أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - المرأة المصرية تتحدى عصور الظلمات















المزيد.....


المرأة المصرية تتحدى عصور الظلمات


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4865 - 2015 / 7 / 13 - 14:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المرأة المصرية تتحدى عصور الظلمات
طلعت رضوان
بعد سلسلة مقالاتى عن هدى شعرواى ونبوية موسى والأميرة جويدان ، فإنّ السؤال الذى شغل العقول الحرة هو : كيف خرجتْ المرأة المصرية من عصور الظلمات ؟ أعتقد أنّ الإجابة تعود إلى عام 1805 عندما تولى محمد على حكم مصر. فقبل هذا التاريخ عاش شعبنا (المصرى) عدة قرون يسبح فى بحور الظلمات، بحثــًا عن شعاع يُخلــّـصه من ظلم وجهل الغزاة المُـحتلين، خصوصًا بعد الغزو العربى ، حتى الوصول لمحطة الغزو العثمانى ، وخلال قرون الظلمات هذه، لم يكن لشعبنا أية حقوق كبشر، فكان المحتلون (العرب) يُطلقون على جدودنا لفظ (أعاجم) أى بهائم وفق التعريف الوارد فى قواميس اللغة العربية أو موالى أو علوج (أنظر: مختار الصحاح – المطبعة الأميرية بمصر- عام 1911- ص440)
وإذا كانت تلك هى نظرة الغزاة العرب لجدودنا (رجالا ونساءً) فإنّ نظرتهم للمرأة (خصوصًا) كانت أشد قسوة، فهى الأمة/ العبدة/ الجارية/ المملوكة (انظر كتاب المرحوم خليل عبد الكريم " العرب والمرأة " دار الانتشار العربى – عام 1998- ص97وكتب فيه ((كان العرب يُـطلقون على مواطنى البلاد التى وطئوها بخيولهم : العلوج – جمع علج)) وأنّ المرأة مملوكة لسيدها بقاعدة (ملك اليمين) المنصوص عليها فى القرآن . وبالتالى يحق له مضاجعتها فى أى وقت مع عدم الاعتراف بها زوجة شرعية. كما انتشرتْ ظاهرة الجوارى فى قصور الخلفاء والولاة ، وهى الظاهرة التى بدأتْ فى عصور الخلافة الإسلامية الأولى ، واستمرتْ حتى أواخر القرن التاسع عشر، فكان للزبير بن العوام ألف عبد وعبدة (سليمان فياض فى كتابه " الوجه الآخر للخلافة الإسلامية" دار ميرت للنشر- عام 96- ص91وكتب أ. فياض ((اتخذ الخلفاء العباسيون القصور وبها غلمان يتراوح عددهم بين الأربعين والستين غلامًا - ص97) وانتشرتْ كذلك ظاهرة (الخصيان) الذين يحرسون الجوارى داخل القصور.
فى ذاك المناخ المُـظلم الظالم واللا إنسانى الذى استمرّ عدة قرون ، كان دور المرأة ينحصر فى خدمة الرجل وامتاعه (زوج أو سيد) أى أنها خادمة وموضوع للفراش ، وبالتالى ليس لها أى كيان مُـستقل ، حيث لا يحق لها المُـشاركة فى الحياة السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية (مع وجود استثناءات خصوصًا الفلاحات المصريات اللائى شاركنَ أزواجهنّ فى الزراعة والبائعات إلخ) وفى المدينة كان وضع الفتاة أشد بؤسًا من فتاة الريف ، الأولى لا تخرج من بيت أبيها إلاّ مرتيْن : مرة إلى بيت زوجها والثانية إلى قبرها . أما الفلاحة فكانت تتمتـّع بحرية الخروج إلى الغيط لمُساعدة الأب أو الزوج. وعبودية الرجل للمرأة تجسّدتْ فى أشكال عديدة منها : حق البعل (= الزوج) أنْ ينقلها لأى بلد يشاء دون اعتراض منها . ومحظور عليها أنْ تستقبل أى رجل فى غياب زوجها خلاف والدها وأخوتها ، حتى ولو كان ابن عمها أو ابن خالها. ولا يحق للمرأة أنْ تـُزوّج نفسها حتى وإنْ كانت بالغة عاقلة رشيدة بل وثيبًا . ولا يصح عقد نكاحها إلاّ بولى . وأنّ عقد النكاح هو عقد تمليك أى شىء. وأنّ عقد النكاح كان ولا يزال يُسمى المُـلكة (بضم الميم) فى بعض الدول العربية. وليس للمرأة أنْ تـُسلم على أجنبى ، لأنّ مجرد اللمس من الطرفيْن يؤجج الرغبة فى كليهما بل يُهيّج الشهوة، لأنه مجتمع ليس فيه نشاطات سوى النزوع إلى ملامسة الآخر. وليس للزوجة أنْ تـُرضع غير ولدها إلاّ بإذن زوجها.
