك بحجرٍ في يَدهِ ، ويرفعُ شارة النصر على جهل الآخر باليد الأخرى ..
وداعاً أيها السوريون .. لقد اسرفتم كثيراً على أنفسكم هذه المرة .. رُبَّما آنَ لكم أن تقنطوا منْ رَحْمة الواقع..





#زكريا_كردي (هاشتاغ)       Zakaria_Kurdi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحاديث المقهى الثقافي ..(!)
- العالم الإسلامي في إنتظار خلاص الحداثة..
- ثورة العُلَماءْ لا ثورة العُدَمَاء ..
- أفكار حولَ مَفهوم التسّْوِية
- هلوسات فكرية ..(!)
- ملاحظات أولية حولَ التعصّب الديني
- القتل الحلال ..
- لا سياسة في شرق العبيد
- هل العقلاء جبناء حقاً ..؟!!
- أسئلة مُقلقة حول الإسلام الكوردي
- خواطر في العبودية
- الإنفعال مقتلةٌ للعقل ..
- خرافة الإعتدال في الإسلام..
- داعش منا ونحن منها ..
- انتظروا القيامة ..
- من هو عدو المرأة ..؟ّ
- الإنهيار المدوّي للعقد الإجتماعي السوري
- فيينا (1) بداية النهاية
- أفكار في الحب
- أسافل القوم..


المزيد.....




- جينيفر لوبيز وجوليا روبرتس وكيانو ريفز.. أبطال أفلام منتظرة ...
- قراءة في ليالٍ حبلى بالأرقام
- -الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم-
- -حادث بسيط- لجعفر بناهي في صالات السينما الفرنسية
- صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
- كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
- أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
- السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي ...
- فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
- -تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكريا كردي - حكاية ثورة الخائفين ..