|
مرصد انفلونزا طيور الظلام الطائفية
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1366 - 2005 / 11 / 2 - 13:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أعتذر للقارئ عن غفلتى فى مقال الخميس الماضى، وهى الغفلة التى جعلتنى استعير من القاموس "المحيط" للدكتور يوسف إدريس كلمة "التًوْله" لاصف بها حالة جميع الأطراف المتورطة فى أحداث الإسكندرية الطائفية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. فهذه "التوله" – التى هى أقرب إلى الغيبوبة العقلية وفقدان الإرادة – باتت وصفا مخففا جدا لا يصح التمسك به بعد أن ثبت من تصاعد الأحداث نفسها يوم الجمعة الماضى أن هناك من يلعبون بالنار الطائفية مع سبق الإصرار والترصد. فلو أن المسألة كانت مجرد إهمال وبلادة وتقصير وعدم يقظة لانتهت المشكلة، أو خفت حدتها، بعد أن اتضحت الأبعاد الحقيقية والتواريخ الفعلية للعرض المسرحى اليتيم، والسخيف، الذى أثار غضب الآلاف، رغم أن معظمهم لم يشاهدوه من الأصل. ويأتى تجدد الأحداث، وتصاعدها رغم الشرح والتوضيح وتبديد سوء الفهم، ليبرهن على أن الأكمة وراءها ما وراءها، وأن هناك من يتربصون لتحين الفرصة للصيد فى الماء العكر. وهذه لعبة خطرة لا ينبغى الاستهانة بها أو التهوين من عواقبها التى تهدد أمننا الوطنى والقومى، خاصة فى هذا الوقت الذى تنتحل فيه الإدارة الأمريكية لنفسها وظيفة "الشرطى الدولى" لمراقبة الحالة الدينية فى العالم بأسره، وتطرح مشروع الشرق الاوسط الكبير بما يتضمنه من إعادة رسم لخرائط المنطقة بما يحقق مصالحها الإمبراطورية ومصالح حليفتها الاستراتيجية .. إسرائيل. وليس المتطرفون من أقباط المهجر هم فقط الذين يلوذون بالإدارة الأمريكية، ويحرضونها على وطنهم، بل يشاطرهم فى ذلك نفر من المصريين المسلمين الباحثين عن دور فى مصر من خلال "ماما أمريكا". ويكفى أن نشير الى أن أحد هؤلاء الذين يطلقون اللحى الهائلة وينصبون أنفسهم متحدثين باسم الإسلام، وهو أشرف السعد صاحب تجربة توظيف الاموال الشهيرة، وصف العاصمة البريطانية ، لندن، بأنها"مكة" العصر الحديث، بينما أسبغ على واشنطن اسم "المدينة المنورة" لهذا الزمان!. هؤلاء الذين نقلوا الكعبة الى لندن ونقلوا قبر الرسول إلى واشنطن.. وأولئك الذين عينوا الرئيس جورج بوش الابن "منقذا" و"مخلصا" لاقباط مصر.. مستعدون لبيع الوطن وتمزيقه إربا إربا مقابل حفنة دولارات. وهم رغم تناقضاتهم الظاهرية يتساندون وظيفيا، ولا غنى لاحدهم عن الآخر. لكن هؤلاء وأولئك لم يكونوا يستطيعون أن يمارسوا وظيفتهم الطائفية لولا وجود تراكمات وسلبيات داخلية يتغذون عليها، ولولا وجود ثغرات ينفذون منها. وقد أشرنا إلى هذه التراكمات وتلك الثغرات مرارا وتكرارا، وطالبا – ومازلنا نطالب – بالتخلص من مخلفات عصور الانحطاط وأسافين الحقب الاستعمارية المختلفة. وبداية حل المشاكل تبدأ بالاعتراف بوجودها، وليس عيبا أن تكون لدينا مشاكل طائفية، وإنما العيب أن نتجاهل هذه المشاكل، فهذا التجاهل هو الذى يتيح لها فرصة التفاقم والتضخم، كما يتيح للمتطرفين من الجانبين أن يصنعوا من "الحبة" "قبة"، وأن يقدموا الذريعة لأطراف خارجية للتنطع على شئوننا الداخلية وأن يلعبوا دور "الحكم" بين المصرى المسلم وشقيقه المصرى القبطى! فإذا كنا جادين فى ان نتجنب هذه التداعيات الخطيرة، وأن نحمى السلم الأهلى من الاحتراق بنيران فتنة طائفية لا تبقى ولا تذر (لا قدر الله)، فأن علينا أن نقوم بواجبنا الذى تقاعسنا عن القيام به سنوات طويلة. وفى هذا السياق أقترح إنشاء "مرصد" أهلى للوحدة الوطنية، يكون بمثابة مركز إنذار مبكر ضد انفلونزا طيور ظلام الفتنة الطائفية. وواجبات هذا المرصد المقترح تبدأ بتتبع كافة أشكال الممارسات الطائفية التى تتضمن تهديدا مباشرا أو غير مباشر للوحدة الوطنية. وتحقيق هذه الشكاوى، ودراسة خلفياتها، واستيفاء