أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد العليمى - حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى - الازمة وانعكاساتها فى المزاج الجماهيرى ( 5 ) الاخير















المزيد.....



حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى - الازمة وانعكاساتها فى المزاج الجماهيرى ( 5 ) الاخير


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 5072 - 2016 / 2 / 11 - 00:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأزمة وانعكاساتها فى المزاج الجماهيرى
1. بهزيمة 1967 نشأت أهم أزمة سياسية فى المجتمع ، ونعنى بها الأزمة الوطنية ، ودفعت مجمل جوانب أزمة النظام البورجوازي الى التفاقم ، فالأزمة الاقتصادية التى بدأت فى 1965 إنتقلت الى مستوى جديد سواء بالاعباء الاقتصادية الجديدة التى ترتبت على الهزيمة ، أم بمستقبل تبعية الاقتصاد البرجوازى للامبريالية ، وأزمة الحريات الديمقراطية بعد أن كانت كامنه فى عصر الصعود ، وبسبب إنجرار الجماهير خلف النظام بفعل إنجازاته التقدمية ، إنتقلت بعد الهزيمة وبفعل انفضاض الجماهير عن النظام إلى دائرة الصراع المباشرعلى الصعيد الجماهيرى الواسع .
2. وهذا التأزم الشامل يتجاوز عمومية المأزق التاريخى لتطور البرجوازايات فى "العالم الثالث" ومنها البرجوازية المصرية ، فهى من جهة ناشئة من وصول تناقضات هذا التطور الى مستوى الأزمة ، التى نفذت من أضعف حلقات سلسلة علاقات النظام البورجوازى ، وهى علاقاته بالعالم الامبريالي ، وهى من جهة ثانية نتيجه اشتداد العوامل الموضوعية للصراع مع الامبريالية عن اى مكان آخر فى العالم ، ننتيجه لوجود اسرائيل كبؤره عدوانية امبريالية لها أهميتها الاستراتيجية فى السياسة الامبريالية .
فاذا كان المأزق التاريخى للبرجوازية المصرية يعنى العجز عن بناء إقتصاد متوازن سرعان ما أفرز أزمات الانتاج والتسويق والتمويل ، مشكلاُ بذلك أساساً مادياً لميل البرجوازية الموضوعى الى العودة لتلك التبعية الامبريالية من جديد بعد أن كانت قد استقلت نسبياً ، الا أن هذه العودة فى حالتنا الخاصة لم تتحقق بفعل عقوبه القوانين الاقتصادية وحدها ، وإنما تحققت بالعنف الاستعمارى والصراع المسلح ، والذى نقل الأزمة الى المستوى السياسي ومكن الامبريالية من فرص اقسى الشروط وأشدها إذلالاً .
3. فنحن إذن ازاء أزمة شاملة أو أزمة عامة ، بمعنى أنها أزمة تشمل مختلف جوانب النظام البورجوازى وعلى مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والفكرية الخ . وذلك تمييزاً لها عن هذه الأزمة الحديثة أو تلك فى السياسة والاقتصاد التى تخص هذا الجانب أو ذاك من جوانب النظام ، وقد شهدنا منها على سبيل المثال : الصراع مع المشير( عبد الحكيم عامر ) ومجموعته فى أعقاب الهزيمة ، وانقلاب 15 مايو ( الذى قام به السادات على مااسمى مراكز القوى آنذاك ) ، والصراع الذى يدور فى السنوات الأخيره بين السلطة والمعارضة الشرعية والتى فجرت أزمات مثل أزمة مايو 1978 ، وأزمة سبتمبر 1981 والتى انتهت باغتيال السادات . وهذه الأزمات الصغيرة ما هى الا أزمات فرعية أفرزتها أوضاع الأزمة الشاملة .
ومما هو جدير بالذكر أن مفهوم الأزمة العامة المستخدم هنا بمعنى الأزمة الشاملة ، يستخدم أيضاً فى الادب الماركسى كاصطلاح للدلالة على أزمة النظام الرأسمالي العالمى ككل ، والتى ترادف الحديث عن "مرحلة انهيار الرأسمالية العالمية وانتصار الاشتراكية ، والتى بدأت مع ثورة اكتوبر ، وذلك بصرف النظر عن الوضع المحدد لهذا البلد أو ذاك فى لحظة بعينها .
4. واذا كانت الأزمة الوطنية تمثل تكثيفاً سياسياً لتناقضات النظام البورجوازى الطبقية ، واذا كانت قد عملت على دفع مجمل التناقضات الأخرى للاحتدام ، فان هذه الأزمة أصبحت واحدة من أهم ميادين الصراع الطبقى .
فالوطن بالنسبة للطبقة العاملة ، ليس مجرد وطن الاجداد، وإنما هو أيضاً وفى المحل الأول الوسط المادى لوجودها ووجود جميع الطبقات الشعبية ، صاحبة المصلحة المادية فى حريته وإستقلاله إستقلالاً جذرياً . فمن ناحية لا مجال لبناء الاشتراكية سوى فى وطن حر ومستقل استقلالاً جذرياً سياسياً واقتصادياً ، ومن ناحية أخرى فإن التبعية الامبريالية تعنى تشديداً للاستغلال البورجوازى الواقع على الطبقة العاملة والطبقات الشعبية . فالنضال ضد الامبريالية يندمج بالنضال ضد البرجوازية باعتبارهما حلفا يشترك فى مصالح واحدة ، حيث أن سيطره البورجوازية على السلطة وهيمنة علاقاتها فى الريف والمدينة ، نقل محور الصراع الوطنى من أفق النضال البورجوازى ضد الاقطاع ، الى أفق النضال الاشتراكي ضد البرجوازية .
