أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -11-















المزيد.....

حدث في قطار آخن -11-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4987 - 2015 / 11 / 16 - 14:39
المحور: الادب والفن
    


دارت هنيلوري نصف دورة فرح، تناولت جهاز التحكم بسرعةِ ساحر، أدارت الريكوردر، غنت مع لويس أرمسترونغ:
"أرى أشجاراً خضراء و وروداً حمراء، أراها تزهر لي ولك، وأهمس لنفسي: يا له من عالم جميل! أرى أصدقاء يحيّون بعضهم البعض، يسألون عن الحال؟ يقولون لبعضهم البعض: أحبك! أسمع بكاء أطفال رضع، أراها تنمو، سيتعلمون أكثر بكثير مما سأستطيع تعلمه، وأهمس لنفسي: يا له من عالم رائع!"

"أَتُراكَ مثلي يا صديقي، أتُراكَ مثلي حبيبي، مرّةً مَهِيضَ الجناحين، لا تقوى حراكاً، عيناكَ غائمتان، حولك عيون، عيون باكية، عيون شامتة، . وأخرى ترقبُ لحظةَ انتهائكَ، وأنتَ لا تدري كيفَ سقطتَ وأين ولماذا؟ أيُّ سِحْرٍ ينقلكَ من حفرةٍ عميقةٍ في الأرضِ، مختنقاً أو تكاد، إلى جبلٍ شامخٍ، لَكَأنّكَ تَملكُ كلَّ النورِ والشمسِ والأرضِ والهواءْ!؟ ومرّةً تفردُ جَناحيكَ وتطلقهما للريحِ وتطيرُ بخفّةٍ، ترقص بعيداً عالياً، ولستَ ترى حولكَ سوى فراش، ياسمين، سوى أقواسِ قزح، يَنْبَعِثُ سَناءٌ شفيفٌ سَّاطِع مِنْ وَرَاءِ الشَّجَرِ والمسافات، يَكَادُ يَنْفذُ إلى أعماقكَ، فيكشف أغوار نفسكَ وخفايا روحكَ، وتُشرق كشمسٍ عند الغروب، وتَبتسم بسكينةٍ وطمأنينة".

جاءت سابينه راقصة على أنغام الأغنية، في فمها سيجارة، تحمل بيدها ظرفاً أبيض، قدمته لها وقالت: هذه هديتنا لكِ يا حبيبة قلبي.
تناولت هنيلوري الهدية، لامستها بحبٍ، ضاق المطبخ على سعادتها، فتحت الظرف، قرأت الأمنيات وبطاقات حجز الرحلة الجماعية إلى لندن، قبّلت سابينه على وجنتيها وضمت أحمد إلى صدرها.
"في الشرق، يخجلُ الإنسان من فتح الهدايا، يتركها مكانها حتى يغادر الضيف، ثم يفتحها، ينظرُ إليها يلعنُ الضيف ويرمي بالهدية... مرت سنوات عليه في الغربة، تعلمَ كيف يفتحُ هدية، كيف يبتسم، يشكر مقدمها وكيف يستخدمُها حالاً بوجود الضيف إذا ما اقتضت الحاجة".

