أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -6-














المزيد.....

حدث في قطار آخن -6-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4974 - 2015 / 11 / 3 - 22:24
المحور: الادب والفن
    


جاءت إليه.
سألته: أحمد، ما الأمر؟
أمسكت يده اليسرى الكبيرة وسحبته خلفها صوب المطبخ...
تمتمت بهمس: إنها تنتظرك، هنيلوري تنتظرك!
أردفتْ: أحب يديكَ!
خاطب نفسه، مُتَّكِئاً على كتف صديقه مظفر الدائخ:
أيقتلك البرد! "سابينه"؟
أنا تقتلني نصف سيجارتك ونصفك الأسفل أكثر!

وقفَ على عتبةِ مطبخها الواسع، مهموماً كأنه يتهيأ ليدخل مدينة، وقف يحمل في داخله سكينه الأزرق السحري، طالما لوّح به في فضاء غرفته العقيم، حائراً مهترئاً حتى الإنهاك، حزيناً، سكراناً مثل "معروف الإسكافي" في دكانه، في الليلة الخامسة والثمانين بعد التسعمائة من حكاياته، ... ظل يلوِّح به ولم يسترح إلى أن وقع في مطبخها كما حلمَ!

مطبخها جميل مصمم على النمط الأوروبي الفاخر بكل تجلياته، تدخله شموس ملونة قادمة من بعيد، من جبال الشرق، فَتُدفِئَهُ وَتَدْفَأ هي، صاحبة المطبخ الغامضة، بها.

"احضريني إليكِ، يا امرأة من خطر، اجبري بخاطري، احتفلي بعيد ميلادي القادم، لم أحتفل به من قبل، خلّصيني من آثامي، من أقلامي وكتبي، حرريني من العُرَّة الجبّارة، امهليني ولا تشتكيني، احضريني حتى أطبخ لكِ وحدكِ، حتى أرسم لكِ فقط لوحة "الكنافة الساحلية بعسل نحلٍ"، لا تغضبي مني، إن رسمتها لكِ بعسل القصب، فأنا فقير! احضريني إليكِ يا امرأة، عانقيني، ادخليني فيك، كي لا أظل يتيماً، بلا مطبخ... قدّمي لي شاياً إنكليزياً خفيفاً وساخناً، الحرّ شديد، انحنيْ أمامي، انحنيْ أكثر، شايك الساخن سُيبرِّد حتماً غليلك، جسدي المنهك، ذكرياتي وأحلامي الصغيرة... أو قدّمي لي إن أحببت كأس نبيذ أحمر فاتر، كأس بورغوندير، البرد شديد، الحياة وكل شيء بدونك بارد، اقتربي مني، دعيني أشم الحبق المخبأ بين نهديك، دعيني أطمر رأسي المتعب بين فخذيك، دعيني استلقي في معرضك، بين لوحاتك، دعيني أقبّل أصل العالم، دعيني أنام في مطبخك الليلكي، ابتسمي واسمحي لي ولو ليلة واحدة أن أصير شهبندر العشّاق، لأحصد الشهرة في المدينة، قولي لي: كم من أحمق غيري تمنى لو يُطبخ رأسه في مطبخك؟ عساهم كثرٌ! قولي، أرجوك، كي استريح من تعب الغيرة، أثرثر معك لا لشيء إلا لتنام الغيرة ملء جفونها، وتبقى الغربة وحدها قمر هذا المساء!"