وبالمناسبة ان الفهم الصحيح للمقولة السابقة لا يعنى التركيز على الجوانب العامة المجردة فى القضية الوطنية ولا يعنى تجريدها عن المصالح الطبقية لمختلف الطبقات وعن انعكاساتها على الأحوال المعيشية للجماهير الشعبية ، كما أنزلقنا فيما نسميه بالراديكالية السياسية المجردة ، وإنما يعنى بالتحديد ربط الوطن بالدعاية الاشتراكية ، والربط بين الأوضاع العامة السياسية للقضية الوطنية ، وبين الأوضاع المعيشية للجماهير الشعبية ، والربط بين العلاقات الامبريالية والعلاقات الاستغلالية البورجوازية . وعدا ذلك يكون انزلاقاً نحو نزعة وطنية بورجوازية صغيرة على حساب تعميق الصراع الطبقى وفق خط الطبقة العاملة فى حل القضية الوطنية وفى سياق الصراع من أجل الاشتراكية .
5. إن هذه الأزمة الشاملة ، وفى القلب منها الأزمة الوطنية لم تنته بالاستسلام ، وانما تفاقمت . فإذا كان الاستسلام هو تحقيق للميل الموضوعى للبورجوازية للعودة من جديد الى تلك التبعية الامبريالية ، فإن ذلك لا يعنى أن الأزمة قد انتهت ، الامن جانبها السياسى العام المتعلق بالقضية الوطنية ولا من جوانبها الآخرى ، ولكن يعنى أن البرجوازية فى مرحلتها الأخيرة الرجعية هذه قد وضعت مصيرها نهائياً فى صف واحد مع الامبريالية ، وعمقت الهوة بينها بين جميع الطبقات الشعبية .
كما أنه اذا كانت حرب أكتوبر قد انهت أزمة اللاسلم واللاحرب ، فإنها لم تنه الأزمة الوطنية الأصلية ولم تنه نتائج الهزيمة ، وإنما حققت أهداف هذه الهزيمة بتوقيع صكوك الاستسلام التى نقلت الهزيمة من المجال العسكرى الى المجال السياسي الاقتصادى والثقافى الخ ... أى أنه من الخطأ الحديث عن إنتهاء الأزمة لتفسير جملة التطورات اللاحقة وغيرها من جملة التطورات كحرب اكتوبر ، حيث أن ذلك لا يتفق مع جوهر الأمر، والذى سنتناوله بشكل ملموس فيما بعد . وعموماً فإن انعكاس الأزمة فى مراحلها المختلفة على الحركة العفوية ، تعنى الانتقال من الموضوعى الى الذاتى فالحركة العفوية هى شكل من أشكال الحركة "الواعية" للناس ، من حيث أن العفوية تحمل جنين الوعى ، ومن حيث أن الطليعة الثورية تؤثر فى العفوية وهذه بدورها لا تفتقد الاهلية لتمثل الوعى الثورى للطليعة ، ليصبح أكثر فأكثر عنصراً فى الوعى الجارى لأوسع الجماهير . ومن هنا فإن الشروط الذاتية المتعلقة بالطليعة والمتعلقة بالسلطة ، والقوى الأخرى فى المجتمع ، تسهم فى التأثير وفى تعديل النتيجة التى تحدثها الشروط الموضوعية ، كذلك فإن الخبرات المتمايزة لمختلف الطبقات والفئات الشعبية ومستوى وعيها وتنظيمها الذين حصلتها تاريخياً لها أثرها الهام . ولهذه الأسباب جميعا لا يمكن أخذ هبوط الحركة ... ( ثلاثة او اربعة سطور هنا غير مقروءة فى المخطوطة ) .......
الحركة الجماهيرية كدليل على غياب الأزمة فى الواقع الموضوعى ، هذه الأزمة التى ينبغى دراستها بالتحليل الماركسى للشروط الموضوعية الماثلة فى الواقع وليس من انعكاسها فى الحركة الجماهيرية حيث أن هذا الانعكاس تعدله عوامل أخرى ذاتية ، فضلاً عن أن منهجنا الماركسى يبتعد بنا عن اعتبار التزامن بين ظاهرتين (هبوط الحركة الجماهيرية والاستسلام) برهان كاف على وجود علاقة سببية بينهما. وبالطبع فالمنهج الماركسي يقتضى منا أيضاً حينما نكون بصدد التأكيد على الرئيسى فى ظاهرة الا نغفل جوانب أخرى ثانوية أو عارضة التى تحدث تأثيرات معاكسة . وعلى هذه الأسس سندرس الخط البيانى لتطور الحركة الجماهيرية منذ الهزيمة وحتى الآن .
6. فقد عملت الهزيمة على اطلاق الحركة الشعبية من عقالها ، وأنتهى عهد مايسمى " بمصادرة الصراع الطبقى " ووفق تقدير أساسى لحزبنا منذ 1969 ، فإن هذه الوجهة الجديدة فى الصراع الطبقى سوف تستمر وتنمو ( وهو تقدير عام من الناحية الاساسية مهما تكن التعرجات التى كان من المستحيل التنبؤ بها مسبقاً، حيث أن الحياة دائماً أغنى من كل نظرية) . فالهزيمة أظهرت بشكل عنيف وفجائى نتائج الاستبداد البورجوازى على مصير الوطن ، وأوضحت حدود وطنية البرجوازية البيروقراطية ، وكشفت طرفاً من صراعات المجموعات والشلل ومراكز القوى فى قمة السلطة ، وكان كل ذلك وغيره يتناقض تناقضاً تاماً مع زيف تجليات النظام التظاهرية ومع ادعاءاته عن نفسه فى صفوف الجماهير .
ولكن هذه الحركة الشعبية ، بسبب الانقطاع الطويل فى الحركة العفوية والتصفية الذاتية للحركة الشيوعية الثانية ، لم يكن من شأنها أن تتخلص دفعة واحدة من تراث الماضى ، لتتصدى كطرف حاكم فى الصراع بالتصدى لحل المعضلات الأصلية للثورة الاشتراكية ، وكذلك المعضلات الجديدة التى نشأت من الهزيمة والتى وضعت القضية الوطنية فى أزمة مستحكمه ظلت تتفاقم حتى منتهاها حيث الاستسلام .