"كان يوماً ساحلياً، صيفياً بامتياز، كان الضجر سبباً للأحلام، كانت الأقدام القذرة وهي تدوسك يومياً دون أن تراها سبباً للخوف، الإخصاءات اليومية سبباً للحقد والبغض... لعل استعمال كلمات مثل الضجر والخوف والإخصاء والحقد والكراهية سيختفي ذات يوم كما اختفى في بعض البلدان البعيدة... كان يوماً حاراً، ينبحُ إسفلت الشارع الوحيد المحفّر ضجراً، هو وثلة من الأصدقاء والمعارف سيلتقون في مدرسة الجامع، قالوا لهم: سَتُقام بطولة للشطرنج في الجامع... ولأنه مثل غيرهِ مراهق يحلمُ بالانتماء، كان ذاك الحدث الشطرنجي أمراً مسلياً له، يحمل في طياته مِعْوَلاً لعزق الضجر ولنَّحْت يومٍ لا يشبه الأيام الأخرى... ارتدى في ذلك النهار أجمل ما لديه لمناسبات من هذا النوع، بلوزة قديمة وبنطالاً بنياً ضيقاً، كان قد فصّله قبل سنتين في ورشة الخياط سمير قرب معصرة الزيتون، بحثَ عن حذاءٍ أنيق يليق بالمناسبة، فلم يجد سوى حذاء الفتوة العسكرية، كان للحذاء في ذاك النهار المشمس رائحة كريهة تشبه رائحة الفتوة، دأب مدرب الفتوة بلا مللٍ أو كلل على تلقينهم عباراتٍ كثيرة... توجب على كل التلاميذ ترديدها غيباً دون أخطاء وإلْا فعقوبة حلاقة الشعر حتى درجة الصفر بالانتظار... وبما أن قوة الجيش في نظامه، فقد اقتضى ذلك أن يحوز القائد على طاعة مرؤوسيه التامة وخضوعهم في كل الأوقات، وأن تُنفذ الأوامر بحذافيرها دون تردد أو تذمر، فالسلطة التي تصدرها مسؤولة عنها... ولأنّ رائحة الحذاء كريهة ارتأى انتعال شحاطة البلاستيك الجميلة والمتشققة بعض الشيء ثم غَذَّ السَّيْرَ إلى الجامع... تتعرق أصابع قدميه، تتزحلق وتأبّى معانقة البلاستيك الرخيص... يٌعيدها بقوةِ دفعٍ أمامية إلى حضن الشحاطة... رغم وهج الشمس لا يتجرأ الإنسان على المشي حافياً في مدن وحارات الشرق الشعبية عن قصدٍ... في بلدانٍ أخرى ينتظرُ الناس الشمس كي يمشوا حُفَاةً عُرَاةً وكأنهم في يوم قيامة... وصل إلى الجامع، هناك اجتمعوا الأولاد والشباب الذكور، لا تلعب الأنثى الشطرنج علانية في الشرق... ضَرَبُوا الْقُرْعَةَ وتَقَارَعَ الْمُتَنَازِعُونَ شطرنجياً في مستويين، مستوى الأولاد ومستوى الشباب، فاز من فاز وأُعلِنت أسماء الفائزين بالمراكز الأولى، وكان من بينهم... كانوا مبسوطين يحلمون ببضع هدايا، وكانوا جوعى وعطشى للماء دون أن يشعروا به... بعد بضعة سنوات من الغربة تعلم شرب الماء... طلبوا من المشاركين الجلوس، تكلم أحدهم، هنأ الأوائل، جاءت الهدايا مغلفةً كالعادة آنذاك بورق الجريدة، حصل كل من الفائزين على هديته، تناول هديته، ضاق الجامع على سعادته، ودّ الهروب إلى البيت شوقاً كي يفتحها... وجاءت الضيافة أخيراً، عبارة عن حبات شوكلاته رخيصة اشتراها الحزب القائد من أحد دكاكين الضيعة المنتشرة في كل مكان، سالت حبة الشوكولا بين أصابعه قبل مداعبة لسانه، مسحَ أصابعه سراً بجريدة الهدية، هم يتحدثون عن التوازن مع العدو وهو يداعب الهدية، تحسست أصابعه كتاباً، ابتسمَ في سره، وخاطب نفسه: ولما لا! مما يشكو الكتاب، لعله رواية من روايات مينه، لعله مجلة ميكي... أخيراً أعلن المشرفون عن نهاية الصلاة، غادر الحضور الجامع، في طريقه إلى البيت مزقَ الجريدة لفرط سعادته، وجد في داخلها كتيباً بغلافٍ أبيضٍ رخيص، اقترب من دكان بائع المشبك والنمورة، تفوح الرائحة، ما زالت الجريدة الممزقة بين أصابعه، لم يرمِ بها في الشارع، ليس حباً بالبيئة ولكن خوفاً، فهي جريدة الحزب... هبط المساء حنوناً، وصل إلى البيت، ترك شحاطته البلاستيكية المتعبة خلف الباب، غسلَ قدميه، دخلَ إلى بهو الغرفة الكبيرة المفتوحة إلى السماء، تتوسطها شجرة التوت الشامخة، سمع أخواته يتحدثن عن انقطاع الماء، وعن ضرورة جلبه من بئر الجيران... كان في طفولته العميقة شاهداً على حفر وتوسيع وتنظيف بئر الجيران القديم... كان ولم يتجاوز الخامسة من عمره فخوراً بزنود أبيه، تلك القوية التي صنعت بئراً للجيران، لمحته أخته، لمحت حزنه وخيبة أمله، دخل إلى غرفة الجلوس والطعام والدراسة والنوم، روى لها الحكاية، نظرَ إلى هديته وقرأ عنوان الكتاب المكتوب بخطٍ واضح: من أقوال وخطابات الأب القائد، تناولَ قلمَ البيك الأزرق، بدأ مراسم السباب واللعنة، شطب الأقوال كلها، الخطابات كلها، خوزق بقلمه الكلمات كلها، ثَقّبَ الصفحات ثم تركَ مهمة إخفاء الهدية لأخته الكبيرة، لعلها دفنتها حرقاً ولكن سراً، نام في ذاك المساء كنوم الخائف، فعين تنام لتصحو عين طويلاً وتبكي على هدية".

