أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - أسألك : كيف ترى الله – قضايا فلسفية 2















المزيد.....


أسألك : كيف ترى الله – قضايا فلسفية 2


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4979 - 2015 / 11 / 8 - 21:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


– قضايا فلسفية 2
- نحو فهم الوجود والحياة والإنسان (38 ) .

أعتنى فى كل كتاباتى بنقد ونقض فكرة الإله والأديان ليجد قلمى سبيله فى دحض الخرافة والسذاجة البشرية وذلك بمخاطبة العقل والمنطق والمعرفة والعلم موضحاً ومثبتاً أن فكرة الإله والأديان إبداعات إنسانية محضة لا تخرج عن حدود فكر وخيال الإنسان , فأى محاولة للتعمق العقلانى المنطقى فى الحالة الوجودية والإنسانية ستصب فى النهاية إلى نفى وجود إله كوجود مستقل وفضح الأديان والمقدسات كفعل وإنتاج بشرى .
راق لى طرح فكرة من خلال سؤال فهى تعطى صدمة وإثارة لتطلب من العقل التحفز والنشاط , وعلى أثرها قدمت مقالى السابق لماذا نعيش الحياة وما معنى وجودنا ؟ واليوم نسأل سؤال جديد : كيف ترى الله ؟ هذا السؤال قد يبدو غريباً فلا يوجد أحد يجرؤ على القول أنه رأى الإله وعاينه لنطلب منه حالة تخيلية تصورية , فهل يجوز حينها سؤال كيف ترى الله ؟
خربشنا كثيرا فى فكرة الإله من حيث تناقضاتها الداخلية وفق معطياتها وفرضياتها الدينية ليظل هناك الكثير مما يمكن أن يُقال فى نفى وجوده , ولكننا فى هذه الخربشة سننحى نحو جانب آخر وهو إثبات أن الآلهة بلا وجود فلا تخرج عن كونها أداء ببغائى فى الإعلان عنها , أو فكرة خيالية إختلقها الإنسان لتفى إشكاليات ذهنية ونفسية فى علاقته مع الطبيعة , فلا وجود للإله فهو لا يعدو سوى فكرة ظنية متوهمة أراد الإنسان أن يجعل لها وجوداً فى ظل إخفاقاته وصراعه مع الطبيعة .. وإذا كان هذا منشأها فقد تحول فكر وخيال القدماء عن الإله إلى أداء بغبغائى على يد المعاصرين بلا أى مضمون !! , سأحاول أن ألقى بمجموعة من أفكارى ورؤيتى الفلسفية مشبعة بنظرة علمية تستقى رؤيتها من جدلية الطبيعة فى خضم تفحص قصة الآلهة لنؤكد أنها فكرة وليس وجود ولنصيغها فى سؤال : " كيف ترى الله" أى ما هو تصورك لذاته وكينونته .
عندما أسأل هل ترى الله فيكون سؤالى فى تخيل وتصور وجوده , فأنا أعلم يقيناً أنه لا يوجد مؤمن بوجوده يستطيع الزعم برؤيته ومعاينته , ولا أنتظر من ساذج قوله ألا ترى مخلوقاته وإبداع الكون ألخ , فهذه الإجابة خاطئة ومهترئة بمنظورين , الأول أننا لا نتحدث عن الفعل والصنعة بل نسأل عن الكينونة والذات والكيان , لأتذكر قول أحد المؤمنين بأنه لا يدرك شيئا عن ذات الله وليس له أن يفكر و يسأل عن ذلك ورغم ذلك يعلن أن لديه يقين بوجوده ! . أما المنظور الثانى الخاطئ فهو يُبنى على الظن والإستنتاج والإنساب بطرح فكرة أن هذا الوجود من إنتاج إله عاقل بالرغم أنهم ينفون عنه صفة العقل والتعقل عندما يتحدثون عن صفاته , وليبقى منظورهم للإله ظنى الفكر بدون القدرة على إثبات هذا الفعل أو إثبات أن هذا السَبب جاء من ذاك المُسبب حصراً وليبقى سؤالنا مطروحاً : كيف ترى الإله ؟

