أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (3)















المزيد.....

العرب قبل وبعد الإسلام (3)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4923 - 2015 / 9 / 12 - 21:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العرب قبل وبعد الإسلام (3)
طلعت رضوان
يرى كبار المتعلمين المصريين (المحسوبون على الثقافة المصرية السائدة) أنّ الإسلام غيّر البنية العقلية للعرب ، بل إنّ ماركسيين مصريين كثيرين ذهبوا إلى أنّ الإسلام ((كان ثورة اجتماعية)) ثم يُـضيفون الجملة التقليدية (فى زمانه) فهل هذا الرأى يخضع للمقاييس العلمية وفقــًا لعلم (النقد التاريخى) ؟ وهل هو مُـطابق لما ورد فى كتب التراث العربى الإسلامى ؟ وأليس من الأمور المُـلفتة للنظر أنّ الإسلام الذى حرّم الخمر وبعض أنواع الطعام ، ومع ذلك لا يوجد فى القرآن آية واحدة تــُحرّم العبودية ، واكتفى بآلية (تحرير رقية / العتق) وهى آلية تخضع لرغبة وإرادة (السيد) المالك ل (العبد) بينما فى مؤتمر برلين عام 1885 تمّ إلغاء العبودية دوليًا ، مع تجريم من يتعامل معه ، وكان تعقيب المفكر الكويتى الراحل (أحمد البغدادى) على هذا النص (البشرى) ((وبذلك تفوّق الحس والعقل الإنسانى على النص الدينى)) (أحاديث الدين والدنيا- مؤسسة الإنتشار العربى- عام 2005- ص55) ولأنه كان يحترم لغة العلم كتب ((لا خلاف أنّ النص الدينى قد تبنى فى أحكامه الرؤية الاجتماعية القبلية لقريش فى المقام الأول ، حيث يسود التمايز الاجتماعى ، بدليل أنّ مجتمع المدينة الإسلامى فى روحه وتشريعاته لم يشهد إرتقاء المكانة الاجتماعية لمن كانوا عبيدًا (قبل الإسلام) مثل بلال الحبشى مؤذن الرسول ، وعندما تقدم بلال لإحدى الأسر وطلب الزواج من ابنة تلك الأسرة ، فقد رُفض طلبه لأنّ البنت من (الحرائر) ورغم أنّ النبى / محمد ضغط على تلك الأسرة ليتم الزواج ، فلم يتم الزواج)) (ص57، 58) وأكد ذلك الأزهرى المستنير (عبد المتعال الصعيدى) الذى كتب أنّ الفقهاء المسلمين انشغلوا بمسألة مقياس الكفاءة فى النكاح (الزواج) وكانت قمة العنصرية عند سفيان الثورى الذى قال ((إذا نكح المولى العربية يُـفسخ النكاح)) وبذلك قال ابن حنبل أيضًا ، وكلمة المولى فى اللغة العربية تشمل كل من هو غير عربى (المُـجددون فى الإسلام – هيئة قصور الثقافة – عام 2007- ص76) وظلّ هذا التمايز بين العرب وغير العرب (والذى كان سائدًا فى الفترة التى نعتها الإسلام بالجاهلية) حتى لحظتنا الراهنة ونحن فى الألفية الثالثة ، حيث يرفض العربى (خاصة أبناء الجزيرة العربية) أنْ يتزوج المصرى أو التونسى.. إلخ من الفتاة (العربية) وفى نفس الوقت يستحلون لأنفسهم الزواج من البنات غير العربيات ، كما أنّ موقفهم العنصرى يتبدى أكثر فى نظرتهم للمجتمعات الزراعية ، ولذلك انتشر مثل (عربى) نصه ((يأكلها التمساح ولا يأخذها الفلاح)) وتحكى كتب التراث العربى/ الإسلامى عن واقعة ذات دلالة فى هذا السياق ، حيث أنه بعد الغزو العربى لمصر، أراد أهالى قرية مصرية الحصول على نسب لأية قبيلة عربية (وهو شكل من أشكال الدونية القومية لدى بعض المتعلمين المصريين) ولخــّـص د. إبراهيم جمعة الواقعة فى كتابه (القومية المصرية الإسلامية) فكتب