|
شعوذة إقتصادية (4)
موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5067 - 2016 / 2 / 6 - 02:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المجتمع عبارة عن مجموعة من البناءات المُترابطة ، إلا أن لكل منها عن الأخرى إستقلال نسبي ، ضمن الكل الإجتماعي نفسه ــ فالإقتصاد بناء قائم إرتباطا مع الكل الإجتماعي ، إلا أن له إستقلالا نسبيا عن البناء الثقافي ؛ كما للبناء الثقافي إستقلالا نسبيا عن الإقتصاد .
لا شك أن للإقتصاد أهمية للكل الإجتماعي ، إلا أن هذه الأهمية تذهب بالبعض إلى ما يشبه الهوس ، فيُمركز الإقتصاد ؛ أي يجعل من الإقتصاد بناءا مركزيا للكل الإجتماعي ، مما يدفع بالبناءات الأخرى إلى أن تكون هامشية من الكل الإجتماعي ــ و هذا يعني مما يعنيه تهميش الدوافع و العوامل الفعّالة إجتماعيا لأنها غير إقتصادية .
فـ{ مركزية الإقتصاد } نعني بها هنا : مركزة لبناء في الكل الإجتماعي [ هو الإقتصاد ] ، مما يعني تحوير البناءات الأخرى بما فيها الكل الإجتماعي نفسه حول هذا البناء [ المركز ] ــ فما هو قائم إجتماعيا أمسى قائم إقتصاديا ، و إلا فهو ليس إلا قائم هامشي ؛ دعاية صريحة إلى إهمال الدوافع و العوامل الفعّالة إجتماعيا لأنها غير إقتصادية ، بتهميشها ، إذ يجب التركيز على ما هو إقتصادي .
فعلى سبيل المثال ــ و لنتحدث بصراحة : إن أي تدخل غربي أو شرقي في الشرق الأوسط ، يُتهم ذا البدء دون أي إعمال للفكر و البحث و الدرس ، بأنه لأجل الإقتصاد [ الإتهام الغالب في الساحة ] ؛ ( لأجل النفط ) ، ( لأجل الموقع الإستراتيجي المهم إقتصاديا ) ، ( لأجل مصلحة الشركات الأجنبية و المتعددة الجنسية ) ، ( لإتمام صفقة إقتصادية ) ، ( ... إلخ ) . و على الرغم من وجود دوافع و عوامل أخرى ، إلا أنه يتم تهميشها تماما ، لأنها غير إقتصادية ؛ ( لأجل سيادة القانون الدولي ) ، ( تدخل لحماية المواطنين ) ، ( مكافحة الإرهاب ) ، ( لقيام نظام ديموقراطي مكان الديكتاتوري ) ، ( ... إلخ ) .
بلا شك بأن الإقتصاد مهم و يلعب دور الحاسم في بعض الأحيان [ يرجى الإنتباه : بعض الأحيان و ليس دائما ] ، و أن الشركات ذات المصالح الإقتصادية ستغلب عليها دائما توجهات مصالحها من ذات الجنس [ الإقتصادية ] ــ إلا أنه من الخطئ إختزال كل تدخل بالإقتصاد ، و أن كل مصلحة لدولة ما هي إلا مصلحة إقتصادية في النهاية ؛ المصلحة الإقتصادية لا تتسيّد المشهد الإجتماعي أو الدولي دائما ، فالكل الإجتماعي عبارة عن مجموعة من البناءات المُترابطة ، لكن لكل منها إستقلال نسبي عن الآخر ، و هذا الإستقلال النسبي يتيح بعضا من التناقض بين البناءات ذاتها التي تنعكس إجتماعيا في هيئة مصالح متناقضة ، فالذي يسود أو يتسيّد تكون مصلحته هي المُتسيدة على المصالح الأخرى // هذا لا يعني إلغاءا مطلقا للمصلحة الإقتصادية ، لكنه يعني مما يعنيه إحالة للمصلحة الإقتصادية إلى مواقع ثانوية بالنسبة للمصالح المُتسيّدة .