رأيتُ أهمية التمهيد السابق لبيان صعوبة الخروج من عصور الظلمات . وإذا كنتُ سأتناول دور المرأة فى تحطيم الثوابت التى قيّـدتها لعدة قرون، وبالتالى منعتها من الخروج إلى آفاق التقدم والحرية ، فإنه لا يمكن فصل دور المرأة عن دور الرجل ، ولذلك أرى أنه من المُهم التأكيد على أنّ دور المرأة فى النهضة المصرية، تواكب مع ظهور عدة أجيال من المُـفكرين المصريين ، وبعض المُـفكرين الشوام الذين عاشوا فى مصر، وأرسوا قواعد الدولة الحديثة على أسس الليبرالية بشقيها الفكرى والسياسى ، أمثال أحمد لطفى السيد ، فرح أنطون ، شبلى شميل ، سلامة موسى، طه حسين، محمود عزمى، إسماعيل مظهر وإسماعيل أدهم إلى آخر قائمة الليبراليين الذين آمنوا ب (علمنة مؤسسات الدولة) كى تتحق النهضة والذين أثروا الحياة الثقافية فى مصر حتى بداية الخمسينيات من القرن العشرين ، ثمّ حطــّـت سحابة يوليو1952 السوداء ، فبدأ التراجع.
دور المرأة فى الانعتاق : الأديبة زينب فواز :
ولدتْ الأديبة زينب فواز فى لبنان (يوجد خلاف فى تاريخ مولدها بين 1840، 1845، 1846) ولكنها عاشتْ معظم حياتها فى مصر، وماتتْ فى يناير1914 فى حى السيدة زينب . وكتب أ. حلمى النمنم فى كتابه (الرائدة المجهولة) أنّ رواية زينب فواز (حـُسن العواقب) التى صدرتْ عام 1899 هى الرواية العربية الأولى . وأنّ الباحثة (بث بارون) ذكرتْ فى كتابها (النهضة النسائية فى مصر) أنّ زينب فواز نشرتْ الرواية عام 1893 ووقــّعتها باسم (امرأة مصرية) وعلــّـق أ. النمنم على اخفاء اسمها مُـندهشًا لأنها ((كانت تــُوقع مقالاتها منذ وقت مُبكــّر باسمها صريحـًا ، رغم جرأة الأفكار التى كانت تطرحها . وقد جلب عليها ذلك هجوم التقليديين والمحافظين)) ولخص أ. النمنم الرواية فى كلمات موجزة مكثفة قائلا ((أنّ المرأة لن تتحرر وتحصل على حقوقها إلاّ إذا وُجد الرجل المُتحرّر. ولن يتحقق ذلك بلا مجتمع مُـتحرّر يقوم على نظام ديمقراطى وعلى شرعية القبول والرفض . وما جسّدته زينب فواز فى الرواية كتبته فى مقالاتها فى الصحف . ومن ذلك مقال من جزءيْن فى جريدة المؤيد عدد 9، 10 مايو1892 كتبتْ فيه ((ما من أمة انبثقتْ فيها أشعة التمدن فى أى زمن إلاّ وكان للنساء فيها اليد الطولى والفضل الأعظم)) وكتبت فى مقال آخر (إنّ للرجال عقولا وفى النساء من هى أعقل وأقوى عزيمة من الرجل) وكتبتْ درية شفيق عن زينب فواز أنها ((إحدى معجزات المرأة المصرية))
مى زياده (1889- 1941)
اسمها الحقيقى (مارى إلياس زخورة) ورغم أنها وُلدتْ فى مدينة الناصرة الفلسطينية ، ثمّ انتقلتْ مع والديها إلى لبنان ، إلاّ أنها ((كانت مصرية المقام والإبداع والشهرة)) لدرجة أنْ أطلقتْ على نفسها اسم الإلهة المصرية (إيزيس) وبجانب إبداعاتها المُـتنوّعة ، فإنّ صالونها الأدبى هو الأكثر شهرة ، خصوصًا أنه كان يحضره طه حسين ، العقاد ، مصطفى عبد الرازق ، أحمد لطفى السيد ، عبد العزيز فهمى ، داود بركات ، شبلى شميل والشاعر أحمد شوقى.
