أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - دلالات الطباطبائي الفلسفية ، الحلقة(16)















المزيد.....

دلالات الطباطبائي الفلسفية ، الحلقة(16)


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 5065 - 2016 / 2 / 4 - 21:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المبحث الثالث عشر:
تكملة
10 - بناء سيرة النبيّ على التوحيد ونفى الشركاء: أجمل تعالى سيرته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّتى أمره باتّخاذها والسير بها في المجتمع البشرىّ في قوله: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) آل عمران: 64، وقال تعالى يشير إلى ما داخل دينهم من عقائد الوثنيّة: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ ) المائدة: 77.
وقال أيضاً يذمّ أهل الكتاب: ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة: 31.
وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سوى بين الناس في إجراء الأحكام والحدود وقارب بين طبقات المجتمع كالحاكم والمحكوم، والرئيس والمرؤس، والخادم والمخدوم، والغنىّ والفقير، والرجل والمرأة، والشريف والوضيع فلا كرامة ولا فخر ولا تحكّم لأحد على أحد إلّا كرامة التقوى والحساب إلى الله والحكم إليه.
وكان صلى‌الله‌عليه‌ وآله‌ وسلم يقسّم بالسويّة، وينهى عن تظاهر القوىّ بقوّته بما يتأثّر وينكسر به قلب الضعيف المهين كتظاهر الأغنياء بزينتهم على الفقير المسكين، والحكّام والرؤساء بشوكتهم على الرعيّة.

وكان صلى‌الله‌عليه‌ وآله ‌وسلم يعيش كأحد من الناس لا يمتاز منهم في مأكل أو مشرب أو ملبس أو مجلس أو مشية أو غير ذلك، وقد تقدّم جوامع سيرته في آخر الجزء السادس من هذا الكتاب.
كلام آخر ملحق بالكلام السابق
نزل فيه تعليم القرآن الكريم بقياسه إلى تعاليم ويدا، و أوستا، والتوراة، والإنجيل على نحو الإجمال والكلّيّة في فصول وهذا بحث تحليليّ شريف.
1 - التناسخ عند الوثنيّين:
من الاُصول الأوّليّة الّتى تبتنى عليها البرهميّة ومثلها البوذيّة والصابئيّة هو التناسخ وهو أنّ العالم محكوم بالكون والفساد دائماً فهذا العالم المشهود لنا وكذا ما فيه من الأجزاء مكوّن عن عالم مثله سابق عليه وهكذا إلى غير النهاية، وسيفسد هذا العالم كما لا يزال يفسد أجزاؤه ويتكوّن منه عالم آخر وهكذا إلى غير النهاية، والإنسان يعيش في كلّ من هذه العوالم على ما اكتسبه في عالم يسبقه فمن عمل صالحاً واكتسب ملكة حسنة فستتعلّق نفسه بعد مفارقة البدن بالموت ببدن سعيد ويعيش على السعادة، وهو ثوابه، ومن أخلد إلى الأرض واتّبع هواه فسوف يعيش بعد الموت في بدن شقىّ ويقاسي فيه أنواع العذاب إلّا من عرف البرهم واتّحد به فإنّه ينجو من الولادة الثانية ويعود ذاتاً أزليّة أبديّة هي عين البهاء والسرور والحياة والقدرة والعلم لا سبيل للفناء والبطلان إليها.
ولذلك كان من الواجب الدينىّ على الإنسان أن يؤمن بالبرهم (وهو الله أصل كلّ شئ) ويتقرّب إليه بالقرابين والعبادات، ويتحلّى بالأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة فإن عزفت نفسه الدنيا وتخلّق بكرائم الأخلاق وتحلّى بصوالح الأعمال وعرف البرهم بمعرفة نفسه صار برهمنا واتّحد بالبرهم وصار هو هو، وهو السعادة الكبرى والحياة البحتة، وإلّا فليؤمن بالبرهم وليعمل صالحاً حتّى يسعد في حياته التالية وهى آخرته.
