أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (19)















المزيد.....


العرب قبل وبعد الإسلام (19)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4964 - 2015 / 10 / 23 - 01:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



أعتقد أنه بعد سلسلة مقالاتى تحت عنوان ثابت (العرب قبل وبعد الإسلام) والتى تناولتُ فيها بعض المظاهر التى كانت سائدة فى الفترة السابقة على الإسلام ، واستمرّتْ بعد الإسلام ، وخاصة الحروب التى نشبتْ بين عرب (مسلمين) ضد عرب (مسلمين) بعد هذا العرض رأيتُ أنْ أختتم تلك السلسلة بالغوص فى الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية ، وهل ما أتى به الإسلام كان (إنشاءً) جديدًا ومبتكرًا ؟ أم هو امتداد لما كان سائدًا لما قبله ، فى الفترة التى نعتها محمد ب (العصر الجاهلى) ؟ سواء فى الشعائر التعبدية ، و فى تعدد الزوجات ، أو فى العبودية.. إلخ.
وإذا كان عرب ما قبل الإسلام (جاهليين) فكيف دخلوا مع محمد فى جدال حول دعوته للإسلام ؟ وكان عميد الثقافة المصرية (طه حسين) على حق ببصيرته الرحبة عندما خاطب قارئه قائلا ((أفتظن قومًا يُجادلون جدالا وصفه القرآن بالقوة ويشهد لأصحابه بالمهارة ، أفتظن هؤلاء القوم من الجهل والغباوة ؟)) ثم كانت إجابته ((كلا لم يكونوا جهالا ولا أغبياء.. إلخ)) (فى الشعر الجاهلى – دار الكتاب المصرية- عام1926- ص20) كما فسّـر (أى طه حسين) مقولة عمر بن الخطاب ((العرب مادة الإسلام)) بأنهم كانوا مصدر قوته العسكرية (الفتنة الكبرى- ج1 دار المعارف بمصر- عام 1984- ص90) وهذا التفسير اقتصر على القوة العسكرية ، ولم يتطرق إلى غيرها مما نقله الإسلام عن العرب السابقين على دعوة محمد مثل : الشعائر التعبدية ، حيث أثبتَ العلماء الذين درسوا تاريخ العرب قبل الإسلام ، أنّ (كل القبائل العربية) كانت تــُـقدّس كعبة مكة (بشكل خاص رغم وجود 21 كعبة) بل وحِـرص أهالى تلك القبائل على الحج إليها. وفى هذا الشأن قال قيس بن أبى سلمى فى معلقته ((فأقسمتُ بالبيت الذى طاف حوله / رجالٌ بنوه من قريش وجرهم)) ومع ملاحظة أنّ قيس مات سنة 54 قبل الهجرة. ونظرًا لشدة تقديس الأهالى لكعبة مكة كان الرجل منهم يرى قاتل أبيه فلا يمسه بسوء . وجاء الإسلام فأبقى على تقديس الكعبة كما كان الوضع قبل الإسلام.
وكان العرب قبل الإسلام يحجون فى شهر ذى الحجة من كل عام ، وكانوا يقومون بذات المناسك التى يقوم بها المسلمون حتى يومنا هذا فى الألفية الثالثة ، مثل ملابس الإحرام ورمى الجمرات والنحر والطواف وتقبيل الحجر الأسود والسعى بين الصفا والمروة إلخ وجاء الإسلام فثبــّـتْ هذه المناسك وبنفس مُـسمياتها (فى فترة الجاهلية) الاختلاف الوحيد أنّ الإسلام حرّم الطواف عرايا ، حيث كان البعض (قبل الإسلام) يطوفون عرايا ، لأنهم كانوا يرون أنه لا يجوز الطواف حول الكعبة التى يُـقـدّسونها بالثياب التى ارتكبوا بها ذنوبهم.
وهل صيام شهر رمضان أتى به الإسلام أم كان سائدًا قبل الإسلام ؟ أثبت المؤرخون أنّ (المُـتحنفين) أمثال عبد المطلب (جد محمد) إذا جاء شهر رمضان شدّ مئزره وطلع إلى (غار حراء) وتحنــّـث فيه وأمر بإطعام المساكين طوال ذلك الشهر، وكذلك فعل زيد بن عمرو بن نفيل (عم عمر بن الخطاب) كما كان عرب ما قبل الإسلام يعتبرون ذى القعدة وذى الحجة ومحرم ورجب من الشهور (المُـحرّمة) بسبب الحج والعمرة ، فكانوا يكرهون أنْ ينشب القتال بين القبائل فى تلك الشهور، ومن هنا جاءتْ التسمية (الشهور الحـُـرم) وهو ما أخذ به الإسلام.
