أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (18)















المزيد.....

العرب قبل وبعد الإسلام (18)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4962 - 2015 / 10 / 21 - 12:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العرب قبل وبعد الإسلام (18)
طلعت رضوان
أعتقد أنّ تراجيديا إغتيال خليفة المسلمين (عثمان) ثم ما تبعها من حرب بين جيش عائشة وطلحة والزبير، وجيش على بن أبى طالب ، أنها (أى تلك التراجيديا) فيها الدليل القاطع (لدى أصحاب العقول الحرة) أنّ عقلية ودموية (عرب ما بعد الإسلام) لم تختلف عن (عرب ما قبل الإسلام) وفى بيان الحيثيات كتب الطبرى عن فلان عن فلان أنّ : على بن أبى طالب سار يُـريد طلحة والزبير وعائشة.. بينما الثلاثة (عائشة وطلحة والزبير) ساروا من جهة مختلفة يُـريدون على.. حتى التقوا عند موضع قصر عبيد الله بن زياد.. فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح.. فقيل لعلى هذا الزبير. قال أما إنه أحرى الرجليْن.. إنْ ذكــّـر بالله أنْ يذكر. وخرج طلحة فخرج إليهما على واقترب منهما.. حتى اختلفتْ أعناق دوابهم (ربما الطبرى يقصد اقتربتْ أعناق الدواب) فقال على : لعمرى لقد أعددتما سلاحًا وخيلا ورجالا.. إنْ كنتما أعددتما عند الله عذرًا فاتيقا الله ولا تكونا كالتى نقضتْ غزلها من بعد قوة أنكاثــًا.. ألم أكن أخاكما فى دينكما. فتــُـحرّمان دمى وأحرّم دماءكما.. فهل من حدث أحلّ لكما دمى ؟ فقال طلـحة : ألــّـبتَ الناس على عثمان.. قال على : يومئذ يوفيهم دينهم الحق ويعلمون أنّ الله هو الحق المُـبين يا طلحة. تــُـطالب بدم عثمان.. فلعن الله قتلة عثمان . ثم قال للزبير: أتذكر يا زبير يوم مررتَ مع رسول الله فى بنى غنم.. ضحك الزبير ولم يرد.. وقال على يصف نفسه : لا يدع ابن أبى طالب زهوه.. فقال الزبير: لك رسول الله.. إنه ليس به زهو.. وأنت له ظالم.. فقال على : والله لا أقاتلك أبدًا وانصرف.. فقال الزبير: على أعطى الله عهدًا ألاّ يُـقاتلكم.. إلخ (الطبرى – تاريخ الأمم والملوك- ج3 – ص514)
وهذا النص فيه عنصر درامى مهم ، حيث أنّ 1- الحوار دار بين ثلاثة (على وطلحة والزبير) وهم ضمن العشرة الذين حصلوا على تأشيرة دخول الجنة ، ومع ذلك تربّـصوا ببعضهم البعض : على بهدف إصراره على تولى الخلافة بعد مقتل عثمان ، وطلحة والزبير (ومعهما عائشة) بحجة الأخذ بالثأر من قتلة عثمان 2- على يسأل طلحة والزبير: ألم أكن أخاكما فى دينكما؟ فتــُـحرّمان دمى وأحرّم دماءكما؟ أى أنّ الذين ضمنوا دخول الجنة (مُـسبقــًا) يستبيحون دماء بعضهم البعض 3- طلحة يُـصر على اتهام على بأنه هو الذى حرّض على قتل عثمان (وهذا غير صحيح) أى أنّ ألاعيب السياسة والأغراض الشخصية جعلته يتناسى أنه فى (عصر الإسلام) وليس فى (عصر الجاهلية) 4- على يزهو بنفسه.. فذكــّـره الزبير بالرسول (أى أنّ الرسول كان يمقت الزهو) 5- أما أهم ما جاء فى هذا النص أنّ على أعطى وعدًا للزير أنه لن ((يُـقاتله أبدًا)) وبالرغم من ذلك فإنّ على لم يلتزم بوعده ، وتجـهـّـز للمعركة.
