|
هل حقاً أعتذر بلير عن إسقاط صدام؟
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4971 - 2015 / 10 / 31 - 22:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استبق توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق نشر (تقرير جلكوت the Chilcot report) عن الحرب التي شنتها قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا وبريطانيا عام 2003 عندما كان رئيساً للوزراء، الحرب التي أسقطت نظام صدام حسين،... استبق نشر التقرير بمقابلة مع قناة CNN الأمريكية، أعرب فيها عن تأسفه على ضحايا الحرب من الجنود البريطانيين وغيرهم، و أنه اعتمد على المعلومات الاستخباراتية البريطانية التي وصلته في وقتها عن امتلاك صدام لسلاح الدمار الشامل، وإذا كانت هذه المعلومات خاطئة فهو غير مسؤول عن هذا الخطأ.
وقد فسر البعض، بينهم كتاب عراقيون وعرب وغيرهم، كلام بلير هذا بمثابة اعتذار واعتراف بالخطأ، وهو في الحقيقة ليس كذلك حسب ما جاء في معظم الصحف البريطانية عدا صحيفة الديلي ميل.
فقد لخص المحرر في الغارديان، روي غرينسديل، آراء معظم الصحف البريطانية الكبرى عن تصريحات بلير، في تقرير له نشر في صحيفة الغارديان اللندنية يوم 26/10/2015 (*)، توصل فيه إلى استنتاج أن معظم هذه الآراء لم تجد أي اعتذار في تصريحات توني بلير، أو اعتراف منه بأنه جر بريطانيا إلى جانب أمريكا في الحرب على صدام حسين كان خطاً. فكلمة آسف sorry)) لا تعني الاعتذار (apology). كما و نسي معظم المعلقين أن بلير قال بكل وضوح أنه من الصعب عليه أن يعتذر عن إسقاط حكم دكتاتور دموي مثل صدام حسين.
فمعظم خصوم بلير ومعارضيه يربطون الإرهاب في العراق بسقوط صدام، ويقولون ما مفاده أن صدام حسين كان بمثابة صمام أمان ضد الإرهاب، ولولا إسقاطه لما تعرض الشعب العراقي لهذا الإرهاب المتوحش. وهذا خطأ آخر يرتكبه معارضو إسقاط حكم صدام. إذ كما قال بلير في مقابلته المشار إليها أعلاه، أن نظام الحكم البعثي برئاسة بشار الأسد في سوريا لم يتعرض للحرب وإسقاطه من قبل التحالف الدولي، ولكنه مع ذلك فهاهي سوريا تواجه الإرهاب منذ 2011، وأكثر من نصف مساحتها محتلة من قبل العصابات الإرهابية الإسلامية المتطرفة، ونصف شعبه مشرد في هجرة داخلية و خارجية، وقُتِل نحو 300 ألف. ويستنتج أن تزامن الإرهاب في العراق مع سقوط صدام حسين هو مجرد صدفة، و لكان قد حصل حتى ولو لم يتم إسقاط حكم صدام... أعتقد هذا الكلام من بلير جداً صحيح و معقول. ونفس القول ينسحب على اليمن ودول أفريقية مثل نايجريا مع بكوحرام وغيرها.
وهناك حقيقة أخرى لم يذكرها بلير، وهي أن نظام صدام حسين كان بحد ذاته إرهابياً يمارس إرهاب الدولة ضد الشعب العراقي وشعوب الدول المجاورة، فتسبب في قتل مليونين في الحرب العراقية-الإيرانية، وهجَّر نحو 5 ملايين عراقي إلى الخارج بينهم مليون من المهجرين قسراً من الشيعة وخاصة الكرد الفيلية لأسباب طائفية، وقتل نحو 300 ألف خلال ستة أسابيع اثناء قمعه الانتفاضة الشعبانية في آذار 1991 بعد طرده من الكويت، وقتل خمسة آلاف في مدينة حلبجة الكردية بالغازات السامة، و180 ألف من الكرد في عملية الأنفال الهولوكست، وأحرق أكثر من خمسة آلاف قرية في كردستان، ودمر منطقة الأهوار في الجنوب وشرد سكانها، إضافة إلى ما لحق الشعب العراقي من الدمار الاقتصادي بسبب الحصار الأممي بعد جريمته في احتلال الكويت، وقائمة جرائمه تطول... ثم لا ننسى أن القائمين بالإرهاب في العراق بعد سقوط صدام معظمهم من فلول البعث الذين جعلوا المحافظات السنية حاضنة للإرهاب الإسلامي الوهابي الداعشي الوافد من شتى أنحاء العالم وذلك لرفضهم الديمقراطية. فحزب البعث هو إرهابي في جميع الأحوال، سواءً كان في الحكم أو خارجه. وهكذا حكم كان من المستحيل إسقاطه من قبل الشعب العراقي الأعزل بقواه الذاتية، ولو كان قد سقط على أيدي العراقيين لكان العراق أسوأ من الصومال وليبيا واليمن.