وكما احتفى الإسلام بإبراهيم وإسماعيل ، كذلك كان الوضع قبل الإسلام ، حيث كانوا يعتقدون إنهما هما اللذان أقاما بناء الكعبة فى مكة ، فجاء الإسلام وتبنى نفس المُـعتقد ، وجاء فى القرآن ((وإذْ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل)) وأيضًا ((واتخذوا مقام إبراهيم مصلى.. إلخ)) (البقرة/125، 127) ومع ملاحظة أنّ الآية الأخيرة كانت من اقتراح عمر بن الخطاب الذى قال ((وافقتُ ربى فى ثلاث ، ووافقنى ربى فى ثلاث))
وكتب من أرّخوا لعرب ما قبل الإسلام عن ظهور حركة دينية سابقة على الإسلام فى قرى الحجاز الثلاث ، ففى يثرب ظهر أبو عامر الراهب ، وفى الطائف أمية بن الصلت ، وفى مكة زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل (ابن عم خديجة زوجة محمد) وكعب بن لؤى بن غالب (الجد الأعلى لمحمد) وهذه الحركة هى المعروفة باسم (الحنيفية) وأصحابها هم (الحنفاء) الذين رفضوا عبادة (الأوثان) وكانوا يرون أنّ ((الدين عند الله الحنيفية)) ويؤكد ذلك أنّ آية ((الدين عند الله الإسلام)) (آل عمران/ 19) كانت فى مصحف عبد الله بن مسعود ((الدين عند الله الحنيفية)) (كتاب المصاحف تأليف السجستانى - دار الكتب العلمية - بيروت- عام 1985- ص70) واعتقدوا (أى الحنفاء) أنّ (الوحدانية) هى (دين الخليل إبراهيم) وحرّموا عبادة (الأصنام) وتحريم الأضاحى التى تــُـذبح لها ، وتحريم (الزنا) وحد مرتكبه ، وتحريم شرب الخمر، وحد شاربها والاعتكاف فى (غار حراء) وقطع يد السارق ، وتحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير، والنهى عن (وأد البنات) وذكر ابن سعد (فى الطبقات الكبرى – ج3 ص 381) أنّ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كان يقول للأب إذا أراد فتل ابنته : مهلا.. لا تقتلها. أنا أكفيك مؤونتها.. فيأخذها فإذا ترعرعتْ قال لأبيها : إنْ شئتَ دفعتها إليك وإنْ شئتَ كفيتك مؤونتها)) وكذلك عرف عرب ما قبل الإسلام (الغـُـسل من الجنابة) والإيمان بالبعث والنشور والحساب ، وأنّ من يعمل صالحـًا يدخل الجنة ، ومن يعمل سوءًا فإلى السعير. وكذلك آمنوا ب (الحسد) وتأثير الحاسد فى المحسود ، وجاء الإسلام وأخذ به. ومن الشعر (الجاهلى) ما قاله (مُـتمم بن نويرة) ((نفشتُ فى الخيط شبيه الرقى / من خشية الجـِنة والحاسد)) وقال عنتر بن شداد ((فإنْ يبرأ فلم أنفث عليه/ وإنْ يفقد فحق له المفقود))
و(الشعر الجاهلى) حافل بذكر الإبل وأهميتها فلما جاء الإسلام ثبـّـتْ هذا الاحتفال بالإبل لدرجة تخصيص سورة كاملة باسم (الأنعام) والاشادة بما فيها من دفء ومنافع.. إلخ.