" يا امرأة من شوكولاته وبولمول، يا امرأة قادمة من مدينة آخن، من محطات القطارات القديمة، قولي لضيفتك هنيلوري، بأنني قبل شهرٍ من الآن، قبل قطار آخن، كنت أقل حماقةً! كانت الغربة وحدها من تنهشني، ها قد مر شهر من الزمن أو أكثر بقليل، لأجد نفسي والخوف الممزوج بالغربة ينهشني، الغيرة بكامل قواها العقلية تنهشني، من لا ينتمي للمشهد، ذلك الذي يراقبنا من بعيد، سيكتب في دفتر مذكراته يوماً: كم سخر الخوف، كم سخرت الغيرة والغربة من تلاعب النساء بالرجال!... حماقة الرجال تخيّم على الجو الموبوء، تنمو كبالون من هواءٍ مسموم... ها هو أنا، لقد بعت كل شيء في وطني... كتبي، سريري، طاولتي، لوحاتي، جوائزي الرياضية، بعت شجرات الزيتون، غادرت أصدقائي، لقد بعت حتى بذلتي الرياضية البيضاء، بذلة الكاراتيه، أحزمتي، هدايايّ، البصل اليابس، خطب الرئيس، لقد فعلت كل شيء لأجلك، أعطيت ثمن مبيعاتي للرسل، لأسافر معهم، لأسقط بمساعدتهم في مطبخك، كي أطبخ لك أصل العالم واللُّقْمَة بألوان قلبي، اقتربي مني، ضعي يديك الاثنتين على وجهي، لامسي رأسي المتعب، اشتاقَ رأسي للطبخ، أوصيكِ أن تطبخيه اليوم وغداً لي ولكما، يا امرأة من نسيج عنكبوت..."


قالت سابينه: أحمد، ما بالك تقف حائراً في باب المطبخ؟ أترغب في إعادة ترتيب العالم على هواك؟ اترك الدنيا بحالها، يا رجل، فالحياة قصيرة...

يدخل القادم من الجبال البعيدة خجولاً إلى مطبخها، تلفحه أشعة النساء وسحابات التبغ... في المطابخ تُحاك عادةً المؤامرات وتُنسج المكائد! تقع عيناه على المرأة العنكبوتية "هنيلوري".
"حياكة المؤامرات الإنثوية هي من صفات المرأة اللاحُرَّة، المقموعة قطعاً، الأنانية، التي تأكل وتشرب مباشرة من عطايا السلطان... أما تلك التي تمتلك جسدها واحتياجاتها "الروحية" فتُنتج عسلاً طيباً دون حاجتها لبناء الفِخاخ والمَصَائِد ودون أنْ تَصيد الآخرين بالشِّباك، أو تهددهم بجنود السلطان..."

يأتيه صوتها الساحر، ينقذه من ورطته: أهلاً بك أحمد، تقترب منه، تعانقه برقة، يشعر بسخونة شفتيها على وجنته اليسرى... يقطفُ عنقها قبلة صغيرة غير مقصودة من شفتيه المتعبتين، كانت بوسة لا أكثر، بوسة سقطت من شفتيه عنوة بعد أن أتعبها النضج.

انتهى مشهد العناق، ضبط نفسه متلبساً بإغماض عينيه، ندم على فعلته، تذكر نصيحة صديقة قديمة: "لا تغلقوا عيونكم إذ تبوسون، كيلا تفرطوا بنعمة النظر... لكن أغلقوها حين تعانقون!"



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في قطار آخن -5-
- حدث في قطار آخن -4-
- حدث في قطار آخن -3-
- حدث في قطار آخن -2-
- حدث في قطار آخن
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -52-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -51-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -50-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -49-
- المرسم
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -48-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -47-
- يانصيب الفرح
- قصة فيسبوكية قصيرة 2
- قصة فيسبوكية قصيرة 1
- السرسكية
- حَسْنَاءُ بِسْنَادا
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -46-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -45-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -44-


المزيد.....




- الهوية المسلوبة.. كيف استبدلت فرنسا الجنسية الجزائرية لاستئص ...
- أربعون عاماً من الثقافة والطعام والموسيقى .. مهرجان مالمو ين ...
- أبو الحروب قصة جديدة للأديبة منال مصطفى
- غزة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي
- السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو ...
- -مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف ...
- السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا ...
- المخرج علي كريم: أدرك تماما وعي المتلقي وأحب استفزاز مسلمات ...
- وفاة الممثلة كيلي ماك عن عمر ناهز 33 عامًا بعد صراع مع السرط ...
- ليدي غاغا تتصدر ترشيحات جوائزMTV للأغاني المصورة لعام 2025


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -6-