تميّز موقف إيزيس (مى) من قضية تحرير المرأة بالجرأة والصراحة ، حيث كانت مؤيدة لحرية المرأة ومساواتها بالرجل فى كل شيىء ، وخصوصًا فى التعليم . وقد انتهتْ حياتها نهاية مأساوية ، حيث تــُصاب بالاكتئاب الشديد ، ثمّ تكون الكارثة عندما يأتى شخص من عائلتها ويستدرجها إلى لبنان بحجة رعايتها، وإذا به يُجبرها على دخول مستشفى للأمراض النفسية والعقلية واتهامها بالجنون، فحاولتْ الانتحار وفشلت ، ولم تــُنقذها إلاّ حملة صحفية فى مصر ولبنان من كــُـتاب شرفاء، وبالفعل نجحتْ الحملة وخرجتْ (إيزيس/ مى) من المستشفى تتحدى من قهروها، حيث ألقتْ محاضرة فى الجامعة الأمريكية ببيروت بعنوان (رسالة الأديب فى الحياة) عادتْ إلى مصر لتعيش باقى حياتها ، ثمّ يتملــّـكها الاكتئاب من جديد وتــُـدفن فى مصر.
روزا ليوسف (1888- 1958)
اسمها الأصلى فاطمة اليوسف . وُلدتْ فى مدينة طرابلس اللبنانية. واسم (روز) أطلقته عليها الأسرة المسيحية التى رعتها فى طفولتها بعد وفاة أمها. وصلتْ (روز) إلى مصر وهى فتاة صغيرة ، وحالفها الحظ عندما تعرّفتْ على الفنان عزيز عيد ، وتعلــّمتْ على يديه فن التمثيل . وبعد ذلك عملتْ مع جورج أبيض ويوسف وهبى حتى أصبحتْ الممثلة الأولى، وأطلق النقاد عليها (سارة برنار الشرق) عندما قامتْ بدور (مارجريت جوتيه) فى مسرحية (غادة الكاميليا)
فى عام 1925 تبنــّـتْ فكرة إصدار (مجلة فنية نقدية) وفى يوم26/10/25 صدر العدد الأول من مجلة (روزا ليوسف) رغم أنها لم تكن تـُجيد كتابة المقال ، وإنما كانت تــُملى أفكارها على أحد المُحررين ليصيغها لها فى شكل مقال . أما كتابها الوحيد (ذكريات) فهو يحتوى على سيرتها الذاتية. ومن المواقف المُهمة فى حياة هذه السيدة الجليلة ما حدث عام 1945 عندما كتب ابنها إحسان عبد القدوس مقالا ضد اللورد (كيلرن) فى مجلة روزا ليوسف التى صدر قرار بمصادرتها والقبض على إحسان. كتبتْ السيدة روز فى مذكراتها ((حاولتُ أنْ أتحمّـل المسئولية نيابة عن ابنى وأنْ أدخل السجن بدلا عنه. ولكن إحسان ثار. وشهد مكتب وكيل النيابة مُـناقشة حادة ، لا أعتقد أنّ تاريخ الصحافة فى العالم شهد مثلها. مُـناقشة بين أم وابنها ، كل منهما يُريد أنْ يتحمّـل المسئولية ، وكل منهما يُريد أنْ يدخل السجن . وانتصر وكيل النيابة لابنى وحمّـله المسئولية وأودعه السجن))
وعندما حدثتْ أزمة فى المجلة بسبب خروج محمد التابعى ومصطفى أمين وسعيد عبده وصاروخان ، قرّرتْ (روز) التحدى وكان تحديها غير مُـتوقع ، حيث أصرّتْ على إصدار جريدة يومية بذات الاسم (روزا ليوسف) وبالفعل نجحتْ فى ذلك رغم العقبات التى وقفت فى طريقها ، مثل معاداة حزب الوفد للجريدة ، رغم أنها صدرتْ معبرة عن سياسة الحزب ، ورغم الشروط المُجحفة من بعض الكتاب للكتابة فيها، مثل موقف العقاد الذى اشترط مرتبًا قدره (80 جنيه) شهريًا وعلى أنْ يستلم مرتب أربعة شهور مقدمًا تـُخصم من مرتبه بواقع 20 جنيهًا شهريًا. رغم ذلك صدرتْ الجريدة ولاقتْ نجاحًا كبيرًا.