وكان عرب ما قبل الإسلام يُـجيزون تعدد الزوجات بغير حصر، وكانوا يُـسمون الرجل (بعل المرأة) وهو اسم إله قديم ، وهو ما أكــّـده المُـفكر والمؤرخ العراقى د. جواد على حيث كتب أنّ كلمة بعل تعنى (رب) أو سيد ، وكان لبعل (معبد) (تاريخ العرب قبل الإسلام – هيئة قصور الثقافة- عام 2011- ج2- ص216) وجاء القرآن وثبـّـتْ ذلك المعنى عندما خاطب المُـعارضين لدعوة الإسلام قائلا لهم ((أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين)) (الصافات / 125) ورغم ذلك جاء فى القرآن ((وإنْ امرأة خافتْ من بعلها نشوزًا أو إعراضًا)) (النساء/ 128) و((ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن.. إلخ)) (النور/31) وجاء فى معلقة عمرو بن كلثوم (عام 52 قبل الهجرة) ((على آثارنا بيض حسان/ نــُـحاذر أنْ تقسم أو تهونا / أخذن على بعولتهن عهدًا / إذا لاقوا كتائب مُـعلمينا)) وقال حاتم الطائى ((وما تشتكينى جارتى غير أنها / إذا غاب عنها بعلها لا أزورها)) فإذا كان تعدد الزوجات قد انتشر بين عرب ما قبل الإسلام ، فإنّ الإسلام أخذ به مع فارق (وحيد) هو تحديد عدد الزوجات بأربع ، ثم عالج مسألة التعدد بغير حصر (كما كان فى الجاهلية) من خلال الآيات القرآنية العديدة التى نصـّـتْ على (ملك اليمن) مثل الإماء أو الجوارى أو السرارى ، فلا حد لإمتلاك أى عدد منهنّ.
من ذلك يتبيّن أنّ نظرة عرب ما بعد الإسلام للمرأة لم تختلف عن نظرة عرب ما قبل الإسلام ، سواء من حيث تعدد الزوجات ، أو من حيث النظر للزوج على أنه رب أو سيد مع الاحتفاظ بكلمة (بعل) التى تعنى الإله المعبود واستخدامها فى وصف الزوج بأنه (المعبود) لزوجته ، وهو المعنى الذى أكــّـده حديث قاله النبى محمد ((لو كنتُ آمرًا أحدًا أنْ يسجد لأحد لأمرتُ الزوجة أنْ تسجد لزوجها)) (أخرجه الترمذى والنسائى) وإذا كان عرب ما قبل الإسلام احتقروا المرأة ، فإنّ الإسلام أكــّـد على ذلك كما جاء فى الأحاديث المنسوبة للنبى محمد ((لن يفلح قوم ولوا امرأة عليهم) (البخارى فى صحيحه) وأيضًا ((النساء ناقصات عقل ودين)) هذا بخلاف الشهادة والميراث. وفى تحليله لنظام المواريث (الإسلامى) من واقع القرآن كتب الراحل الجليل خليل عبد الكريم أنّ نصيب البنت فى التركة نصف نصيب الولد ، أيضًا ما يخص الأخت نصف نصيب (الأخ) والزوج له نصف تركة زوجته إنْ لم يكن لها ولد وإلاّ فله الرُبع ، بينما الزوجة لها رُبع تركة زوجها إنْ لم يكن له ولد وإلاّ فلها (الثمن) وأضاف أنّ آيات القرآن قاطعة وحاسمة حيث أنّ نصيب الابن والأخ والزوج ضعف نصيب البنت والأخت والزوجة. كما أقرّ الإسلام (قوامة) الرجل على المرأة بالنص على ((الرجال قوامون على النساء)) وبناءً على ذلك فإنّ (الله) فضــّـل الرجال على النساء فى الميراث والشهادة ثم أعطاهم حق (القوامة) عليهنّ ، وكذلك فإنّ للزوج حق تأديب زوجته بالتوبيخ ، فإنْ لم يأت بنتيجة التى يبتغيها (البعل) فله أنْ يهجر (المبعولة) فى المضجع وإذا لم يصل إلى هدفه فله حق (ضربها) وفقــًا لما جاء فى النص القرآنى ((فعظوهنّ واهجروهنّ فى المضاحع واضربوهنّ)) (النساء/ 34)