* لم أكن مخطئاً حينها , المادة والوعى .
- فى الطفولة المبكرة التى لم تتعدى السنوات الاربع أتذكر هذا المشهد الباحث عن الله حيث تتكون أجنة معارفى .. لم أكن عنيداً حينها بل راغباً أن أستوعب مايقولونه بعقل إمتلك فى مهده قدرة على الخربشة بأظافر ناعمة.. عندما كان يُذكر اسم الرب يستدعى ذهنى حينها صور المسيح ذو الملامح الأوربية المعلقة على جدران منزلنا والتى كانت تفتنى بفنها التصويرى , ولكن أبى ذكر لى حينها أن الرب ليس كهذه الصور فهكذا تخيل فنان لهيئته وقت تجسده ومكوثه فى الارض , ليرفع أصبعه ويشير به للسماء حيث مسكن الرب وملكوته .. لذا بدأت عيونى تدقق وتحدق ملياً فى السماء باحثة عن الرب ليهدينى خيالى ذات مرة لتلمس ملامح لوجوه تتخلق فى الغيوم لأرى رأس إنسان بحجم كبير وسط الغيوم الملبدة لأهرول لأمى ذات مرة وأصرخ لقد رأيت الله , لتندهش من كلامى , لأشد يدها وأدعوها للشرفة وأشير بملامح الله .. أنظرى يا أمى هناك .. هاهو الله .. هاهى رأسه وذاك أنفه وجبينه وهاهى لحيته البيضاء الطويلة فتندهش أمى وتعقب "سبحان الله المجد لك يا رب"! فأدرك أن رؤيتى صحيحة لأهرول لأبى وقد إمتلكت الثقة فى إكتشافى لأدعوه لرؤية الله فيندهش من المشهد , ولكنه يحطم تصوراتى فيقول هذه غيوم وسحب تشكلت والله ليس هكذا .. لأقول له ألم تقل أن الله فى السماء , فيبتسم معلناً أن الله كبير وهائل وليس على هيئتنا .!
خاب ظنى فى إدراك الله وزادت حيرتى فأبى يقول أن الرب ليس على هيئتنا لأسأله هل شاهدت الله فيجيب بالنفى , لأعقب بسؤال كيف عرفت الله يا أبى ليقول : الله خالق السموات والأرض وكل شئ وأننا لا نستطيع رؤيته ليبرز تأمل رائع متحرر من القيد عندما أفكر فى هذا الكيان الذى يرتبط بالوجود لأبحث عن وجوده فيذوب فى الوجود ويتوه سؤال وجوده فأنا لا يعنينى فعله بقدر إدراك ماهية وكينونة الله ذاته .
http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRpF3siN3_DKrtso9TBJ3STQgiIOpyAMdXxt72eCUuV1T9pMmHqOw
http://women.bo7.net/14/06/images_lgi8.jpg
http://www.farfesh.com/pic_server/articles_images/2013/10/09/560_man.png
http://photo.accuweather.com/photogallery/2009/8/500/f4c9d587b.jpg
http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQYg1YpmAYrRUnSTwKk-s6xNG_W0ZXY41kYUIcA7HnNqs017dv3
هذه بعض الصور من الطبيعة تتقارب مع نفس الصور التى كنت أتخيلها فى الطفولة للرب .

- عندما أتذكر الآن الصور التى كنت أتخيلها للرب من خلال الغيوم والسحب فى السماء أجد أننى سلكت فكراً طبيعياً فطرياً منطقياً فلم أكن مخطئاً حينها عندما إمتد خيالى ليعانق السحاب ويستخلص ملامح للإله فهكذا الوعى البشرى وأداء العقل وآفاقه وبروجرام تشغيله فى استيعاب الفكر والوجود .. بالطبع لا تكون فكرة الإله بهذا الشكل المتخيل حصراً ولكن لا وجود لفكرة الإله إلا فى حالة تخيلية تستقى ملامحها من الوجود المادى بغض النظر عن تنوع الصور المُختلقة داخل ذهن كل إنسان .

