أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - المثقف والثقافة السائدة (2)















المزيد.....


المثقف والثقافة السائدة (2)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4877 - 2015 / 7 / 25 - 22:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



هل المُـثقف فى الأنظمة الشمولية يمتلك إرادة حرة ، فيكون له حق الاختلاف مع الثقافة السائدة ؟ أم أنه يمشى وراء تلك الثقافة ، مُردّدا كل ما تقوله (والأدق كل ما يقوله النظام الأبوى/ السلطوى/ الأحادى) كما حدث فى مصر بعد سيطرة الضباط على الحكم يوم الأربعاء الأسود 23 يوليو1952؟ وبالتالى هل ينطبق عليهم تعبير (مُـثقفين) وفق التعريف العلمى الذى يرى أنّ المثقف الحقيقى هو (طليعة روحية لشعبه) ؟ أم أنهم (مُـتعلمون كبار) ؟ أعتقد أنّ شعبنا (المصرى) كان من سوء حظه أنه ابتلى ب (مُـتعلمين كبار) محسوبين على الثقافة السائدة ، ولم يكن له (نصيب) فى (مُـثقفين بحق وحقيق) إلاّ بعض الاستثناءات. ولأنّ (الهوية القومية) لأى شعب هى معيار الحكم على (المُـثقف) وهل هو (طليعة روحية لشعبه) أم لا، فإنّ ما حدث فى مصر يؤكد أنّ الغالبية العظمى من الباحثين والروائيين والشعراء والإعلاميين صدّقوا أكاذيب البكباشى عبد الناصر بأنّ مصر (عربية) وأننا نحن المصريين (عرب) ولم يهتموا بما ورد فى العلوم الإنسانية عن التعريف الحقيقى ل (هوية) أى شعب وخصوصية ثقافته القومية، وخاصة ما ورد فى علم الأنثروبولوجيا فى هذا الشأن ، بل إنّ (المُـتعلمين) المصريين لم يهتموا ب (المعلومات) التى تؤكد أنّ (تعريب مصر) بدأ مع المُـخطط الاستعمارى الذى تبنـّـته بريطانيا ثم الإدارة الأمريكية.
وإذا كان الماركسيون المصريون أعلنوا فى كتاباتهم أنّ بريطانيا دولة استعمارية وأنُ الولايات المتحدة الأمريكية هى (زعيمة الامبريالية) وأنها مُـعادية للشعوب التى أطلقتْ عليها (شعوب العالم الثالث) وتعمل على استغلال هذه الشعوب اقتصاديًا ، وتــُخطــّـط بكل السبل لكسب حكام هذه الشعوب وضمهم إلى سياستها حتى يتم تحويل بلادهم إلى قواعد عسكرية يُديرها ويتحكم فيها الأمريكان ، كما حدث مع الدول العربية. وإذا كان الإسلاميون – من كل الفصائل – أعلنوا وكتبوا كثيرًا عن عدائهم للإدارة الأمريكية وأطلقوا عليها (الشيطان الأكبر) وأنها دولة ((مُمثلة للصليبية الحديثة)) وأنها ((دولة علمانية كافرة)) إلى آخر ما يكتبون ويُروّجون . إذا كان الأمر كذلك فإنّ السؤال الذى أوجهه للماركسيين وللإسلاميين : لماذا كان الصمت إزاء الجريمة التى ارتكبتها بريطانيا ثمّ الإدارة الأمريكية، أى جريمة (تعريب مصر) ؟ لمذا صمتَ النقيضان إزاء هذه الجريمة ؟ وإذا كان يمكن فهم موقف الإسلاميين بمراعاة أنهم يربطون بين العروبة والإسلام ، وبمراعاة أنهم ضد (القومية المصرية) التى يصفونها ب ((الفرعونية الطاغية)) فكيف يمكن فهم موقف الماركسيين ؟ ولماذا وقف النقيضان فى ذات الخندق أمام المشروع الأنجلو/ أميركى ل (تعريب مصر)؟ ولماذا اهتم الماركسيون بالكتابة عن (الصراع الطبقى) وعن القضية الفلسطينية التى أطلقوا عليها (الصراع العربى/ الإسرائيلى) لتمييع الصراع وتوزيعه على (العرب) فكانت النتيجة (ضياع) الحق الفلسطينى، والسؤال الذى لم يطرحه أحد من قبل : لماذا لم يهتم الماركسيون بالخصوصية الثقافية لشعبنا (المصرى) ولماذا ردّدوا أكاذيب نبى العروبة (عبد الناصر) عن أننا (عرب) ولماذا لم يكونوا مثل الماركسيين العظام فى أمريكا اللاتينية وفى فيتنام وفى الصين ، الذين اهتموا بمفهوم الثقافة القومية لشعوبهم ؟ ولماذا لم يهتم الماركسيون المصريون بحقيقة الدور البريطانى فى نشأة (جامعة الدول العربية) ؟ ولم يسألوا أنفسهم : ما مصلحة بريطانيا فى إنشاء تلك الجامعة ، التى أثبت تاريخها – منذ نشأتها وحتى اليوم فى عام 2015، أنها جامعة (ضد الشعوب العربية)
والسؤال الذى تتغافل عنه الثقافة السائدة هو: لماذا كان إصرار بريطانيا على إنشاء جامعة الدول العربية؟ إصرار وصل لدرجة دفع المال من الخزينة البريطانية لبعض الشخصيات حتى يتم تنفيذ مشروع الجامعة العربية. والتفاصيل رواها عروبى كبير (محمد حسنين هيكل - الصحابى الأول لنبى العروبة عبد الناصر) وبالتالى فإنّ ما ذكره شهادة دامغة لا يستطيع أى عروبى التشكيك فيها، خاصة أنه نقل نص وثيقة ، عبارة عن برقية وردتْ من وزير الخارجية البريطانى السير إدوارد جراى إلى المُعتمد البريطانى فى مصر (هنرى ماكماهون) المسئول عن المكتب العربى وجاء فيها ((تستطيع أنْ تـُقـدّم أى تأكيدات تقترحها لعزيز المصرى باسم الحكومة البريطانية أنّ الحركة العربية لابد من تشجيعها بكل وسيلة ممكنة. ويمكن لعزيز المصرى أنْ يبدأ فى تنظيم القوة التى يُريدها. وتستطيع أنْ تضع تحت تصرفه ألفين جنيه استرلينى إذا كنتَ ترى ذلك مفيدًا. ولك أنْ تطلب منه أنْ يظل على اتصال بمكتب القاهرة للمخابرات البريطانية وبالمعتمد البريطانى . وأنْ تتعهد له بأننا سوف نـُساعد الحركة القومية العربية بمقدار ما يبدو من تأثيرها)) (هيكل فى كتابه " المفاوضات السرية بين العرب وإسرايل" ونفس النص نقلته صحيفة العربى الناصرية 18/3/96)
وأكثر من ذلك فإنّ صراعـًا نشأ بين الدولتيْن الإستعماريتيْن (إنجلترا وفرنسا) حول من منهما يكون له فضل السبق والريادة فى إنشاء جامعة الدول العربية. والتفاصيل رواها د. عبد الرحمن البيضانى نائب رئيس الجمهورية ورئيس وزراء اليمن الأسبق الذى كتب (( أعلن مستر إيدن وزير الخارجية البريطانى يوم 29 مايو1941 فى دار بلدية لندن أنه يدعو إلى إنشاء جامعة عربية. ووعد بمساعدة هذه الجامعة. وعندئذ أسرع مسيو كاترو المُـفوّض الفرنسى العام فى سوريا ولبنان فكتب إلى الجنرال ديجول يقول : إنّ تبنى بريطانيا لقضية الوحدة العربية يجعلها تأخذ زمام المبادرة ، لذلك يجدر بفرنسا أنْ تدعو إلى نفس الفكرة وتنقل محورها من بغداد والقاهرة إلى دمشق وبيروت حيث النفوذ الفرنسى . ثم ألقى مستر إيدن خطابًا أمام مجلس العموم البريطانى يوم 24/2/42 ألحّ فيه على إنشاء جامعة عربية)) (أهرام 9/8/2003) الحقائق التى ذكرها هيكل ود. البيضانى أكــّـدها المؤرخ عبد الرحمن الرافعى الذى كتب إنّ (( إنشاء جامعة الدول العربية كان بإيعاز من بريطانيا)) (مصر بين ثورة 1919 وثورة 52- مركز النيل للإعلام – مطابع الشروق – عام 77- ص53)
