أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مغزى الدفاع عن جنسية الوطن















المزيد.....

مغزى الدفاع عن جنسية الوطن


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4916 - 2015 / 9 / 5 - 17:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
طلعت رضوان
أعتقد أنّ تمسك واعتزاز أى إنسان بجنسية وطنه ، مدخل أساسى لتفهم الظاهرة العامة لدى معظم شعوب العالم : ظاهرة الدفاع عن الخصوصة الثقافية (القومية) لكل شعب ، وبالتالى يكون من الصحيح القول أنّ الفضل فى الدفاع عن الخصوصية الثقافية ، يرجع إلى التمسك بجنسة الوطن ، ويكون من الصحيح أيضًا الوصول للنتيجة المنطقية : إنّ التمسك بجنسية الوطن، والدفاع عن الخصوصية الثقافية (القومية) مُــتلازمان تلازم الجنين بالمشيمة ، أو أنهما ضفيرتان من منبت واحد.
تؤكد الحقائق التاريخية أنّ معظم شعوب العالم يتمسّـكون بجنسية أوطانهم ، فرغم الاتحاد الأوروبى وإلغاء تأشيرة الزيارة من بلد إلى بلد ، والبرلمان الأوروبى والعملة الموّحدة إلخ ، فإنّ المواطن الإنجليزى لا يقبل أنّ يقول له أحد ((أنت ألمانى)) والعكس صحيح حيث أنّ الألمانى لا يقبل أنْ يقول له أحد ((أنت إنجليزى)) وهكذا فى (كل) دول أوروبا. ونظرًا لوعيهم بتلك الخصوصية ، لم يظهر من بينهم شاعر يمتلك فجاجة الإدعاء ويكتب قصيدة يقول فيها : الأرض بتتكلم أوروبى (رغم تقدمهم وتعاونهم المُبهر) ونفس الشىء ينطبق على الشعب اليابانى الذى يرفض مواطنوه القول : أنت شعب صينى والعكس صحيح ، فلا يقبل الشعب الصينى أنْ يُقال له : أنت يابانى.. إلخ ولأنّ تلك الشعوب عرفتْ قيمة التمسك بجنسية الوطن ، لذلك تولــّـد عن ذلك (أوتوماتيكيًا) الدفاع والاعتزاز بخصائصهم الثقاقية (القومية)
وكان من سوء حظ شعبنا (المصرى) أنْ ابتلى بمن روّج لأكذوبة أنّ (مصر عربية) وبالتالى فإنّ شعبنا (المصرى) أصبح بقدرة البكباشى عبد الناصر الطاغية (عربى) رغم أنّ أحد أهم المُـدافعين عن العروبة (ميشيل عفلق 1910- 1989) قال لعبد الناصر ((أنتَ عربى لكن مصر غير عربية)) وعفلق (سورى الجنسية) مؤسس حزب البعث العربى الاشتراكى ، ودار جدل بين من أرّخوا لحياته حول اعتناقه الإسلام ، وترجـّـحت كفة المؤيدين (لإسلامه) عندما اكتشفوا قصيدة قال فيها ((كان محمد كل العرب/ فليكن كل العرب محمدًا)) وعبد الناصر (نبى العروبة) لم يحتمل أعضاء حزب البعث (العربى الاشتراكى) فاضطهدهم بما فيهم ميشيل عفلق.
