أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - اغتيال -الحرية والإخاء والمساواة- فى عقر دار الثورة الفرنسية















المزيد.....

اغتيال -الحرية والإخاء والمساواة- فى عقر دار الثورة الفرنسية


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1376 - 2005 / 11 / 12 - 11:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما حدث، ويحدث، فى فرنسا منذ 27 أكتوبر الماضى خطير جدا. فهذه المواجهات – التى اندلعت بعد تصريح وزير الداخلية نيكولا ساركوزى توعد فيه بتنظيف ضواحى العاصمة باريس من "الحثالة" و"الاوباش"، فى أعقاب مصرع شابين من ابناء المهاجرين صعقا بالكهرباء – قد تفاقمت بسرعة مذهلة. حيث انتقلت عدوى إحراق السيارات وإضرام النيران فى بعض المقار الرسمية من الضواحى إلى قلب العاصمة، ثم سرعان ما انتقلت هذه العدوى الحارقة باتجاه "ستراسبورج" المتاخمة" لألمانيا و"تولوز" فى الغرب، و"رين" فى منطقة "بريتانى" التى تزدهر فيها الدعاوى الانفصالية، حتى وصلت الى "ليون" فى الجنوب و"روبيه" و"ليل" فى الشمال.
ورغم أن هذه الأحداث كانت بمثابة "صدمه" للكثيرين، فإنها لم تكن مفاجئة بأى حال من الأحوال اللهم إلا من حيث حجمها واتساع نطاقها. فقد عرفت فرنسا خلال الأشهر العشرة الماضية احراق 28 ألف سيارة، وشهدت 70 ألف عمل من أعمال العنف، و445 اشتباكا مع رجال البوليس، و3835 اعتداء على أجهزة الامن الأخرى وبوليس النجدة.
بل إن الرئيس جاك شيراك نفسه حذر فى كتاب صدر له منذ عشر سنوات من أن "نصف الفرنسيين لا يسمع صوتهم ولا يتلقون أى حماية". وأضاف شيراك فى هذا الكتاب الذى يحمل عنوان "فرنسا للجميع" ان "يأس هؤلاء الملايين يدعونا إلى التفكير مليا، فنحن نعيش الآن تحت رحمة تمزق اجتماعى".
لكن يبدو أن الرئيس شيراك نسى الكلام الذى كتبه قبل ان يصبح رئيسا للجمهورية الفرنسية، بعد أن انتقل إلى قصر الاليزيه. والدليل على ذلك أن أهم ما كشفته حرائق فرنسا خلال الأيام الكئيبة الماضية هو عمق الفوارق الطبقية وتفشى البطالة واستفحال شتى مظاهر التمييز.
وقد عبرت صحيفة "الاندبندت" البريطانية عن هذا الواقع الفرنسى المزرى بصورة صحفية أخاذة حيث وضعت شعار الثورة الفرنسية الشهير "الحرية والاخاء والمساواة" على صدر صفحتها الأولى يوم الأحد الماضى. وكتبت هذا الشعار التاريخى بألوان العلم الفرنسى، الأزرق والأبيض والأحمر.
ومع أولى كلمات هذا الشعار العزيز على قلوب كل أحرار العالم، أى كلمة "الحرية"، وضعت الجريدة صورة لفتيات فرنسيات محجبات فى مظاهرة ضد قانون حظر ارتداء الرموز الدينية فى المدارس، ومن بينها الحجاب. ومع الصورة نشرت الجريدة التعليق التالى: "المسلمات فى فرنسا ممنوعات من ارتداء الحجاب" كإشارة رمزية لانتهاك أول مبادئ الثورة الفرنسية، ألا وهو "الحرية".
وأمام مبدأ "المساواة" نشرت الجريدة صورة فرنسى أسود اللون، وتعليق مصاحب للصورة التى تعلوها الحسرة يقول "الفرنسيون غير البيض يعانون مرتين من البطالة". وهذا التعليق ليس مجرد كلام إنشائي، وانما هو يترجم الطابع العنصرى لنسب البطالة، حيث تقول الأرقام ان نسبة البطالة للفرنسيين من اصل فرنسى 9.2% . وهذه النسبة ترتفع الى 14% للفرنسيين المتجنسين، اى الفرنسيين من أصل أجنبى.
كما أن 26.5% من المتعطلين هم من خريجى الجامعات من أصل إفريقي!
وأمام المبدأ الأخير من مبادئ الثورة الفرنسية، وهو "الإخاء"، نشرت الصحيفة صورة لفرنسيين مهاجرين فى مواجهة قوات الأمن، وتعليق مصاحب يقول "الحكومة الفرنسية تعترف بفشل سياسة الاندماج".
وتحت العناوين الثلاثة السابقة عنوان رابع باللون الأسود أمام صورة لسيارات محترقة فى الأحداث الأخيرة تقول كلماته:
الواقع: شيراك يتعهد باستعادة زمام الأمن والاستقرار بعد أن غرقت فرنسا فى وحل المظاهرات.
ودون الدخول فى تفاصيل فأن هذه الأحداث تثبت عددا من الحقائق التى يجب ان نتوقف أمامها وان نتأملها.