- لا وجود بدون ملامح وتكوينات ومحتويات مادية فيستحيل أن يتواجد وجود بدون أن تتحدد ملامحه المادية , فشفرة الدماغ لا تتعاطى ولا تستوعب إلا الوجود المادى ليقفز السؤال عن ماهية الله .
الإله بالنسبة للإنسان لن يخرج عن معطيين لا ثالث لهما , إما وجود وإما فكرة , الوجود يستلزم أن يكون وجود مادي مستقل يمكن إدراكه بالحواس المادية وما يسعفها من تقنية ووسائل مساعدة تُعين على الإدراك أو يكون الله فى إطار فكرة كمُنتج من منتجات الذهن البشرى .

- فلنتعمق فى هذه المفارقة بشكل أعمق ..الوجود يتمحور فى المادة والوعى فقط ولا ثالث لهما , فالمادة هى كل الوجود المحسوس ويمكن الإستدلال عليها , بينما الوعى منتج لامادى من منتجات الذهن البشرى كإنعكاس الواقع المادى على الدماغ .

- عندما نحاول البحث فى الوجود فهذا يعنى البحث عن ماهية ورؤية الإنسان ومنطقه وإحساسه وإنطباعاته فهو الكائن الوحيد الذى يستقبل الوجود بوعى ليضع عليه رؤيته ونظرته لذا يكون فهمنا للوجود هو إدراك أبعاده النفسية وآفاق ومحددات تفكيره ومدارات وآليات الدماغ فى تكوين الفكرة .

- الفكر هو حركة الواقع وقد إنتقل لذهن الإنسان فلو لم يكن هناك حركة للواقع المادى ما كان هناك فكر ولا حياة لذا من الخطأ تصور أن الفكرة مُبدعة الواقع فهذا هو الهذيان بعينه .. هى إنتاج حركة الواقع لتصاغ فى منتج فكرى يُبدل من مشاهده ويعاد ترتيبه فقط لتتجادل بعد ذلك مع الواقع .

- لا يوجد معنى لأى شئ فى الوجود بذاته فهو إسقاط إنطباع الإنسان الحسى على الأشياء وفقا لمدارات ودوائر اللذة والألم , ولا ينشأ المعنى بدون واقع مادى يسبقه ويخلقه ليكون لكل إنسان معانيه الخاصة , ويشترك مع المجموع فى المعانى وفقا لتشابه التكوين البيولوجى والتجارب الحسية والخبرات وفعل الثقافة المشتركة .

- الوعى نتاج التفاعل بين الدماغ والوجود المادى وهذا الوعى يشبه المرآة التى ينعكس عليها الأشياء , فالجسم الذى نراه فى المرآة لا يكون موجوداً بذاته بل إنعكاسه عليها لذا لا وعى خارج مرآة الوعى المُدرك للمادة .

- المادة سابقة على الوعى , فالطبيعة تواجدت أولا بكل مشاهدها المادية قبل ظهور الإنسان على مسرح الحياة ومنها يستقى الإنسان من صور الطبيعة ويختزنها فى ذهنه .. التفاحة والسمكة والفيل وأشعة إكس صور لموجودات مادية قبل نشوء الوعى بها ليتكون الوعى من الإحتفاظ بهذه الصور فى الدماغ وإقامة علاقات بينها وإسقاط إنطباع عليها .

- تكون الأفكار تجميعات لصور من الطبيعة وإيجاد علاقات بينها لتنتج ما نعتبره أفكار منظمة أو خيالية , فالأفكار المنظمة المنطقية هى ترتيب للصور المادية وفقا لمشاهدات وملاحظات وخبرات ومسببات متكررة خاضعة لقانون المادة , بينما الفكرة الخيالية هى لصق الصور بطريقة غير مرتبة وغير خاضعة لملاحظات منطقية منتظمة , تأتى من تَأثر الدماغ بعامل كيميائى كالمخدرات أو إختلال فى وظائف الجسد الكيميائية أو كيمياء متقدمة مثل التى لدى المُبدعين .