تحوّلتْ أكذوبة (مصر عربية) إلى (حقيقة) فى أدمغة كبار المُـتعلمين (المصريين) المحسوبين على الثقافة المصرية السائدة ، وكان على رأس (الجوقة) الصحابى الأول (هيكل) لنبى العروبة (عبد الناصر) وكما أنّ الكثير من الأساطير تحوّلتْ إلى دين ، كذلك أصبحتْ أكذوبة (مصر عربية) أشبه بالحقيقة الدينية التى لا تقبل الخلاف حولها ، خاصة بعد يوم 9/3/58 عندما وقف عبد الناصر فى ساحة الجلاء أمام قصر الضيافة فى دمشق وخاطب الشعب السورى قائلا ((كنا نشعر بكم فى هذه المنطقة من العالم وقد عزلونا عنكم وأرادوا أنْ يُـقيموا فى مصر بلدًا يتنكــّـر لعروبته وينتمى إلى الفرعونية)) (خطب عبد الناصر- مجلد مصلحة الاستعلامات (المصرية) القسم الثانى : فبراير 58- يناير60- ص55) وكرّر نفس المعنى أكثر من مرة فقال فى خطاب 22/7/59 ((واستطعنا أنْ نرى أنّ الدعوة الفرعونية التى حاول الاستعمار أنْ يبثها بين الأمة المصرية (برجاء ملاحظة التناقض فى كلامه) إنما هى محاولة زائفة ، يُـحاول الاستعمار بها أنْ يُـقسّم الأمة العربية ليقضى عليها جزءًا جزءًا ويقضى على العرب والقومية العربية ليحل محلها قوميات أخرى)) (المصدر السابق – ص468)
كلام عبد الناصر الذى يتعارض ويتناقض مع علم الأنثروبولوجيا وعلم المصريات وعلم اللغويات ، أخذ قداسة (القرآن) لدى كبار المُـتعلمين المصريين ، وإذا كان من المُمكن تفهم موقف الناصريين والعروبيين ، فلماذا وقف الماركسيون (المصريون) معهم فى خندق واحد ؟ وردّدوا أكاذيب نبى العروبة (عبد الناصر) وأكاذيب الصحابى الأول (هيكل) ؟ ولماذا لم يستخدموا عقولهم ليسألوا السؤال البديهى : هل صحيح أنّ الاستعمار (الخبيث) هو الذى أقام فى مصر بلدًا يتنكــّـر لعروبته وينتمى للفرعونية ؟ ولم يسألوا أنفسهم : إذا كان انتماء شعبنا المصرى (للفرعونية) ضد حقائق التاريخ ، وأنّ (الاستعمار) هو الذى أوحى لشعبنا وأقنعه بأنْ نخلع رداء (العروبة) ونرتدى رداء (الفرعونية) فإذا كان الأمر كذلك ، فمن هو الشعب الذى ينتمى (للفرعونية)؟ ومن هم أحفاد (الفراعنة)؟ وهل هم شعب (ألاسكا) بالمحيط الهادى؟ أم أنهم الذين (هبطوا من السماء) كما ادّعى أنيس منصور فى إحدى تخاريفه ؟ كل تلك الأسئلة لم تشغل بال الماركسيين (المصريين) إما لكسل عقلى ، أو الخوف من (البحث العلمى) الذى سيُـفجعهم بالحقيقة التى تنفى أكاذيب ناصر وهيكل وكل مدرسة (عروبة مصر) كما أنّ الماركسيين (المصريين) لم يسألوا أنفسهم : كيف يكون الاستعمار (الخبيث) هو الذى (حاول أنْ يُـقسّم الأمة العربية ليقضى عليها وعلى القومية العربية ليحل محلها قوميات أخرى) كما قال ناصر، فى حين أنّ بريطانيا (الاستعمارية) هى التى أنشأتْ جامعة الدول العربية.. وأنّ الخارجية البريطانية أرسلتْ برقية لممثلها فى مصر وطلبتْ منه أنْ يمنح عزيز المصرى مبلغ ألفىْ جنيه استرلينى لتعزيز فكرة القومية العربية (البرقية فى باب الملاحق فى كتاب هيكل : المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل) ولماذا لم يسأل الماركسيون (المصريون) أنفسهم : ما مغزى الصراع بين انجلترا (الاستعمارية) وفرنسا (الاستعمارية) حول من منهما تأخذ (المبادرة) ويكون لها فضل السبق فى إنشاء (جامعة الدول العربية) ؟ ولماذا لم يسأل الماركسيون (المصريون) أنفسهم عن مغزى إقامة محطة إذاعة فى مصر اسمها (صوت العرب) وأنْ يكون الافتتاح يوم 6/7/53 بمعدات أمريكية وخبراء أمريكان ؟ ولماذا (صوت العرب) فى مصر وليس فى الجزيرة العربية ؟ ولم يسأل الماركسيون (المصريون) كيف تجرّأ عبد الناصر على ارتكاب جريمة شطب اسم مصر، وهى الجريمة التى لم يرتكبها الغزاة من الهكسوس إلى الإنجليز، بما فيهم الغزاة العرب ، ليكون اسمها الذى أراده لها عبد الناصر (ج.ع.م)؟ ولماذا لم يرد ماركسى (مصرى) واحد (واحد فقط) على تلك الأسئلة التى طرحتها فى كتابى (العسكر فى جبة الشيوخ) الصادر عام 2003 عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان؟
لم يكتف الماركسيون (المصريون) بترديد أكذوبة (عروبة مصر) وإنما أخذوا موقفــًا سلبيًا من الحضارة المصرية ، فلم يهتم أغلبهم بعلم المصريات ، ولذلك فإنّ كثيرين منهم تبنوا التراث العبرى المُعادى للحضارة المصرية ، وردّدوا مقولات الديانة العبرية بشـُـعبها الثلاث (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) عن (الفرعون الطاغى) وكان (الفصيح) منهم يقول لى : إنه (فرعون) واحد فلا تغضب ، وعندما كنتُ أقول لهم : لا يوجد ملك مصرى اسمه (فرعون) وأنّ الكلمة بالمصرى القديم تــُنطق (بر- عا) ومعناها البيت الكبير أو مقر الحكم مثل البيت الأبيض أو رئاسة الجمهورية ، كانوا يهزون أكتافهم وينتقلون إلى الأكذوبة العبرية التى زعموا فيها أنّ مصر القديمة عرفتْ (العبودية) وفق التقسيم الماركسى (المقدس) وأنّ الأهرامات تمّ بناؤها بالسخرة. فلما سألتهم : من أى مصدر أتيتم بهذا الكلام ؟ كانوا يعجزون عن الرد ، ولما سألتهم هل قرأتم بعض الكتب التى تناولتْ الحضارة المصرية ، وهل تعلمون بوجود علم اسمه علم المصريات Egyptology كانوا يُمصمصون شفاههم ، وعندما كنتُ أقول لهم إنه لا يوجد علم اسمه سعودولجى أو قطرولوجى أو حتى أمريكولوجى ، كانوا يهزأون بكلامى ، ويقولون لى ((أنت عنصرى)) و(شوفينى) إلخ ، وينتهى النقاش إلى أننى (عدو للعرب) لمجرد أننى أدافع عن خصوصيتى الثقافية (القومية) واعتزازى بجنسية وطنى (المصرى)
وظلّ هذا الاتهام (أننى عدو للعرب) يُـلاحقنى وأنا لا أهتم بالرد عليهم ، ليس تعاليًا أو تعففـًا ، وإنما لأنّ ما يهمنى هو القارىء الذى يُـتابع كتاباتى ، حيث كتبتْ أكثر من مرة (فى مقالاتى ودراساتى وفى بعض كتبى) أنّ الإنسان الأحمق هو وحده الذى يتجاهل الموقع الجغرافى للدول العربية ، ويتجاهل معطيات العصر الحديث الذى يوجب التعاون بين الدول ، خاصة القريبة جغرافيًا ، وأكثر من ذلك يتجاهل أنّ الفيصل فى علاقات الدول هو (الندية) بمعنى (قوة الشخصية القومية واستقلال الإرادة السياسية) وبناءً على ذلك فأنا مع إقامة علاقات دبلوماسية وثقافية واقتصادية بين مصر والدول العربية. وأنّ دفاعى عن خصوصية ثقافتى القومية (المصرية) لا تعنى أننى ضد العرب ، وهو شعب له خصوصيته التى من حقه أنْ يتمسـّـك بها ويُـدافع عنها، وأننى أركــّـز فى كتاباتى على علم الأنثروبولوجيا الذى اهتم بالدراسات الميدانية لتأصيل ((الكشف عن هوية الشعوب)) كما أنه لا يوجد شعب يخلو من العيوب بجانب مزاياه ، وهو ما ينطبق على شعبنا المصرى الذى آخذ عليه الكثير من العيوب ، وفى نفس الوقت كتبتُ كثيرًا أنّ الروائى السعودى عبد الرحمن منيف أهم من نجيب محفوظ ، وأنّ المفكر السورى صادق جلال العظم أهم من (مفكرين مصريين كثيرين) وأنّ الفنانة فيروز تشجينى وأحب صوتها ومعانى كلمات أغانيها وألحان تلك الأغانى أكثر من مطربات ومطربين (مصريين كثيرين) لا أحب الاستماع إلى أغانيهم ، فمن أين جاء الاتهام ب (العنصرية) ؟ وهل تمسكى ودفاعى عن (مصريتى) يعنى (التعصب العنصرى) وأننى ضد العرب؟ وهل المواطن السورى الذى يتمسك بجنسية وطنه وخصوصيته الثقافية (ضد العرب) وهل المواطن السعودى الذى يتمسّـك بجنسيته وخصوصيته الثقافية (ضد العرب) وقل نفس الشىء عن المواطن اللبنانى والتونسى والمغربى والجزائرى والسودانى.. إلخ. وقد حدث معى – منذ عدة سنوات – أنْ تقابلتُ مع شاعر فى أتيليه القاهرة (عرفتُ فيما بعد أنه يمنى) ولما كنتُ أجهل الفرق بين اللغة العربية (السعودية) واللغة العربية (اليمنية) أو الفرق بين اللهجة السعودية واللهجة اليمنية (كما يحب البعض استخدام مصطلح لهجة) نظرًا لجهلى بالفرق اللغوى بين السعوديين واليمنيين سألتُ الشاعر : هوّ إنت سعودى ؟ فإذا به كما لو أنّ حية لدغته ، فانتفض مذعورًا وضرب الترابيزة بكل قوة فطارتْ أكواب الشاى وقال لى بكل عنف (( أنا يمنى..أنا يمنى))
فى ذاك اليوم – وكان الثمانينيات من القرن العشرين – احترمتُ هذا الشاعر اليمنى ، خصوصًا بعد أنْ استرسل فى شرح الصراع التاريخى بين وطنه الأصلى (اليمن) وبين آل سعود الذين أطلقوا اسمهم على المنطقة التى احتلوها من شبه الجزيرة العربية، وشرح بالتفصيل عن الأراضى (اليمنية) التى احتلتها (السعودية) ويشاء قانون المصادفة أننى فى ذاك الوقت كنتُ المسئول عن النشاط الثقافى بأتيليه القاهرة ، فأعددتُ سلسلة محاضرات تحت عنوان ثابت (أبعاد الشخصية المصرية بين الماضى والحاضر) واستضفتُ عددًا من المصريين أمثال د. سيد عويس، د. عبد الحميد يونس، د. فؤاد مرسى ود. نعمات أحمد فؤاد إلخ وتركتُ لكل متحدث (باتفاق مُـسبق) حرية اختيار المحور الذى سيتناوله. وتلك المحاضرات تمّ طبعها فى كتاب صدر عن هيئة الكتاب المصرية عام 1999، رغم أنّ المحاضرات كانت فى عام1983، بسبب رفض دور النشر العديدة نشر الكتاب. فى ذاك العام – 1983- بدأتُ الاهتمام بعلم المصريات وعلم الأنثروبولوجيا ، فتأكــّـدتُ من حقيقة أنه لا يوجد تماثل (ثقافى قومى) بمعنى أنساق القيم بين شعب وآخر، وأنّ الشعوب تختلف فى (أنساق القيم) كما تختلف فى الإبداع الشعبى وفى طقوس الاحتفال بأعيادها ومجمل عاداتها (مثل طريقة دفن الموتى والاحتفال بسبوع الطفل والاحتفال بشهر رمضان إلخ) ومع مرور الشهور والسنين تعمّـق لدىّ الوعى بحقيقة أننى (مصرى) وأنّ مصر ليست عربية كما زعم نبى العروبة (عبد الناصر) وتأكــّـد الوعى بتلك الحقيقة أكثر عندما كنتُ أسمع من أقاربى الذين عملوا فى السعودية عن العبودية العصرية المُـسماة (نظام الكفيل) وكذلك رسائل القراء فى الصحف المصرية (خاصة صحيفة الأهرام فترة المرحوم عبد الوهاب مطاوع) عن وقائع الظلم البشع من (الكفيل) السعودى ضد أبناء شعبنا (المصرى) وتعاظم اعتقادى ب (مصريتى) وأنّ مصر لا يمكن أنْ تكون (عربية) مع نظام العبودية العصرى (نظام الكفيل) خاصة عندما علمتُ وتأكــّـدتُ من أنّ السعودية تــطبق نظام الكفيل على شعبنا المصرى (وعلى بعض الشعوب الأخرى – عربية وإفريقية) ولكنها لا تجرؤ على تطبيق نظام الكفيل على أى مواطن أمريكى أو أوروبى.
