أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -10-















المزيد.....

حدث في قطار آخن -10-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4985 - 2015 / 11 / 14 - 03:00
المحور: الادب والفن
    


- عزيزتي هنيلوري، وأنا سأقول: كم هو الانسان معجون بالطيبة والصفاء والسريرة النقيّة!
- قالت سابينه: للميدالية وجهان وللسيف حدّان... لقد تأخر الوقت، شارفت الساعة على الرابعة صباحاً، يجب أن نذهب للنوم، أمامنا الكثير لنعمله استعداداً لسهرة عيد ميلاد هنيلوري...
- أجاب: أريد أن أنام أيضاً، لقد دخنت كثيراً هذا المساء، هل تسمحين لي هنيلوري الآن بتقديم التهانئ؟
- أفضل بعد الاستيقاظ...
- أتمنى لنا جميعاً ليلة هادئة وأحلام حلوة... قالت سابينه.
- على كل منا أن يحكي حلمه عند الفطور... قالت هنيلوري.
- لا أنام كي أحلم، بل كي أنسى! قال أحمد.
نظر إلى لوحة الخشخاش من جديد وقال: يا الله، كم هي جميلة زهور الخشخاش!
ضحكت المرأتان وقالتا بصوت واحد: لا تقلق، سندعها تخشخش لك ولنا ليلة الاحتفال...


- أين سأنام؟ هل سننام سوية في غرفة واحدة؟
- السماء لا تُمطر إلا امرأة واحدة كل مساء! أجابته هنيلوري.
- في غرفتي ستنام، السرير يتسع لي ولك، لا تقلق، لن أزعجك، فأمامك عمل، أجابته سابينه.
"السرير عريضٌ، غرائبيٌ ودافئ أكثر مما تسمح به الشرطة في عاصمة الحب، في زقاق ديماري!
هل علقت به رائحةُ السمك!؟
هي انبسطت حتى الدمعِ فهو لحسَ عطرها...
شمّها في كل مكان... من كل مكان...
نامَ بين فخذيها، استحمّ بالنبعِ...
استراحَ رأسه على بطنها، دون أن يؤذيها كما لم يفعل جان جرونوي مع نسائه!..."
شعر بالإنتماء...
- أريد أن أشاركك في شراء هدية مناسبة للحلوة هنيلوري...
- لماذا تقول حلوة؟
- عفواً، لم أقصد!
- لا، لا تحتاج لذلك، سأشتريها من نقودي...
- لكنني أرغب في المشاركة!
- لقد طلبتها وأحضرتها، انتهى كل شيء... لا تستعجل، سيأتي اليوم الذي ستدفع فيه دائماً!
- ماذا تنوين أن تقدمي لها؟ متجاهلاً ما سمعه منها...
- ستكون هدية عيد ميلادها رحلة جماعية إلى لندن!
- مع من؟
- هي وأنت وأنا...
- أحلام جميلة...
قبلها، نامت عارية بين ذراعيه، ونام يحضنها بين ذراعيه...


استيقظ من نومه العميق مرتاحاً، الجسد خفيف، الرأس فارغ إلا من بقايا أحلام، السرير فارغ إلا من رائحتها، نظر إلى ساعة موبايله، النهارُ شارف على الاِنْتِصاف، تذكر أنه قد وضع ساعته اليدوية في الحقيبة، أين الحقيبة؟ غرفة نومها أنيقة، أربعة حيطان بألوان أربعة، الأحمر والأصفر والزهري والأخضر الزيتوني...
على الحائط الأحمر عُلقت لوحة الحواس الخمسة للفنان النمساوي هانز ماكارت... خمس لوحات جانب بعضها البعض، المرأة عارية، المرأة تلمس طفلها، المرأة تسمع وقع خطوات حبيبها، المرأة تبصر نفسها في المرآة، المرأة تشم زهوراً برية، المرأة تتذوق تفاحة... بحث عن خزانة الملابس، لم يجدها...
في الحائط الأصفر نافذة مغلقة، أسفلها مكتب صغير وكرسي، في الحائط الزهري باب خشبي أبيض، الباب الذي يقود إلى امرأة الخشخاش موصد، في الحائط الزيتوني ثمة باب زجاجي يطل على الشرفة، الشرفة تطل على الغابة، الأفق وراء الغابة، وقطار الخلاص وراء الغابة، ومحطة القطار خلف الغابة، والغابة ممتدة في كل الجهات، ودروب الهروب والهزيمة تمر عبر الغابة...