جاءه صوت سابينه: أين ذهبت مع ذاكرتك يا أحمد؟ بردت القهوة، لماذا لا تأكل؟
سألت هنيلوري بكامل الجدية والاهتمام: قل لي أحمد، بأي لغة تحلم ليلاً؟
في البداية، استغربَ سؤالها، سأل نفسه: لماذا لم أفكر بلغة أحلامي من قبل!؟ أجاب على سؤاله بنفسه: في الحقيقة، لم يشغلني الموضوع على الإطلاق سابقاً!
تناول فنجان قهوته، أخذ رشفة، ثم أجاب على سؤال هنيلوري: أحلم ليلاً، ربما حتى نهاراً، باللغتين الشرقية والألمانية في الوقت نفسه، كأنني، كما في أحلامي وكوابيسي فعلاً، عاشقٌ لامرأتين في وقت واحد! أحبهما معاً، أداعبهما معاً، اشتهيهما معاً... هذا المزيج اللغوي يلّون أحلامي، يُخمد اهتزازاتها الشرقية وظواهر طنينها الغربية.
كيف كانت ليلتك عزيزتي هنيلوري؟ بماذا حلمتِ؟

بعض الأحلام مثل النجوم، بعيدة المنال، مع ذلك، نحب الصعود إلى أعلى نقطة في الحلم، لنقفز من جديد، أن تروي أحلامك لمن تحب وبكامل إرادتك ورغبتك، يعني أنك مشيت خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء... تنطفئ شخصيتك وتصبح حياتك بلا معنى حالما تبدأ بخسارة أحلامك الليلية عنوة، خصوصياتك اليومية عنوة، أو بالتنازل التدريجي عنها عنوة، للأسرار والأحلام الشخصية قدسيتها وخصوصيتها، لم نتعلمها في الشرق، لم نمارسها، لم نشعر بها، في الشرق يُسطّحون الكُرَة الشَّمْسِيَّة والأرض، يُربِعون القَمَرِ والدَوَائِرِ والشعب، في الشرق يسطّحون خصوصيتك، يرسمونها على سطح بدلاً من وضعها في كُرَةٍ تليق بها، يعرفون تماماً أين أنت في هذا الوقت، يعرفون أين كنت، كيف تتواصل مع الآخري، يعرفون بشكل أو بآخر كيف تفكر وما هو رأيك، يعرفون ماذا تحمل في حقيبتك! يقول الممثل المسرحي الألماني ماتياس ريشتلينغ: أستطيع التحدث إلى عائلتي وأصدقائي عن الله والعالم، ولكن ليس مع الله والعالم عن علاقاتي الخاصة.

الخصوصية هي حق أساسي من حقوق الإنسان، هي مثل الأكسجين الذي نتنفسه، نختنق إذا فقدناه مكرهين، لا يحق لإي إنسان الاعتداء عليه، أو التَطَفُّل عليه، لا شريك الحياة، ولا الأولاد، ولا الأهل، ولا الأصدقاء ولا مؤسسات الحكومة بوصفها المنتهك الأساسي للخصوصية... الخصوصية في بعض اللغات، كما هو الحال في اللغة الألمانية تعني: بريفاتسفيري، بريفات تعني خاص وسفيري تعني الكرة الأرضية أو الطبقة المحيطة بشخص ما... في الغرب كروية الإنسان مقدسة، الإنسان الغربي كائن كروي، الإنسان الشرقي كائن مسطح... إنّها مَأْسَاة التَسَطُّح، نعم للتكويرية في مواجهة التسطيحية.

لا تُسَلِّم نفسكَ إلى المَرأَة التي تحتفل بميلادها يا رجل الدهشة، لا تَتَفَرَّس في حِضْنها أكثر، لئلا تضغَطَ على رقبتكَ أكثر، لئلاّ تَكتمَ النَّفس عليكَ، لئلاّ تتسلَّطَ على قُدرتكَ وتُتلفَ مِيراثكَ، مَزامِيركَ وأَلوَانكَ، انهض من حِجْرِهَا يا رجل، اتركها وشأنها.
هنيلوري، هل حلمتِ في الليل؟
أجابت: اسمع، نعم حلمت، حتى أني استيقظت من حلمي، كتبته لكما قبل اختفاء تفاصيله من ذاكرتي، كتبته لأرويه لكما كما اتفقنا ليلة البارحة!
قاطعتها سابينه: إِذنْ اسمعينا قصتك في الحلم، أنا متشوقة!