إزاء هذه (المعلومات) الموّثقة والتى لم يُكذبها أحد بما فيهم الصحابى الأول (هيكل) لنبى العروبة (عبد الناصر) فإنّ العقل الحر يحق له التساؤل : كيف تغافل المُتعلمون المصريون بما فيهم الماركسيون عن تلك (المعلومات) ولماذا لم يسألوا السؤال البديهى : ما مصلحة بريطانيا فى (تعزيز القومية العربية) ثم فى إنشاء جامعة الدول العربية ، فى حين أنّ الماركسيين (قبل يوليو52) انتبهوا لخطورة إنشاء جامعة للدول العربية؟
أعتقد أنّ أى كاتب لابد وأنْ تغمره الفرحة ، عندما يجد وثيقة قديمة تؤكد اجتهاده السابق على تلك الوثيقة التى مضى عليها أكثر من 70 سنة. ذلك أننى طالبتُ كثيرًا فى كتبى ودراساتى بضرورة إلغاء جامعة الدول العربية ، لأنها (جامعة أنظمة) وليستْ (جامعة شعوب) وأنّ الأمين العام وجيش الموظفين التابعين له يقبضون مرتباتهم من الأنظمة (مع مراعاة عدم الدقة فى التعبير، لأنّ الأنظمة تدفع من أموال الشعب) فكيف يختلف الأمين العام مع (الأنظمة) التى تدفع له مرتبه ونفقات تنقلاته بالطائرة والمال اللازم لعمل الجامعة ؟ وهو المال الذى يُشكل مجمل ميزانية الجامعة للصرف على أنشطتها. لذلك ينحصر دور الجامعة على النشاط الدبلوماسى التوفيقى الذى تـُلخصه كلمة واحدة (المُجاملات) بغض النظر عن مصلحة الشعوب ، والأمثلة عديدة : مثل المجزرة التى ارتكبها عبد الناصر ضد الشعب اليمنى ( تدمير القرى اليمنية بحجة تغيير النظام من ملكى إلى جمهورى) إلى آخر الأمثلة التى تؤكد أنّ تلك الجامعة (الوهمية) ليس لها أى دور فعال لمصلحة الشعوب ، ناهيك عن دورها المُـتخاذل إزاء القوى الاستعمارية0 وكانت فرحتى عندما تأكد اجتهادى ، وهو ما اكتشفته عندما قرأتُ الأعداد الكاملة من (مجلة الفجر الجديد) التى كان يُصدرها فريق من الماركسيين المصريين برئاسة أحمد رشدى صالح ، وهى الأعداد التى صدرت عامىْ 1945/ 1946. وفيما يلى بعض النماذج من المقالات التحليلية عن مخازى جامعة الدول العربية ، مما يؤكد أنّ مثقفى ذلك الزمن لم ينخدعوا بشعارات (العروبة) البائسة ولا بتوأمتها (الوحدة العربية)
فى عدد أول يوليو45 كتب صادق سعد مقالا عن اعتداء الدول الاستعمارية على سوريا ولبنان قال فيه ((استقبلتْ الشعوب العربية بيان مجلس جامعة الدول العربية الأخير بدهشة بالغة. هذه الطبطبة وهذه الاجتماعات المُـتكرّرة وتلك الموائد وحفلات الشاى ، كل هذا لم يُسفر إلاّ عن نتيجة أحيطتْ بسياج غامض من السرية تضمّنتْ الاعتراف بالاعتداء الفرنسى . وهذه الأسس الغامضة لن تـُفيد القضية العربية بل ستضر القضية العربية ضررًا بالغـًا. كما تجاهلتْ الجامعة العربية أوضاع الشعوب العربية، فتناستْ أنّ فلسطين تشكو الانتداب والصهيونية معًا . والجامعة العربية لم تــُفكــّر على الاطلاق فى مطلب الديمقراطية. وفى غياب كل هذا لنا أنْ نسأل أليس هذا ما يُريده الاستعمار؟
وفى عدد 16 سبتمبر45 مقال بقلم أحمد سعيد قال فيه أنّ الجامعة العربية تغاضتْ عن مطالب الشعوب العربية الاقتصادية وأغفلتْ تغلغل الرأسمال الأجنبى فى حياتها الاقتصادية. ولم تبال بأنّ الاستعمار يخنق الطبقات الشعبية العربية. ثم تساءل : لماذا الآن هذه الجامعة ؟ إنها ((جامعة دول وليست جامعة شعوب فهى تـُمثــّـل الطبقات الحاكمة دون غيرها))