7. فالنتيجة المترتبة على ضعف الحركة الشعبية والحركة الشيوعية ، هى استمرار البورجوازية فى الامساك بزمام حل القضية الوطنية ،ولكن كانت البرجوازية عاجزة عن رد الهجمة الامبريالية وغير مهيأه فى نفس الوقت لاستسلام مباشر ، لهذا تميزت الأزمة بالاستمرارية والاستطالة ، وأعطى البرجوازية فسحة من الوقت ، وامكانيات مادية ، وتحالفات دولية لتجريب مخارجها وخوضها الحروب لتظهر بمظهر الآخذ بزمام المبادأة فى سياق حملة واسعة من المناورات والتضليل وتهيئة ذهنية الجماهير ببطء للحل الاستسلامي الذى روج له فى البداية باعتباره وسيله دبلوماسية لا أكثر لاجبار اسرائيل على الانسحاب .
والأزمة الوطنية على هذا النحو مرت بمراحل مختلفة تحققت فيها بأشكال خصوصية ، وثيقة الصلة بنوع المخارج التى كانت تقدمها البرجوازية ، حيث كانت تنجح بصورة مؤقتة فى تنفيس السخط الجماهيري وفى إستعادتها لجزء من هيبتها ، ولكن لما كانت غير قادرة على تجاوز عجزها وغير قادرة على إيقاف خط التدهور فى مجمل جوانب أزمتها ، لهذا فإن الازمة التى ماتزال قائمة كانت تعمل على تجميع عوامل الأزمة من جديد فى صورة جديدة .
8. فحرب الاستنزاف ، كانت أولى مخارج البرجوازية ، عملت من بين ما عملت على امتصاص صدمة الهزيمة التى أدت الى ذلك الانقلاب الحاسم فى المزاج الجماهيري ازاء السلطة ، ولكن هذه الحرب نفسها وما حملته معها من وعود عن أعوام الصمود والردع ، ثم الحسم ، عملت هى نفسها على تجميع عوامل السخط فى ظل مرحلة اللاسلم واللاحرب ، ذلك أن عجز البرجوازية لم يكن متسقاً مع كل تلك الوعود والتى كانت تراهن على الحل السلمي سواء عن طريق الضغوط الدبلوماسية أو عن طريق الضغوط العسكرية التى لا ترقى أبداً الى حرب التحرير .
9. ثم جاءت حرب أكتوبر التى استهدف النظام منها ايجاد مخرج استراتيجى من الأزمة بأسرها وليس فقط من أزمة اللاسلم واللاحرب ، حيث كانت تستهدف منها تحريك التسوية السلمية على نار الحرب الساخنة ، وحيث كانت تسعى الى تحسين شروط الاستسلام ، بل لقد كانت تظن أن إسترجاع الارض ، مهما كانت الشروط سوف يخلصها من الأزمة ، حيث أن منهجها يقودها الى اختزال المشكلة بأسرها فى احتلال الأرض .
ويمكننا هنا أن نميز بين فترتين الأولى بدأت فى اعقاب الحرب وحتى إنتفاضة 18 – 19 يناير ، والثانية فى اعقاب هذه الانتفاضة وحتى الآن .
فترة ما بعد أكتوبر وحتى 18 – 19 يناير :
10. لقد شهدنا فى اعقاب الحرب وجهين متناقضين فى المزاج الجماهيري ، فمن جهة أخذت الحركة السياسية ( وهى التى كانت لاتزال محصورة فى الحركة الطلابية ) فى الهبوط ، ومن جهة ثانية شهدنا صعود الحركة العمالية التى كانت بسبب إنفصالها التاريخى عن الطليعة الثورية واستمرارية هذا الانفصال لاتزال على أرض العفوية ويطغى عليها الطابع الاقتصادى .
فقد كان من بين أهداف حرب اكتوبر ، اجهاض الحركة الطلابية ، وبالفعل فقد نجحت السلطة فى تحقيق هدفها الى حد كبير، ساعدها فى ذلك أزمة الحركة الشيوعية ، بل لقد كان انحصار النضال السياسي الوطنى فى اطار هذه الفئة وحدها سبباً اضافياً، وان كان سبباً سلبياً ، فوزن هذه الفئة الموضوعى هو وزن هامشى بينما تحمل شعارات وبرنامج تعجز عن تحقيقة أو حتى التقدم خطوة هامه نحوه ، ومن هنا فهذا التناقض كان من شأنه أن يدفعها نحو الاحباط والتحلل والتخثر ، بعد أن جربت أعلى توتر دون نتيجة ملموسة أو مكسب هام . ولعله مما له دلاله كبيرة أن يطرح شعار التوجه للطبقة العاملة بالحاح على نطاق واسع بين الجمهور السياسي الطلابى كإحساس عفوى بهذا المأزق .
أما تأثير حرب أكتوبر نفسها ، فقد كان حاسما على الحركة الطلابية وعلى مزاج الجماهير الشعبية بأسرها . وهى تعيش هذه التناقضات ، فرغم أن حرب اكتوبر قد أطلقت آمالا ومزاجا مناقضا للمزاج الإنهزامي ، الا أنها أعادت للسلطة هيبتها المفقودة الى حد كبير ، ومع هذه الهيبة تمكنت السلطة من الترويج لخطها وأسلوبها فى الحل . بعبارات أخرى لقد استعادت السلطة زمام المبادرة السياسية التى أخذت طابع الهجوم السياسي الكاسح ، وشكلت حرب اكتوبر غطاءاً يخفى جوهر الاستسلام والطبيعة الحقيقية له ، وكانت النتيجة تسييد "وعى زائف " فى صفوف الجماهير والذى انطوى على عنصر إنهزامي كان آخذاً فى التبلور فى أعقاب الهزيمة ، ثم إتسع نطاقه بشده مع خطوات الاستسلام المقرونه بذلك الهجوم السياسي الكاسح للسلطة والذى إستمد قوته كما سبق القول من عودة هيبتها السياسية نتيجة لحرب اكتوبر . ويلاحظ أن هذا الوعى الزائف لم يكن نتيجة للتضليل البورجوازي وحده ، وإنما كان أيضاً نتيجة للفهم العفوى المعكوس لتجربة النضال الوطنى فى عهد الناصرية ، حيث لم تحقق الجماهير الشعبية مكاسب حقيقية منها وانفردت البرجوازيه البيروقراطية بثمار الاستقلال النسبي ، كما أن الاسلوب الفوقى فى الصراع والذى أحل الأجهزة البيروقراطية محل الجماهير التى غيبت من ميدان الصراع ، وأحيطت بمختلف أشكال الكبت والاستبداد البوليسى ، كل هذا جعل الجماهير قابلة إلى إرجاع أسباب معاناتها الاقتصادية ، لا إلى الطبيعة الرأسمالية للنظام ، ولكن إلى تكاليف وأعباء النضال الوطنى ، وإلى القضية الفلسطينية ومغامرات الوحدة العربية ، وحرب اليمن الخ ....وفضلا عن ذلك ، فحينما تنتهى هذه التجربة الفوقية السلطوية فى الصراع مع الامبريالية الى الهزيمة المنكرة ، فان الجماهير المغيبة ثم الجماهير السلبية ، تكون قابلة لتسلل النزعة الانهزامية داخلها ، فالهزيمة أفقدتها الثقة فى النظام ، فى نفس الوقت الذى لم تك تملك فيه بعد الثقة فى نفسها . وحينما يكون ذلك مقروناً بذلك التضليل الواسع للسلطة والتيئيس المنهجى ووعود الرخاء ، خاصة بعد أن بردت المشاعر التى ولدتها صدمة الهزيمة ،فإن هذا التفكير غير العقلانى "الواقعى" الزائف يجد له مجالاً للانتشار والسيادة . ثم فى مرحلة تالية وبعد أن أثمرت سياسة الانفتاح الاقتصادى – ثمارها المعاكسة التى سنتحدث عنها فيما بعد – فإن هذا الوعى الزائف يجد له تكريساً مادياً فى سياق عملية كاسحة لتحطيم القيم وسيادة سيكولوجية الحل الفردى .