ولكى تكتمل عناصر الدراما ، مثل التراجيديا الإغريقية ، فإنّ أهالى البصرة لم يتــّــفقوا على رأى واحد ، حيث تكوّنتْ عدة فرق : فرقة مع عائشة وطلحة والزبير، وفرقة مع على ، وفرقة لا ترى القتال مع أحد الفريقيْن (أى الوقوف على الحياد بلغة عصرنا الحديث) ووصل عدد جيش على إلى رقم عشرين ألفــًا.. رغم محاولات الصلح التى ذكر الطبرى تقاصيلها. وقال البعض أنّ ((عليًا غير مُــنته حتى يسفك الدماء ويستحل الحرمة وأنه لن يُـطاوعنا)) وأنّ على قال : قد علمتُ أنّ طلحة والزبير غير مُــنتهييْن حتى يسفكا الدماء ويستحلا الحرمة وأنهما لن يُـطاوعانا.. وقال على للزبير: أتطلب منى دم عثمان وأنت قتلته ؟ سلــّـط الله على أشدنا اليوم ما يكره.. وقال لطلحة : يا طلحة جئتَ بعرس رسول الله تــُـقاتل بها (يقصد عائشة) وخبـّـأتَ عرسك فى البيت.. أما بايعتنى ؟ قال : بايعتك وعلى عنقى اللج (أى السيف) فقال على لأصحابه : أيكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه.. فإنْ قــُـطعتْ يده آخذه بيده الأخرى.. وإنْ قــُـطعتْ أخذه بأسنانه.. وقال على لأحد الشباب من أتباعه : اعرض عليهم هذا وقل : هو (أى المصحف) بيننا وبينكم من أوله إلى آخره.. والله فى دمائنا ودمائكم.. فحمل على الفتى وفى يده المصحف فقــُــطعتْ يداه.. فأخذه بأسنانه حتى قـُـتل.. فقال على : طاب لكم الضراب.. فقاتلوهم.. فقـُـتل يومئذ سبعون رجلا كلهم يأخذ بخطام الجمل.. فلما عـُـقر الجمل وهـُـزم الناس.. أصابتْ طلحة رمية فقتلته.. فزعم البعض أنّ مروان بن الحكم رماه.. وكان ابن الزبير أخذ بخطام عائشة فقالتْ من هذا ؟ وهنا تدخل محمد بن أبى بكر (شقيق عائشة) فضرب عليها فسطاط (يقصد حمايتها) وهذا مشهد درامى غاية فى الأهمية ، حيث أنّ الشقيق كان فى جبهة ضد الجبهة التى فيها شقيقته. أما المشهد الدرامى الثانى فهو موقف على بن أبى طالب ، فبالرغم من أنّ عائشة غريمته وعدوته فإنه تصرّف تصرفــًا فيه درجة عالية من النــُـبل ، حيث أنقذها من أيدى أصحابه ومنعهم من الاقتراب منها : ((فسرّحها وأرسل معها جماعة من رجال ونساء وجهـّـزها وأمر لها بإثنى عشر ألفــًا من المال.. فاستقبل ذلك عبد الله بن جعفر، فأخرج لها مالا عظيمًا)) أما قاتل الزبير فإنّ على بشــّـره بالنار (المصدر السابق – ص520)
وهذا النص فيه تأكيد على المعانى التالية 1- على بن أبى طالب تراجع عن وعده بعدم خوض القتال ، إلاّ إذا كان يقصد بوعده عدم قتل الزبير فقط 2- أنّ جيش على وصل عدده عشرين ألفــا ، أى المسألة فيها إصرار 3- الاتهام المُــتبادل بين على من جهة وطلحة والزبير من جهة ، حيث أنّ الثلاثة استخدموا جملة واحدة فرموا بعضهم البعض بتهمة ((سفك الدماء واستحلال الحرمة.. إلخ)) 4- اتهام على للزبير بأنه هو الذى قتل عثمان بن عفان 5- على يُـوبّخ طلحة بأنه جاء (بعرس رسول الله) أى عائشة.. وترك زوجته فى البيت 6- الكارثة التى ارتكبها على عندما طلب رفع المصحف ليكون هو الحكم فى هذا الصراع الدنيوى 7- رغم أنّ الزبير كان يُحارب على ، فإنّ على (يا للعجب) بشـّـر قاتل الزبير بالنار 8- موقف على من عائشة ، والخصومة التى كانت بينهما منذ واقعة (حديث الإفك) ثم تحريضها على تكوين الجيش لمحاربته ، وبالرغم من ذلك تدخــّـل لحمايتها حتى تعود إلى بيتها سالمة. ولكنه لم يكتف بذلك وإنما منحها ((إثنى عشر ألفــًا من المال)) لم يذكر الطبرى إنْ كان بالدرهم أم بالدينار، وبالطبع لم يذكر أنّ هذا المال هو حصيلة (الجزية والخراج) المفروضة على الشعوب التى تمّ احتلال أراضيها ، أى أنه مال منهوب من أصحابه الحقيقيين ، ليتم توزيعه على عرب ما بعد الإسلام ، كما كانت تفعل القبائل العربية قبل الإسلام ، حيث كانت القبيلة المُــنتصرة تــُـوزّع الغنائم على من اشتركوا فى القتال.