- الأفكار المنظمة أو الخيالية على السواء هى منتجات من تأثير الواقع المادى فيستحيل أن تجد أى فكرة إلا وتكون مفرداتها وكل محتواها من صور مادية سقطت على الدماغ , فحتى الأفكار الخيالية الفنتازية أو ما تُدعى بالميتافزيقية ستجد مكوناتها من صور مادية تم لصقها بشكل عشوائى , فعروس البحر تصور خيالى لكيان غير موجود ولكن مفرداته المادية موجودة فهناك الرأس والصدر لإمرأة وهناك الجذع والذيل لسمكة ومن هنا نستطيع أن نرسم صور وأفكار خيالية متوهمة كثيرة أىّ منها لن تخرج عن مكونات مادية موجودة فى الطبيعة حصراً , فلا إستثناء لأى صورة من ذلك بل يستحيل وأكرر "يستحيل " أن تجد صورة منطقية أو خيالية لا تحتوى مكوناتها على الصور المادية فهكذا الوجود وهكذا الدماغ صاحب التكوين المادى المتعامل مع المادة حصراً.

- من هنا نرفع السؤال الصادم هل الله وجود ام فكرة .؟!
من الطرح السابق لن يخرج الله عن كونه فكرة نسجها ذهن الخيال الإنسانى من مفردات مادية فكما إرتسم فى خيالى ملامح الله من خلال الغيوم , فالإنسان القديم رسم وتخيل فكرة الإله ولم تخرج تخيلاته عن مشاهد مادية ومن هنا نُدرك لماذا إعتبر مظاهر الطبيعة آلهة , فكما تصورت بذهنى الطفولى "الله" على شكل ملامح لشيخ كبير ذو لحية بيضاء فى الغيوم فهكذا تراءى له صور من خلال علاقته مع الطبيعة ليست بالطبع بنفس رسوماتى وخيالى ليقوده خياله إلى الشمس والقمر والجبال فيتصور إلهه على هذه الشاكلة أو كامناً فيها .. لذا يمكن تفسير لماذا إعتبر التابو والطوطم والصنم آلهة أو حلول للإلهة فيها .. كما لن نستثنى الأديان والمعتقدات الحديثة من وجود فكرة الإله كتكوين مادى حتى ولو حاولوا تنزيه الإله عن هذه الهيئة المادية فلن نجد صورة أو آية واحدة فى الأساطير والميثولوجيات والقصص الدينية تخلو من الشخصنة والحضور المادى , فالإله لديه عرش يجلس عليه ويمارس عملية الخلق بيده علاوة على تحكمه فى الطبيعة ليتكلل حضوره من خلال صفات وسمات وأفعال إنسانية مثل القوة والعدل والرحمة والإنتقام والغضب ألخ .

- اًصحاب الفكر الدينى واللاهوتي والميتافزيقى يمارسون عملية نصب وإحتيال فهم على إدراك أن الوجود لا يوجد به إلا الوجود المادى والفكرة , فليس لهما إلا هاذين الإختيارين , فإما يكون الله متواجداً وحاضراً مادياً أو نتاج فكرة متوهمة منتجة من الذهن البشرى .. ففى حالة كونه فكرة فسيكون هذا غير مقبول بالطبع لديهم بوضع الإله فى صورة خيال ووهم فتنزع عنه الوجود والحضور المستقل لذا فهذا مرفوض بالنسبة لهم على الإطلاق , فلا يتبقى سوى أن يكون متواجد وجوداً مادياً وهذا الأمر عسير عليهم أيضاً ويقوض الإله من منطلق أنه سيصبح وحدة وجودية شأنه شأن أى وحدة مادية أخرى ضمن الوجود فتنزع عنه الألوهية , علاوة أن وجوده المادى سيدفع الإنسان للبحث عن رؤيته ومعاينته فهو فى إطار الوجود المادى وقدرة الوعى على التعاطى معه , لذلك تفتق ذهن هؤلاء اللاهوتيين بالقول بأن الله غير مادى أى من طبيعة مخالفة مغايرة عن طبيعتنا المادية لذا لا يمكن معاينته والإحساس به .!