لكنّ البرهم لمّا كان ذاتا مطلقة محيطا بكلّ شئ غير محاط لشئ كان أعلى وأجلّ من أن يعرفه الإنسان إلّا بنوع من نفى النقائص أو يناله بعبادة أو قربان فمن الواجب علينا أن نتقرّب بالعبادة إلى أوليائه وأقوياء خلقه حتّى يكونوا شفعاء لنا عنده، وهؤلاء هم الآلهة الّذين يعبدون من دون الله بعبادة أصنامهم، وهم على كثرتهم إمّا من الملائكة أو من الجنّ أو من أرواح المكمّلين من البراهمة، وإنّما يعبد الجنّ خوفاً من شرّهم، وغيرهم طمعا في رحمتهم وخوفا من سخطهم ومنهم الأزواج والبنون والبنات لله تعالى.
فهذه جمل ما تتضمّنه البرهميّة ويعلّمه علماء المذهب من البراهمة.
لكنّ الّذى يتحصّل من (اُوبانيشاد) (راجع: اُوبانيشاد كالخاتمة لكتب (ويدا) المقدّسة وهى رسائل متفرّقة مأثورة من كبار رجال الدين من عرفائهم القدماء الاقدمين تحتوى جمل ما حصلوه من المعارف الإلهيّة بالكشف ويعتبرها البراهمة وحيّاً سماويّاً.) وهو القسم الرابع من كتاب (ويدا) المقدّس ربّما لم يوافق ما تقدّم من كلّيّات عقائدهم وإن أوّله علماء المذهب من البراهمة.
فإنّ الباحث الناقد يجد أنّ رسائل (اُوبانيشاد) المعلّمة للمعارف الإلهيّة وإن كانت تصف العالم الاُلوهىّ والشؤون المتعلّقة به من الأسماء والصفات والأفعال من إبداء وإعادة وخلق ورزق وإحياء وإماتة وغير ذلك بما يوصف به الاُمور الجسمانيّة المادّيّة كالانقسام والتبعّض والسكون والحركة والانتقال والحلول والاتّحاد والعظم والصغر وسائر الأحوال الجسمانيّة المادّيّة إلّا أنّها تصرّح في مواضع منها أنّ برهم (راجع: هذا كثير الورود يعثر عليه الراجع في أغلب فصول اُوبانيشاد) ذات مطلقة متعالية من أن يحيط به حدّ له الأسماء الحسنى والصفات العليا من حياة وعلم وقدرة، منزّه عن نعوت النقص وأعراض المادّة، والجسم ليس كمثله شئ.

وتصرّح (( لم يولد منه شئ ولم يتولد من شئ وليس له كفوا أحد ) اُوبانيشاد (شيت استر) ادهيا السادس آية 8 ( السر الأكبر )) بأنّه تعالى أحدىّ الذات لم يولد من شئ ولم يلد شيئاً وليس له كفو ومثل البتّة.
وتصرّح (قال شبت استر: ( اعمل الصالحات لتلك الذات النورانيّة إلى أي ملك اقدم القربان وأترك تلك الذات الظاهرة؟ ) اُوبانيشاد شيت استر. ادهيا الرابع آية 13) بأنّ الحقّ أن لا يعبد غيره تعالى ولا يتقرّب إلى غيره بقربان بل الحرىّ بالعبادة هو وحده لا شريك له.
وتصرّح (وهذا كثير الورود في فصول اُوبانيشاد يعثر عليه المراجع) كثيراً بالقيامة وأنّه الأجل الّذى ينتهى إليه الخلقة، وتصف ثواب الأعمال وعقابها بعد الموت بما لا يأبى الانطباق على البرزخ من دون أن يتعيّن حمله على التناسخ.
ولا خبر في هذه الأبحاث الإلهيّة الموردة فيها عن الأوثان والأصنام وتوجيه العبادات وتقديم القرابين إليها.
وهذه الّتى نقلناها من (اُوبانيشاد) - وما تركناه أكثر - حقائق سامية ومعارف حقّة تطمئنّ إليها الفطرة الإنسانيّة السليمة، وهى - كما ترى - تنفى جميع اُصول الوثنيّة الموردة في أوّل البحث.
والّذى يهدى إليه عميق النظر أنّها كانت حقائق عالية كشفها آحاد من أهل ولاية الله ثمّ أخبروا بما وجدوا بعض تلامذتهم الآخذين منهم غير أنّهم تكلّموا غالبا بالرمز واستعملوا في تعاليمهم الأمثال.