وفى تلك التراجيديا مشهد سينمائى آخر يصلح للسينما العالمية ، حيث أنّ ابن أبى طالب أصرّ على (رفع المصحف) وعندما أمسك بالمصحف وقال : من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه ؟ فقام إليه فتى من أهل الكوفة وقال أنا.. فدعاهم إليه فقطعوا يده اليمنى فأخذه بيده اليسرى.. فدعاهم فقطعوا يده اليسرى.. فأخذه بصدره والدماء تسيل على جسده حتى مات.. فقال على بن أبى طالب : الآن حلّ قتالهم.. فقالت أم الفتى المقتول ترثى ابنها :
لاهمّ إنّ مُـسلمًا دعاهــم يتلو كتاب الله لا يخشاهم
وأمهم قائمة تراهـــــــــم يأتمرون الغىّ لا تنهاهـــــم
والمقصود بأمهم (عائشة) التى ترى ما يحدث ولا تطلب منهم التوقف عن الاحتكام إلى القرآن ، الذى كانت نتيجته أنه تمّ تقطيع أوصال ابنها بسبب تهوره عندما طلب أنْ يحمل المصحف ، أى أنّ تلك السيدة (أم الشاب القتيل) كانت (دون قصد منها) تقول ما يقوله أصحاب العقول الحرة فى العصر الحديث ، عن خطورة خلط الدين بالسياسة.
وتلك التراجيديا لا تتوقف عن إنتاج كل ما هو (غير معقول) حيث أنه عندما اشتدّ القتال قال أتباع على ((نحن على دين على بن أبى طالب)) أى أنّ التشيع لعلى والانضمام لجيشه تحول إلى (دين) وهكذا تكتمل عناصر خلط الدين بالسياسة. بل إنّ عائشة دخلتْ (معركة رفع المصحف) حيث قالت لأحد أتباعها : حل يا كعب عن البعير وتقدّم بكتاب الله عزّ وجل فادعهم إليه.. ودفعتْ إليه مصحفــًا.. وأقبل القوم... يخافون أنْ يجرى الصلح فاستقبلهم كعب بالمصحف وعلى من خلفهم.. فلما دعاهم كعب رشقوه رشقــًا واحدًا فقتلوه ورموا عائشة فى هودجها.. فجعلت تــُـنادى : يا بنىّ.. البقية البقية..ويعلو صوتها : الله الله.. اذكروا الله.. فيأبون إلاّ اقدامًا.. فلما رفضوا قالت عائشة : أيها الناس العنوا قتلة عثمان وأشياعهم)) فإذا كان القتل سيكون من نصيب قتلة عثمان ، فلماذا قتــْـل (أشياعهم) الذين لم يُشاركوا فى قتل عثمان ؟ ولماذا رفعتْ عائشة المصحف فى صراع دنيوى ؟ بل إنّ تلك التراجيديا تتواصل عندما قام رجل من عبد القيس وقال : ندعوكم إلى كتاب الله عزّ وجل.. قالوا : وكيف يدعوننا إلى كتاب الله من لا يُـقيم حدود الله ؟ فرمته ربيعة رشقــًا واحدًا فقتلوه.. وقام مسلم بن عبد الله الجعلى فرشقوه رشقــًا واحدًا فقتلوه)) وهذا النص مهم لأنه كاشف عن عقلية هؤلاء العرب الذين دخلوا فى دين الله أفواجــًا ، ويحتكمون إلى كتاب (الله) ومع ذلك يتبادلون الاتهام مُـستندين إلى حجة دامغة (من وجهة نظرهم) : كيف يدعوننا إلى كتاب الله من لا يُـقيم حدود الله ؟ وتنتهى المُـشاحنة وينتهى التلاسن بالقتل.