أنّ جماعة من الأقباط الذين أسلموا ذهبوا فى خلافة الرشيد إلى أنهم من أصل عربى ، وكان قد شاع فى ذلك الزمن إدعاء الأنساب العربية فذهب أهالى قرية (أهل الحرس) إلى القاضى العمرى ودفعوا له مالا كثيرًا جمعوه ، ليُـثبت لهم نسبًا عربيًا ، واستعانوا فى ذلك بنفر من الحوف الشرقى ، شهدوا لهم بالانتساب إلى (حوتكة من قضاعة) ووافق القاضى على أنْ يُسجـّـل لأهل الحرس هذا النسب ، فثار لذلك العرب (المُـقيمون فى مصر) وهجا شعراؤهم القاضى العمرى هجاءً مرًا ، ومن بين هؤلاء (الشعراء) المعلى بن المعلى الذى وجـّـه قصيدته للقاضى فقال ((تقضى نهارك بالهوى/ وتبيتُ بين مغنياتك / فاشرب على صرف الزمان/ بما ارتشيتَ من الحواتك/ إنْ كنت قد ألحقتهم عربًا / فزوّجهم بناتك)) واستمرّتْ المشكلة حتى خلافة الأمين الذى طلب من القاضى البكرى أنْ يُحقق فى موضوع نسب أهل الحرس ، فأتى بشهود قرّروا أنّ أهل الحرس من القبط ، فمزق القاضى نسبهم (نقلا عن الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى فى كتابه " عروبة مصر" – دار الآداب بيروت – عام 1979- ص60، 61) والدرس المُـستفاد من تلك الواقعة 1- أنّ المتعلمين المصريين الذين أرادوا التبرؤ من جنسيتهم وتبنى جنسية الغازى العربى ، أقل ما يُـقال عنهم أنهم مُـصابون بمرض (الدونية القومية) 2- أنّ الشاعر العربى الذى هاجم القاضى (العربى) تحداه أنْ يُزوّج بناته للمصريين كما جاء فى البيت الأخير من القصيدة ((إنْ كنتَ قد ألحقتهم عربًا / فزوّجهم بناتك))
وكما أنّ العرب (قبل الإسلام) فى حروبهم المُـتبادلة بين القبائل ، كانوا لا يُـفرّقون بين الأطفال والكبار، حيث كان الانتقام يشمل أبناء الآباء ، كدليل مادى على أنهم لم يعترفوا بأبسط القواعد الإنسانية التى يطرحها هذا السؤال : ما ذنب الصغار فيما ارتكبه الكبار؟ وبصيغة أكثر دقة : ما ذنب الطفل فيما ارتكبه أبوه ؟ ثم جاء محمد وحافظ على نفس تلك الآلية غير الإنسانية ، من ذلك ما ورد فى كتب التاريخ العربى / الإسلامى عن الوليد بن عقبة بن أبى معيط (ووالده عقبة كان من أعداء النبى محمد الذى قتله صبرًا) وقبل أنْ يأمر محمد بقتله سأله عقبة : ومن للصبية (ومنهم الوليد) يا محمد؟ قال محمد ((لهم النار)) (السيرة الحلبية- ج2- ص593- نقلا عن المستشار محمد سعيد العشماوى فى كتابه " الخلافة الإسلامية " – سينا للنشر- عام 1990- ص108) أما الوليد الذى قال محمد عنه أنه سيذهب إلى النار، فإنه عندما كبر ولاه عثمان بن عفان على الكوفة ، وكان يؤم الناس للصلاة وهو مخمور، وفى إحدى المرات زاد فى عدد الركعات والسجدات ، فلما نبّـهه الناس ، نظر إليهم وقال : هلا زدتكم ؟ (المصدر السابق)
وهل غيّر الإسلام من طبائع الخلفاء المسلمين (العرب) ؟ لقد كان من بين سخط الناس على عثمان بن عفان ، أنه فتح خزائن بيت المال لبنى أمية، وتزويجه مروان بن الحكم بنته وتسليمه خـُمس غنائم إفريقيا ، وقد بلغتْ مائتىْ ألف دينار، كما استسلم عثمان فى كل أموره لمروان لمجرد أنه ابن عمه. فهل هذا التصرف من عثمان يختلف عما كان سائدًا قبل الإسلام ؟ وهل الإسلام جعل عثمان يرضخ لصوت العقل والعدل ويتخلــّـص من عقلية البداوة فى تعامله مع خصومه ، مثلما فعل مع عبد الله بن مسعود وعماربن ياسر، اللذين تعرضا للإيذاء بأمر عثمان ، أو ما فعله مع أبى ذر الغفارى الذى نفاه إلى الربذة ومنعه من البقاء فى المدينة أو الذهاب إلى مكة ؟ كما أنه من بين أسباب غضب الناس من عثمان أنه أخذ بسياسة فساد الإدارة (وفق التعبير العصرى) حيث كان يولى الحكام الفسقة وغير الورعين ولا تقاة ولا أكفاء ، وكل ذلك بسبب قرابته لهم ، وكذلك سوء التصرف فى أموال المسلمين وبيت المال ، وحماية الخارجين على النظام العام ، واضطهاد المحكومين ونفى المعارضين ، ولم يلتزم بأبسط قواعد العدالة ، وإنما استسلم لمشورة مروان بن الحكم (ابن الحكم بن أبى العاص)
ولم يقتصر الفساد فى عهد عثمان على الأمويين (بنى أمية) بل تكرّر فى عهد على بن أبى طالب (الخليفة الرابع ومن الهاشميين) ودلــّـتْ كتب التاريخ العربى/ الإسلامى على عدة وقائع من بينها أنّ أبا الأسود الدؤلى المسئول عن بيت المال فى البصرة أرسل إلى الخليفة على بن أبى طالب رسالة قال له فيها : ((عاملك وابن عمك (عبد الله بن عباس) قد أكل ما تحت يده بغير علمك)) مع ملاحظة أنّ عبد الله بن عباس هو ابن عم النبى و(حبر الأمة الإسلامية) وكان على ولاه على البصرة ، فأرسل الخليفة إلى ابن عمه وواليه يسأله فيما وصل إليه ، وبعد مراسلات عديدة ، ردّ عبد الله بن عباس برسالة أوضح فيها تنازله عن منصبه (استقالة بلغة عصرنا) وكان نص الرسالة ((والهن لإنْ ألقى الله بما فى بطن هذه الأرض من عقيانها وبطلاع ما على ظهرها أحب إلىّ من أنْ ألقاه وقد سفكتُ دماء الأمة لأنال بذلك المُـلك والإمارة ، فابعث إلى عملك من أحببتَ)) وكان تعليق المستشار العشماوى ((هى استقالة تتضمّـن معنى التبجح وعدم الاستحياء من أكل كل ما فى بطن الأرض وما على ظهرها ، طالما كان ذلك أخف مما عمله الخليفة على بن أبى طالب – فى رأى ابن عباس (ابن عمه وابن عم النبى) من سفك دماء أمة المسلمين فى سبيل المُـلك والإمارة)) وكان ابن عباس يُشير إلى الصراع بين على ومعاوية. وبعد تلك الاستقالة جمع ابن عباس ما كان قد تبقى من أموال فى بيت المال ، ويُـقـدّر بستة ملايين دهم ، واحتمى بأخواله من قبيلة بنى هلال ، حيث كانوا معه فى البصرة ، ومضى بالمال حتى بلغ البيت الحرام فى مكة فأصبح آمنـًا فيه. ولما كتب إليه الخليفة وطلب منه رد الأمانة ، أجاب ابن عباس عليه قائلا ((إنّ حقى فى بيت المال لأعظم مما أخذتُ منه)) (يقصد اختلس منه) ثمّ حذر الخليفة قائلا ((لإنْ لم تدعنى من أساطيرك لأحملنّ هذا المال إلى معاوية يُـقاتلك به)) (الطبرى – تاريخ الأمم والملوك – مؤسسة الأعلى للمطبوعات- بيروت – لبنان – ج4 ص108 – والفتنة الكبرى لطه حسين والمستشار العشماوى المرجع السابق – ص109) وتلك الواقعة تؤكد على أنّ الإسلام لم يُـغير من طبائع ابن عباس الذى انحاز إلى نداء الثروة ومغريات الدنيا ، ولم يكتف بذلك وإنما هدّد ابن عمه على بن إبى طالب بأنه إذا أصرّ على أساطيره (أى أنّ رد المال الذى اختلسه من الأساطير) فإنه سوف يُـعطى هذا المال لخصم على (معاوية) فهل يمكن إخضاع شخصية عبد الله ابن عباس لقواعد علم النفس لتحليل عقليته وما فعله مع الخليفة الشرعى ضد خصمه غير الشرعى ، خاصة وأنّ ابن عباس فعل ذلك وفى نفس الوقت كان أحد رواة الأحاديث ومرجع التفسير. والدرس الآخر المُـستفاد من تلك الواقعة أنّ العرب المسلمين ، لم يستهجنوا ما فعله ابن عباس عندما ذهب بالمال المسروق إلى مكة ، ولم يُـقاطعوه أو يحتقروه ، ولذلك عاش آمنـًا مُـطمئنـًا ، كما أنّ أخواله هم الذين ساعدوه فى نقل المال من البصرة إلى مكة ، ولم ينصحوه بأنّ هذا المال (حرام) وعليه أنْ ((يتقى الله)) فى مال (المسلمين)