"كنتُ واقفةً على متن سفينةٍ، أضعُ سماعات الرأس، اسمعُ الموسيقا وعيوني مغلقة، يَعبَقُ الهواء برائحةِ التوابل، تجتاحُ أنفي ريحٌ خفيفةٌ كأصابع حبٍ تداعبك في الصباحِ، يخاطبني صوتٌ لطيف أو هكذا بدا لي، فأنا أضع السماعات على أذنيّ، جَفَلتُ من الصوت، خفت قليلاً ولذلك نهضت من سريري لأشرب كأس ماء... الطقس بارد، فتحت النافذة، في الخارج اسمعُ صوت ريحٍ، الريح تداعب أغصان الأشجار، تراقصها يمنة ويسرة، كأنها تهز لها الأرجوحة كي تغفو... أريدُ العودة سريعاً إلى سريري قبل أن يهرب النوم من جفوني، لعلني استَأْنفُ حلمي، انظرُ حولي بسرعة فيما إذا قد ضبطتُ المُنَبِّه كي يصلصلَ في الوقت المناسب... صباح الخير، يؤسفني أن أخبركَ أنّ حلمي قد انقطعَ وضاعَ في وهادِ النوم! أتعلم، يبدو أنّ السفينة لم تكن إلا تلك المركبة المتأرجحة على سكة الحديد، المعلقة بالحبال والأحلام التي سافرنا بها عبر جبال الألب... لم يكن صاحب الصوت اللطيف، سوى الجابي الذي تفقدَ بطاقات صعودنا... لقد فتحتُ عينايّ قبل أن يرن المُنَبِّه، ربما لأنني شعرتُ أنكَ أيضاً ترغبُ في سردِ أحلامكَ، لعلّك تحتاج من يسمعها... أو لعلّك، عساك تصيرُ مُنَبِّهي"!


- ضحكت سابينه وقالت: هذا ليس حلماً يا كنزي، بل خاطرة جميلة من خواطرك الكثيرة التي تكتبينها.
- قال أحمد: هنيلوري، لم أسألك بعد، بالمناسبة، هل درست في الجامعة؟
- أجابت: نعم فعلت!
- هل أتممت الدراسة؟ ماذا درست؟
- درست الأدب الألماني والسياسة في جامعة بشكيك الحكومية في قرغيزستان!
- هل اشتغلت؟
- أعمل في إحدى مؤسسات الإعلام...
- قاطعتها سابينه: تعمل معي أيضاً في الترجمة وتعمل مع أبيها في المؤسسة ومع هذا لديها الوقت الكافي لهواياتها.
- جاء دورك يا أحمد، بماذا حلمت؟ سألت هنيلوري.
- السيدات أولاً، الدور على سابينه!
- حسناً سأحكي لكم عن حلمي! قالت سابينه ثم وزعت عليهما سجائرها.

"في تلك الليلة، عندما كنت في السادسة من عمري، حلمتُ أن والدي قد ذهب معي للنزهة فوق الثلج، في يومٍ مشمسٍ... وفجأةً سقط أرضاً، ركضتُ إليه، أخذتُ رأسه بكلتي يداي لمعرفة ما إذا كان قد أصيب بأذى... حينئذ رأيت أنّ جمجمته لم تكن إلا من زجاج سماوي اللون، رأيت ما في داخلها، كان فارغاً بالكامل... نظر إليّ وقال: أشعر يا ابنتي، بأن عظامي قد صارت فارغة، إنها تبدو وكأنما الحياة تتدفق مني ومنها وتسيل إلى الخارج الغامض. كانت تلك اللحظة من اللحظات الحاسمة في حياتي، في تلك الليلة عرفت أنه سيموت لا محالة، ومات قبل هبوط مساء اليوم التالي. كبرت، عادت إليّ الثلوج القديمة قادمة من حلمي العتيق، عندما قرأت صباح اليوم مقتطفات للشاعر الروسي جيفغيني جيفتوشينكي:
وعندما يموت إنسان، يموت معه
الثلج الأول من صباح يوم رمادي،
القبلة الأولى ليلاً
والانفعال الأول.
يأخذ كل هذا معه في رحلته".