- التراث الدينى من أخمص قدميه حتى شعر رأسه لم يقدم إلا حضور مادى للإله فى كل صوره ولك أن تتلمس الخيال الإنسانى فى قصة جلوسه على العرش يحمله ثمانية من الملائكة كنسخة من مشهد ملوك وسلاطين الزمن القديم كذا له وجه وساق ويمشى ألخ .
لو تغاضينا عن هذا وتسايرنا مع مقولة أن الله ذو طبيعة غير مادية فهنا لابد أن نفضح الكذب والتدليس فى هذه المقولة , لنسألهم كيف أدركتم أن الله ذو طبيعة غير مادية فهل عاينتم وجوده وإتضح لكم ذلك , وقبلها ماهو تعريف وماهية اللامادة ؟! , فإذا تصورنا جدلاَ أن لكم الحظوة وعاينتم فكيف أدركتم وجوده فشفرة دماغكم لا تستوعب ولا تدرك غير الوجود المادى فقط .. لذا كل من يتفوه بأنه سمع الإله أو شاهده كمعاينة سواء من القدماء أو المحدثين فهو إما نصاب أو مراوغ أو صاحب حالة عقلية نفسية مختلة , فبالإمكان تصور وتخيل الإله فقط من خيال ذو صور مادية .

- الإنسان خالق الأفكار , والفكرة هى العلاقة الجدلية بين المادة والإنسان , فلا وجود لفكرة إلا وتستمد معطياتها ومحدداتها وآفاقها من العلاقة مع المادة حصراً , ومن هنا علينا أن ندرك أن الآلهة ماهى إلا فكرة خيالية مكوناتها مادية تكونت فى مخيلة الإنسان القديم من خلال إستعارته لمفردات مادية فى واقعه ليلصقها بطريقة خاصة ويجعل منها وجود يعينه على تجاوز إشكاليات نفسية وذهنية عميقة , فلا وجود غير الوجود المادى ولا فكرة تتكون خارج سياق الوجود المادى بكل مفرداته وملامحه .
لا يمكننا الحديث عن فكرة الإله إلا في اطار ما هو بشري مادى , فالتفكير يتم على مستوى الوعي وما يتم على مستوى الوعي شئ وما هو واقع بالفعل شئ اخر , فما يتم إنتاجه عن عالم الغيب مثلا هو على مستوى اللغة والخيال عاكساً حالة من حالات الوعى البشرى التخيلى ولا يعكس عالم الغيب المُفترض أو كخارج عن هذا الوعي , فعالم الغيب نتاج رؤية تخيلية إنسانية تستقى مفرادتها من صور مادية , فلننظر إلى الجنه الإسلامية على سبيل المثال لنجد كل صورها من خيال وأمانى وحلم إنسان صحراوى فى الطعام والخمور والفاكهة والنساء والأرائك والخيام والأنهار بإستدعاء صوره المشتهاة من العالم المادى , فليس الغيب غائباً تماماً عندما يُذكر في الخطاب البشري , بل هو غيب حاضر في الوعي والخطاب بناء على تصورات ونسج أفكار وهيالات وغائب من الناحية الواقعية فلا ينتج سوى صور تخيلية تستقى مفرداتها من العالم المادى .

- يتفرد الفكر الإسلامى بتقديم المقولة الذكية بأن "الله ليس كمثله شئ" فهى مقولة تحصن فكرة الإله من النقد والسؤال بإعتباره ليس له مثيل فكلما حاولت أن تدرك كينونته ستتبدد صورته بليس كمثله شئ , بالرغم أن كل مشهد وفكر دينى يجعل الإله مثل شئ وأشياء عديدة كإستعارة الصفات والأعضاء الإنسانية , ولكن فلندقق فى فلسفة ليس كمثله شئ فهذا يعنى أن الله لاشئ !! فلو قلت عنه شئ فقد هدمت مقولة ليس كمثله شئ , ومن هنا هل تستطيع أن تتخيل وتستوعب وتدرك اللاشئ فى دماغك أم الدماغ سيلفظ هذا القول فهو لا يستوعب ولا يقر إلا بوجود الشئ .