وكان تعليق أ. خليل عبد الكريم ((والأمثلة فى القرآن كثيرة ، فهل هناك شك فى أنها تبنــّــتْ الموقف العربى السابق على نزول الوحى على محمد من المرأة ؟ وهل هناك ثمة إختلاف فى الموقفيْن ؟ وإذا كان بعض الدعاة يُحاول أنْ يقفز على النصوص أو يتجاوزها أو يلوى أعناقها ، فإنها كلها محاولات فاشلة ، لأنّ نصوص القرآن حـدّدتْ المسار العام بدقة مُــتناهية.. والخلاصة أنّ موقف الإسلام من المرأة بعامة (زوجة أو بنت أو أخت) جاء مُــتوافقــًا تمام الموافقة مع موقف الإنسان العربى السابق على الإسلام)) (الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية – سينا للنشر- عام 1990 من ص 45- 47)
كان عرب ما قبل الإسلام ينظرون إلى غيرهم من الشعوب نظرة استعلاء ، ولذلك أطلقوا عليهم لفظة (عجم) وفى شرحه لتلك اللفظة كتب الرازى : العجم ضد العرب ، والواحد عجمى وفى لسانه عجمة والعجماء البهيمة. والأعجم الذى لا يُـفصح وإنْ كان من العرب.. والمرأة عجماء (مختار الصحاح – المطبعة الأميرية بمصر- عام 1911- ص440) فحتى المرأة العربية (بهيمة) ولم يقتصر الأمر على قواميس اللغة العربية ، وإنما جاء القرآن وثبـّـتَ اللفظ ومعناه فى سورة النحل آية رقم 103، وسورة فصلت الآية رقم 44، وفى سورة الشعراء الآية رقم 198 وبلغ غرور العربى بجنسه لدرجة رفض مصاهرة غير العربى ، وكان من بين أسباب نشوب الحرب بين الفرس والعرب المشهورة ب (يوم ذى قار) هو رفض النعمان الإصهار إلى كسرى الذى بعث إليه رسولا قال له : إنّ كسرى أراد كرامتكم بصهره ، فكتب إليه النعمان ((طلب الملك ليس عندى) كما أنّ سلمان الفارسى لم يُـوفــّـق فى الزواج من بنت عمر بن الخطاب ، رغم فضل سلمان على الإسلام ، وكان أحد كبار صحابة محمد . والتاريخ العربى/ الإسلامى به أشياء تصلح للسينما العالمية ، مثل تاريخ وحياة الخليفة المأمون ، فبالرغم من أنّ أمه (فارسية) فإنّ (العامة) (ربما بحـُـسن نية أو بسذاجة) كانوا يتعرّضون لموكبه فى الشوارع صائحين ((يا أمير المؤمنين انظر إلى عرب (الشام) كما نظرتَ إلى (عجم خراسان) ويرى البعض أنهم كانوا يقصدون التعريض بأمه الفارسية (الأعجمية) كما مشى العروبيون من المؤرخين فى طريق التفرقة بين العرب و(العجم) فكتبوا الكتب التى تمدح العرب ومناقبهم ، وتهجو غير العرب (الأعاجم / البهائم) ومثالبهم ومن أشهر هؤلاء الكتاب ابن قتيبة فى كتابه الشهير (تفضيل العرب) وكان تعقيب خليل عبد الكريم ((وليس فيما ذكرناه ما يدعو للعجب ، إذْ أنّ أعراف وتقاليد عرب ما قبل بعثة محمد ، ظلــّـتْ حية فى نفوس من جاء بعدهم ، بل إنها ما زالتْ مُـتوارثة حتى الآن)) (مصدر سابق – 51)
وتلك النظرة الاستعلائية ضد الشعوب غير العربية ، صاغها نبى الإسلام محمد بصورة قاطعة ، ومع ملاحظة أنه لم يُـفرّق بين العرب وغير العرب فقط ، وإنما فرّق بين العرب (القرشيين) والعرب (غير القرشيين) فقال ((ولا تكون العرب كفؤا لقريش.. والموالى لا يكونون كفؤا للعرب)) (شمس الدين السرخسى – أحد أئمة الفقه الحنفى فى (المبسوط – المجلد الثالث – ص24- دار المعارف ببيروت عام 1986)
كما أنّ تلك النظرة الاستعلائية امتدتْ لتشمل – بصفة خاصة- مجتمع الزراع ، وكما كان (رزق) العربى (قبل الإسلام) يأتيه من سيفه ورمحه عن طريق الغارات التى تشنها القبائل العربية ضد بعضها البعض ، كذلك استمرّ الوضع بعد الإسلام عن طريق الغارات التى شنها محمد على القبائل التى رفضتْ الدخول فى دعوته وأطلق على أهلها (كفار قريش) ولأنّ البيئة الصحراوية التى نشأ فيها محمد ، لم تعرف الزراعة (خاصة قريش) لذلك ربط محمد بين احتقاره للزراعة ودمجه فى الدعوة إلى (الجهاد) أى غزو الشعوب التى تحترف الزراعة فقال لأتباعه ((إذا تبايعتم بالنسيئة ، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد ، سلــّـط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم ، حتى ترجعوا إلى دينكم)) (رواه أحمد وصححه الحاكم) وما قاله محمد عن الفارق الحضارى بين مجتمع الرعاة ومجتمع الزراع ، سبقه إليه بسنوات أحد (شعراء الجاهلية) الذى فرّق بين البداوة والتمدن فقال ((فمن تكن الحضارة أعجبته / فأى رجال بادية ترانا / ومن ربط الجحاش فإنّ فينا / قنــًا وسلبًا وأفراسًا حسانا))
وكان العربى عندما يجد أنّ رعى الغنم لا يُـحقق له الحد الأدنى للحفاظ على حياته (خاصة نــُـدرة المياه) فكان يلجأ إلى (التجارة) عن طريق (القوافل) للتجارة أو (حراسة القوافل) مُـقابل (إتاوة) يدفعها أصحاب القافلة ، ليتسنى مرور القافلة من قبيلة إلى قبيلة أخرى ، وتلك الإتاوة كان يحصل عليها رؤساء القبائل ، وكان (الإيلاف) يُـشبه هذا النوع ، وأبرز من تعامل معه كان هاشم جد محمد (النبى) وذلك حتى تأمن قوافل تجار مكة ، وهذا الإيلاف هو ما أشارتْ سورة قريش ((لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. إلخ) وهذا المعنى سبق له أنْ تردّد فى (شعر الجاهليين) فى مدحهم لهاشم فقال بعضهم ((عمرو العلا هشــّـم الثريد لقومه / سفر الشتاء ورحلة الإيلاف)) وذكر خليل عبد الكريم أنّ ((أهل البادية كثيرًا ما كانوا يفرضون على الزراع (إتاوة) وهذه الإتاوة هى الأصل التاريخى لما عـُـرف فيما بعد ب (الجزية) وتلك النظرة للزراعة كان سببها أنّ مجتمع قريش كان مجتمع (رعاة غنم) وهو ما عبّر عنه نبى الإسلام قائلا لأتباعه ((اتخذوا الغنم فإنها بركة)) وكان بنو حنيفة (قبل الإسلام) من القبائل النادرة التى عملتْ بالزراعة لأنّ أراضيهم كانت صالحة للزراعة ، فكانت القبائل الأخرى تنظر إلى بنى حنيفة نظرة احتقار مشوب بالحسد وهو ما عبّر عنه جرير الخطفى الذى هجاهم قائلا ((رأتْ حنيفة إذْ عدت مساعيها / أنّ بئسما كان يبنى المجد بانيها / أبناء نخل وحيطان ومزرعة / سيوفهم خشب فيها مساحيها / قطع الدبار وأبر النخل عادتهم/ قدمًا فما جاوزتْ مساعيها)) أى أنه كان يُـعيّر بنى حنيفة لأنهم اشتغلوا بالزراعة ، وبالتالى لم يشتركوا فى النهب والغزو، لأنّ (سيوفهم من خشب) (مصدر سابق – من ص 58- 60)
وكانت القبائل العربية (قبل الإسلام) تستقضى من القوافل جعلا أو أجرًا نظير حمايتها ، فجاء الإسلام واحتفظ بهذا العرف ، وكل ما فى الأمر أنّ اسمه تغيّر إلى (العشور) وهى الرسوم (الإتاوة) التى تؤخذ من (أهل الحرب) أو (أهل الذمة)
وعن أهمية نسب الإنسان لأب مُـحدّد ، كان عرب ما قبل الإسلام يُعيّرون الشخص مجهول اسم أبيه ، فجاء الإسلام وثـبــّـتْ هذا المعنى ((ادعوهم لآبائهم)) (الأحزاب/ 5) وأكــّـده نبى الإسلام بقوله ((من دُعى إلى غير أبيه لن يدخل الجنة)) فما ذنب الطفل الذى يولد وليس له أب معلوم ؟ وأكثر من ذلك ما قاله نبى الإسلام (نقلا عن أبى هريرة) سمعتُ رسول الله يقول ((الولد لرب الفراش وللعاهر الحجر)) أى أنّ المولود يُـنسب لأبيه ، حتى ولو جاء سفاحـًا عن طريق علاقة غير مشروعة (والمفترض أنّ الإسلام حرّمها) ومع ملاحظة أّنّ عمرو بن العاص (الذى غزا مصر وأحد الأسماء اللامعة فى التاريخ العربى/ الإسلامى) لم يكن له نسب مُـحـدّد ، حيث توزّع نسبه لأبيه بين خمسة رجال (كما توضـّـح فى مقالاتى السابقة) فقد كانت أمه واحدة من أشهر عاهرات مكة.