ومن المشاهد السينمائية فى تلك التراجيديا ما ذكره الطبرى ، حيث أنه نظرًا لكثرة عدد القتلى (من الجانبيْن) وكثرة عدد الأطراف المقطوعة ، فقال إنّ تلك المعركة لم يكن قبلها ، حيث الأيدى المقطوعة والأرجل المقطوعة.. ولا يدرى أحد مـَـنْ صاحبها.. فكره القوم بعضهم بعضـًا.. وأخذ ابن يثربى برأس الجمل وهو يرتجز (أى يقول شعرًا) وادعى قتل علباء بن هيثم وزيد بن صوحبان (الذى سبق أنْ كتبتْ عائشة إليه وطلبتْ انضمامه إلى جيشها ورفض طلبها رغم أنها خاطبته باعتباره ابنها.. ورغم رفضه إذا به يدخل المعركة ويُـقتل) فقال ابن يثربــى (( أنا لمن يُـنكرنى ابن يثربى / قاتل علباء وهند الجملى/ وابن لصوحان على دين على)) وهنا تتكرّر مقولة ((دين على)) ولما أصيب ابن يثربى وكثرتْ الأطراف المقطوعة ، قام (عمرة بن بحرة) وخاطب عائشة قائلا (( يا أمنا أعق أم نعلم / والأم تغذوا ولدًا وترحم / ألا ترين كم شجاع يُـكلم / وتُــختلــَـى منه يدٌ ومعصم)) وكان يُـشير إلى زيد بن صوحبان فى قوله ((والأم تغذوا ولدًا وترحم)) فقام الحارث بن ضبة وقال ((نحن بنو ضبة أصحاب الجمل / ننعى ابن عفان بأطراف الأسل / الموتُ عندنا أحلى من العسل / ردوا علينا شيخنا ثم يجل))
وكان عمرو بن يثربى يُحرّض قومه يوم الجمل فكانوا يرتجزون ((نحن بنو ضبة لا نفر/ حتى نرى جماجمًا تخر)) وقالوا أيضًا (( يا أمنا يا عيش لن تــُـراعى / كلٌ بنيك بطلُ شجاع / يا أمنا يا زوجة النبى / يا زوجة المبارك المهدى)) وتتواصل تلك التراجيديا ، فعن فلان عن فلان عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال : مشيتُ يوم الجمل وبى سبع وثلاثون جراحة من ضربة وطعنة وما رأيتُ مثل يوم الجمل قط ، ما ينهزم منــّـا أحد وما نحن إلاّ كالجبل الأسود.. وما يأخذ بخطام الجمل أحد إلاّ قــُـتل.. فأخذه عبد الرحمن بن عتاب فقــُـتل.. وجاء آخر وآخر وكلهم قــُـتلوا. وقال بعضهم ((شفا السيف من زيدٍ وهندٍ نفوسنا / شفاء ومن عينىْ عدى بن حاتم/ صبرنا لهم يومًا إلى الليل كله / بصم القنا والمرهفات الصوارم)) ومعنى هذا الكلام (المُـصنف على أنه شعر) أنّ السيف هو الذى يُـحقق (شفاء النفوس) ولأنّ السيف هو أداة القتل ، فإنّ القتل هو غاية ما يصبو إليه هؤلاء العرب الذين دخلوا فى دين الله أفواجـًا. بل إنهم لم يتحرّروا من الموروث السابق على الإسلام ، خاصة انتشار (العبودية) وهو المعنى الذى عبّر عنه (عُـمير بن الأهلب) حيث قال :
لقد أوردتنا حومة الموت أمنا فلم ننصرف إلاّ ونحن رواء
لقد كان نصر بن ضبة أمــــة وشيعتها مندوحة وغنـــــــــاء
أطعنا بنى تيم بن مرة شقــــوة وهل تيم إلاّ أعبد وإمــــــــــاء