المعلومات الموثقة المتعلقة بها، وتوصيل هذه المعلومات الموثقة إلى الجهات المعنية، ومتابعة ما تتخذه هذه الجهات من تدابير وإجراءات. ويمكن لهذا المرصد الأهلي أن يقوم بإعداد دراسات عن صور التمييز الطائفى فى المجالات المختلفة، والتعريف بها، والتوعية بمناهضتها لحقوق الانسان ولروح الأديان على حد سواء. كما يمكن أن يتقدم المرصد باقتراحات بتعديلات تشريعية سواء فيما يتعلق بتغليظ العقوبات على إثارة الثغرات الطائفية وبث الكراهية ضد معتقدات وأديان الآخرين، أو فيما يتعلق بالغاء كافة صور التمييز بسبب العقيدة أو الدين. ونجاح هذا المرصد الأهلى يعتمد أولا وقبل كل شئ على نوعية الاشخاص الذين يضطلعون بمهامه ومسئولياته . فهؤلاء يجب أن يتسموا بالنزاهة ناهيك عن أن يكونوا بعيدين كل البعد عن التعصب. وأظن أن الابتعاد عن المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، الرسمية وغير الرسمية، أفضل كثيرا لقيام المرصد المقترح بواجباته. فقد ثبت أن هذه المؤسسات هى جزء من المشكلة ولا يمكن _ بالتالى _ أن تكون جزءا من الحل. ثم إن حل النزاعات الطائفية لا يكون باللجوء إلى المؤسسات الدينية وإنما باللجوء الى المؤسسات "الحقوقية" المدنية والرسمية، ولا يعنى هذا القطيعة مع المؤسسات الدينية، فالاتصال المستمر معها ضرورى من أجل حل كثير من الاحتقانات والتوترات والمشكلات. لكن نزاهة المرصد المقترح وحياديته تسوغان وجود مسافة بينه وبين هذه المؤسسات الدينية وجود مسافة مماثلة بينه وبين المؤسسات الرسمية. إن هذا المرصد المقترح، جنبا الى جنب مع غيره من منظمات المجتمع المدنى، هو واحد من مبادرات أهلية كثيرة مطلوب إنشاؤها أو تفعيلها لحماية الوحدة الوطنية والتصدى للفتنة الطائفية دون حاجة الى عساكر الأمن المركزى أو المارينز. تعالوا نحلم.. ونعمل بدلا من الاكتفاء بلعن الظلام!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
! أربعة تعهدات.. وثماني علامات استفهام
-
فيروس التعصب الدينى يصل إلى مكتبة الأسرة
-
اعتذار .. عن مطالبة الكنيسة بالاعتذار
-
تقرير القاضي »ميليس«.. ليس حكم إدانة
-
-التَّوْلَه- الجماعية .. فى قضايا مصيرية!
-
سور شرم الشيخ .. غير العظيم
-
أول قصيدة الحزب الوطنى .. تسد النَّفْس
-
هل يطلب المصريون حق اللجوء -البيئى-؟
-
لغز الكويز ينافس فوازير رمضان
-
تاريخ صلاحية صرخة يوسف إدريس مازال سارياً -2
-
الانتقال من »الملّة« إلي »الأمة« .. مقتل الطائفية
-
نصف جائزة.. ونصف فرحة
-
تاريخ صلاحية صرخة يوسف إدريس مازال ساريا
-
دمج البنوك.. وتفكيك الأحزاب!
-
هل المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور .. حرام؟
-
إطلاق سراح السياسة فى المؤسسة الجامعية .. متى؟
-
مثقفون.. ملكيون اكثر من الملك فاروق -الثانى-
-
كرامات الوزير المعجزة: 9 و10 يونيه في عز سبتمبر!
-
لا مكان للمعارضة.. في الدولة الدينية
-
!هيا بنا نلعب .. ونتعلم
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون قبر يوسف في نابلس ورئيس مجلس النواب الأمريك
...
-
مصر ـ التحقيق مع رئيسة تحرير موقع مستقل بتهمة -نشر أخبار كاذ
...
-
حملة أمنية وإنذار بحجب المنصة.. هل تنجح مصر بترويض -تيك توك-
...
-
غرينبيس: شركات وقوى ضغط تعرقل معاهدة البلاستيك العالمية
-
خبير عسكري: تكلفة احتلال كامل قطاع غزة باهظة ومحاذيره جمّة
-
كفالة تصل إلى 15 ألف دولار للحصول على تأشيرة الولايات المتحد
...
-
دراسة: 3 عناصر بالبلاستيك تكلف العالم 1.5 تريليون دولار سنوي
...
-
وضع الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو قيد الإقامة الجبرية
-
هجمات روسية وأوكرانية متبادلة بالمسيرات تخلف حرائق وأضرارا ب
...
-
أوروبا تخطط لإنشاء نظام بيانات مناخية مستقل عن واشنطن
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|