اليوم سبت، عطلة نهاية الإسبوع، جرت العادة في هذا اليوم وفي هذه الساعة أن يغادر غرفته الصغيرة في مدينة آخن، أن يخرج إلى الغابة لاصطياد المؤخّرات، لمؤخّراتهن صدى في الذاكرة، إنهن الدرب إلى موسيقى السعادة والتأمل...
"... تعدو في الغابة الخضراء إِمْلالاً، مُستجَمّ بأشعة الشمس الخجولة... تركض وحيداً، بطيئاً وهائماً على وجهك... تنظر إلى ساعة معصمك: يا ربيّ، متى تنقضي ساعة الواجب الأسبوعية؟ تعضّ على أسنانك وتتابع الهرولة... وإذ تلمح أمامك على بعد عشرات الأمتار مؤخرة أنثوية ألمانية الصنع، رياضية و متناسقة... تَدِبُّ الحَماسَة في داخلك، تعدّل قامتك، ترفع رأسك، تشد ظهرك إلى الوراء قليلاً، تُجهد نفسك بالتحكم في الشَّهِيق والزَّفِير... تحاول أن تبدو رياضياً متفائلاً! ما هي إلّا بضع ثوانٍ... تقتربْ منك المؤخرة! تتأملُ ارتجاجاتها واِخْتِلاَجاتها المتناغمة!

تشكر في سرك أبي العلاء ورواية الغفران، تقول راجياً: ربّي زدها بوصة أو بوصتين، ربّي لا تجعل منها كَثِيب رَمْلٍ وتضحك، تُعجبك الموخّرة، يُعجبكَ سعيها الحثيث لبلوغ الهدف، تُقارنُ جمالها وتناسقها بجمال وشباب الجسد الحامل لها... تتمّهلُ بخطواتك أكثرَ فأكثر، تتظاهرُ بالتعب قليلاً، تصبحُ على موازاة الوجه، وجه المؤخرة! تنظرُ إليه بزاوية عينك اليمنى... تبتسمُ له إن أعطّاك الحق في ذلك أو إن لَمحت فيه جاذبية حنونة... وإذْ يبادلك الوجه جمال الابتسامة، تسألها: أترغبين أن نهرول بقية الغابة سويةً؟ وإذْ يضيع جوابها مع الريح، تكرر السؤال: أترغبين أن نهرول بقية العمر سويةً؟ تتمتمُ حتى لو لم تنتبه إليكَ: وفدى خفيك كل من ركض في الغابة وهو لا يعرف للمؤخرة مقاما..."

فرك عينيه من جديد، سأل نفسه: أين أنا؟ أين أنام؟ هل نمت مع خيالاتي؟ أين هم سكان البيت؟
ينزل من سريره حافي القدمين، نصف عار من كلِّ عيب، يفتح الباب، في الخارج أصوات، خارج الباب رائحة... ثمة فرح ينتظره.
قال في سره: أعدّي لي القهوة والسجائر كي أستريح...
صاحت هنيلوري: يا ملك! القهوة تنتظرك، البولموك يشتاقك، الفطور يشتهيك وامرأتان ترغبان بالاستماع إلى أحلامك...

"عندما لا يجلبُ الصباح معه ما يحتاجُ إليه،
يعاتبه، يعانده و يطلبُ من الظهيرة بإلحاحٍ أن تسرع بإحضاره...
بالكاد اعترضَ الفرحُ طريقه هذا الصباح! سرعان ما استعمله كمفتاح،
فتحَ به نوافذ روحه وأبواب وسائل راحتها،
ليُمَتّعَ نفسه بالدهشَة اليومَ بأكمله..."