وبمناسبة موقف جامعة الدول العربية من بيان مستر بيفن بشأن فلسطين ، أنْ جاء رد الجامعة ضعيفـًا ، لذلك كتب الصحفى (على الكاتب) إنّ ((من يقرأ رد الجامعة العربية يندهش من الروح المُـستخذية فى رد الجامعة. ويُعجب كيف يمكن لمجلس الجامعة أنْ يرد بهذه اللهجة الفاترة على خطاب الوزير البريطانى الذى أعلن فى بيانه استنجاد بريطانيا الاستعمارية بأمريكا الاستعمارية لحل المشكلة الفلسطينية. حلها على أى أساس ؟ إلغاء الكتاب الأبيض الذى قبله العرب سنة 1939 مُـترددين والسماح للمزيد من الصهيونيين بدخول فلسطين وتأليف لجنة (محايدة) للتحقيق فى مسألة رغبة اليهود (المُـضطهدين) فى النزوح إلى فلسطين أو البقاء فى أوطانهم التى خرجوا منها ، ويجب التنبيه إلى خطورة استدعاء أميركا فى حل قضية فلسطين ، فأميركا الاستعمارية تأتى لتـُساعد بريطانيا الاستعمارية فى الشرق الأوسط . وبريطانيا تـُكتـّـل القوى الرجعية فى الشرق العربى ليكون نطاقــًا ضد النفوذ السوفيتى (وتأتى) الجامعة العربية لتـُساعد على هذا الاتجاه . وجاء فى ختام رد مجلس الجامعة العربية على بيان بيفن أنّ مجلس الجامعة ((يغتنم الفرصة ليؤكد لسعادتكم رغبته فى أنْ يسود العلاقات العربية/ البريطانية دائمًا حُـسن التفاهم على ضوء المبادىء الإنسانية)) فكان تعقيب كاتب المقال ((فما هذه المبادىء؟ إنّ الاغفال هنا مقصود ، فلا يمكن أنْ يقول مجلس الجامعة أنّ هذه المبادىء تخص الشعوب العربية من الاستعمار، لأنّ مجلس الجامعة العربية يُريد أنْ يتفاهم مع الاستعمار. ولا يمكن أنْ يقول أنّ هذه المبادىء هى تحرر الشعوب العربية من الاستغلال الداخلى ، لأنّ مجلس الجامعة يُمثــّـل حكومات ولا يُمثــّـل الشعوب ، بل إنّ المجلس بتكوينه يقف حائلا بين الشعوب العربية وبين التحرر، ويستعمل فى ذلك بعض الأساليب التى تـُقرّبها من الفاشية. إنّ مجلس الجامعة العربية غير جاد فى محاربة الاستعمار، ومتراخى فى محاربة الصهيونية. وسعادة أمين الجامعة يطير إلى لندن ليُـقابل مستر بيفن ثم يقول للصحفيين ((لقد اجتمعتُ مع مستر بيفن مدة طويلة وأنا واثق أنه سيُرشدنا بنصائحه القيمة وارشاداته السامية فى كل المصاعب التى تعترضنا)) وقال أيضًا ((إننا ننتظر العدل والانصاف من بريطانيا)) (مجلة الفجر الجديد – عدد 16/12/ 1945)
وانتقدتْ مجلة التلغراف اللبنانية عزام باشا أمين الجامعة العربية الذى هاجم لبنان ، وقالت إنّ قانون الجامعة لا يبيح له الحديث عن (كل) الدول العربية. وقالت لماذا يُهاجم عزام باشا الشيوعية كما تفعل أميركا ؟ (الفجر الجديد – عدد 23 يناير1945)
وفى عدد 30 يناير45 مقال نقلا عن مجلة الاتحاد الفلسطينية جاء فيه ((كنا على حق حين حذرنا شعبنا من الجامعة العربية لأنها تقوم على دول ما زالت تناضل ضد الاستعمار البريطانى وها نحن اليوم نشاهد بعض المظاهر ضد شعبنا فى مواقف الجامعة العربية. مواقف تتمثــّـل فى التعاون والمُهادنة مع الاستعمار البريطانى من جميع القضايا التى تتطلب موقفــًا نضاليًا ضد الاستعمار. ورغم أنها تـُطالب بجلاء القوات البريطانية عن سوريا ولبنان ، فإنها لم تطالب بإلغاء الانتداب البريطانى عن فلسطين ، وها هى اليوم تـُصرّح بلسان الأمين العام تصريحًا لا يُعزز النفوذ البريطانى