11. على أى حال فهذا " الوعى الزائف " وذلك الهجوم الكاسح الذى شمل المجتمع بأسره كان له تأثيره الحاسم على دخول الحركة الطلابية فى منحنى هابط ، وقد كانت هذه الحركة تشكل فصيلاً هاماً فى النضال الوطنى ، ولا شك أن اجهاضها مثل خسارة شديدة على الآفاق المحتملة لهذا النضال ، ولكن لا ينبغى المبالغة فى وزن هذا العنصر من المسألة الى الحد الذى يجعل من حرب اكتوبر حداً فاصلاً بين عهدين من عهود الحركة الجماهيرية عموماً : عهد من الصعود وقبلها لعموم الحركة الجماهيرية ، عهد من الهبوط وبعدها لعموم الحركة الجماهيرية أيضاً . فمعنى ذلك تعميم أوضاع حركة فئة واحدة من فئات الجماهير الشعبية على أوضاع جميع الطبقات الشعبية . ذلك أن الحركة العمالية العفوية الاقتصادية تصاعدت بعد حرب اكتوبر عنها قبلها . كما أن هذا التقرير ( المقصود التقرير التنظيمى الصادر فى 9 /5 / 1975 ) نفسه يقلل من امكانيات تطوير النضال الاقتصادي العمالى وتحويله الى نضال سياسي ، ويغفل بالتالي الآثار السلبية التى نشأت من اهدار استثمار هذه الحركة التى استمرت فى تصاعد مستمر حتى 1977 لتحقيق تقدم أيا كان حجمة فى هذا المضمار . ثم ان هذا التعميم يغفل المستوى الجنينى للحركة الجماهيرية ككل، الذى يؤدى بالضرورة الى تباين مستوى التوتر العفوى بين مختلف الطبقات ، بل وحتى الطبقة الواحدة ، بصورة تكون فيها أمام حركات عفوية منعزلة ولسنا أمام حركة جماهيرية واحدة مترابطة ومندمجة . ونفس المستوى الجنينى للحركة ، يعكس أيضاً المستوى الجنينى للطليعة الشيوعية ( ثم بعد ذلك عجزها عن تجاوز طور الطفولة ) بما يعنية ذلك من محدودية صلاتها بالطبقات الشعبية ، لنشهد حركة طلابية ارتفعت الى مستوى النضال السياسي ، سواء بسبب مستواها المعطى بوصفها حركة مثقفين أو بسبب الوجود العفوى للطليعة الشيوعية بين صفوفها لتعمل على ايقاظها ، وعلى رفع مستوى وعيها وشعاراتها ، بينما تركت الحركة العمالية للتضليل البورجوازى ، ولم تلتق بها الطليعة الشيوعية ، لتظل على أرض العفوية ومجزأة وضعيفة التنظيم ، لتأخذ شكل الهبات العنيفة وليس شكل الحركة المنظمة القادرة على إنتزاع المكاسب . فرغم أن الظروف التى حركت مختلف الطبقات الشعبية ، هى ظروف واحدة ، الا ان المستوى الجنينى للحركة ومختلف الشروط الأخرى ، أدت الى تباين أوضاع المزاج الجماهيرى ، واختلاف مستوى التوتر العفوى ومستوى ما حققته من وعى وتنظيم .
12. ويهمنا هنا أن نشير الى أن فكرة "الحلقات الوسيطة " تقف خلف جملة من المبالغات فى دور الحركة الطلابية ، حيث أنها طابقت بين التأثير الايجابى للحركة الطلابية فى الحركة العمالية ( انطلاقا من تبادل التأثير بين مختلف الطبقات ) وبين مهمة ايقاظ الطبقة العاملة وتسييسها وتطوير نضالها الاقتصادى ، وتحويله الى نضال سياسي ، ذلك أن كل ذلك يتوقف على عمل منهجى ومنظم يرتقى بالوعى وبالتنظيم فى سياق نضال يقوم به العمال أنفسهم ، فهو تطوير لوعى نضالى وليس تطويراً لوعى مفصول عن النضال ، وبالتالى لا يمكن أن نحقق خطوة واحدة الى الأمام دون ذلك العمل المنظم الواعى للطليعة الشيوعية ، ويمكن القول فقط بأنه حينما يتوفر الحزب الشيوعى على انجاز هذه المهمة ، فانه من الممكن أن نستفيد بحركة سياسية متقدمة ( كتلك التى أنبثقت فى صفوف الطلاب ) فى تسهيل مهمة الحزب الشيوعي . ان فكرة الحلقة الوسيطة من هذه الناحية تحل التأثيرات العفوية الاشعاعية لطبقة فى طبقة أخرى ، كما تحل التحول العفوى للنضالات الاقتصادية العمالية الى نضالات سياسية ، محل العمل الواعى المنظم للطليعة الشيوعية .