* الله واللغة .
- بدايات هذا التأمل كان فى الثانية عشر عندما شاهدت فيلماً أمريكياً تدور أحداثه فى أدغال إفريقيا يصور حال الإنسان الأفريقى البعيد عن الحضارة والمدنية وتعاطيه مع المستحدثات ليلفت إنتباهى مولد الكلمات وكيفية تكوين اللغة , فالإنسان إختلق اللغة للتعبير عن الموجودات المادية كوسيلة للتفاهم والتواصل مع الآخرين , فعندما شاهد الهليكوبتر فى أحراش الغابة جرى مهرولاً للقبيلة ليخبرهم بالخطر القادم ليقوم بحركات وتمثيليات تعبر عن صورة الهليوكبتر لتخرج همهمة ذات تردد صوتى ولتكن "كابوكا" يتم الإتفاق عليها بأنها تعنى هذا الجسم الغريب .. هكذا نشأت اللغة بإتفاق مجموعة من البشر على همهمات صوتية تكون تعريفاً للأشياء ولهذا أيضا تباينت اللغات واللهجات البشرية , فكل جماعة بشرية إتفقت على مجموعة من الترددات الصوتية وربطتها بالأشياء التى تراها ليسهل التعارف عليها , ولنلحظ شئ فى السياق أن الإنسان ما كان له أن يخترع لفظ "كابوكا" مالم يكن موجوداً أو إختلق وجوده .

- لا تخرج اللغة عن هذا النطاق فمازلنا حتى الآن نمارس نفس أداء الإنسان البدائى لنخترع كلمات نطلقها على أشياء جديدة , فلا نجد صعوبة عندما نبدع أسماء للأدوية بل لا نجد حرج عندما نطلق حروف وأرقام على إكتشافاتنا العلمية مثل الموبايل ليكون هذا الرمز من الكلمات والحروف والأرقام المستحدثة تعريفات لنا عن الشئ لتغنينا فى كل مرة عن تبيان إيضاحه ومواصفاته , وهذا يعطينا إنطباع أن الكلمات ليست لها معنى فى ذاتها بل نحن من نربطها بمعنى أى أنها تكتسب المعنى والقيمة من الإنسان لنقول أن كلمة "الله" ليست ذات معنى فى ذاتها بل بما تم منحها من معنى .

- لو أطلقت كلمة " بروررم " أمام جمع من الرفاق فسيكون أول سؤال للجميع ماهو ال"بروررم" لأكون مطالباً أن أشير لمكان ال"بروررم" أو أطرح مجموعة من الصور المادية عليهم لهيئة ال"بروررم" طالما لا أستطيع أن أريهم هذا الشئ كأن يكون فى حجم الفيل ورأس أسد ولون دب لتكون كل إستعاراتى من موجودات مادية , فلا يصح القول بأن البروررم ليس كمثله شئ فهنا فقد الشيئية والوجود .. تكون فكرة الله على نفس منوال ال"بروررم" , فالإنسان القديم أشار لشئ فى الوجود أو وفق تخيله وإعتبره إله كما أشرت لأمى بتكوينات فى السحاب أو كما جسد زعيم القبيلة الإله فى طوطم أو وثن فلن يتعاطى ذهن الإنسان مع فكرة الإله إلا بهذه الطريقة, فالوعى يتعامل مع ما هو موجود من صور مادية , لذا لو حللنا أى فكرة سنكتشف أن عناصرها الأولية صور مادية وجودية.

- الإنسان القديم عندما أبدع فكرة الآلهة ليطلق على إلهه كلمة "سادورا" مثلاً وفق تصوراته فهنا عندما يذهب لجماعته ويقول لهم "سادورا" فلن يفهموا معنى الكلمة إلا بإيضاح وإشارات حتى يتم الوعى والإحساس بال"سادورا" , والإشارت هنا ستكون فعل مادى لشكل مادى وإلا لن تفهم جماعته عن ماذا يتحدث فلو لم تكن ال" سادورا " بالنسبة لوعيه ذو دلالات وأشكال مادية فيستحيل أن يصدر وعيه للآخرين لذا لا حيلة لوصف الإله إلا كما شرحت فى كلمة ال"بروررم" , لنثبت إحتيال أو قل غفلة اللاهوتيين فلو تصورنا جدلاً أن هذا الإنسان جاء فى ذهنه أن فكرة الإله " سادورا" غير مادى فهل يستطيع أن يصف هذا الوجود لأقرانه , بالطبع من المستحيل أن يقدر على ذلك فلابد أن يجسده فى تكوينات مادية كما فعل أبى عندما أشار بأصبعه للسماء كمكان مادى لإقامة الله . وكما صورته الميثولوجيا الدينية بأنه يجلس على عرش تحمله ملائكة أشداء .

