|
لماذا ارتكبت السعودية جريمة إعدام الشيخ النمر؟
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 5033 - 2016 / 1 / 3 - 12:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رغم تدخل منظمات حقوق الإنسان، والكثير من الحكومات والشخصيات العالمية بمطالبة السعودية بإطلاق سراح رجل الدين الشيعي، الشيخ نمر باقر النمر، إلا إنها خالفت كل الأعراف، وضربت كل الالتماسات والاحتجاجات العالمية عرض الحائط، وارتكبت حماقة إعدام الشيخ بتهمة التحريض على الفتنة الطائفية مع 46 آخرين بتهم مختلفة يوم 2/1/2016. والجدير بالذكر أنه تم إعدام ابن شقيق الشيخ النمر، علي محمد النمر، في العام الماضي وهو لم يتجاوز 16 سنة، لمشاركته في تظاهرات الربيع العربي عام 2011.
فهل التهمة صحيحة والعقوبة عادلة؟ "الجريمة" التي ارتكبها الشيخ، من منظور النظام السعودي، هي مشاركته في تظاهرة سلمية خلال ما سمي بـ(الربع العربي) عام 2011، في المنطقة الشرقية ذات الغالبية الشيعية، للمطالبة بحقوق الشعب السعودي بكل أطيافه، وليس للشيعة فقط. وكان الشيخ النمر رجل دين بارز، عبر علنا عن شعور الأقلية الشيعية في السعودية، التي ترى نفسها مهملة وضحية للتمييز، وكان ناشطا في مطالبته بحقوقها. في الحقيقة كانت مشاركة الشيخ في التظاهرة مفيدة للسلطة نفسها، إذ كان دائماً يطالب أبناء طائفته أن تكون تظاهراتهم الاحتجاجية سلمية، وتجنب العنف، كي لا يعطوا ذريعة للسلطة القمعية باستخدام العنف المفرط ضدهم. ولكن مع ذلك زُجَّ بالشيخ في السجن وتعرض للتعذيب البربري، و وُجهت له تهمة التحريض على "الفتنة الطائفية"، و"شق عصى الطاعة على ولي الأمر". وعقوبة هذه "الجريمة" الإعدام بقطع الرأس، وهذا ما حصل.
لا شك أنها مهزلة أن توجه السلطات السعودية تهمة إثارة الفتنة الطائفية لشيخ شيعي كل جريمته أنه شارك في تظاهرة سلمية، بينما مشايخ الوهابية تنشر ثقافة العنف والتطرف في كل أنحاء العالم، وتصب خطبها التحريضية التكفيرية حمماً ليل نهار، على الشيعة، وبأوامر من "ولي الأمر"، وتحرض على قتلهم وإبادتهم، ونتيجة لهذا التحريض تفشي التطرف الديني، وانتشار المنظمات الإرهابية في شتى أنحاء العالم، ومنها القاعدة، وطالبان وجبهة النصرة، وداعش وبكو حرام وغيرها كثير.
ومن سخرية الأقدار أيضاً، أن تعمل السعودية على تغيير بعض الأنظمة في البلاد العربية عن طريق دعم الإرهاب كما هو جار في العراق وسوريا وليبيا واليمن والجزائر وتونس وغيرها، بحجة حماية شعوب هذه الدول من جور حكوماتها، بينما هي (السعودية)، واحدة من أشد الحكومات عداءاً لأبسط حقوق الإنسان والديمقراطية، وأكثرها جوراً وتخلفاً واضطهاداً لشعبها، وبالأخص للأقلية الشيعية التي تشكل نحو 20% من الشعب السعودي. فقد بات معروفاً للقاصي والداني أن السعودية تدعم الإرهاب في الخارج، وتضطهد شعبها في الداخل.