13. واذا كان هذا هو مصير الحركة الطلابية فى أعقاب حرب اكتوبر فإننا نجد على العكس نهوضا كبيرا للحركة العمالية الاقتصادية . ولم يكن هذا النهوض ببعيد موضوعياً عن سياسة الاستسلام التى بدأت تدخل طورها الحاسم فى أعقاب الحرب ، حيث شهدنا سياسية الانفتاح الاقتصادي التى أريد بها تهيئة البيت لالحاق الاقتصاد المصرى بالتبعية للامبريالية ، تحدث تدهوراً حاداً ومفاجئاً فى الأحوال المعيشية ، فى وقت لم يعد هناك مجال للابتزاز باسم اقتصاد الحرب ، وذلك دون أن تكون عوامل الازدهار المؤقتة قد أتت ثمارها بعد .
14. وهذا الازدواج فى سمات الحركة الجماهيرية ، أى هبوط الحركة السياسية الطلابية ، وصعود الحركة العمالية الاقتصادية ، لا يعود الى إنفصال بين الأزمة الوطنية والأزمة الاقتصادية ، التى كما سبق القول ، تدهورت بشكل أساسى نتيجة لسياسة الاستسلام على الصعيد الاقتصادى ، بنفس القدر الذى كانت تدفع هى نفسها الى هذا الاستسلام مشكلة الأساس المادى للميل الموضوعى للبرجوازية نحو العودة الى تلك التبعية الامبريالية . وهذا الارتباط الموضوعى بين الأزمتين ، لا يمكن أن يعكس نفسه فى الحركة الجماهيرية الا مع تطورها فى الوعى التنظيم ، ومع تغلغل الطليعة الشيوعية فى صفوف الطبقة العاملة . وهو تطور لم يكن فى مرحلته الجنينية فحسب ، بل لقد أخذ يتراجع الى الخلف بسبب أزمات الحركة الشيوعية الثالثة بأسرها وليس حزبنا فقط .
وبالطبع لا يمكن فهم هذا الازدواج بصفة مطلقة وقدرية وارجاعه الى تبدل فى الطابع الموضوعى للأزمة لامجال للتدخل فيه وتعديله . فإذا كان تراجع النضال السياسي على تلك الصورة قد نشأ من استعادة السلطة هيبتها وانتقالها الى وضع الهجوم السياسي ، فإن نجاح هذا الهجوم السياسي ، مرتبط بذلك الضعف فى الشرط الذاتى للحركة الثورية جماهيراً وطليعة ، وهو ضعف كما سبق القول لا يتعلق فقط بجنينية الحركة وتراثها فى الانقطاع فقط وإنما إلى أزماتها أيضاً . فضلا عن انه أيضاً مرتبط بإنحصار الحركة السياسية فى المجال الطلابى ، والى انفصال الشيوعية عن الطبقة العاملة . إن كون جانباً من الشروط التى أدت الى ذلك الوضع المزدوج فى سمات الحركة الجماهيرية ، يعود إلى الشروط الذاتية ( سواء كانت متعلقة بالجماهير أو بالطليعة ، وسواء كانت متعلقة بميراث تاريخى أو بأزمات جديدة وأخطاء جديدة) فإنه يعنى أنه كان من الممكن تعديل النتيجة التى شهدناها بعد حرب أكتوبر بعض التعديل ، حيث كان يمكن الحفاظ على تيار وطنى فى الحركة الطلابية ، وكان يمكن تطوير النضال الاقتصادي العمالي وتحويله بعض التحويل الى نضال سياسي ، ومن ثم خلق نواة حركة عمالية ثورية ، سوف تكون قادرة على التطور والنمو مهما تكن الصعوبات . إنه بدون أن يصل النقد الموجه للانحراف التلقائى ثم الانحراف البيروقراطي ، بأنه كان ممكناً للحزب أن يلعب دوراً فى تعديل النتيجة التى حدثت فإن هذا النقد سوف يكون نقداً زائفاً ولن يكون له من نتيجة سوى تبرير انحرافاتنا والتكيف مع تلك النتائج ، سواء أردنا أو لم نرد .
مرحلة ما بعد 18 – 19 يناير:-
15. وفيها دخلت الحركة الجماهيرية بأسرها فى حالة من الركود ، فهل ذلك يعود إلى انتهاء الأزمة ؟ ولما كان الهبوط فى هذه الفترة هو فى الحركة السياسية والحركة الاقتصادية فهل يعنى ذلك زوال الأزمة الاقتصادية والأزمة السياسية معاً، لنكون فى مرحلة من الازدهار الناشئ عن الاستسلام ؟ ولندع جانباً محاولة تفسير الأزمة من خلال انعكاسها فى مزاج الجماهير ، ولنحاول أولاً دراستها بصورة مباشرة ، ذلك أن هذا الانعكاس كما سبق القول يكون تعبيراً عن تفاعل بين الشروط الذاتية والموضوعية ، والأخيرة لا تقتصر فقط على تلك العناصر الرئيسية وحدها وانما تشمل عناصر موضوعية أخرى ثانوية ومؤقتة تحيط دائماً بالرئيسى فى أية ظاهرة وتؤثر عليها سلباً أم ايجاباً .
إن السياسة كما يقول لينين هى العلاقة بين الطبقات والأمم ، فالاستسلام يعنى وضع المقدرات السياسية والاقتصادية لطبقات الشعب المصرى فى يد الامبريالية ، ويعنى تحول البرجوازية القومية الى سند محلى وشريك أصغر للامبريالية ، ويعنى شدة وازدواج فى الاستغلال البورجوازى ، ويعنى تخريب الاقتصاد البورجوازى ، وتوجيهه لخدمة الحلف البرجوازى الامبريالي الجديد . ان جوهر الاستسلام سياسياً ، لا يمكن أن تحجبه عودة الأرض المنزوعة السلاح والموضوعة تحت تصرف قوات الانتشار السريع الأمريكية ، تلك التى لم تفتح لها أبواب سيناء فحسب ، وإنما فتحت لها أبواب مصر بأسرها . واذا ما حجب هذا الجوهر فى وعى الجماهير المضلله ، فإن هذا لا ينفى موضوعية هذا الجوهر ، وموضوعيته تعنى أنه لابد أن يفرض نفسه على وعى الجماهير الشعبية ، من خلال اصطدامها بواقع الاستسلام وليس بصورته الزائفة ، فى سياق من الدعاية الثورية المنظمة .