ثمّ جعل ما اُخذ من هؤلاء أساساً تبتنى عليه سنّة الحياة الّتى هي الدين المجتمع عليه عامّة الناس، وهى معارف دقيقة لا يحتملها إلّا الآحاد من أهل المعرفة لارتفاع سطحها عن الحسّ والخيال للّذين هما حظّ العامّة من الإدراك وكمال صعوبة إدراكها على العقول الراجلة غير المتدرّبة في المعارف الحقّة.
واختصاص نيلها بالأقلّين من الناس وحرمان الأكثرين من ذلك وهى دين إنسانيّ أوّل المحذور فإنّ الفطرة أنشأت العالم الإنسانيّ مغروزة على الاجتماع المدنىّ، وانفصال بعضهم عن بعض في سنّة الحياة وهى الدين إلغاء لسنّة الفطرة وطريقة الخلقة.
على أنّ في ذلك تركا لطريق العقل وهو أحد الطرق الثلاث: الوحى والكشف والعقل، وأعمّها وأهمّها بالنظر إلى حياة الإنسان الدنيويّة فالوحي لا يناله إلّا أهل العصمة من الأنبياء المكرمين، والكشف لا يكرم به إلّا الآحاد من أهل الإخلاص واليقين، الناس حتّى أهل الوحى والكشف في حاجة مبرمة إلى تعاطى الحجّة العقليّة في جميع شؤون الحياة الدنيويّة ولا غنى لها عن ذلك، وفي إهمال هذا الطريق تسليط التقليد الإجباريّ على جميع شؤن المجتمع الحيويّة من اعتقادات وأخلاق وأعمال، وفي ذلك سقوط الإنسانيّة.
على أنّ في ذلك إنفاذاً لسنّة الاستعباد في المجتمع الإنسانيّ ويشهد بذلك التجارب التاريخيّ المديد في الاُمم البشريّة الّتى عاشت في دين الوثنيّة أو جرت فيهم سنن الاستعباد باتّخاذ أرباب من دون الله.
2 - سريان هذه المحاذير إلى سائر الأديان:
الأديان العامّة الاُخر على ما فيها من القول بتوحيد الاُلوهيّة لم تسلم من شرك العبادة فساقهم ذلك إلى الابتلاء بعين ما ابتليت به الوثنيّة البرهميّة من المحاذير الّتى أهمّها الثلاثة المتقدّمة.
أمّا البوذيّة والصابئة فذلك فيهم ظاهر والتاريخ يشهد بذلك، وقد تقدّم شئ ممّا يتعلّق بعقائدهم وأعمالهم.
وأمّا المجوس فهم يوحّدون (أهورامزدا) بالاُلوهيّة لكنّهم يخضعون بالتقديس ليزدان وأهريمن والملائكة الموكّلين بشؤون الربوبيّة وللشمس والنار وغير ذلك، والتاريخ يقصّ ما كانت تجرى فيهم من سنّة الاستعباد واختلاف الطبقات والتدبّر والاعتبار يقضى أنّه إنّما تسرّب ذلك كلّه إليهم من ناحية تحريف الدين الأصيل، وقد ورد عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم: ( أنّه كان لهم نبىّ فقتلوه وكتاب فأحرقوه ).
وأمّا اليهود فالقرآن يقصّ كثيراً من أعمالهم وتحريفهم كتاب الله واتّخاذهم العلماء أرباباً من دون الله، وما ابتلاهم الله به من انتكاس الفطرة ورداءة السليقة.
وأمّا النصارى فقد فصّلنا القول فيما انحرفوا فيه من النظر والعمل في الجزء الثالث من الكتاب فراجع وإن شئت فطبّق مفتتح إنجيل يوحنّا ورسائل بولس على سائر الأناجيل وتمّمه بمراجعة تاريخ الكنيسة فالكلام في ذلك طويل.