وكانت أهم محطات فى موقفى (الثقافى) عن أكذوبة (عروبة مصر) عندما قرأتُ كل ما هو مُــتاح من كتب عن علم الفولكلور، سواء على المستوى العالمى أو المصرى ، وقرأتُ الأدب الشعبى الذى أبدعه الأميون المصريون ، فتأكــّـدتْ لدىّ حقيقة الفارق الحضارى بيننا نحن المصريين ، أبناء حضارة النهر والزرع ، حيث الوفرة ، وبين حضارة البداوة والقحط الصحراوى والندرة. وكذلك قراءاتى فى كتب التاريخ العربى/ الإسلامى (الكتب الأصلية أمثال كتاب " فتوح مصر وأخبارها " للقرشى ابن عبد الحكم والبلاذرى والطبرى وابن كثير إلخ) وهى الكتب التى تناولتْ (الغزو العربى) على الشام والعراق والمغرب ومصر إلخ) وتفاصيل النهب الاستعمارى العربى ، ومع ذلك يُـصر الماركسيون (المصريون) على أنّ (مصر عربية) ثم كانت محطة علم المصريات حيث اكتشفتُ أكاذيب العروبيين المُـعادين للحضارة المصرية ، ثم محطة علم الأنثروبولوجيا ، الذى رسـّـخ لدىّ الاعتقاد بوجود فروق بين الشعوب ، وفى هذا المجال فإنّ العالم (مارشال ساليز) كتب ((هناك قدر كبير من الخلط ينشأ فى الخطاب الأكاديمى والسياسى ، حين لا يتم التمييز بين الثقافة بمعناها الإنسانى ، والثقافة بمعناها الأنثروبولوجى ، باعتبارها نهجـًا كاملا ومُــتميزًا لحياة أى شعب ، ومن هذا المُـنطلق فلا جدوى من الحديث عن العلاقة بين الثقافة والاقتصاد)) وأضاف ((إنّ ثقافة أى بلد تعكس تاريخه وأخلاقياته وتوجهاته وحركته الاجتماعية)) (التنوع البشرى الخلاق – مجموعة دراسات – المجلس الأعلى للثقافة – عام 97- من ص19- 23)
وكتب (كلود ليفى شتراوس) إنّ ثقافات الشعوب تختلف فى جوانب كثيرة . ولن تكون هناك (حضارة عالمية) بالمعنى المُـطلق الذى درج البعض على استخدامه ، لأنّ الحضارة تعنى تعايش الثقافات بكل تنوعها ، والحقيقة أنّ أية حضارة عالمية لا يمكن أنْ تــُـمثــّـل إلاّ تحالفــًا عالميًا بين الثقافات ، تحتفظ فيه كل منها بأصالتها)) (المصدر السابق – ص29)
أما (ألفا أوماكونارى) الذى شغل منصب رئيس جمهورية مالى عام 1993 فقال ((ما دام هناك حضارة تــُمارس قهرًا سياسيًا وفكريًا على غيرها من الحضارات ، بدعوى أنّ الطبيعة والتاريخ اختصاها بمُميزات ، فما من أمل فى حلول السلام على البشرية. لأنّ انكار الخصائص الثقافية لشعب من الشعوب يُعد نفيًا لكرامته)) (المصدر السابق – ص 53) وكتب (كونور كروزا) أنّ ((تنوع الجنس البشرى هو الذى يضرب بجذوره فى هذه الإنسانية المُـشتركة)) وكتب (كارلوس فوينتيس) أنه من عجائب كوكبنا تعدد تجاربه وخبراته وذاكرته ورغباته ، وأية محاولة لفرض سياسة موحدة على هذا التنوع ستكون بداية النهاية (ص73، 74) واستشهد كثيرون بالجملة البديعة وصياغتها العبقرية التى تناول فيها الأب الروحى للشعب الهندى (المهاتما غاندى) العلاقة بين الانفتاح على كل ثقافات العالم ، وفى نفس الوقت الدفاع عن الخصوصية الثقافية لكل شعب حيث قال ((إننى أرغب أنْ تهب على بيتى جميع ثقافات العالم ، ولكننى أرفض أنْ تقتلعنى من جذورى إحدى هذه الثقافات))