والسؤال الملح هنا هو، لماذا أقدمت السعودية على حماقة إعدام الشيخ، وبهذه التهمة الباطلة والمثيرة للسخرية، والسلطة تعرف أن إعدامه له تداعيات خطيرة على أمن المنطقة، إذ سيزيد من تعميق الصراع الطائفي، وتأجيج الفتنة الطائفية، في الوقت الذي يجب فيه بذل كل الجهود لإطفاء هذه الفتنة البغيضة؟
الجواب واضح، وهو يأس السعودية وخيبة أملها ورعبها من مستقبلها الأسود بسبب فشلها في جميع محاولاتها الإرهابية ضد سوريا والعراق واليمن، حيث بددت عشرات المليارات الدولارات من ثرواتها لسنوات عديدة من أجل تغيير هذه الحكومات، وإقامة حكومات بديلة موالية لها ولإسرائيل وأمريكا، ولكن مع ذلك، فهذه الشعوب وحكوماتها بقيت صامدة، والإرهاب المدعوم من السعودية في تراجع وهزائم، بل وخاب أمل مملكة الشر فصارت هي المهددة بالسقوط، وما تعانيه من تزايد عجزها المالي الذي بلغ نحو 98 مليار دولار لموازنة عام 2016، لذلك فليس أمام هذه المهلكة سوى الإمعان بغيها، والتمادي بتعميق الصراع السني-الشيعي، وصب المزيد من الزيت على نار الفتنة الطائفية، لإثارة مخاوف الغالبية السنية 80% من شعبها من البعبع الشيعي والإيراني للتمسك بهذا النظام القبلي الهمجي المتخلف المهدد بالإنهيار، والذي سقطت سمعته في دعم التطرف والإرهاب إلى الحضيض وأسفل السافلين؟
لا شك أن إعدام الشيخ هو جريمة إغتيال سياسي، القصد منه تعميق الصراعات الطائفية التي يعتمد عليها ويأمل منها ضمان بقاء العائلة المالكة في السلطة لأطول فترة ممكنة. لذلك كان لهذه الجريمة صدىً واسعاً وتداعيات خطيرة، وردود فعل كثيرة في السعودية نفسها، وفي مختلف أنحاء العالم. (فقد شهدت القطيف، في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية في السعودية مظاهرة ردد المشاركون فيها هتاف "يسقط آل سعود"(1و2)
كذلك خرجت تظاهرات شعبية احتجاجية، في العراق، ولبنان، وإيران، والبحرين، وبكستان وكشمير، وغيرها، وعبر قادة سياسيون بارزون بتصريحات نددوا فيها بالجريمة، ومنها تحذير إيران للسعودية بأنها "ستدفع الثمن غاليا". والغريب أن الحكومات الغربية التي تتباكى على حقوق الإنسان في الصين و روسيا وسوريا وإيران والعراق وغيرها، تسكت عن جرائم السعودية هذه بسبب المصالح الاقتصادية. ولكن هذا الوضع لا يمكن أن يدوم، إذ كما تفيد الحكمة: وعلى الباغي تدور الدوائر، وبا بد أن يكون مصير آل سعود، كغيرهم من الطفاة، في مزبلة التاريخ. [email protected] http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ ـــــــــ روابط ذات صلة 1- بي بي سي: إعدام الزعيم الشيعي نمر النمر في السعودية يثير موجة من الغضب http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/01/160102_saudi_execution_nimr
2- Washington Post: Saudi Arabia’s execution of cleric ignites fury in Iran https://www.washingtonpost.com/world/saudi-arabia-executes-47-people-including-prominent-shiite-cleric/2016/01/02/01bfee06-198e-4eb6-ab5e-a5bcc8fb85c6_story.html?wpmm=1&wpisrc=nl_headlines
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحية للجيش الذي أسقط (أسطورة) داعش
-
إما فيدرالية حقيقية، أو ثلاث دول مستقلة
-
الصندوق الأسود يسوِّد وجه أردوغان
-
في مواجهة العدوان التركي على العراق
-
نكتة الموسم: تحالف سعودي لمحاربة الإرهاب
-
العراق والتدمير الذاتي
-
مخطط لسرقة النصر من العراقيين
-
أردوغان يلعب بالنار
-
هل حزب البعث فاشي؟
-
الغرب يدفع ثمن تغاضيه عن جرائم السعودية
-
في وداع الدكتور أحمد الجلبي
-
هل حقاً أعتذر بلير عن إسقاط صدام؟
-
إزدواجية الغرب مع الإرهاب
-
محنة العراق بين أمريكا وإيران في مواجهة الإرهاب
-
إلى متى يسكت الغرب عن جرائم السعودية؟
-
الشعب التركي يدفع ثمن إرهاب أردوغان
-
الضربات الروسية لداعش تثير هستيريا الغرب
-
الإرهاب هو الجزء الرئيسي من حروب الجيل الرابع
-
في وداع الدكتور محمد المشاط
-
السعودية ترفض اللاجئين لكنها تبني لهم 200 مسجد في ألمانيا
المزيد.....
-
-ميت غالا 2025-.. ما تحتاج إلى معرفته عن أكبر ليلة في عالم ا
...
-
مجزرة كشمير.. كواليس ما يدور بذهن القيادة الباكستانية عن هجو
...
-
الأردن.. وفاة 4 أطفال بحريق سكن مسجد والأمن يكشف تفاصيل
-
بيدرسن: ندعو إسرائيل إلى وقف هجماتها على سوريا فورا وعدم تعر
...
-
محكمة أميركية تصدر حكمًا بالسجن 53 عامًا على قاتل الطفل الفل
...
-
السر المقدّس: لماذا بنى المصريون القدماء الأهرامات؟
-
بوتين يعترف بوجود -رغبة بتوجيه ضربة- لكنه يقاومها
-
الحوثيون يعلنون قصف إسرائيل: كل الأمة ستتحمل تبعات الصمت عما
...
-
أوليانوف: رفض أمريكا والاتحاد الأوروبي التوسط في الأزمة الأو
...
-
الجيش الباكستاني يعلن نجاحه في اختبار صاروخ أرض-أرض بمدى 450
...
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|