فحسب بل يُعادى قوى وقفتْ معنا فى نضالنا الوطنى وحالفتْ كفاحنا ، إذ قال عزام باشا فى تصريحه ((إننا عندما صرّحنا بأنّ الجامعة العربية ستطلب جلاء القوات الأجنبية عن البلاد العربية ، لم أكن أقصد أننا سوف نقف من فرنسا موقفـًا عدائيًا ، ولكى يكون قولى مفهومًا على حقيقته يحق لى أنْ أعود إلى تصريحى السابق وأضيف إليه أنّ أبناء الأقطار العربية سيُحاربون الاستعمار الفرنسى بنفس العزم الذى سيُحاربون به الاستعمار السوفيتى)) فكان تعقيب كاتب المقال ((نـُريد من الجامعة العربية أنْ ترد على أسئلتنا : لماذا تسكتْ الجامعة سكوتــًا مطبقــًا عن المطالبة بجلاء القوات البريطانية عن سوريا ولبنان والعراق ومصر وفلسطين وشرق الأردن ، مع إنها طالبتْ بجلاء القوات الفرنسية عن سوريا ولبنان ؟ ولماذا تسكتْ الجامعة العربية عن المطالبة بجلاء القوات البريطانية عن طرابلس وبرقة ، مع إنها طالبتْ بجلاء القوات الفرنسية عن تونس ومراكش ؟ إننا عاجزون عن تفسير موقف الجامعة العربية وسكوتها عن الاستعمار البريطانى أصل البلاء وعلة العلل . ولا نفهم معنى اقحام الدول الكبرى التى تـُقاوم الاستعمار بشتى أنواعه وتشويه وجهها ومحاربة ما أسمته (الاستعمار السوفيتى) وما معنى تصريح الأمين العام فى الوقت الذى اعترف فيه الاتحاد السوفيتى بحق سوريا ولبنان وسيادتهما التامة على أراضيهم)) وكان العنوان الرئيسى لهذا المقال (إلى أين تسير الجامعة العربية) وعنوان فرعى (الأحرار العرب لا يؤيدون سياسة عزام باشا ولا خطة الجامعة العربية إزاء الاستعمار) كما هاجمتْ صحيفة التلغراف اللبنالنية عزام باشا بسبب تصريحه الذى قال فيه ((إنّ العرب سيُـقـدّمون المعونة اللازمة لكل أمة تـُناضل من أجل استقلالها ولو كانت هذه الأمة ألمانيا)) (الفجر الجديد – عدد 30 يناير46) وهكذا ساوى أمين الجامعة العربية بين الشعوب التى تـُناضل ضد الاستعمار، وبين ألمانيا النازية.
وفى مقال آخر بعنوان (إلى أين تسير الجامعة) قال فيه كاتبه أنّ الجامعة العربية تـُمالىء الاستعمار البريطانى ، وأنها تتكلم عن (العروبة) مع أنها لون من ألوان العنصرية البغيضة. ولا تهتم بأهداف الشعب العربى ، فمتى يكون لدينا جامعة للشعوب العربية؟ (عدد 12فبراير46)
وفى مقال بعنوان (موقف الجامعة العربية من الاستقلال) قال كاتبه ((كنا نعقد الآمال على الدور الذى ستقوم به الجامعة العربية لتحقيق الاستقلال ، ولكن خاب أملنا. وكنا نحن التقدميين أول من كشف الموقف المُـتهاون والمُـتهادن مع الاستعمار، الذى وقفته الجامعة العربية حيال الكثير من المشاكل السياسية والاقتصادية التى ترتبتْ عليها. وكنا أول من أمطنا اللثام عن كفاح الجامعة المزعوم فى سبيل تحرير الشعوب العربية سياسيًا واقتصاديًا . ولعلّ أقرب منظر يُعيد إلى أذهاننا تلك المسرحية الهزلية التى لم تنته فصولها بعد ، موقف الجامعة العربية حيال لجنة التحقيق البريطانية الأمريكية التى شكلتها القوى الاستعمارية لتحقيق مسألة الهجرة اليهودية ، وإيجاد حل لمشكلة فلسطين. وصحّ ما توقعناه من سياسة التهدئة التى يقود دفتها رجال الجامعة العربية الذين دبّروا سلسلة مؤامراتهم ضد القضية الوطنية بتعاونهم السافر مع الاستعمار للحيلولة لخروج القضية إلى النطاق الدولى ، فهل نندهش من السياسة التى تنتهجها الجامعة العربية وأمينها العام لحل مشكلة فلسطين؟ كلا فطبيعة تكوين الجامعة العربية تعكس تلك القوى الرجعية التى لا يمكن اعتبارها مطلقــَا وجهًا تقدميًا)) (الفجر الجديد – عدد 27فبراير46)