الحقيقة الأولى: ان صلب هذه المشكلة الفرنسية اجتماعى وثقافى فى المقام الأول.
اجتماعى.. لان الأساس هو الفقر الشديد لتلك الضواحى، أو ما يسمى بأحزمة المدن الكبرى، ومنها باريس عاصمة النور، حيث يتفشى الحرمان ونقص الخدمات. حتى أن البعض قد شبه هذه الضواحى بالعاصمة العراقية بغداد وكأنها قد انتقلت الى قلب أوروبا. وليس المقصود من هذا التشبيه التحقير من شأن عاصمة المنصور، بل ان التشبيه يقتصر على بغداد الرازحة تحت نير الاحتلال الأمريكي بكل ما ألحقه بها من خراب وفوضى وافتقار إلى الأمن والى الحد الأدنى من مقومات الحياة الآدمية.
وأصبحت فرنسا بهذا النحو وعلى حد تعبير مقال بجريدة "التايمز" – أمتان.. واحدة هادئة ومريحة ومتمتعة بملذات الحياة، وعلى مسافة نصف ميل فقط منها تقبع فرنسا ثانية، حيث مساكن الفقر والحرمان التى تأوى نفوسا تحلم فى احسن الأحوال بوظيفة "حمال حقائب" فى مطار شارل ديجول!
وثقافى .. لأن هذا الإهمال لتلك الضواحى والملايين الذين يقطنونها مصحوب بنعرة عنصرية سائدة ومسيطرة.
ولم تكن مجرد زلة لسان بهذا الصدد أن الاحداث قد تسارعت وتفاقمت بعد تصريحات استفزازية وعنصرية لوزير الداخلية ساركوزى وصف فيها سكان هذه الضواحى بـ "الحثالة" و"الاوباش" وتعهده بـ "تنظيف" فرنسا من هذه "القمامة".
كما لم يكن من باب الصدفة أن الأحداث قد تفجرت يوم 27 أكتوبر الماضى فى أعقاب مصرع اثنين من الصبية من أبناء المهاجرين أثناء مطاردة الشرطة لهما.
والمفارقة العجيبة فى هذا السياق أن وزير الداخلية ساركوزى نفسه إبن مهاجرة مجرية يهودية، بينما المتظاهرين الذين وصفهم بـ "الحثالة" من الجيل الثالث للمهاجرين، أى فرنسيين أكثر منه!
والحقيقة الثانية هى ان مسألة لها هذه الأبعاد الاجتماعية والثقافية لا يمكن حلها فقط بالأساليب الأمنية. ولذلك اعترف الرئيس الفرنسى ورئيس وزرائه بأن الحاجة ماسة – إلى جانب استعادة الأمن والنظام – لاعادة النظر فى كل الجوانب الاجتماعية المشار إليها .. فبدون ذلك سيظل النار تحت الرماد.
والحقيقة الثالثة- هى أن هذه الأحداث ليست حكرا على فرنسا، بل إن هناك مخاوف جدية من أن تمتد النيران عبر القارة الاوروبية بأسرها لان هذه المظالم الاجتماعية موجودة فى معظمها، وبخاصة حيث توجد جاليات كبيرة من المهاجرين؛ وعلى سبيل المثال توجد فى ألمانيا المجاورة جالية كبيرة من المهاجرين بينهم ثلاثة ملايين مسلم غالبيتهم من اصل تركى.
وقد أشار فولفجانج سباتش نائب زعيم الحزب الديموقراطي المسيحى بأن هناك فروقا بين الوضع فى فرنسا والوضع فى ألمانيا لكنه استدرك قائلا "يجب ألا نعيش فى وهم أن أحداثا مماثلة لا يمكن أن تحدث فى ألمانيا".
وفى إيطاليا دعا رومانو برودى زعيم المعارضة الى قيام الحكومة بتحرك عاجل، وقال "لدينا أسوا ضواحى فى أوروبا، ولا اعتقد أن الأوضاع مختلفة عما هى عليه فى باريس، فالمسألة مسألة وقت".
وفى إنجلترا توجد أوضاع مشحونة، تنذر بالانفجار فى أى وقت، بل وقد تفجرت بالفعل فى برمنجهام، ويمكن ان تمتد الى مدن أخرى من جراء السياسات اليمينية التى أهملت الفقراء سنوات طويلة، وكانت النتيجة أحداث فرنسا التى مازال الصحفيون حائرين فى وصفها بـ "الانتفاضة" أو "الثورة" أو "صرخة المحرومين"والمهمشين" أو تشبيهها بأحداث 1968 الطلابية التى كانت إيذانا بانتهاء عهد الجنرال ديجول.
والحقيقة الأخيرة التى تهمنا هى أن صناع القرار عندنا يجب أن لا تفوتهم دلالة مثل هذه الأحداث.
صحيح أنها تقع بعيدا عنا.
وصحيح أن هناك فروقا شاسعة بين أوضاع فرنسا وأوضاع مصر والبلاد العربية.
لكن الدرس الأساسي هو أن التعايش مع الفقر والفوارق الطبقية الكبيرة ربما يقوم لبضعة سنوات لكنه لا يمكن أن يستمر، بل إنه حتما ينهار، وعادة ما ينهار بانفجارات عشوائية لا يمكن إخضاعها لاى حسابات.
وهذا ما يعطى أهمية خاصة لمراعاة البعد الاجتماعى لاى سياسة اقتصادية.
فهل نتعلم؟!