وعن العبودية (أى منظومة العبيد) التى كانت سائدة قبل الإسلام ، فإنها استمرتْ بعد الإسلام ، ومع ذلك يحلو للعروبيين والإسلاميين وأدعياء الليبرالية القول بأنّ الإسلام (حرّر البشر من العبودية) وكان الأستاذ العقاد أحد هؤلاء حيث كتب بأسلوبه المُـلتوى ((شرّع الإسلام العتق ولم يُـشرّع الرق) (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه - المؤتمر الإسلامى بمصر- عام 1957- ص215) صحيح أنّ الإسلام شرّع العتق ، ولكنه أباح الرق وأجازه ولم يُحرّمه. وبناءً على ذلك كان لمحمد عبيد وإماء ، وللخلفاء عبيد وإماء ، وللعشرة المُـبشـّـرين بالجنة عبيد وإماء.. ولم يـُـلغ الرق = العبودية) إلاّ بالقوانين الوضعية ، كذلك ليس صحيحًا ما ذهب إليه العقاد من أنّ الإسلام لم يعرف سوى ((رق السبى فى غارات القبائل بعضها ضد بعض)) لأنّ هذه الغارات التى كانت سائدة قبل الإسلام ، تحوّلتْ بعد الإسلام إلى (غزوات) التى يحب الإسلاميون تسميتها ب (فتوحات) حيث تمتلىْء أمهات كتب التاريخ العربى/ الإسلامى بأمثلة عديدة عن (رق السبى بعد معارك المسلمين) كما أنّ الشريعة الإسلامية عرفتْ (رق البيع والشراء) و(رق الاستدانة أو الوفاء بالديون) وتحت يدى كتاب بعنوان (الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع) وهو واحد من الكتب المُـقرّرة على تلاميذ المعاهد الأزهرية بمصر، وفيه العديد من الأمثلة على منظومة (العبودية) فى الإسلام ولدىّ عدة طبعات من هذا الكتاب آخرها طبعة العام الدراسى 2014/ 2015. ومع التسليم بما قاله العقاد من أنّ الشريعة الإسلامية لم تعرف سوى (رق الأسر) بعد الغزوات الحربية ، فإنّ هذا النوع من العبودية مأخوذ من العرف القبلى العربى السابق على الإسلام ، والذى كان يُـعطى القبيلة المُـنتصرة حق إسترقاق أفراد القبيلة المهزومة. وكان الإمام الجوزى صريحــًا وواضحــًا عندما قال ((وافق الإسلام التقاليد العربية))
وذكر أحمد أمين أنّ الإسلام ((تعرّض للقانون الجاهلى ، وبعبارة أخرى لعرف العرب وتقاليدهم فى الجاهلية ، فأقرّ بعضــًا وعدّل بعضـًا مثل القـــَسامة)) (فجر الإسلام – هيئة الكتاب المصرية – عام 1996- ص360، 361) ومعنى القــَسامة : حلف خمسين من أهل المكان الذى وُجد فيه القتيل الذى لم يُـعرف قاتله ، يختارهم ولى المقتول فيحلفون بأنهم ما قتلوه ولا يعرفون من قتله. ثم يـُـحكم على أهل المكان ب (الدية) وجاء الإسلام وأقرّ تلك الآلية. ونظرًا لغياب الاحتكام إلى العقل ، فإنّ بعض الباحثين الإسلاميين (ونحن فى العصر الحديث) يرى ضرورة دفع الدية عينــًا ب (الإبل) مثل د. أحمد فهمى بهنسى فى كتابه (مدخل الفقه الجنائى الإسلامى- دار الشروق بمصر- عام 1972- ص 175)