ولماذا لم يُـغيّر الإسلام من طبائع العرب بعد أنْ آمنوا بالإسلام ، ولماذا استمرّ التوحش البدوى الذى كان سائدًا قبل الإسلام ، مثلما حدث مع على بن أبى طالب وأسرته ؟ فبعد مقتل على مات الحسن مسمومًا بتدبير من معاوية الذى خدع زوجة الحسن ، عندما وعدها بزواجها من ابنه يزيد مع مبلغ من المال ، إنْ هى دسّـتْ السم فى طعام زوجها الحسن ، وقد أوفى معاوية بوعد المال وتراجع عن الوعد بزواجها من ابنه ، وعندما ذكــّـرته بوعده ردّ عليها الرد المُـتسق مع شخصية الداهية ، حيث قال لها ((من قتلتْ ابن على يسهل عليها قتل ابن معاوية))
وبعد أنْ تولى يزيد بن معاوية الخلافة ، خرج عليه الحسين بن على بن أبى طالب فى جمع من شيعته . وكان أهل الحجاز قد بايعوه ، فذهب للقاء جيش يزيد بقيادة عبيد الله بن زياد بن أبى سفيان فقــُـتل فى كربلاء ، وكان القتل بشعًا كما هو فى فترة البداوة الرعوية التى أطلق عليها محمد (الجاهلية) حيث تمّ القتل بواسطة (الذبح) كما تــُـذبح الشاة ، وقد تولى تلك المهمة أحد الجزارين واسمه (سنان بن أنس النخعى) حيث جز رأس الحسين وسلبه ما كان عليه. وبعدها ذهب الناس إلى القافلة التى كانت مع الحسين ، فانتهبوا ما فيها ، ولم يكتفوا بذلك وإنما نزعوا ما على النساء من لباس ، لدرجة أنّ المرأة كانت تنزع ثوبها من ظهرها فيؤخذ منها ، ثم ندب القتلة عشرة منهم فداسوا الحسين بخيولهم حتى رضوا ظهره وصدره . وقــُـتل مع الحسين إثنان وسبعون رجلا ، منهم من أولاد على بن أبى طالب أربعة، ومن أولاد الحسن أربعة. وحمل الجنود (المرتزقة) رأس الحسين على حربة حتى دمشق ، فألقوها بين يدى الخلفية يزيد الذى قال ((لقد قال الحسين أننى خير من يزيد وأبى خير من أبيه وجدى خير من جده . فأما أبوه فقد احتكم هو وأبى إلى الله. ولقد علم أنّ الله نصر أبى ، وأما أنه خير منى ، فقد جاء من قبيل فقهه ونسى قول الله ((قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير)) فى هذا النص يجب ملاحظة ما يلى 1- أنّ يزيد بن معاوية استخدم نفس المفردات التى كانت سائدة فى (الجاهلية) أى التفاخر بالنسب عندما زعم أنّ أنه أفضل من الحسين ، وأنّ أباه (معاوية) أفضل من على بن أبى طالب إلخ ، أى أنّ العقلية لم تتغير 2- الثأر الوحشى عن طريق جز الرأس 3- الانتقام من كل أفراد أسرة على بن أبى طالب ، أى أنهم لم يكتفوا بقتل الحسين ، وإنما امتدّ الانتقام ليشمل الأطفال والنساء 4- الاستناد إلى القرآن فى تبرير الظلم والتوحش وأنّ الحسين تناسى ما جاء فى القرآن عن المشيئة المُـطلقة ((تؤتى المُـلك من تشاء.. وتعز وتذل من تشاء.. إلخ)) أى أنّ يزيد وضع نفسه فى مقام المشيئة الإلهية أو أنه تصوّر أنّ كل ما فعله يتسق ويتفق مع المشيئة الإلهية، من مُـنطلق (فكرة القدر) وأنّ كل تصرفات البشر (مُـقدرة) سلفــًا.
