أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - المرسم














المزيد.....

المرسم


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4941 - 2015 / 9 / 30 - 12:47
المحور: الادب والفن
    


استيقظتْ من النوم متأخرةً على غير العادة. إنه أول أيام العيد. فتحت النافذة لتهوية غرفة الجلوس المفتوحة على المطبخ. انهمرت زخات رصاص. أغلقتها بسرعة و ابتعدت عن المكان. استندت إلى الحائط خائفة، قالت بحزن: لا وقت للإنسان في هذا البلد، كي يسأل الرصاصة من أين تأتي؟

عانقتها أمها، مسحت على ظهرها و تمتمت: لا تخافي، لعلها جنازة جديدة.
أجابت الشابة التي لم تتجاوز الخامسة عشر من العمر: و كأنهم يتقصدون إحضار المساكين في العيد، يا أمي!... لقد اشتقت لأخي، متى يرسلونه لنا في إجازة؟... سأقيده هذه المرة، سأمنعه من مغادرتنا.

دخل الأب إلى الغرفة بمزاجه الرائق، قادماً من غرفة مكتبه، يحمل في يده كتاباً. وضع الكتاب الذي يقرأه على الطاولة. عانق الزوجة و ابنته الصغيرة. سأل عن قهوته من جديد.

توجه بالحديث إلى ابنته الصغيرة: ما الأمر؟، لماذا تأخرت بالنوم؟، هل أنت مريضة؟ لا تنسي أنك هذه السنة، في الصف التاسع، يعني شهادة!... و النشاط ضروري... و ضحك بصوتٍ عالٍ.

اندفعت الشابة إلى غرفتها وعادت و في يدها كتاب التاريخ. قالت و قد بان الغضب و الانفعال على وجهها: اسمع يا أبي ما كتبوه لنا!...
جاء في الصفحة 115 حرفياً: نُحي الرئيس بورقيبة عام 1987 وأصبح زين العابدين رئيساً. في ربيع 2011 انفجرت انتفاضة شاملة ضد سياسته تنحى على إثرها عن منصبه.
جاء في الصفحة 77 من نفس الكتاب: قامت حركة معارضة شعبية ضد رئيس اليمن علي عبدالله صالح و تنحى على إثرها.
و إضافة الى ذلك جاء في الصفحة 120: استطاعت بعض الفصائل المسلحة إنهاء حكم العقيد القذافي في تشرين الاول 2011 .

ثم استأنفت: بابا، وتريدني أن أقرأ؟... أخبرني أولاً: أليس هذا إقرار رسمي تربوي بشرعية "انتفاضات الربيع"؟
أحضرت الأم أبريق الشاي و ركوة القهوة. تدخلت قائلة: بلى، إنه اعتراف واضح وصريح من الحكومة الوزارية...

ضحك الأب وقال: أما في سورية، يا ابنتي، فلدينا ثورة شرعية واحدة هي ثورة البعث... ثورة أوصلت البلد للدمار... ثورة تسمح للمتظاهرين، خاصة مع قدوم الربيع من كل عام، بالرعي في كافة حدائق القصر...
اختفتْ ابتسامته، تغيرتْ معالم وجهه.

يرن جرس تفون البيت، تذهب الأم لاستقبال المكالمة، ثم تعود مكفهرة...
الابنة: خير ماما، هل حدث لبيت جدي مكروه؟
الأم: أنباء عن تفجير إجرامي، وحشي بشع لسيارة مفخخة في المحطة...
الابنة: ماما، هل هناك ضحايا؟
الأم: عشر قتلى و عشرات من الجرحى...
الأب: الرحمة لأرواح الوفيات و الصبر و السلوان لذويهم و الشفاء العاجل للجرحى...
الابنة بخوف: بعض صديقاتي يعيشون بالقرب من هناك...

الأب: إحساسي في هذه الفترة باليأس يزداد يوماََ بعد يوم... أصبحت أشعر اليوم تماماً بما كتبه الشاعر الألماني هاينريش فون كلايست، "بأنني مجروح لدرجة أني حين أخرج أنفي النافذة، فإن ضوء النهار يؤلمني، إذ يسطع على وجهي".

الأم: لكني أرجو ألا تتولد لديك الرغبة في الانتحار بسبب قلقك... لأنني حينها سأكون رفيقتك "هنريته فوجل"، وسأكون طواعيةً أول وآخر ضحاياك على شاطئ البحر، سأتركك تطلق الرصاص عليّ بموافقتي ثم على نفسك...
هز الأب رأسه نافياََ: لن يصل الأمر إلى الانتحار... الانتحار ليس ثقافة... الثَّقافة العميقة مقاومة، تحدي، اِخْتِصَاص وعمل دَؤُوب...

تضايقت الابنة، حاولت تغيير الحديث: يا جماعة، لم يسألني أحد، لماذا تأخرت بالنوم؟
الأم: قولي لنا، ما السبب؟

الابنة: لقد هاجمتني الكوابيس طيلة الليل، حلمت بالدم والأشلاء، بانفجارات في باحة المدرسة، في الساحات... حلمت بالهرب مع أصدقائي، حلمت باللجوء... و ها هي كوابيسي تم تفسيرها عن طريق هذا النقاش و تفجير المحطة ...

الأب: لا عليك، الحلم و الكابوس يلعبان دوراً مهماً بالتكيف مع الأوضاع السائدة في سوريا منذ عشرات السنين... لقد تكلم أحد أصدقائي المحترمين في إحدى مقابلاته مع الإذاعة عن أهميتهما، فهمت منه أنه يرغب ذات يوم، بالكتابة عن موضوعة: "دفاعات السجين السياسي التكيفية ضد القمع عبر الحلم والكابوس في المعتقل".

تثائبت الابنة، ودت الذهاب إلى الحمام، لمحت على الطاولة الكتاب الذي يقرأ به الأب. نظرت إلى العنوان مستغربة. ثم سألت بفضول: ماذا تقرأ يا أبي؟... "يوميات يهودي..."؟
الأب: أخطط لترجمة كتاب الصحفي إبراهيم الجبين "يوميات يهودي من دمشق"...
الابنة: ما الذي شدك للكتاب؟

يمسك الأب الكتاب بين يديه، يفتحه على صفحة قد طواها، ويقرأ لها:
"إنسان العالم الجديد يهودي، حتى دون أن يعرف شيئاً عن الدين، الأرض ستنفتح على بعضها ونصبح كلنا شعب واحد".
الشابة: بابا، أعتقد أن الكاتب واهم، يحلم بترهات سوف لن تتحقق...
الأب: ولكن كل المؤشرات تقول: هذا ما سيحدث!...
حتى أنّ صديقي كمال قد كتب في صفحته:
"الجغرافيه القادمة يرسمها الأقوياء، وسوريا ليست إلا المرسم".
"هي اللعبة الكبرى فلا تختزلوها".



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -48-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -47-
- يانصيب الفرح
- قصة فيسبوكية قصيرة 2
- قصة فيسبوكية قصيرة 1
- السرسكية
- حَسْنَاءُ بِسْنَادا
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -46-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -45-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -44-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -43-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -42-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -41-
- جراح أدونيس
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -40-
- بُوْظَة وشَّاي
- من مذكرات ضابط
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -39-
- موسيقا المفرقعات
- خبرات جنسية قرغيزية بسندلية


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - المرسم