وإذا كان المُـتعلمون (المصريون) المحسوبون على الثقافة المصرية السائدة (من ماركسيين وعروبيين وإسلاميين) يتحجـّـون ب (اللغة) ويعتبرون أنّ شعبنا (المصرى) يستخدم اللغة العربية ، فقد فاتهم أنّ اللغة العربية لغة الكتابة الرسمية ، ولكنها ليستْ لغة شعبنا فى حياته اليومية التى أطلقوا عليها (العامية) وكان عميد الثقافة المصرية (طاها حسين) وهو من أنصار الدفاع عن اللغة العربية ، على وعى بتلك الحقيقة ، فكتب أنّ الناس فى مصر (بما فيهم رجال الأزهر) لا يتكلــّـمون اللغة العربية فى حياتهم اليومية (مستقبل الثقافة فى مصر- دار الكاتب اللبنانى – بيروت – المجلد التاسع – عام 1973- أكثر من صفحة) وحتى لو فرضنا أنّ شعبنا (المصرى) يتكلــّـم العربية فى حياته اليومية ، فهل يقبل أى (عروبى) أنْ يُـقال عن الشعب الصومالى أنه (فرنسى) لأنه يتكلم الفرنسية. وهكذا مع باقى شعوب إفريقيا الذين يتكلمون الإنجليزية والإيطالية ، فهل يكون من العلم أنْ يُـقال على تلك الشعوب الإفريقية أنهم بريطانيون أو إيطاليون أو فرنسيون؟ وإذا كانت الإجابة بالقطع (لا) فلماذا أصرّ المُـتعلمون المصريون المحسوبون على الثقافة المصرية السائدة على تجاهل لغة العلم ورضوا لأنفسهم المشى وراء نبى العروبة (عبد الناصر) ؟ ولماذا لم ينتبهوا لما ذكره كثيرون من أنّ مصر ليست عربية أمثال أ. أحمد أمين الذى كتب ((العرب أزالوا استقلال فارس ، وحكموا مصر والشام والمغرب وأهلها ليسوا عربًا)) (ضحى الإسلام- ج1- مكتبة الأسرة عام97- ص76) فلماذا تجاهل المُـتعلمون المصريون قانون (الخصوصية) التى ليست بين الدول (فقط) وإنما بين الأشخاص الطبيعيين ، بل وبين الأشقاء (من ذات الأم وذات الأب) وحتى بين التوأم يوجد الاختلاف فى الطباع والآراء ، باستثناء الحالات النادرة جدًا (التوأم المُـتماثل) ولماذا يتجاهلون أنّ الكائن الحى الذى يولد برأسيْن وجسد واحد يموت بعد ولادته ، فكيف يكون لشعبنا (المصرى) رأسان ولم يمت (رأس مصرى) و(رأس عربى) ؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
- العدوة لعصور الظلام
- السامية والحامية ولغة العلم
- رد الى الاستاذ الأستاذ طلال الربيعى بشأن مقالى (أسباب فشل ال ...
- أسباب فشل اليسار المصرى
- الدولة شخصية اعتبارية
- الإخوان المسلمين وأنظمة الحكم
- الإخوان المسلمون وعلاقتهم بالاستعمار الإنجليزى والأمريكى
- أفغانستان فى القرنيْن التاسع عشر والعشرين
- الفرق بين لغة العلم ولغة العواطف الدينية
- حياة سيد قطب الدرامية
- المرأة رمز الحية ورمز الحياة
- الطوباوية العربية وطلب المستحيل
- متى يكون المثقف مستقلا ؟
- المثقف والثقافة السائدة (3)
- رد على الأستاذ محمد نبيل الشيمى
- المثقف والثقافة السائدة (2)
- رد على الأستاذ طلال الربيعى
- المُثقف والثقافة السائدة (1)
- اللغة الدينية وتجربة أوروبا طغيان اللغة الدينية طلعت رضوان ه ...


المزيد.....




- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مغزى الدفاع عن جنسية الوطن