فالبحث العميق في ذلك كلّه ينتج أنّ المصائب العامّة في المجتمعات الدينيّة في العالم الإنسانيّ من مواريث الوثنيّة الاُولى الّتى أخذت المعارف الإلهيّة والحقائق العالية الحقّة مكشوفة القناع مهتوكة الستر فجعلتها أساس السنن الدينيّة، وحملتها على الأفهام العامّة الّتى لا تأنس إلّا بالحسّ والمحسوس فأنتج ذلك ما أنتج.
3 - إصلاح الاسلام لهذه المفاسد:
أمّا الإسلام فإنّه أصلح هذه المفاسد إذ قلب هذه المعارف العالية في قالب البيان الساذج الّذى يصلح لهضم الأفهام الساذجة والعقول العاديّة فصارت تلامسها من وراء حجاب وتتناولها ملفوفة محفوفة، وهذا هو الّذى يصلح به حال العامّة وأمّا الخاصّة فإنّهم ينالونها مسفرة مكشوفة في جمالها الرائع وحسنها البديع آمنين مطمئنّين وهم في زمرة الّذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن اُولئك رفيقا، قال الله تعالى: ( وَالْكِتَابِ الْمُبِين إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الزخرف: 4، وقال: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) الواقعة: 79، وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: ( إنّا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم ).
وعالج غائلة الشرك والوثنيّة في مرحلة التوحيد بنفى الاستقلال في الذات والصفات عن كلّ شئ إلّا الله سبحانه فهو تعالى القيّوم على كلّ شئ، وركز الأفهام في معرفة الاُلوهيّة بين التشبيه والتنزيه فوصفه تعالى بأنّ له حياة لكن لا كحياتنا، وعلما لا كعلمنا، وقدرة لا كقدرتنا وسمعا لا كسمعنا، وبصرا لا كبصرنا، وبالجملة ليس كمثله شئ وأنّه أكبر من أن يوصف، وأمر الناس مع ذلك أن لا يقولوا في ذلك قولا إلّا عن علم، ولا يركنوا إلى اعتقاد إلّا عن حجّة عقليّة يهضمها عقولهم وأفهامهم.
فوفّق بذلك أوّلا لعرض الدين على العامّة والخاصّة شرعاً سواء، وثانياً أن استعمل العقل السليم من غير أن يترك هذه الموهبة الإلهيّة سدى لا ينتفع بها، وثالثاً أن قرّب بين الطبقات المختلفة في المجتمع الإنسانيّ غاية ما يمكن فيها من التقريب من غير أن ينعم على هذا ويحرم ذاك أو يقدّم واحداً ويؤخّر آخر قال تعالى: ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء: 92 وقال: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) الحجرات: 13.
وهذا إجمال من القول يمكنك أن تعثر على تفصيل القول في أطرافه في أبحاث متفرّقة تقدّمت في هذا الكتاب والله المستعان.
4 - إشكال الاستشفاع والتبرّك في الإسلام: ربّما يظنّ أنّ ما ورد في الأدعية من الاستشفاع بالنبيّ و آله المعصومين صلوات الله عليهم ومسألته تعالى بحقّهم وزيارة قبورهم وتقبيلها والتبرّك بتربتهم وتعظيم آثارهم من الشرك المنهىّ عنه وهو الشرك الوثنيّ محتجّا بأنّ هذا النوع من التوجّه العباديّ فيه إعطاء تأثير ربوبيّ لغيره تعالى وهو شرك وأصحاب الأوثان إنّما أشركوا لقولهم في أوثانهم: إنّ هؤلاء شفعاؤنا عند الله. وقولهم: إنّما نعبدهم ليقرّبونا إلى الله زلفى، ولا فرق في عبادة غير الله سبحانه بين أن يكون ذلك الغير نبيّا أو وليّا أو جبّارا من الجبابرة أو غيرهم فالجميع من الشرك المنهىّ عنه.
وقد فاتهم أوّلا: أنّ ثبوت التأثير سواء كان مادّيّا أو غير مادّىّ في غيره تعالى ضروريّ لا سبيل إلى إنكاره، وقد أسند تعالى في كلامه التأثير بجميع أنواعه إلى غيره، ونفى التأثير عن غيره تعالى مطلقا يستلزم إبطال قانون العلّيّة والمعلوليّة العامّ الّذى هو الركن في جميع أدلّة التوحيد، وفيه هدم بنيان التوحيد. نعم المنفىّ من التأثير عن غيره تعالى هو الاستقلال في التأثير ولا كلام لأحد فيه، وأمّا نفى اطلق التأثير ففيه إنكار بديهة العقل والخروج عن الفطرة الإنسانيّة.