فهذا (الشعر) فيه اعتراف صريح بأنّ الإسلام لم يقض على العبودية التى كانت سائدة قبل الإسلام ، سواء بين الرجال أو النساء عندما أشار إلى (الإماء) بل إنّ على بن أبى طالب لم يتخلــّـص مما أطلق عليه النبى (عصر الجاهلية) حيث قال يُـخاطب ربه :
أشكو إليك عُـجرى وبُـجـــرى ومعشرًا غشوا علىّ بصرى
قتلتُ منهم مُـضرًا بمُـضـــرى شفيتُ نفسى وقتلتُ معشــرى
وكان (كعب بن سور) يُحاول حقن الدماء ، فأخذ مصحف عائشة ومصحف على ووقف بين الصفيْن يُناشدهم الله عزّ وجل فى دمائهم ، وأعطى درعه.. فرشقوه رشقــًا واحدًا فقتلوه.. فكان أول مقتول بين يدىْ عائشة من أهل الكوفة. فقالتْ أم مسلم ترثيه :
لاهـّـمّ إنّ مسلمًا أتاهـــــــــــم مُـستسلمًا للموت إذ دعاهــــم
إلى كتاب الله لا يخشــــــاهـم فرمّـلوه من دم إذ جاهـُــــــــم
وأمهم قائمة تراهـــــــــــــــــم يأتمرون الغىّ لا تنهاهــــــــــم
أى أنّ عائشة ترى القتل وترى تزايد عدد المقتولين ، ولا تتــّــخذ أى موقف لوقف تلك المذبحة ، وهو ما يدل على أنها كانت لها (الكلمة) العليا والمسموعة ، مثلها مثل أى (جنرال) يقود المعركة ، خاصة أنّ المُـحاربين من الجيشيْن (جيش على وجيشها) يكنون لها الاحترام والتوقير والتقدير، فلو أنها أمرتْ بوقف القتال ، لسمعوا كلامها ، ولأنها لم تفعل تواصلتْ المعركة بين الجيشيْن المُـتقاتليْن (أى بين عرب مسلمين ضد عرب مسلمين) ولم تتوقف الحرب بينهما إلاّ بعد التأكد من انتصار جيش على وهزيمة جيش عائشة ، والتفاف البعض من جيش على حول جمل عائشة ، يودون الفتك بها ، وعندما دخل عليها شقيقها محمد بن أبى بكر قالت : من هذا ؟ قال : أخوكِ البر. قالتْ عقوق.. فقال لها عمار بن ياسر: كيف رأيتِ ؟ ضـُـرب بنيك اليوم يا أمة. قالت : من أنتَ ؟ قال : أنا ابنك البار عمار. قالت : لستُ لك بأم . قال : بلى وإنْ كرهتُ.. قالت : فخرتم إنْ ظفرتم وأتيتم مثل ما نقمتم.. هيهات والله.. لن يظفر من كان هذا دأبه)) وأبرزوها بهودجها من القتلى.. ووضعوها ليس قربها أحد ، وكأنّ هودجها فرخ بما فيه من النـِـبل (أى من السهام) وجاء (أعين بن ضبيعة المجاشعى) حتى نظر إلى الهودج ، فقالت عائشة : إليكَ لعنك الله.. فقال : والله ما أرى إلاّ حـُـميراء.. قالت : هتك الله ستركَ وقطع يدكَ وأبدى عورتك (أى أنّ " الله " سيكشف عورته) ولأنّ الواقع يختلط بالميتافيزيقا فى تلك التراجيديا ، لذلك نقل الطبرى ما سمعه حول تأكيد نبوءة عائشة ، وأنّ (الله) استجاب لدعائها (رغم ما فعلته) فكتب الطبرى أنّ ابن ضبيعة (الذى هاجم عائشة) قــُـتل بالبصرة وسُـلب وقــُـطعتْ يده ورُمى به عريانــًا فى خربة من خربات الأزد.
