أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكريا كردي - ملاحظات أولية حولَ التعصّب الديني














المزيد.....

ملاحظات أولية حولَ التعصّب الديني


زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)


الحوار المتمدن-العدد: 5047 - 2016 / 1 / 17 - 23:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


(التعصّب هو التعويض المُفرط عن الشك )
"روبرتسون ديفيس"
عُرِّفَ التعصبُ عند أهل اللغة، أنه الأمر الذي يَدعو فيهِ الرجل إلى نُصرة عُصبته، والتآلب معهم على من يُناوئهم، ظالمين كانوا أو مظلومين..
وبالرغم أن للتعصب أنواع كثيرة منها السياسي والاجتماعي والعرقي ، لكن يبقى التعصب الديني أخطرها وأسؤها على الإطلاق ..
لكونه يمنح المصاب به شعوراً داخلياً، ويجعله مطمئناً أن السماء تقف إلى جانبه، وأنه صوت الله على الأرض ، ومنفذاً لإرادته في الإعمار والخلافة ، وأن الأخر الضال والمغضوب عليه، لا يعلم عن هذه الحقيقة شيئاً ، ولعل هذا ما يجعله يتشدد أكثر فأكثر كلما قابل شخصاً لا يوافقه أو محيطاً لا يتفق مع دوغمائياته.. بل وتراه يفقد صوابه تماماً ، إن هو سمع رأياً مختلفاً عما يؤمن به، وقد يظهر هذا الشعور الداخلي ( الذي يسميه هو الهدى والإيمان ) على صورة ممارسات عنيفة، للوصول إلى غايات تقوم في جوهرها على إقصاء الآخر أو إفنائه تماماً إن أمكن ذلك ، دون أي تأنيب للضمير..
وقد يظهر التعصب الديني على شكل مواقف متزمتة، تنطوي على انحطاط أخلاقي مُبَجل بين معتنقيه ، ومنادى به على الملأ ، كشكل من أشكال الإيمان، يقوم على احتقار الآخر وعدم الاعتراف بأبسط حقوقه وإنسانيته.. بل وأحياناً كثيرة يرفض مُجرد الحوار معه..
فهو يَرى في نفسه – أي المؤمن المتسلط - الحق الدائم ، لأن كتابه في يمينه، ويرى الآخر على باطل بلا أية حجة أو برهان.. بينما يرى هو في عقله الوضاء كل أنوار القناعة التامّة انه يستحوذ على كل الحقيقة..
وان الطرف الآخر ليس لا يمتلك أي نصيب من الحق فحسب، بل ولا يستطيع حتى الإدعاء انه يمتلك أو حتى يكون مثله، كما لا يُمكنه أن ينال اية امكانية للفهم والقدرة على الولوج الى المعرفة كما حصل للمتعصب المؤمن، الذي كشفت له السماء عن بصره وبصيرته. ورضيت به ممثلاً وحيداً لها على الأرض..
وليس من الصعوبة بمكان ملاحظة أن المتعصب دينيا عموماً ، يعاني من التسلط والجمود في التفكير، وإنعدام الرغبة في رؤية الواقع على حقيقته، بل يتعاطى مع الواقع من خلال ما يَسكبه عقله عليه ، أو من خلال الصورة التي رسمها هو عن ذاك الواقع المتصوّر ، الذي قدمهه له دينه ، وليس الواقع الحقيقي الذي حوله ..
ولذلك تأتي أحكامه بعيدة تماماً عن أية حكمة أو صواب.
وكذلك المتعصب الديني لا يرى في نفسه إلا المُنقذ ، ولا يقبل أن يكون شريكاً في الحوار بل مسيطراً على الآخر ، وإن حدث وشارك في حوارٍ ما تجده ثرثاراً غير منصت ، يسكنه هاجس الغلبة والإفحام أكثر من هاجس التعلّم والإعلام ..