ومن يستشفع بأهل الشفاعة الّذين ذكرهم الله في مثل قوله: ( وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) الزخرف: 86 وقوله: ( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ) الأنبياء: 28.
أو يسأل الله بجاههم ويقسمه بحقّهم الّذى جعله لهم عليه بمثل قوله مطلقا: ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ) الصافّات: 173 وقوله: ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ) المؤمن: 51.
أو يعظّمهم ويظهر حبّهم بزيارة قبورهم وتقبيلها والتبرّك بتربتهم بما أنّهم آيات الله وشعائره تمسّكا بمثل قوله تعالى: ( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحجّ: 32، وآية القربى وغير ذلك من كتاب وسنّة.
فهو في جميع ذلك يبتغى بهم إلى الله الوسيلة وقد قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) المائدة: 35 فشرع به ابتغاء الوسيلة، وجعلهم بما شرع من حبّهم وتعزيرهم وتعظيمهم وسائل إليه، ولا معنى لإيجاب حبّ شئ وتعظيمه وتحريم آثار ذلك فلا مانع من التقرّب إلى الله بحبّهم وتعظيم أمرهم وما لذلك من الآثار إذا كان على وجه التوسّل والاستشفاع من غير أن يعطوا استقلال التأثير والعبادة البتّة.
وثانياً: أنّه فاتهم الفرق بين أن يعبد غير الله رجاء أن يشفع عند الله أو يقرّب إلى الله، وبين أن يعبدالله وحده مع الاستشفاع والتقرّب بهم إليه ففى الصورة الاُولى إعطاء الاستقلال وإخلاص العبادة لغيره تعالى وهو الشرك في العبوديّة والعبادة، وفي الصورة الثانية يتمحّض الاستقلال لله تعالى ويختصّ العبادة به وحده لا شريك له.
وإنّما ذمّ تعالى المشركين لقولهم: ( إنّما نعبدهم ليقرّبونا إلى الله زلفى ) حيث أعطوهم الاستقلال وقصدوهم بالعبادة دون الله سبحانه، ولو قالوا: إنّما نعبدالله وحده ونرجو مع ذلك أن يشفع لنا ملائكته أو رسله وأولياؤه بإذنه أو نتوسّل إلى الله بتعظيم شعائره وحبّ أوليائه، لما كفروا بذلك بل عادت شركاؤهم كمثل الكعبة في الإسلام هي وجهة وليست بمعبودة، وإنّما يعبد بالتوجّه إليها الله.
وليت شعرى ما ذا يقول هؤلاء في الحجر الأسود وما شرع في الإسلام من استلامه وتقبيله؟ وكذا في الكعبة؟ فهل ذلك كلّه من الشرك المستثنى من حكم الحرمة؟ فالحكم حكم ضروريّ عقليّ لا يقبل تخصّصا ولا استثناء، أو أنّ ذلك من عبادة الله محضاً وللحجر حكم الطريق والجهة، وحينئذ فما الفرق بينه وبين غيره إذا لم يكن تعظيمه على وجه إعطاء الاستقلال وتمحيض العبادة، ومطلقات تعظيم شعائر الله وتعزير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحبّه ومودّته وحبّ أهل بيته ومودّتهم وغير ذلك في محلّها.(انتهى كلام الطباطبائي).



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(15)
- دلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(14)
- دلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(13)
- دلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(12)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(11)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(10)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(9)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(8)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية؛ الحلقة(7)
- الجلبي ما قتلوا وما صلبوه ولكن شبه لهم
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية الحلقة(6)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(5)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(4)
- صخم وجهك وكول آني حداد
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان)الحلقة(3)
- حسقيل قوجمان صوت يهودي عراقي مدوي
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان) الحلقة(1)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان) الحلقة(2)
- ميزانية مصابة بالشلل
- حششوا حتى يأتيكم اليقين


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - دلالات الطباطبائي الفلسفية ، الحلقة(16)