000
وإذا كانت الفترة من أوائل القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين، فترة الانعتاق من عصور الظلمات ، فإنّ الفترة من بداية العشرينيات حتى بداية الخمسينيات من القرن العشرين هى بداية المخاض . الفترة التى كان فيها المُـثقفون المصريون يُــكثــّـفون جهودهم لترسيخ قواعد الدولة العصرية. فى تلك الفترة كانت المُـثقفة المصرية مع المُـثقف المصرى يبذران بذور الليبرالية الفكرية التى تتأسّس عليها الليبرالية السياسية كمدخل حتمى لترسيخ (عالمانية) الدولة.
فى تلك الفترة ظهرتْ الكاتبة درية شفيق التى دعتْ المُـشرّعين للنظر فى إلغاء تعدد الزوجات ، وأنْ يضعوا نصًا صريحـًا لهذا الغرض . وهى الدعوة التى شارك فيها عدد كبير من المـُـثقفين أمثال سلامة موسى ، إسماعيل مظهر وعبد الحميد الحديدى الذى كتب عدة مقالات فى مجلة التطور وحذر من تعدد الزوجات ((لأنّ الأسرة التى تــُبنى على تعدد الزوجات أسرة لا تقف على قدميْن ولا حتى على قدم واحدة ، بينما الأسرة المبنية على زوجة واحدة نظامها هو النظام المثالى))
والسيدة درية شفيق أسّستْ جمعية مدنية أطلقتْ عليها اسم مجلتها (بنت النيل) وفى هذه المجلة كانت تستكتب الكــُـتاب الليبراليين من النساء والرجال، وعلى سبيل المثال وجدتُ فى عدد ديسمبر46من مجلة (بنت النيل) مقالا بعنوان (المهر عبودية مُــتحضـّرة) بقلم (طه الولى) فى هذا المقال يرى كاتبه أنّ ((المهر بشكله الراهن لا يعدو أنه البقية الباقية العملية لنظرية الرق التى كانت تــُـكـيّـف الانطباعات الاجتماعية ، يوم كان الناس يتناقلون أبناءهم وزوجاتهم على غرار الطريقة التى يتناقلون بها أشياءهم من زاد ومتاع))
وفى عام 1925 أصدرتْ (منيرة ثابت) مجلة (الأمل) وكانت هى صاحبة الامتياز ورئيسة التحرير. وكتبتْ تتساءل ((هل من الشرع أنْ تقعد الزوجات لمحض الإمتاع كما يحدث الآن؟)) كما هاجمتْ نظام (بيت الطاعة) وطالبتْ بإلغائه. وطالبتْ بمساواة المرأة بالرجل فى الميراث. وكتبتْ أنّ أصل المصائب والمشاكل للمرأة فيما يسمونه (قوانين شرعية) وطالبتْ بإلغاء المحاكم الشرعية وإحالة جميع القضايا الزوجية إلى المحاكم المدنية لتفصل فيها بما يتماشى مع روح القوانين الحديثة. ومن الأعداد القليلة التى تمكنتُ من الاطلاع عليها فى دار الكتب المصرية، عدد 6مايو52، وجدتُ رسالة بتوقيع (الآنسة مى عبد الحميد صادق) قالت فيها أنها تهوى الموسيقى والرسم والأدب . وتتحدث بطلاقة الفرنسية والإنجليزية. وتــُجيد الألمانية وتتكلمها بلهجة أهل برلين . ومعجبة ب جوهان فولفانج جيته وفريدرش شيلر وغيرهما. وأنها تهوى الطيران وتود أنْ تــُصبح طيارة . وأنها تأثرتْ بقراءة أخبار معركة النساء وقضية حقوق المرأة السياسية ، فقرّرتْ أنْ تدخل كلية الحقوق لتتولى الدفاع عن المرأة ، رغم أنها سوف تؤدى الامتحان النهائى للثقافة الألمانية.