"ثلاثمائة وستون درجة وتتشّكل دائرة جديدة، دائرة تُضاف إلى دوائرها الثلاثين الماضية، صار عمرها إحدى وثلاثون دائرة، دائرة يبلغ قطرها مقدار قامة هنيلوري الرشيقة، 175 سنتيمتر، تتوّحد في مركزها حروف اسمها، حينئذ تكتمل دورة! تتدحرج الدائرة في شوارع المدينة بهيّة، تَلمّحَها الأحذية النسائية الواثقة بأناقةِ موديلاتها، أحذية معروضةً بكامل الدهاء في واجهات المحلات الراقية... تقترب الدائرة من المستوى الشفاف النظيف، تفرمل دراجتها، تتقافز الحروف من مركزها، الهاء والنون والياء واللام والواو والراء والياء التؤام، تعود هي، هنيلوري من جديد، تمد الأنيقة أيديها نحوها، تملأ الشارع فرفشةً، تناديها ماما، ينتابها إحساس بمرح مفاجئ، تبتسم، كيف لها أن تقاوم هكذا نداء؟ تدخل بشوقٍ إليها، تقترب منها أكثر، تنظر إلى ليونتها، تناسق ألوانها وإطلالتها الجريئة، تختار منها ليلكي اللون، تعتذر من البقية بلطفٍ، تستأذنها وتمضي، تمشي بخطى، ترنو البقية إليها بحزنٍ، قلبها لا يطاوعها على تركها وحيدة، لكن العقل صنديد! تدفع الثمن، تحرره من أنامل البائعات الطرية، تضمه إلى صدرها، تداعبه بحنان، تُعمّده باسم هني، تهمس له: أنتَ ابني الوحيد الذي به سررت، الذي لطالما انتظرت! أنتَ هدية عيد ميلادي... تتابع أحلامها فيلمحهُا محل زهور، تسمع عبق روائحها، كم أتعبنها صديقاتها حتى فهمن أن للأزهار أصوات وروائح لابد وأن تُسمع، لو يصغين قليلاً فقط! تصهل الأزهار شهوةً، تتمايل لها بغنجٍ، تلثم وجهها من كل مكان! تبلغها التهانئ والأمنيات بعيد ميلادها... تتذكر من يتتظرها في البيت، تشتاق بصمت، تشتري لذكرى غيابهم باقات بنفسج، عربونَ حُبٍّ صادق... تدخل إلى الدائرة من جديد، إلى تلكَ التي حاول الشاعر تربيعها بدون جدوى! تعتلي دراجتها وتعود لإعداد مائدة فطور تأخر بعض الشيء".

وقفت هنيلوري بكامل تألقها، وقفت حائرة تتأمل طاولة الفطور، البنفسح سيد المكان، غطاء الطاولة، الصحون وفستانها، في كل زاوية ثمة باقة بنفسج، خاطبتْ سابينه: هل نَسينا شيئاً؟
دخل إلى المطبخ، مازحها ببهجة: "وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي".
عانقها، قال: في عيدِ ميلادكِ أتمنى لكِ النجاح، الحب، الحظ والصحة.
قالت: اليوم، دونَكَ ما تُريدُ.
قال: تقتلني ذاكرة الشم، العطر يفوح من مسامات جلدك، شعرك وفستانك.
تَّدَنّت منه وهمست: تستطيع أن تَشمّني! أن تَشمّ جِسْمي العَطِر في كل مكان.
لم تنتظره كي يستَّدنِّيْها، ودون أن يدري شرب الماء من فمها، وبلَّلَ به شفتيها، استشمَّها، اِسْتَنْشَقته.
همست بلغتها: شكراً.
همس بلغته: الشكرُ مستمرٌّ بكِ.
أَشرَقتْ وسطَ الضباب، غمرها الفرح شلال ياسمين...
ارتبكتْ، صارتْ حوريّة بحر...
ارتعشتْ وحباً بكتْ، صارتْ فراشةً وطارتْ...
سألوها ما الحكاية؟
قالت: أَما أَخْبَرْتُكُمْ!؟ إنّه الساحر!
لن تُصَدِّقُوا!
كتب تعويذته وأرسلها عبر القُبَل الحارّة.
قالا بصوتٍ واحد: أين اختفت سابينتنا؟



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في قطار آخن -9-
- حدث في قطار آخن -8-
- حدث في قطار آخن -7-
- حدث في قطار آخن -6-
- حدث في قطار آخن -5-
- حدث في قطار آخن -4-
- حدث في قطار آخن -3-
- حدث في قطار آخن -2-
- حدث في قطار آخن
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -52-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -51-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -50-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -49-
- المرسم
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -48-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -47-
- يانصيب الفرح
- قصة فيسبوكية قصيرة 2
- قصة فيسبوكية قصيرة 1
- السرسكية


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -10-