وعلى صعيد الاقتصاد فقد كانت نتيجة سياسة الانفتاح الاقتصادى ، على سبيل المثال لا الحصر : معدلات متزايدة من التضخم ، وتضاعف الديون الاجنبية للغرب الامبريالي أكثر من خمسه أضعاف قياساً الى الوضع السابق على الانفتاح ، العجز المتزايد فى ميزان المدفوعات وفى الميزان التجارى وانخفاض مريع فى نسبة تغطية الصادرات للواردات اعجز الميزانية العامة للدولة ، التدهور المستمر فى قيمة الجنية المصرى ، الطاقة العاطلة ، المخزون السلعى ، جمود الانتاج الصناعى والزراعى وإنتفاخ القطاعات الخدمية ، العجز عن سد متطلبات الاستهلاك الضرورى والاعتماد المتزايد فى سد فجوة الغذاء على المعونة الامبريالية ، وقد انعكس كل ذلك فى تدهور الاحوال المعيشية للجماهير الشعبية فى كل شئ تقريباً من المرافق العامة الى السكن والغذاء والملبس والمواصلات الخ . وكل هذه العناصر المكونه للأزمة ، ليست سوى أعراض للأسباب الأعمق القائمة فى علاقات الانتاج الرأسمالية ، والتى فرضت بنية اقتصادية مشوهة تشد الاقتصاد بإتجاه الامبريالية لتعمل هذه الأخيرة على المزيد من تشويهه وتعميق أزمته .
16. ولكن إلى جانب ذلك شهدنا عددا من الظواهر الموضوعية المعاكسة التى عملت على حجب تأثير تلك التناقضات المشتدة آنفة الذكر . فمن ناحية شهدنا هجرة العمالة الى سوق العمل العربى ، الذى إزدهر لأسباب لا تتعلق باستسلام النظام ، واستوعبت هذه الهجرة فائض العمالة المصرية ، ورغم أن هذه الظاهرة قد ساهمت فى زيادة معدلات التضخم وفى حرمان الصناعة المصرية من العمالة الماهرة ، وفى إرتفاع أجور الحرفيين ، الا أن أثرها الهام والمؤثر عاظم من دخول نسبة عظيمة من العمالة ( تصل الى 2.5 مليون فى بعض التقديرات ) ومن ثم تمكينها من تجنب ويلات الأزمة . ولكن نتيجتها الأهم هى تسييد الحل الفردى على حساب الحل الجماعى الطبقى . ومن ناحية ثانية . فقد أدى التضخم الى إزدهار العديد من فئات البورجوازية الصغيرة ، وأدى هذا وذاك إلى حدوث حراك إجتماعى عمل على نقل العديد من الفئات الطبقية الى درجة أعلى فى السلم الاجتماعى ، بل ان ظاهرة الثراء المفاجئ (وهى بالتأكيد محدودة بالقياس الى مجمل ظاهرة الحراك الاجتماعي ) أصبحت من السمات المميزة ، وكل هذا يترك أثره على القيم والسلوك السياسي والمزاج النفسى للجماهير . ومن ناحية ثالثة فقد ساهمت الدخول الجديدة للدولة من البترول وقناة السويس إلى تمكين الدولة من تأجيل قرار الغاء الدعم بعدما واجهت المقاومة الشعبية فى 18 ،19 يناير 1977 وساهم ذلك فى تخفيف حدة الأزمة على القطاع الأكثر فقراً من الجماهير الشعبية . ثم ان تحويلات العاملين فى الخارج ساهمت فى مواجهة جزء عظيم من العجز فى ميزان المدفوعات .
وهذه الظروف المعاكسة لا تتناقض مع العرض المقدم فى البند السالف والذى يوضح اشتداد الأزمة الاقتصادية ذلك أن مظاهر الازدهار لم تظهر فى الهيكل الرئيسي للاقتصاد ، وإنما ظهرت اما فى أقسام هامشية (البترول وقناة السويس ) واما من خارج الاقتصاد بل وعلى حسابه فالهجرة تعمق أزمة الاقتصاد إستنزافها للعمالة الماهرة والكوادر الفنية الماهرة . فالظروف المعاكسة ليست نتاج سياسة الانفتاح الاقتصادى بما هى كذلك .
ولكن هذه الظروف المعاكسة ، هى ظروف مؤقتة ، فإستيعاب السوق العربى للعمالة لن يحتفظ بمعدلات زيادته السابقة ، بل هناك دلائل على حركة عكسية ، وحتى دون هذه الحركة العكسية فإن المعنى الوحيد لإنخفاض معدلات النمو ( وليس إنخفاضا فى العدد المطلق ) فى حجم العمالة المهاجرة ، هو زيادة حجم البطالة ، فضلاً عن أن معدلات التضخم تخفض من الميزات النسبية لفروق الأجور ، أما الدخول الإستثنائية للدولة من البترول وقناة السويس ، فهى آخذه فى الإنخفاض ، بصورة ينخفض فيها اسهامها فى سد عجز ميزانية الدولة ، مما يدفع السلطة أكثر فأكثر الى الغاء الدعم . ...... ............ ( سطر ونصف باهتان فى المخطوطة ) .
17. إن هذا الوضع المزدوج : الأزمة من جهة والشروط الموضوعية المعاكسة من جهة أخرى ، نلحظها فى إزدواج المزاج الجماهيري ، فنجد سخطاً متعاظماً ولكنه ظل سخطاً سلبياً ، كما أن قدراً عظيماً من طاقة السخط جرى تسريبها – بسبب ضعف الحركة الشيوعية – فى مسارب الحركة الدينية الرجعية ، تلك التى قدمت للناس تفسيراً بسيطاً للأوضاع المقلوبة مفاده جاهلية المجتمع والسلطة ، أو تكفير المجتمع والسلطة . ثم أن الاستسلام المذل فرص نفسه على الحياة السياسية ، حيث وجدنا العديد من القوى البورجوازية الصغيرة من الناصرية والقومية وحزب التجمع والحزب الشيوعي المصرى ينتقلون الى صفوف المعارضة ، بل لقد إنتقلت العدوى الى المعارضة البورجوازية الليبرالية نفسها وعدد من رجال مجلس قيادة الثورة الذين كانوا حتى البارحة يطالبون السادات باللجوء الى أمريكا التى تمسك فى يديها مفتاح الحل .