أما عدم عثور مفتشي الأمم المتحدة على سلاح الدمار الشامل في العراق بعد إسقاط صدام، فهذا لا يعني أن صدام ما كان يخطط لامتلاكها. فهو الذي تباهى أمام العالم أنه بإمكانه حرق نصف إسرائيل، وكان قد حرم الشعب العراقي من ثرواته الهائلة وبددها على عسكرة البلاد والعباد وحروبه العبثية وبرامج سلاح الدمار الشامل، ولا ننسى قصة المدفع العملاق...الخ. وفي هذا الخصوص قال ساميول هانتنغتون في كتابه (صراع الحضارات)، أنه لو تأخر صدام في احتلال الكويت لثلاث سنوات، لما استطاعت أمريكا إخراجه، لأنه يكون عندئذ قد أمتلك السلاح النووي. وهذه الحقائق يعرفها الغرب سواءً وجدوا عنده سلاح الدمار الشامل أم لم يجدوا.
هناك حقيقة أخرى يجهلها معظم الذين يلقون اللوم على بلير في وقوفه مع أمريكا في حربها على طالبان في أفغانستان والبعث الصدامي في العراق. والحقيقة هي أن بريطانيا مدينة لأمريكا في دعمها لها إثناء الحرب العالمية الثانية، ولولا أمريكا لكانت ألمانيا الهتلرية دمرت بريطانيا بالكامل وسيطرت على كل أوربا، و لم يكن عالمنا اليوم بشكله الحالي. ومنذ انتصار الحلفاء على دول المحور، وإعادة إعمار أوربا بفضل أمريكا (خطة مارشال)، ترى بريطانيا وأي كان في الحكومة، حزب العمال أو المحافظين، أن من واجبها أن تقف كتفاً إلى كتف مع أمريكا، سواءً كان بلير أو غيره رئيساً للحكومة. وهذه الحقيقة يدركها صناع القرار على جانبي المحيط الأطلسي. [email protected] http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ ــــــــ رابط ذو صلة * Roy Greenslade: UK national newspapers reject Tony Blair s Iraq war apology http://www.theguardian.com/media/greenslade/2015/oct/26/uk-national-newspapers-reject-tony-blairs-iraq-war-apology?CMP=share_btn_link
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إزدواجية الغرب مع الإرهاب
-
محنة العراق بين أمريكا وإيران في مواجهة الإرهاب
-
إلى متى يسكت الغرب عن جرائم السعودية؟
-
الشعب التركي يدفع ثمن إرهاب أردوغان
-
الضربات الروسية لداعش تثير هستيريا الغرب
-
الإرهاب هو الجزء الرئيسي من حروب الجيل الرابع
-
في وداع الدكتور محمد المشاط
-
السعودية ترفض اللاجئين لكنها تبني لهم 200 مسجد في ألمانيا
-
حول القرار البرلماني بحجب المواقع الإباحية
-
فوز كوربين زلزال سياسي في بريطانيا
-
معضلة الفساد في العراق
-
من المسؤول عن مأساة السوريين الفارين إلى الغرب؟
-
البديل عن حكومة الطوارئ
-
مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ
-
حذار من تحريف التظاهرات عن أغراضها المشروعة
-
حوار مع القراء حول سقوط الموصل
-
هل حقاً المالكي هو السبب في سقوط الموصل؟
-
معوقات الإصلاح السياسي والإداري
-
مرحى لقرارات العبادي الإصلاحية
-
أزمة كهرباء، أم أزمة أخلاق؟
المزيد.....
-
قطر ترفض تصريحات -تحريضية- لمكتب نتنياهو حول دورها في الوساط
...
-
موقع عبري يكذّب رواية مكتب نتنياهو بخصوص إلغاء الزيارة إلى أ
...
-
فرقة -زيفربلات- الأوكرانية تغادر إلى سويسرا لتمثيل بلادها في
...
-
-كيماوي وتشوه أجنة-.. اتهام فلسطيني لإسرائيل بتكرار ممارسات
...
-
قطر ترد بقوة على نتنياهو بعد هجومه العنيف والمفاجىء على حكوم
...
-
موسكو تؤكد.. زيلينسكي إرهابي دولي
-
برلماني روسي يعلق على تصريحات روبيو بشأن حدود أوكرانيا الحال
...
-
-واشنطن بوست-: خبراء يتحدثون عن مشاكل بتنفيذ اتفاقية الموارد
...
-
محللون: نتنياهو يخطط لاحتلال غزة دون تحمل مسؤولية سكانها
-
رحلة إلى عاصمة السفاري
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|