فى هذا النص يتوقف العقل الحر أمام قول عمار بن ياسر لعائشة ((يا أمة)) والأمة فى التراث العربى/ الإسلامى = العبدة ، فكيف تجرّأ ووصفها ب (العبدة) ؟ ولماذا نعتها بتلك الصفة ؟ ليس ذلك فقط وإنما قال قولته فى الوقت الذى كان فيه الجميع يقولون لها ((يا أم المؤمنين)) وكانتْ المفاجأة أنّ على بن أبى طالب خاطب عائشة قائلا ((كيف أنتِ يا أمة؟)) أى انه استخدم نفس الصفة التى استخدمها عمار بن ياسر، فلماذا وما مغزى ذلك ؟ ولماذا غضبتْ عائشة عندما قال لها ابن ضبيعة ((ما أرى إلاّ حُـميراء)) ، خاصة وأنّ لفظة (حـُـميراء) استخدمها النبى عندما قال ((خذوا نصف دينكم عن هذه الحـُـميراء) وكان يقصد عائشة ، فهل أدركتْ عائشة أنّ ابن ضبيعة كان يسخر منها ومن حديث محمد عنها ؟
ووصل الأمر لدرجة أنّ قامة عربية / إسلامية (كبيرة) مثل الزبير (الحاصل على تأشيرة دخول الجنة مُـسبقــًا) وقامة عربية/ إسلامية (كبيرة) مثل محمد بن أبى بكر، ظلا يتشاتمان ، حتى بعد أنْ توقف القتال ، وعندما جاءتْ سيرة عثمان بن عفان (الخليفة الثالث) فإنّ ابن أبى بكر شتمه أيضًا ، رغم أنّ الرجل (عثمان) كان قد مات مقتولا.
وصل عدد القتلى (والعهدة على الطبرى ومن نقل عنهم) فى تلك الحرب البلهاء : عشرة آلاف ، نصفهم من أصحاب على ونصفهم من أصحاب عائشة.. ومن الأزد ألفان.. ومن سائر اليمن خمسمائة.. ومن مضر ألفان.. وخمسمائة من قيس.. وخمسمائة من تميم.. وألف من بنى ضبة.. وخمسمائة من بكر بن وائل.. وقــُـتل من أهل البصرة فى المعركة الثانية خمسة آلاف.. فذلك عشرة آلاف قتيل من أهل البصرة.. ومن أهل الكوفة خمسة آلاف.. وقــُـتل من بنى عدى يومئذ سبعون شيخـًا كلهم قد قرأ القرآن.. وعندما دخل على بن أبى طالب البصرة ، وجد النساء يبكين ، وكانت صفية ابنة الحارث (مختمرة) وهى تبكى فلما رأتْ على بن أبى طالب قالت : يا على يا قاتل الأحبة.. يا مُـفرّق الجمع.. أيتـمَ الله بنيكَ كما أيتمتَ ولد عبد الله (تقصد أولاد طلحة) فلم يرد على عليها.. وقال البعض لعائشة : جـُـزيتِ عنــّـا أمنا عقوقــًا ، وقال لها شخص آخر: يا أمنا توبى فقد أخطئتِ.. فكانت النتيجة أنّ أتباع عائشة جلدا الرجليْن مائة جلدة لكل منهما.
وذكر الطبرى أنه : لما فرغ على من بيعة أهل البصرة ، نظر فى بيت المال فإذا فيه ستمائة ألف وزيادة ، فقسّمها على من شهد معه ، فأصاب كل رجل منهم خمسمائة ، وقال : لكم – إنْ أظفركم الله عزّ وجل بالشام - مثلها)) (الطبرى – مصدر سابق – من ص521- 544) أى أنهم أشبه بالعصابات التى تحترف القتل فى العصر الحديث وأخذوا صفة (المُـرتزقة) وهكذا كانت الأموال المنهبوبة من عرق الشعوب التى تمّ احتلال أراضيها ، تــُـوزّع على (عرب ما بعد الإسلام) الذين سفكوا دماء بعضهم البعض ، كما كان يفعل (عرب ما قبل الإسلام)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب قبل وبعد الإسلام (17)
- العرب قبل وبعد الإسلام (16)
- العرب قبل وبعد الإسلام (15)
- العرب قبل وبعد الإسلام (14)
- العرب قبل وبعد الإسلام (13)
- العرب قبل وبعد الإسلام (12)
- العرب قبل وبعد الإسلام (11)
- العرب قبل وبعد الإسلام (10)
- العرب قبل وبعد الإسلام (9)
- العرب قبل وبعد الإسلام (8)
- العرب قبل وبعد الإسلام (7)
- العرب قبل وبعد الإسلام (6)
- العرب قبل وبعد الإسلام (5)
- العرب قبل وبعد الإسلام (4)
- العرب قبل وبعد الإسلام (3)
- العرب قبل وبعد الإسلام (2)
- العرب قبل وبعد الإسلام (1)
- مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
- العدوة لعصور الظلام


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (18)