|
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 12
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 4978 - 2015 / 11 / 7 - 19:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 12 ضياء الشكرجي [email protected] www.nasmaa.org وأواصل ما جاء في الحلقة الحادية عشرة.
وقد كتبت مقالة بعد السقوط عام 2003 تكلمت فيها عن ثلاثة أنواع من الغلو؛ الغلو على صعيد السياسة، متمثلا بأطروحة ولاية الفقيه، والغلو على صعيد العقيدة، متمثلا بالولاية التكوينية، والغلو على صعيد الشعائر، متمثلا بالتطبير وما شابهه. وتكلمت عن تيارات إسلامية عراقية واقعة بهذا أو ذاك الغلو، وقصدت المجلس الأعلى في غلوه العقائدي، وغلوه السياسي، ومنظمة العمل في غلوها العقائدي، وغلوها الشعائري.
أما فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران الخمينية، فاعتمد المجلس الأعلى الولاء المغالي والمطلق، واعتمد حزب الدعوة الولاء الصادق بلا مغالاة، بل المقترن بالنقد أحيانا، ولو في الأحاديث الخاصة، مع تنام في أوساط قواعد الحزب للتذمر، بل المقت للإيرانيين، الذي لم يقتصر عند البعض على الجانب السياسي، بل اتخذ بعدا عنصريا، في كراهة كل ما هو إيراني. وكنت شخصيا من الذين يتخذون موقفا ناقدا بشدة، ويرفض الموقف العنصري، لتناقضه مع طبيعتي منذ طفولتي. بينما بدأت المنظمة مندكة في المشروع الإيراني، وانتهت مفترقة عن التجربة والأطروحة. وكانت الأطراف الثلاثة في انفتاحها على غير الإسلاميين بثلاث مستويات، تتوسطهم الدعوة، فالمجلس متشدد ومنغلق، ربما ظاهرا فقط، للمزايدة بالدين، والمنظمة مرنة منفتحة رغم غلوها العقائدي والشعائري.
ولي قصة فيما يتعلق الأمر بنظرية الولاء لولاية الفقيه مع المجلس الأعلى، غير ما ذكرته، عن قولهم لنا بوجوب (الاندكاك)، وهو في زيارة لهمام حمودي لألمانيا، وعند انتهاء زيارته، وأنا معه في الطريق بسيارتي إلى المطار، تكلمت معه بضرورة توحيد الصف، رغم الاختلاف في التفاصيل، فأجابني أن هناك ما يتخذ في عقيدتنا الشيعية موقعا مركزيا، وهو الذي يحدد القرب والبعد، ألا هو (الولاء). فهمتُ ولم أعلّق.
أما حركة جند الإمام، وهي مجموعة انشقت عن حزب الدعوة، قبل الهجرة، وكانت تسمى بجماعة الكرادة، كما كانت تسمى بجماعة سامي البدري، فهذه المجموعة أي جند الإمام جعلت قضية الإمام المهدي القضية المركزية في فكرها، ولم أفهم حتى في ذلك الوقت، ما هو الأثر الذي يترتب على حركة سياسية إسلامية، عندما تتخذ من المهدي محورا في فكرها.
منذ البداية لمسنا سوء معاملة الإيرانيين الموالين للثورة والإمام تجاه العراقيين بشكل عام، وتجاه حزب الدعوة بشكل خاص. لا أذكر ذلك حبا بحزب الدعوة، الذي أندم على كل لحظة ضيعتها فيه، ولكن من أجل إعطاء صورة عن تعصب واستعلاء وعنصرية الإيرانيين، ولا أعني هنا الشعب الإيراني، بل أولئك الموالين للثورة البائسة والمغالين في الخميني، والمصابين بالغرور، بأنهم شعب الله المختار. فكلما علم أحد الإيرانيين منك أنك عراقي، سألك السؤال التقليدي الممل، والذي بقي لسنوات طويلة يتكرر، كلما جرى كلام بين إيراني وعراقي، هو سؤال «چرا ملت عراق قيام نميكند؟»، بمعنى (لماذا لا يثور الشعب العراقي؟). وعندما كان العراقي الموجه إليه السؤال يجيب بشرح مدى قسوة ودموية النظام، كان جوابهم إن الشاه أسوأ من صدام، ومع هذا استطاع الشعب الإيراني أن يسقط نظام الشاه. كانوا لا يقبلون مطلقا بكون صدام أشد ديكتاتورية وظلما وقمعا من الشاه، لأنهم اقتنعوا بكونهم أعظم شعوب العالم إطلاقا، ولهذا السبب فقد قاموا بأعظم ثورة، وقضوا على أسوء ديكتاتورية في التاريخ. إذا قيل لهم إن هناك ديكتاتورية أسوأ من ديكتاتورية الشاه، شعروا بالإهانة لهم كشعب هو أعظم الشعوب حسب قناعتهم، والاستهانة بثورتهم التي هي أعظم الثورات، وبقائدها الذي هو أعظم قادة التاريخ، باستثناء محمد وعلي والمهدي، أو ربما بموازاتهم. لا يحبون العراقيين، لأن تشيع شيعة العراقيين ليس التشيع كما يفهمونه، ولا يحبون العراقيين، لأن العراقيين خذلوا علي بن أبي طالب، وخذلوا الحسين، ولأن عليا والحسين وزينب دعوا على هذا الشعب، لخذلانه لأهل البيت، ولا يحبون العراقيين، لأن العراقيين جبناء، لا يستطيعون القضاء على صدام، بينما ديكتاتورية صدام لا تقاس عندهم أبدا بديكتاتورية الشاه، ولا يحبون العراقيين، لأن العراقيين، وحتى إسلامييهم، ولاسيما حزب الدعوة، مشكوك في ولائهم للثورة الإسلامية، وللإمام الخميني، أو هو ولاء دون درجة الاندكاك والذوبان والانصهار، أي (التأليه والعبادة). ومن أجل أن نتجنب التعميم، هناك من الإيرانيين الموالين للثورة من موقع التدين الشيعي العاطفي، يحبون العراقيين الشيعة طبعا، ويتعاطفون معهم، بل ويتمسحون بهم تبركا، باعتبار أن أجسادهم قد لامست ضريح الحسين وتراب كربلاء. وهذا ما حصل معنا في إحدى جبهات القتال التي زرناها مرة أثناء حرب الثماني سنوات.