خاطب أحمد نفسه: "كيف يتعامل الأطفال مع الموت في الشرق؟ ماذا يقولون، عندما يفهمون أن أحد أفراد الأسرة قد ولى إلى الأبد؟ ما الذي يدور برؤوسهم الصغيرة؟ كيف يبكون ويحزنون؟ كم كتبنا عن كل شيء ولم نكتب عنهم، عن حزنهم ومشاعرهم"!


ضحكت هنيلوري كردة فعل وقالت: وهذا أيضاً ليس بحلم يا كنزي الثمين، إنه خاطرة من خواطرك الحلوة.
سأل أحمد: ألديك الوقت للكتابة يا سابينه؟
أجابت هنيلوري: لا تحاول تغيير الموضوع، الآن دورك يا أحمد!
طلب أحمد فنجان قهوة وسيجارة جديدة، سأكون صادقاً مع نفسي واحكي لكما ما حلمت به فعلاً...

"أخيراً حلمتُ به، كان في سلوكه وجبروته يشبه كائناً قوياً مفتولَ العضلاتِ، لما رأيتُ ظله للمرة الأولى! يشبه كائناً معجوناً من البُرْغُلِ النِّيء، يتَمَدَّدُ على بطنه عالياً في الهواء فوق الأراضي الشاسعة، تستريحُ وجنتاه فوق يديه وتراقب عيناه المدى برضى، والبشر بشفقة... لم تلمح عينايّ طفولةً أجملَ من طفولته ولا بطناً أكبر من بطنه! حين رأيته في المرة الثانية كان نزقاً، غاضباً، جافاً وظمآناً، كان قد ملّ استرخاءته، كسله، تعبَ الفقراء وحروب المخصيين... ودّ لو يموت، ودّ لو يصير أُضحيَّة قربان عيد! رأيته يرتدي جزمةً برقبةٍ تغطِّي سَّاقيه، جزمة أكبر من خارطة بريطانيا، رأيته يحمل سكيناً حادة بحجم خارطة المسماة اسرائيل، يمزق بها صفحة الغيوم الوديعة، تتشققُ الزرقاء، يُدخلُ أصابعه بين شقيها... بكلتا يديه والسكين في فمه راح يُبعد حافتي الحز عن بعضهما البعض.، يكبرُ الشق وتكبر معه طبقة الظلمة، لا شيء إلا السواد، يخيبُ أمله، تتأوه الغيوم، تبكي، تنزف من الألم، يتبلَّل وجهه بماء المطر، تضعف حركته، تتفكك ارتباطات جزيئاته البرغلية، يبدأ جسده بالانهيار، يفتح فمه، ينفخُ غضبه في وجه الزرقاء انتقاماً، تَتَشَظَّى الوديعة، تَدخل في عينه اليسرى شَظيّة تُعميها، يصرخُ و بقبضة يده اليمنى يمسكُ طائرات وسفن مسافرة دون مسافرين أو طواقم قيادة، يعصرها بين يديه، يلوكها و يبصقها... يسحب السكين من بين شفتيه، يغرزها في بطنه الكبير، تتساقط منه كتلاً من البُرْغُلِ المطبوخ بدموع الغيوم وآهاتها، والمُبَهَّر بشهقات النار، تصل الكتل البُرْغُلِية إلى الأفواه الجائعة، ينظرُ بعينه اليمنى إلى جموع الجائعين، تسقط منها دمعة كبيرة لتروي عطشهم بعد شبع! يتسعُ الصَّدْعُ، تمتد أيادٍ سوداء مجهولة الهوية، تسحبُه إلى الأعلى لمعانقة جراحه".

- صاحت هنيلوري منتشية بسيجارة البولمول: تماماً يا أحمد، هذا يسمونه حلم، هكذا يحلم الشرقي، هذا ما توقعته منك.
- ومن يكون هذا الجبَّار في الحلم؟ سألت امرأة البولمول.
- تجاهل أحمد سؤالها وقال: أعطني سيجارة بولمول بعد أمرك، ما أقبح أن تتحدث إلى النساء دون سجائر.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في قطار آخن -10-
- حدث في قطار آخن -9-
- حدث في قطار آخن -8-
- حدث في قطار آخن -7-
- حدث في قطار آخن -6-
- حدث في قطار آخن -5-
- حدث في قطار آخن -4-
- حدث في قطار آخن -3-
- حدث في قطار آخن -2-
- حدث في قطار آخن
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -52-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -51-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -50-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -49-
- المرسم
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -48-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -47-
- يانصيب الفرح
- قصة فيسبوكية قصيرة 2
- قصة فيسبوكية قصيرة 1


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -11-