* الخلاصة .
- أى كلمة ذات إسم لها وجود مادى حقيقى أو متخيل بالنسبة للإنسان , فيستحيل وأكرر "يستحيل" أن تُطلق إسم من فراغ بدون أن يكون لها مدلول وحضور مادى فى الطبيعة ولكن البعض يقول أننا نطلق كلمات بدون أن يكون لها حضور مادى فى واقعنا ككلمة ملاك أو شيطان أو عروس البحر , وهذا فهم خاطئ فأى كلمة فى اللغة تعنى وجود الجذر المادى فى أصولها فهى تجميعات لصور مادية تم ربطها بصورة خيالية أى تحول الخيال ذو الأصول المادية للفظ لغوى نطلق عليه روح أو ملاك , فمثلا الملاك وفق الميثولوجيا كيان يشبه الإنسان فى إنتصابه وعلى جنبيه أجنحة من ريش ولا مانع أن يكون نوارنياً لنجد إستعارة مشاهد مادية من الطبيعة كهيئة إنسان وأجنحة طائر ونور , كذلك الحصان المجنح هو صورة خيالية غير موجودة فى الواقع إلا ان مكوناته مادية صرفة فهى تجميع لصورة حصان لنضيف له صورة جناحان نلصقهما فى جانبيه , كذلك الروح لم تخرج عن تخيل لكيان أثيرى غازى يدخل وينصرف من الجسد لذا جاءت فى السرد الميثولوجى الخيالى أن الإله ينفخ فى الجسد من تصور الإنسان القديم كشكل أثيرى رآها فى دفعة الزفير الأخيرة التى تنطلق من الإنسان عند الموت و ملاحظته إنعدام التنفس بعد الموت , ومن هنا لن يكون صعباً أن نربط مجموعة من الصور ببعضها بشكل إبداعى تخيلى إستنتاجى لينتج لنا مشهد نطلق عليه إسم ونتماهى بنفس هذه القدرة التخيلية الرائعة فى رسم سيناريوهات لهذا الكيان المتخيل لنخلق الأساطير .!

- نشأة كلمة إله فى اللغة وتبادلها على الألسنة جاءت من تخيل لصور مادية فى الطبيعة فلن يخرج عن هذا النطاق كحال تصورى للإله فى الغيوم , لذا فعلينا أن نستدعى نشأة ظهور أى كلمة فى الوجود قبل أن يتم عزلها عن حالتها التخيلية الإبداعية لنجدها أنها لن تخرج عن حضور شاهد مادى يكون شبيه برؤيتى وأنا طفل بتجسيدات لوجه الله فى الغيوم أى إستحضار مشهد طبيعى وتجسيده وتصويره بقوة شاخصة فاعلة , ومن هنا كان طبيعياً ظهور التابو والطوطم والأوثان , ولا تُستثنى الأديان التى علقت إلهها فى السماء عن التشخيص والتحديد كإستواءه على عرش وأنه ذو وجه ويد بل كلتا يديه يمين علاوة على صفاته وسماته الإنسانية من رحمة وعدل وغضب الخ .

- المؤمنون يغفلون أو يتغافلون عند تعاملهم مع فكرة الله أن الدماغ يتعامل مع المادة والوجود المادى حصراً أى يستحيل وأكرر ثانية "يستحيل " أن تتكون أفكار أو يخرج إسم خارج سياق الوجود المادى , فشفرة الدماغ يستحيل لها أن تتعاطى إلا مع مفردات مادية وجودية , ومن هنا يكون الله هو فكرة جاءت من مدلولات مادية لنجد هذا حاضراً فى كل المعتقدات والأساطير فهو يمشى ويتكلم ويغضب ويخطط لتأتى سفسطة اللاهوتيون ويسقطون علينا كلمات من اللغة بلا معنى .