في النصف الأول من الثمانينيات، كنا نستاء من التعامل الاستعلائي للإيرانيين، بحيث حتى إنهم لا يريدون أن يستمعوا إلى العراقيين، ويستفيدوا من خبراتهم، في كيفية القضاء على عدوهم المشترك صدام. عندها سألت أحد القياديين من حزب الدعوة، وهو المتشدد علي التميمي (أبو شيماء)، أنه يا ترى لو أسقط الإيرانيون نظام صدام من خلال الحرب، هل في نيتهم أن يحكموا هم العراق، فأجاب متهكما: «لا، لكنهم سيعيّنون بأنفسهم كل المناصب، لغاية مدير الناحية».
في إحدى زياراتي إلى إيران، على ما أتذكر في مطلع التسعينيات، سُحِب جوازي في المطار، وطُلب مني مراجعة دائرة الاطلاعات لاستلام الجواز. وبالمناسبة مثل هذا الإجراء حصل معي مرة في سوريا في التسعينيات، ومرة في الأردن عام 2004، بأسلوب مخابراتي مشابه لأساليب البعثيين. أرجع إلى تلك الحادثة في طهران. من غير أن أسهب في التفاصيل المملة، كان الموظف الشاب الملتحي يتعمد بتعقيد الأمر وإطالة المدة، وإجباري على المراجعة بشكل متكرر، ومتعب، محاولا إثارة أعصابي. وفي إحدى المرات بدأوا يستجوبونني عن نشاطات حزب الدعوة في ألمانيا. فسألني المحقق: «هل أنت ممثل حزب الدعوة في ألمانيا»؟ قلت «لا»، فسألني «من هو إذن ممثل حزب الدعوة في ألمانيا؟». قلت «ليس هناك ممثل لحزب الدعوة، لأن ألمانيا ليست منطقة مركزية للحزب، كما في طهران ولندن ودمشق، ليحتاج الحزب إلى ممثل له». ثم سألني عن (أبو زهراء) وهي كنية علاء الهاشمي آنذاك. قلت له: «الأسئلة التي تتعلق بي شخصيا أجيب عليها، أما عن أشخاص آخرين، فلا أجيب». ثم أصر على طرح أسماء، فسألني عن (أبو يوسف)، ويعني أمجد طبلة، الذي كان قد اختلف معنا، وبدأ يعادينا، لكوننا قد انحرفنا عن الإسلام الأصيل، لكوننا لا نتحلى بالولاء المطلق لإيران، فكان جوابي: «لم يعد له نشاط يذكر، سوى انه في المناسبات الدينية يمارس النعي على الحسين، لكونه ذا صوت جميل». فالتفت إلى زميله مستاءً من جوابي، فقال: «هل سمعت؟ يقول ممثلنا ليس إلا قارئ رثاء حسيني». كلمة «ممثلنا» - بالفارسية "نماينده (يَ) ما" - استوقفتني. وعلى أي حال في المرة الأخيرة لمراجعتي، وبعد توسط حزب الدعوة، وبعدما قرر تسليمي جوازي، قلت له «يبدو أنك تحب العراقيين كثيرا»، فقال بنبرة تهكمية «خَيلي» بمعنى (جدا)، مع مد للياء، ثم عقّب معبرا عن كراهيته للعراقيين بقوله: «أنتم العراقيون أكلتم ملح إيران، ثم كسرتم المملحة»، وهو مثل بالفارسية يعبر عن رد الإحسان بالإساءة. فلم أجبه خشية تعقيد الأمر من جديد، فتناولت جوازي وخرجت من تلك الدائرة. وكانت هذه آخر زيارة لي إلى إيران، لم أذهب ثانية إلا في نيسان عام 2003 قبيل سقوط صدام بأيام قليلة، ضمن وفد من حزب الدعوة (تنظيمات أورپا - بريطانيا والدانمارك وألمانيا) كما سيأتي ذكره.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 11
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 10
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 9
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 8
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 7
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 6
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 5
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 4
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 3
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 2
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 1
-
ما قلته في لقاء السفارة ب «أسبوع النزاهة؟»
-
إماطة الوشاح عن أسمائي المستعارة
-
الصدق والكذب في حياتنا
-
الاتجاهات السياسية الناقضة للديمقراطية والمواطنة
-
أن يكون المرء بشخصيتين من غير ازدواجية
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 6/6
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 5/6
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 4/6
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 3/6
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|