أما (سعاد الرملى) وهى مثقفة ليبرالية قلــّما يتذكرها أحد بعد كارثة أبيب/ يوليو 52، فلها دور مُهم فى الدفاع عن المرأة من منظور إنسانى فكتبتْ ((إنّ الأصوات التى ترتفع من حين إلى حين بالاستنكار كلــّما ظفرتْ المرأة بحقوقها ، هذه الأصوات الرجعية، هى أصوات الفاشيين الذين يُريدون عودة المرأة إلى البيت))
اتسمتْ كتابات د. سهير القلماوى (1911- 1997) فى السنوات الأخيرة من حياتها بالتقليدية الشديدة ، ولم تعترض على حجاب المرأة طالما أنّ الإسلام يُطالب به. ورغم أنّ رسالتها لنيل درجة الدكتوراه كانت عن (ألف ليلة وليلة) إلاّ أنها عندما صودرتْ النسخ الأصلية فى نهاية القرن العشرين اعتبرتْ ((ذلك أمرًا لا يستحق الضجة)) بحجة أنّ ((ما صودر إنما هو مجرد نسخ مُحرّفة)) رغم تلك النهاية شديدة المحافظة إلى درجة الرضوخ لأصوات الأصوليين الإسلاميين ، فإنّ الشيىء اللافت للانتباه أنها فى شبابها كانت شيئــًا آخر، حيث كتبتْ عدة مقالات فى مجلة الكاتب المصرى التى كان يُصدرها طه حسين، مقالات شديدة الجرأة ، تنم عن عقل مُــتفتح وعن احترام لمادة البحث العلمى، من ذلك مثلا مقالها المعنون (حول خلق آدم) الذى استعرضتْ فيه الموروث الثقافى لدى عدة شعوب حول فكرة خلق آدم قبل ظهور الديانة العبرية (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) وأشارتْ إلى أهمية ما قام به (جيمس فريزر) فى مؤلفه الموسوعى (الغصن الذهبى) الذى يقع فى اثنى عشر مجلدًا ضخمًا. ثم لخــّـصتْ بعض القصص الشعبية عن خلق (آدم) من التراث البابلى مرة ، وأخرى عن أسطورة يؤمن بها (السلوك) سكان منطقة النيل الأبيض ، وأسطورة ثالثة تؤمن به قبيلة اسمها (كومس) تسكن شرق الهند . وأسطورة رابعة تؤمن بها إحدى قبائل الروس . وخامسة يؤمن بها سكان إحدى جزر (الفيليين) وفى هذه الأساطير تدور قصة خلق الإنسان من تراب على يد الإله المحلى لكل شعب وتشكيله من الصلصال . واختتمتْ د. القلماوى مقالها قائلة ((لقد أتاح لنا السير فريزر هذه الفرصة النادرة لأنْ نتجوّل بين أساطير ما كان لفرد واحد أنْ يجمعها. وقد أفادتنا هذه الجولة فى الخيال الشعبى لنرى فيها الجمال الأدبى الحلو)) (مجلة الكاتب المصرى - عدد أكتوبر1945)
ذاك هو مناخ المخاض الذى كانت مصر فيه يتخلــّـق فى روحها جنين دولة عظمى فى منطقة الشرق الأوسط رغم الاحتلال ، المناخ الذى اشتركتْ فيه المرأة مع الرجل ، ليس فى مجال الإبداع الثقافى فقط ، وإنما فى الحركة الوطنية. المناخ الذى كانت فيه الفتاة (لطيفة النادى) أول فتاة مصرية تقود طائرة عام 1932، المناخ الذى ارتدتْ فيه الفتاة (نعيمة الأيوبى) روب المحاماة لتكون أول فتاة مصرية تعمل بمهنة القضاء الواقف. المناخ الذى تمّ فيه الاحتفال بالدفعة الأولى بخريجات الطب فى نفس العام (1932) ولعلّ فى سيرة الكاتبة والمُـناضلة د. لطيفة الزيات (1923- 1996) أنْ تكون نموذجًا ومؤشرًا على هذه الفترة الخصبة من تاريخ مصر الحديث . ولطيفة الزيات قد تستمد شهرتها لدى الجيل المعاصر من الشباب من إبداعاتها فى الرواية والسيرة الذاتية. ولكن من المهم أيضًا التنويه إلى دورها فى الحركة الوطنية التى ناضلتْ ضد الإنجليز. ففى عام 1946تنتخبها الحركة الوطنية سكرتير عام لجنة الطلبة والعمال. وتؤمن بالماركسية منهجًا فكريًا. وتتحرّر من جسد الأنثى لتكون خلية حية فى نسيج جسد الوطن.