* من الجدير بالذكر ، أن { الصراع الطبقي } على الرغم من أنه يتناول الكل الإجتماعي لا الإقتصاد فقط ، إلا أنه هو الآخر جرى تحويره من قِبَل البعض ، ليتمركز حول الإقتصاد ؛ يذهب البعض [ مهدي عامل مثلا ] إلى تسمية هذا التحوير بمسمى { النزعة الإقتصادوية } ــ و نتائج هذا التحوير بقدر ما هي تهميشية ، هي تضليلية . و بعض هذه النتائج على قدر من الغرائبية التي تدفع بنا إلى الشفقة على أصحابها : روجيه جارودي مثلا .
في الختام ــ إن الشعوذة الإقتصادية لا تعني طلسمة الإقتصاد دون باراونوئية الإقتصاد ، أو ميتافيزقية الإقتصاد دون مركزية الإقتصاد ، لكنها تعني استعمالهم فرادى أو استعمالهم جميعا معا ، أو حتى استعمال بعضهم معها دون البعض الآخر ؛ و هذا الاستعمال على أي حال ، ليس استعمالا بريئا ، سواء عن قصد أو دون قصد .
فاستعمالات الشعوذة الإقتصادية تنحصر في ثلاث غايات : (( الإنتصار لمسعى مموه [ مزيّف ] )) ، (( التغطية على ضعف الحجج )) ، (( حجب المغالطات )) ــ فسواء أأدرك المشعوذ أنه مشعوذ ، أم لم يدرك ، يبقى استعمال الشعوذة الإقتصادية بغاياتها الثلاث ، تحريفا و تضليلا و وهما ؛ و جدّية البحث و الدرس تقتضي التصفية لمثل هذه الشعوذة ، لا التعاطف أو غض النظر ، أو كما يذهب البعض للإسف إلى إعتبارها رأي كما هي الآراء الأخرى التي تختلف فيها بينها في مجال البحث و الدرس [ و هذا التخنيث لجدّية البحث و الدرس خطير ؛ إذ ينفي أي جدّية ممكنة في البحث و الدرس ــ الجدّية البحثية و الدراساتية تقتضي التصفية لا التسامح مع التحريفات و التضليلات و الأوهام ] .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شعوذة إقتصادية (3)
-
شعوذة إقتصادية (2)
-
شعوذة إقتصادية (1)
-
القوة - السلعة و الخدمة
-
القوة - النقود
-
القوة - الجهد المبذول [ قوة العمل ]
-
القوة - الجمهور و الجماعة
-
تصفية الشهداء
-
القوة - كونك ماركسي
-
كونك ماركسي 2
-
كونك ماركسي
-
مغالطات مُتداولة .. العامل المُنتج هو بروليتاري
-
القوة - الجنس
-
شيء عن الإيديولوجيا
-
القوة - الضعف و العبودية
-
القوة - الثقافة
-
القوة - الإيمان و الإلحاد
-
من ثروة الأمم الزيرجاوية إلى أسانيد المانفيستو النمرية
-
مغالطات مُتداولة .. الإنتاج السلعي هو رأسمالي
-
وهم تحرر الإنتلجنسيا .. المنهج الشحروري : أيصمد أم يصمت ؟!
المزيد.....
-
احتمال حدوثها واحد من عشرة آلف.. لِمَ اعتبرت ولادة هذه الفرس
...
-
-غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لـCNN تجربته في غ
...
-
20 قتيلا على الأقل بغرق قارب في شرق أفغانستان (فيديو)
-
السعودية تعلن عملية بيع حصة إضافية من شركة أرامكو النفطية
-
أرقام صينية: ازدهار التجارة بين الصين والدول العربية على مدى
...
-
بدء تطبيق -بطاقة الفرص- لجذب عمال مؤهلين إلى ألمانيا
-
سياسية ألمانية تضطر لمغادرة بلادها مع أطفالها الثلاثة بسبب م
...
-
بالتفاصيل.. المقترح الذي أعلنه بايدن وقابلته حماس بإيجابية
-
وزير الدفاع الإندونيسي يؤكد استعداد بلاده لإرسال قوات حفظ سل
...
-
وزير دفاع إندونيسيا: خطتنا للسلام في أوكرانيا تبقى منطقية وم
...
المزيد.....
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
يوميات على هامش الحلم
/ عماد زولي
-
نقض هيجل
/ هيبت بافي حلبجة
-
العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال
...
/ بلال عوض سلامة
-
المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس
...
/ حبطيش وعلي
-
الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل
...
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|