من هنا أمكن القول: أن التعصب الديني عادةً لا يقتات على سعير السؤال بل على شعير الأجوبة ، وهو يعتمد على طريقة تفكير منفلشة في انفعالاتها ، وذهنية مشاغبة وغير متزنة ، في تعبيراتها ولا في ردود أفعالها ، تريد أن تقفز على الأسباب بإستمرار، ولا تطيق سوى التشبث بالنتائج التي تعتقد أنها نهائية وقاطعة .. لايأتيها الباطل من قدّْامِها ولا منْ خلفها..
لذلك نجد أن التعصب الديني يحدُّ بالفعل ، من قدرات الذهن للإنسان، إلى درجة تجعله جازماً أن عقيدته فيها البلسم الشافي، لكل ما قد يأتي به الواقع ، من مشاكل أو رزايا أو خطوب .. ونلاحظ أنه غالباً ما يتقدم بمنطق تبسيطي للأحداث والواقع .. لفهمه أن العقل واضح جدا في حقائقه، وأن أجوبته بسيطة ونهائية، وان الطرف الآخر هو الذي لايفهم ..
و أعتقد أن التعصب الديني يقوم في جوهره ،على مداميك ودغمائيات يخافها هو ذاته ،
ولا يجرؤ أن يتجاوز الآلية التربوية القائمة على الخوف، و التي ربيَّ عليها عقله ، لذلك يعتقدها غير قابلة للدحض مطلقاً، وإن حدث أن فوجئ بحقيقة، أو حتى عبارة صدمت ما لديه من عقيدة او أفكار مطلقة منزهة، فتراه يصاب بالوجوم .. والصدمة .. قبل أن تتحول إلى صراخ وعويل .. وفي هذه اللحظة الفارقة والصادمة - كما أعتقد - يمكن عند بعض المتعصبين أن يكون عاملاً هاماً من عوامل الوعي عندهم أو استرداد بصيرتهم المسروقة ..
أخيراً لابدَّ من القول: أن التعصب بمجمله يفتت عضد الإنسان وقدرته على التطور الفكري، والحقيقة تُبَيّن أن لاشيء يُشوهُ الفكرة ويُسيء إليها أكثر من التعصْبِ لها ، وحجبها عن جرأة النقد أو تحصينها بأسوارٍ عالية ضد التفنيد و الدحض..
وبالرغم من الإقرار بمساوئ كل أنواع التعصب، إلا أن التعصّب الديني يبقى أخطر أنواع التعصب أثراً ونتيجة، ليسَ لكونهِ يَعزلُ الانسان تماماً عن الحقيقة بل لأنه يُحوّله إلى قنبلة موقوتة وخطيرة جداً على المجتمع والدولة ، وكلما زاد المتعصبون في وطنٍ ما ، كلما اقتربت ساعة تفتته وإضمحلاله ..والتعصب مَثلهُ كَمثلِ العنف، إذ لا يمكن لهما أن يبنيا وطناً أو مجتمعاً سوياً بأي حال من الأحوال .



#زكريا_كردي (هاشتاغ)       Zakaria_Kurdi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القتل الحلال ..
- لا سياسة في شرق العبيد
- هل العقلاء جبناء حقاً ..؟!!
- أسئلة مُقلقة حول الإسلام الكوردي
- خواطر في العبودية
- الإنفعال مقتلةٌ للعقل ..
- خرافة الإعتدال في الإسلام..
- داعش منا ونحن منها ..
- انتظروا القيامة ..
- من هو عدو المرأة ..؟ّ
- الإنهيار المدوّي للعقد الإجتماعي السوري
- فيينا (1) بداية النهاية
- أفكار في الحب
- أسافل القوم..
- أفواه مريضة .. تكشف عن أن للجهل أكثر من عنوان
- رسالة من رجل شرقي ..
- رجم الجهل أولى .. أفلا تفكرون..!
- البراغماتية فلسفة العصر (الفلسفة المنتصرة)
- (الفوقية) ومأزق النقد الحديث
- فن القصة عند العرب


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكريا كردي - ملاحظات أولية حولَ التعصّب الديني