ولكن من جهة أخرى نجد الشروط المعاكسة وقد شكلت تكريساً مادياً – مؤقتا بالطبع – للوعى الزائف ، ولنفسية الحل الفردى وتردى القيم ، وحجبت تفجير الطاقات الثورية الكامنة التى تنطوى عليها تناقضات الأزمة . ولكن لا يجب التقليل مع كل ذلك من أن هناك طاقة للسخط يمكن للحركة الشيوعية الثورية تفجيرها شرط استخدامها وسائل ثورية مناسبة ، لا تتعالى على أبسط أشكالها ، فإلى جانب السخط السلبى المتنامي ، لم يخلو الأمر من حركات اضرابية بسيطة تقوم بها الطبقة العاملة ، كما أن حركات الاحتجاج السياسي البسيطة تجد تجاوباً بسيطاً ، وهذا يعنى أن الخروج من الأزمة والارتفاع بكفاءة النضال الشيوعي وتخليصه من إنحرافاته بقادر على تطوير هذه الأشكال فى سياق عمل يستهدف استنهاض موجة ثورية جديدة فى البلاد .
18. إن هذه الفترة قد قاربت على نهايتها ، فمن ناحية نجد الشروط المعاكسة آخذه فى الاضمحلال ، كما أن الجماهير أخذت تصطدم بواقع الاستسلام وخرافة الرخاء ونشهد اليوم تغيرات فى المزاج الجماهيري الى الدرجة التى أصبح فيما عهد الناصرية بمثابة الفردوس المفقود ، فضلاً عن أن اغتيال السادات وفتح ملفات عهده حطمت الكثير من الأساطير المضللة التى روجها النظام عن نفسه وعن استسلامه . ومن ناحية ثالثة فإن الحركة الشيوعية بدأت تتلمس طريقها نحو الخروج من مآزقها ، فهى الشرط الحاسم فى امكانية استثمار كل هذه الشروط لصالح الحركة الثورية .
حول مفهوم الوضع الثورى :-
19. إن هذا المفهوم واحد من المفاهيم الماركسية التى توضح مدى عمق الأزمة التى يتعرض لها النظام البورجوازي فمن الناحية الموضوعية والذاتية ، والتشخيص الدقيق لمدى مطابقة وضع البلاد مع الوضع الثورى من شأنه أن يرشد الطليعة الشيوعية فى نضالها ويعطيها قدرة على التنبؤ بمستقبل النشاط الثورى للجماهير . ويتضمن الوضع الثورى شروطاً موضوعية وأخرى ذاتية ، فهو يتضمن ليس فقط أزمات فى القاعدة نتيجة لتعرض الجماهير الى اضطهاد واستغلال تتجاوز أوضاع الاستغلال العادية ، وإنما يتضمن أيضاً أزمات فى القمة ، بحيث لا تستطيع الجماهير أن تعيش كما كانت فى السابق ، كما لا تستطيع القمة أن تحكم كما كانت تحكم فى السابق ، وإلى جانب هذين الشرطين ونتيجة لهما يتفجر سخط جماهيري يتحول إلى نشاط ثورى جماهيري تاريخي ، تشترك فيه الطبقات الثورية ، والأحزاب الثورية ومختلف أشكال القوى السياسية المعبرة عن هذه الطبقات . والتقاء هذه الشروط جميعاً يكون مقدمة للثورة ، فالوضع الثورى ليس الثورة ، ولكن نضج الوضع الثورى يجعل الانفجار الثورى وشيكاً .
20. إن المبالغة فى الوضع الثورى يؤدى ولا شك الى تكتيكات يسارية يجهض التفجير الثورى ، كما أن التهوين من الوضع الثورى يفوت فرصاً عظيمة للتقدم بإتجاه الثورة ، وحل المسألة لا يجرى أبداً على صعيد المفهوم ، ذلك أن مختلف عناصر الوضع الثورى لا تعرف نمواً أو نضجا متساوياً ، كما أن الشروط الذاتية للطبقة وللطليعة هى أحد مكونات الوضع الثورى ، ومن هنا فإن أندماج الحزب فى صفوف الجماهير وعمله النضالى هو الذى يمكننا من التحديد الدقيق لنضج الوضع الثورى ومعرفة المزاج الجماهيري ومدى استعداد الطبقة والطليعة للانتقال الى الأعمال الثورية .
21. واذا كان من الممكن أن يسبق نضج الشروط الموضوعية نضج الشروط الذاتية ، الا أنه من الخطأ الحديث عن توفر الوضع الثورى الناضج فى بلادنا اعتماداً على الشروط الموضوعية وحدها أما الحديث عن الوضع الثورى ، مع التحفظ بأن المقصود فقط هو الناحية الموضوعية من الوضع الثورى ، فهو يفتح الباب للخلط ، فضلاً عن أنه لا يفيدنا الآن فى فهم خصوصية الأزمة القائمة فى بلادنا ، من حيث وجود شروط موضوعية معاكسة ، ومن حيث انتشار ذلك الوعى الزائف ، ونفسية الحل الفردى ، ونزعات اللامبالاة الخ .... ومن حيث نفوذ التطرف الدينى . كما أنه اذا كانت الشروط الموضوعية تعمل على انضاج الشرط الذاتى فإن الشرط الذاتى يفاقم من الشروط الموضوعية ، بل ويقطع الطريق على محاولات الالتفاف والاحتواء من قبل البورجوازية ، لندخل فى آليه من التفاقم الذى يعاظم الحصار على الطبقة الحاكمة . ومما لاشك فيه أن الوضع الراهن ، رغم الأزمة الموضوعية المتفاقمة ، يتيح للبورجوازية هامشا واسعا للتضليل والالتفاف والترويض والاحتواء . كما أن التطرف الدينى ما يزال قادراً على نشر نفوذه وتسريب طاقة السخط فى جداوله الرجعية (الفاشية) . ولكل هذا فالحديث عن الوضع الثورى من الناحية الموضوعية ، لا يفيدنا فى وضع يدنا على مجموعة الظواهر السابقة ، والتى يشكل فهمها ضرورة لا غنى عنها لترشيد عملنا الثورى فى صفوف الجماهير .