وفى مقال بعنوان (أمين الجامعة العربية يتحدث) عن نص تصريح ألقاه أمين الجامعة عزام باشا قال فيه ((ومما لا طائل تحته التهرب من مواجهة العناصر الأساسية للمشكلة ومواصلة الجدل حول من بدأ بالعدوان : أهم الذين قذفوا بالحجارة أم الذين أطلقوا النار؟ فأهمية ذلك جزئية بالنسبة لمن يُريدون أنْ يروا بريطانيا ومصر تأخذ إحداهما بيد الأخرى فى سبيل إقرار سلام دائم فى الشرق الأوسط)) فكان تعقيب كاتب المقال ((أى أنّ سيادة المسئول الأول عن الجامعة العربية التى تئن تحت وطأة الاستعمار يرى أنه فى سبيل إقرار سلام دائم فى الشرق الأوسط لابد من أنْ تمد بريطانيا يدها إلى مصر وغيرها من الدول العربية حتى تتمكن هذه الدول القاصرة أنْ تقوم بمهمة حقها فى السلام ، فماذا تريد بريطانيا أكثر من ذلك ؟ خاصة وقد اعترف الأمين العام للجامعة أنّ لبريطانيا منافع ومصالح فى المنطقة ، وخاصة ما ذكره الأمين العام للجامعة حيث قال ((الجامعة العربية اعتزمتْ أنْ تكون قوة روحية)) ونسى الأمين العام أنّ هناك استعمار بريطانى فى فلسطين وهو الذى مكــّن الصهيونية فى فلسطين، وقال إنّ اللجنة البريطانية الأمريكية ((لجنة أصدقاء)) وليست لجنة تحقيق ، وربما خجل من أنْ يرى نفسه أمام عدد من قضاة التحقيق البريطانيين والأمريكيين يُوجهون إليه الأسئلة ويناقشونه فى الإجابة فآثر أنْ يُسميهم (أصدقاء) رغم أنّ هذا لن يغير من الأمر شيئــًا ، أو ربما أراد أنْ يُبرّر أمام الناس موقفه فى عدم التعرض للاستعمار البريطانى بأنْ يوهم بأنّ الانجليز أصدقاء)) (الفجر الجديد – عدد 6 مارس 46) وفى باب الأخبار، خبر عن احتمال توسيع عضوية الجامعة العربية بإنضمام بلاد عربية غير مستقلة مثل المحميات البريطانية، وهى مسقط وعمان والكويت وجزر البحرين الخ وأنّ مثل هذا التوسع للجامعة العربية (كما يقول المحللون السياسيون) سيكون من شأنه أنْ يزيد فى داخلها نفوذ رجال السياسة العرب التابعين للندن)) (عدد 17 إبريل 46)
وفى تحليل عن الجامعة العربية وفلسطين كتب محرر مجلة الفجر الجديد أنّ مجلس الجامعة لم يتخذ قرارًا برفض فكرة لجنة أمريكية إنجليزية لحل مشكلة فلسطين ، والتأكيد على أنّ الشعوب العربية تـُريد أنْ ترى فلسطين مستقلة ، ويجب الاعتراف بأنّ الجامعة العربية لم تـُحقق أى نتيجة حقيقية فيما يتعلق بالدفاع عن مصالح البلاد العربية (عدد 17 فبراير46) وأنّ الجامعة العربية مشغولة دائمًا بالاحتفالات والزيارات إلخ ولكن هل قامتْ بأى عمل إيجابى لخدمة الشعوب العربية ؟ ففى مشكلة سوريا ، حين كان الاستعمار الفرنسى يصب نيرانه على سوريا ويلقى القنابل على الأهالى من الطائرات ، فى هذا الوقت اجتمعتْ الجامعة العربية ونافشتْ المسألة السورية ، ثمّ قرّرتْ تأجيل الاجتماع إلى موعد يُحدّد فيما بعد ، ومرّتْ الشهور ولم تـُناقش الجامعة المسألة السورية مرة ثانية ، كما صرّح الأمين العام أنّ الجامعة لن تنظر ولن تـُناقش مسألة اتفاق شرق الأردن مع بريطانيا ، فكان تعليق كاتب المقال ((أما لماذا لا تنظر الجامعة العربية هذا الاتفاق فعلم هذا عند عزام باشا والمستر بيفن ، وقد سافر عزام باشا إلى سوريا ليُقيم الاحتفالات والزينات والمهرجانات ، أما حرية واستقلال الشعب السورى فهذا ليس من اختصاص الجامعة العربية0 إنّ الجلاء العسكرى عن سوريا لا يكفى بل يجب أنْ يكون الجلاء شاملا الجلاء الاقتصادى والسياسى والإدارى)) (نفس العدد السابق)
وكتب رئيس تحرير مجلة الفجر الجديد أحمد رشدى صالح ((أثبتتْ التيارات الرجعية فى جامعة الدول العربية أنّ أهدافها تتطابق مع أهداف الاستعمار)) (عدد 26يونيو)
وأود التأكيد على أنّ ما ذكرته من النماذج التى وردتْ فى مجلة الفجر الجديد (بخلاف ما ورد فى الصحف والمجلات الأخرى الصادرة قبل يوليو1952كان على سبيل المثال فقط ) والدرس المُـستفاد من ذلك أنّ مثقفى تلك الفترة كان لديهم الوعى المُسبق ، بأهداف جامعة الدول العربية التى أنشأتها بريطانيا ، وأنها جامعة للأنظمة العربية التابعة للاستعمار العالمى (بريطانيا ثم أميركا) وبالتالى فهى ليستْ جامعة للشعوب العربية التى تتحمّـل نفقات ميزانية تلك الجامعة الكرتونية التى تعمل لصالح الاستعمار، ورغم أنّ المُـثقفين الذين أدانوا وانتقدوا الجامعة العربية قبل يوليو52 أغلبهم من اليسار المصرى ، إذا بتلك الرؤية التقدمية تتراجع بعد أنْ سطا ضباط يوليو52 على عرش مصر، فإذا بالماركسيين المصريين يمشون فى (ركب العروبة) ويُهلــّــلون لذلك الكيان الكرتونى (الجامعة العربية) وانغلقتْ عقولهم عن السجل المُـخزى لتاريخ تلك الجامعة المُعادية للشعوب ، منذ نشأتها وحتى يومنا هذا فى عام 2015 ، ولذلك فإننى أرى وأكرّر ما سبق أنْ كتبته عن ضرورة إلغاء تلك الجامعة الوهمية ، وتوفير المبالغ المخصومة من الشعوب العربية ، وتوجيهها إلى الاحتياجات الضرورية من صحة وتعليم الخ0 وإذا كان الماركسيون قبل يوليو52 امتلكوا شجاعة نقد جامعة الدول العربية، فلماذا اختلفوا وغيّروا جلودهم بعد ذاك التاريخ؟ بل ورضوا على أنفسهم المشى وراء البكباشى عبد الناصر، وردّدوا أكاذيبه عن أنّ (مصر عربية) وأننا نحن المصريين (عرب) ؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رد على الأستاذ طلال الربيعى
- المُثقف والثقافة السائدة (1)
- اللغة الدينية وتجربة أوروبا طغيان اللغة الدينية طلعت رضوان ه ...
- كيف تخلصت أوروبا من اللغة الدينية
- الأسماء بين الرموز القومية والدينية
- المرأة المصرية تتحدى عصور الظلمات
- الأميرة التى تمرّدتْ على منظومة (الحرملك)
- أكذوبة ( أسلمة العلوم )
- الفتاة المصرية والانعتاق من عصور الظلمات
- سيدات حزب الوفد
- تشويه الحضارة المصرية وإدعاء الإبداع
- الإبداع وترجمة الواقع
- شخصيات فى حياتى : أبى
- التاريخ المسكوت عنه فى رواية (شوق المُستهام)
- شخصيات فى حياتى : زوجة أبى
- شخصيات فى حياتى : جدتى
- نشأة الأصوليات الدينية والدور الأمريكى
- الوفد وآفة شعبنا : ينتفض وينام
- الوفد وضباط يوليو (1)
- جهاز كشف الأصولية الدينية


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - المثقف والثقافة السائدة (2)