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برنامج الثلاث كلمات
- اكثر المفكرين تأثيراً فى العالم
- هل تتذكرون تراجيديا الفتنة الطائفية بالإسكندرية؟!
- ! مسرحية الإسكندرية أكذوبة
- مرصد انفلونزا طيور الظلام الطائفية
- ! أربعة تعهدات.. وثماني علامات استفهام
- فيروس التعصب الدينى يصل إلى مكتبة الأسرة
- اعتذار .. عن مطالبة الكنيسة بالاعتذار
- تقرير القاضي »ميليس«.. ليس حكم إدانة
- -التَّوْلَه- الجماعية .. فى قضايا مصيرية!
- سور شرم الشيخ .. غير العظيم
- أول قصيدة الحزب الوطنى .. تسد النَّفْس
- هل يطلب المصريون حق اللجوء -البيئى-؟
- لغز الكويز ينافس فوازير رمضان
- تاريخ صلاحية صرخة يوسف إدريس مازال سارياً -2
- الانتقال من »الملّة« إلي »الأمة« .. مقتل الطائفية
- نصف جائزة.. ونصف فرحة
- تاريخ صلاحية صرخة يوسف إدريس مازال ساريا
- دمج البنوك.. وتفكيك الأحزاب!
- هل المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور .. حرام؟


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - اغتيال -الحرية والإخاء والمساواة- فى عقر دار الثورة الفرنسية