- المؤمنون الحاليون فى حالة ذهنية متردية فلا يتعاملون مع الإله كفكرة بل بتعامل بغبغائى فهم يرددون إرث وموروث ثقافى فقط , فإذا كان الإنسان القديم إمتلك رؤية وصورة ذهنية تخيلية للإله حتى ولو تمثلت فى أوثان , فالمعاصرون تناقلوا كلمة الإله بدون أن يمتلكوا صورة ذهنية له بل يلفظون هذا التخيل ويرونه خطأ وحرام , أى أننا أمام أداء بغبائى لعقل معاصر يفتقد لأى عقلانية أو قل هو أداء صنمى بكل معنى الكلمة ليس بالضرورة متمثلاً فى منحوت بل فى رسم الكلمة ليخرون ساجدين عندما يرون رسم كلمة " الله " .!

- يستحيل وأكررها ثانية "يستحيل" أن يتواجد وجود أو أى فكرة فى الدنيا دون أن تكون ذات مفردات وخطوط وألوان مادية , فشفرة دماغنا وبروجرامه لا يتعاطى إلا مع ماهو ذو وجود مادى حصراً فكيف دخلت فكرة الإله لرأسك وما معنى الإدعاء بأنه كيان لامادى فبغض النظر عن عدم وجود اللامادة , فأنت ليس لديك القدرة على تعريف ماهيتها , فالعقل لا يتعامل إلا مع المادى لتكون كلمة اللامادى خطرفة ودجل .
وجود فكرة أو إدعاء وجود بدون كينونة وذات واضحة الملامح هى حالة من الببغائية , فالببغاء يردد بدون أن يعى مايقوله , كما أن ترديد إسم شئ بلا تحديد ملامحه هى حالة ببغائية أيضاً ,والحالتان شكل من اشكال الخطرفة التى تتنافى مع آلية وبروجرام الدماغ .

- لا تستطيع القول : لا أستطيع تخيل الله , فالشئ والإسم والفكرة التى لا تستطيع أن تكون ملامح لها ولو بشكل تخيلى إفتراضى هى غير موجودة ليكون ترديدك لهذا الشئ حالة ببغائية لنرجع لسؤالنا : كيف ترى الله أم هل يحق لنا القول : ستعرف انك كنت تطارد خيط دخان يا ولدى .

دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " - أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زهايمر أم مواقف سياسية-تناقضات فى الكتابات المقدسة-جزء14
- سؤال : لماذا تعيش الحياة, وما معناها وما جدواها
- مفاهيم مغلوطة عن الحياة والإنسان والوجود
- موائمات و تدخلات وإقتراحات وما يطلبه الجمهور
- تأملات مسلم معاصر فى تاريخية النص-جزء ثان
- تأملات مسلم معاصر-إن الله يسارع فى هواك
- خمسة وخمسون حجة تُفند وجود إله
- فى ماهية الوجود-نحو فهم الوجود والحياة والإنسان
- شيزوفرانيا-تناقضات فى الكتابات المقدسة–جزء13
- عاوز أعرف – مشاغبات فى التراث 8
- إستنساخ التهافت-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- الماركسية السلفية وعلاء الصفار
- إستنساخ آلهة البدواة-الأديان بشرية الفكر والهوى والتوحش
- فضائح وشجون ومخاطر على سواحل أوربا
- منطق شديد التهافت ولكن إحترس فهو مقدس
- إنهم ينفقون على الجن بسخاء-لماذا نحن متخلفون
- منطق الله الغريب - مشاغبات فى التراث 7
- أبشركم بإله ودين جديد .
- كيف تؤلف لك دين جديد -جزء ثانى
- كيف تؤلف لك دين جديد - جزء أول


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - أسألك : كيف ترى الله – قضايا فلسفية 2