ولا أستطيع أنْ أنهى الحديث عن دور المرأة المصرية فى النهضة ، دون أنْ أشير إلى دور الفنانات التشكيليات ، سواء فى الحركة الفنية أو فى الحركة الوطنية. فى عام 1950 يستقيل محمد محمود أبوالعلا من عمله كوكيل نيابة ليتزوج من الفنانة التشكيلية إنجى أفلاطون (1924- 1989) كان سبب الاستقالة حتى ((لا يُسبّب منصبه الحساس حرجًا له أو لها ، لما كان يكنه من تقدير لدورها السياسى الوطنى . وبالفعل تعرّضتْ للقبض عليها والتحقيق معها فى النيابة بعد زواجهما بقليل)) وإنجى هى بنت د. حسن أفلاطون عميد كلية العلوم بجامعة القاهرة ، وعالم الحشرات المشهور ومن أسرة مُترفة تمتلك ضيعة فى الريف، ومع ذلك تختار إنجى الابتعاد عن الثروة والجاه ، وتهيم فى عشق الوطن وحب الفن . وكتب الفنان والناقد الكبير عزالدين نجيب الذى أرّخ لحياتها يُعلــّـق على اعتقالها عام 50 قائلا ((كانتْ الفنانة الشابة مكلومة القلب ، محاصرة برفض طبقتها للطريق الذى اختارته ، وبرفض إدارة السجن السماح لها بأدنى حقوقها الإنسانية، وهى فى سجن لا يُشعرها حتى بشرف انتسابها إلى قضية وطنية)) وأنها عاشتْ 26 عامًا بعد خروجها من السجن تــُـكرّس حياتها للفن وللدفاع عن حق الآخرين فى الحياة والحرية. وتــُصدر الكتب عن حقوق المرأة وتــُشارك فى المنظمات النسائية والثقافية والسياسية ، وتتعرّض للمطاردة والاعتقال)) وكما ألقتْ سلطة الاحتلال الإنجليزى القبض عليها عام50، ألقتْ سلطة ضباط يوليو52 القبض عليها فى الساعات الأولى من اليوم الأسود عام1959، حيث ((دقّ زوّار الفجر آلاف الأبواب فى أنحاء البلاد وقبضوا على آلاف الرجال والكثير من السيدات فى أكبر حملة اعتقالات سياسية تشهدها مصر، ليقضوا فى السجن خمس سنوات ، وكل جنايتهم أنهم يُـناضلون من أجل الحرية)) (عزالدين نجيب- فنانون وشهداء- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان- عام2000- من ص105- 108)
ولأنّ الفترة السابقة على يوليو52 كانت تشهد مخاض دولة عصرية بالمعنى الدقيق للكلمة ، حيث تتعانق كف الرجل وروحه مع كف المرأة وروحها لخلق حياة أكثر عدلا وبهجة ، لذلك فإنّ تلك الفترة ، كما شهدتْ أسماء فنانين تشكيليين أمثال محمود مختار، محمود سعيد ، محمد ناجى وحامد ندا إلخ ، شهدتْ أيضًا أسماء فنانات تشكيليات منهنّ على سبيل المثال : مرجريت نخلة، عفت ناجى (شقيقة الفنان محمد ناجى) تحية حليم ، جاذبية سرى، زينب عبد الحميد، صفية أمين وسميرة عبد الرازق وأخريات (عزالدين نجيب - مصدر سابق- وكذلك كتابه "فجر التصوير المصرى- الصادر عن دار المستقبل- عام 1985) ولكن بعد كل هذه الجهود لخروج المرأة من عصور الظلمات ، إذا بها ترتد بعد أنْ سيطر ضباط يوليو على مصر، يوم الأربعاء الأسود 23 يوليو1952.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأميرة التى تمرّدتْ على منظومة (الحرملك)
- أكذوبة ( أسلمة العلوم )
- الفتاة المصرية والانعتاق من عصور الظلمات
- سيدات حزب الوفد
- تشويه الحضارة المصرية وإدعاء الإبداع
- الإبداع وترجمة الواقع
- شخصيات فى حياتى : أبى
- التاريخ المسكوت عنه فى رواية (شوق المُستهام)
- شخصيات فى حياتى : زوجة أبى
- شخصيات فى حياتى : جدتى
- نشأة الأصوليات الدينية والدور الأمريكى
- الوفد وآفة شعبنا : ينتفض وينام
- الوفد وضباط يوليو (1)
- جهاز كشف الأصولية الدينية
- مؤسسات الدولة والأصولية الإسلامية
- تجارة السلاح والمسرح العالمى
- الشعر والصدق الفنى : قراءة فى ديوان (إسكندريه يوم واحد)
- التعليم والوطن
- مخطط العداء للنوبيين
- الرياضيات والألعاب فى مصر القديمة


المزيد.....




- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - المرأة المصرية تتحدى عصور الظلمات