22. وليس معنى ذلك أننا نغفل ما تنطوى عليه هذه الأزمة وما تحمله من امكانات ثورية مستقبلية ، فهى أزمة تحمل طاقة ثورية كامنة ، كما أن البورجوازية لن تجد لها حلاً إصلاحياً ، فالثورة الاشتراكية هى وحدها التى يمكنها أن تقدم لها الحل، أى أن الآفاق هى آفاق ثورية ولا شك .
حول فكرة استقرار الرجعية :-
23. تستند هذه الفكرة على أن التحول الرجعى للبرجوازية وسلطتها لم تواكبه مقاومة شعبية مباشرة . وبدلاً من ذلك فهناك ظواهر تمنع نهوضها مثل المزاج الانهزامى وإنتشار الحل الفردى ، بصورة يستنتج منها أن التحول الرجعى المذكور يتخذ وضعاً مستقراً وأن مقاومتها ليست فى الأفق المنظور . وهذه الفكرة خاطئه للأسباب التالية:
- عدم التعمق فى التناقضات الطبقية التى ينطوى عليها ذلك التحول الرجعى للبرجوازية القومية فهو ليس تحولاً رجعياً يرتبط بتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام ، كما هو الحال مثلاً فى النظام الايرانى بعد الانقلاب على مصدق وحتى اندلاع الثورة الايرانية . حيث نهض هذا النظام بمهام التحول البورجوازى فى المجتمع ، فى إطار التبعية والتحالف مع الامبريالية والعداء الشرس للحريات الديمقراطية ، إن هذا التحول البورجوازى ، رغم اطاره الرجعى هذا ربط بالنظام واطاره فئات طبقية وطبقات بأسرها ممن استفادت به خاصة أن النظام الايرانى كانت تتوفر له موارد هائلة من البترول وعملت على تكريس وتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام . وكل هذا مكن نظاماً رجعياً من الاستقرار لمرحلة تاريخية محددة ، قبل أن تستفحل تناقضات التحول البورجوازى نفسه ، لتنفجر الثورة .
أما التحول الرجعى فى بلادنا على العكس من ذلك عمل ويعمل على تضييق القاعدة الاجتماعية للنظام بتشديد استغلال الطبقات الشعبية من جهة ، وبانفضاض لا ينى عن الاتساع للجماهير الشعبية عن النظام من جهة ثانية ، وذلك رغم الظواهر المعاكسة والمتمثلة فى الهجرة والتضخم وما صحبهما من حراك اجتماعي ، وفى بعض الموارد الاستثنائية للدولة .... ( سطران باهتان فى المخطوطة ) .........................................................................( البترول وقناة السويس ) والتى مكنت السلطة من تأجيل اجراءات الغاء الدعم وتحريك أسعار منتجات القطاع العام الخ . وذلك فضلا عن أن هذه الظواهر نفسها هى ظواهر مؤقته ولايمكن الزعم انها سوف تستغرق مرحلة تاريخية ، وتدل المؤشرات الفعلية على بدء تقلصها.
-ان انتشار الحل الفردى ، والمزاج الانهزامي كعنصر فى الواعى الزائف ، المنتشر فى صفوف الجماهير ، هى ظواهر فعلية ، عاظمت منها وشجعتها تلك الظواهر المعاكسة المذكورة . وهى ظواهر لا ينبغى التقليل من شأنها ، بل ينبغى التعمق فى تشخيصها ودراسة ما ينشأ عنها من تغييرات ، لكن الوقوف عندها وحدها يؤدى الى رؤية وحيدة الجانب ، لا ترى فى نفس الوقت الانفضاض الحادث فعلا فى صفوف الجماهير الشعبية عن النظام ، والسخط الواسع الموجود فعلا ، والذى لم تستطع الحركة الشيوعية ( بسبب أزمتها وانحرافاتها خاصة فى حزبنا) أن تعمل على تحويله الى حركة ثورية ، ففتحت الفرصة أمام التيار الدينى ( الفاشى ) لاستيعاب قسماً عظيما من طاقة السخط تلك فى الاطار الرجعى الفاشى .
ان المبالغة فى شأن ضعف المقاومة ترجع الى محاكمة الأمر من خلال نموذج واحد للمقاومة ينطلق من استفزاز منتظر لخطوات الاستسلام فى حركة سياسية مباشرة ، وتغفل امكانيت تحويل النضال الاقتصادى الى نضال سياسي . هذا النضال الاقتصادى الذى ينشأ بالضرورة من استفحال التناقضات الطبقية التى تنجم عن الاستغلال البورجوازى بما هو كذلك ثم تشديد هذا الاستغلال بسبب التبعية الاقتصادية فى عصر الاستسلام .



#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى - قضية التو ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى - قضية التو ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى - تكتيكات ا ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من النضال الحلقى والنضال الشي ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى وبداية اصدار جريدة الانتفاض والحرك ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من مطالب الحركة العمالية
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من الحرب الشعبية طويلة الأمد ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من الدستور الدائم الصادر فى س ...
- العضوية فى التنظيم الشيوعى
- موجز كراس الدولة البوليسية والصراع الطبقى فى مصر
- حزب العمال الشيوعى المصرى : بيان اللجنة المركزية حول شعار اح ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من اغتيال السادات والإرهاب ال ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من تبعية نظام مبارك للإمبريال ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من حدود المعارضة البورجوازية ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من نظام الرئيس مبارك
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من حكم مبارك عقب اغتيال الساد ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من التهديدات الامريكية للثورة ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى إزاء المضمون الطبقى للثورة ال ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى عند اندلاع الثورة الإيرانية


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد العليمى - حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى - الازمة وانعكاساتها فى المزاج الجماهيرى ( 5 ) الاخير