وعن توزيع (الفيىء) أو الغنائم أو الأنفال التى جاءتْ كتشريع فى القرآن فإنّ أصلها مأخوذ من (فترة الجاهلية) حيث كان لرئيس القبيلة أنْ يأخذ (رُبع) الغنيمة ، فجاء الإسلام وجعلها (الخـُـمس) وبشهادة (عدى بن حاتم) الذى عاصر (الجاهلية) والإسلام قال ((ربّـعتُ فى الجاهلية وخمّـستُ فى الإسلام)) وكان العرف لدى عرب ما قبل الإسلام أنّ من حق المُـنتصر أنْ يسلب سلاح وأمتعة المهزوم ، وجاء الإسلام وأقرّ ذلك العرف. وقد تأكد ذلك عندما غزا عمرو بن العاص مصر، فقال لأتباعه عندما دخل الإسكندرية ((سيروا على بركة الله فمن ركز منكم رمحه فى دار فهى له ولبنى بنيه)) (المقريزى فى كتابه " المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار- دار صادر- بيروت – ج1- ص167) وكان رئيس القبيلة المنتصرة من حقه أنْ (يصطفى) ما يشاء من الجوارى ، وهو ما فعله نبى الإسلام عندما اصطفى صفية بنت حيى بن أخطب من بنى النضير، ثم صارت إحدى زوجاته. وكما أنّ عرب ما قبل الإسلام لم يعرفوا مَنْ سوف يخلف رئيس القبيلة بعد وفاته ، كذلك كان الأمر عند وفاة نبى الإسلام ، وكل ما قاله ((مروا أبا بكر فليصل بالناس)) وكتب د. حسين فوزى النجار ((لم يشعر المسلمون بتغيير يــُـذكر بين ما كانت عليه شئونهم فى (الجاهلية) وما أصبحتْ عليه فى الإسلام ، إلاّ من حيث القيم التى حكمتهم وأصبحتْ تحكمهم ، فما كانت قيادة محمد للجماعة الإسلامية لتختلف عن قيادة جده قصى لقريش)) (الإسلام والسياسة - دار المعارف بمصر- عام 1985- ص112)
ونظام (الشورى) فى الإسلام هو الذى كان سائدًا لدى (عرب الجاهلية) مثلما كان يحدث فى (دار الندوة) التى أسّسها قصى الجد الأعلى لمحمد ، ومع مراعاة أنّ (الشورى) لا قيمة لها ، حيث كان لرئيس القبيلة أنْ يأخذ بها أو يرفضها ، وهو ما فعله أبو بكر فى الحرب الشهيرة ب (حروب الردة) وأصرّ على رأيه رغم مخالفة مستشاريه الذين قالوا له ((كيف تــُـحارب قومـًا يشهدون ألا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله ويقيمون الصلاة.. إلخ)) وذكر خليل عبد الكريم الكثير من المظاهر التى كانت سائدة لدى (عرب الجاهلية) وأخذها الإسلام ، وفى ختام كتابه الذى أشرتُ إليه بعاليه كتب إنّ القبائل العربية ((وقت المبعث بتقاليدها وأعرافها ونــُـظمها وشعائرها هى المُـسودة أو البروفة للإسلام والشريعة الإسلامية)) (مصدر سابق – ص134) .



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب قبل وبعد الإسلام (18)
- العرب قبل وبعد الإسلام (17)
- العرب قبل وبعد الإسلام (16)
- العرب قبل وبعد الإسلام (15)
- العرب قبل وبعد الإسلام (14)
- العرب قبل وبعد الإسلام (13)
- العرب قبل وبعد الإسلام (12)
- العرب قبل وبعد الإسلام (11)
- العرب قبل وبعد الإسلام (10)
- العرب قبل وبعد الإسلام (9)
- العرب قبل وبعد الإسلام (8)
- العرب قبل وبعد الإسلام (7)
- العرب قبل وبعد الإسلام (6)
- العرب قبل وبعد الإسلام (5)
- العرب قبل وبعد الإسلام (4)
- العرب قبل وبعد الإسلام (3)
- العرب قبل وبعد الإسلام (2)
- العرب قبل وبعد الإسلام (1)
- مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (19)