وبعد مقتل الحسين دعا عبد الله بن الزبير (ابن العوام) للبيعة لنفسه للخلافة، فبايعه أهل تهامة والحجاز، وسلــّـم الناس عليه بالخلافة. وظلّ الخليفة للحجاز واليمن لمدة تسع سنين (أى طوال ولاية يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن عبد الحكم ثم عبد الملك بن مروان) وسيّر يزيد بن معاوية جيشــًا لقتال عبد الله بن الزبير بقيادة الحصين بن نمير السكونى ، فسار إليه فى مكة ، فتحصـّـن ابن الزبير بالكعبة. فهل استسلم جيش زياد ؟ وهل احترم قائد هذا الجيش مكانة (المسجد الحرام) عند المسلمين ؟ الأجابة (لا) حيث ذكرتْ كل كتب التراث العربى/ الإسلامى أنّ جيش يزيد بقيادة الحصين حاصر جيش المسلمين الذى كان بقيادة الزبير. ونصب الحصين المنجنيق ورمى به الكعبة. وفى عهد عبد الملك بن مروان سيّر الحجاج بن يوسف الثقفى جيشــًا لمحاربة عبد الله بن الزبير، فحاصره بجيشه فى الكعبة، وللمرة الثانية يتم ضرب الكعبة بالمنجنيق (وكان ابن الزبير قد أعاد بناءها بعد أنْ احترقتْ من الضرب الأول) وفى تلك المعركة الثانية قطع جيش الحجاج رأس عبد الله بن الزبير بأسلوب الذبح (كما تمّ مع الحسين) وبعد الذبح صلبوا جثة عبد الله بن الزبير. وضربُ الكعبة بالمنجنيق مرتين له دلالة مهمة ، مؤداها أنّ الإسلام لم يُـغير من طبائع العرب كما كانت قبل الإسلام ، حيث التمثيل بجثث الخصوم ، بل أكثر من ذلك عدم احترام الأماكن (المقدسة) وأنّ المسلمين الموحدين يُـقاتلون مسلمين موحدين مثلهم. وتلك الطبيعة البدوية عكستْ نفسها على تصرفات وأقوال يزيد بن معاوية (الخليفة الأموى) فبعد موقعة (الحرة) سنة 63 هـ التى دمّر فيها المدينة واستباح أعراض النساء وفض بكارات العذارى (المسلمات) وقتل آلاف الرجال (المسلمين) وعبث بمسجد الرسول واتخذه مكانــًا لخيوله ببولها وروثها ، وفى تلك المذبحة البشعة قـدّر المؤرخون – ومن بينهم الطبرى أنّ عدد القتلى فى موقعة (الحرة) 1700 من الأنصار، و1300 من المهاجرين و500 من (الموالى) وفـُـضـّـتْ بكارات آلاف البنات ، أى أنّ مسلمين موحدين قتلوا مسلمين موحدين مثلهم ، وبعد انتهاء تلك المذبحة البشعة وقف يزيد بن معاوبة ، فرحـًا جذلا وقال ما قاله ابن الزبعرى (المُـشرك) بعد غزوة أحد ((ليت أشياخى ببدر شهدوا / فزع الخزرج من وقع الأسل)) أى أنّ يزيد (خليفة المسلمين وأمير المؤمنين) يرى أنّ واقعة (الحرة) ، بكل ما فيها من فظائع وعدوان على المحرمات ، يرى فى ذلك كله ما يُـفرحه ويُـسعده انتقامًا ل (مشركى مكة) الذين قـُـتلوا أو انهزموا فى غزوة بدر، ثمّ جاء النصر ل (المشركين) فى غزوة أحد.
وأعتقد أنّ من حق العقل الحر أنْ يتوقف أمام شخصية الخليفة (الوليد الثانى ابن يزيد) الذى كان لا يُـخفى (الزندقة) وينهمك فى شرب الخمر واللذات والقصف واللهو، واشتهر ب (اللواط) وكان يدعى قدرته على قول الشعر، وقد حاول أنْ يضع له مقصفــًا على الكعبة ويشرب فيه الخمر هو ورفاقه لولا أنْ نصحه كثيرون بعدم فعل ذلك ، كما أنه راود أخاه عن نفسه. ومن (أشعاره) قال ((أنا الإمام الوليد مفتخرًا / أجر بردى ، وأسمع الغزلا / لا أرتجى الحور فى الخلود ، وهل / يأمل حور الجنان من عقلا)) كما أنه أنكر نبوة محمد فقال ((تلعب بالبنوة هاشمى/ بلا خير أتاه ولا كتاب)) وحدث مرة أنْ فتح المصحف فظهرتْ له آية ((واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد)) فمزق المصحف وضربه بالسهام وهو يسبح فى حوض من الخمر وقال ((أتوعد كل جبار عنيد / فها أنا ذاك جبار عنيد/ إذا ما جئتَ ربك يوم حشر/ قل يا رب مزقنى الوليد)) وهكذا تتأكد حقيقة أنّ الإسلام لم يُـغير من طبائع العرب والمسلمين التى ورثوها عن الفترة التى نعتها محمد ب (الجاهلية) وهى طبائع التوحش – كما قال ابن خلدون – والثأر والتمثيل بالجثث والصراع من أجل السلطة (الخلافة) كما كان الوضع قبل الإسلام حيث الصراع بين القبائل العربية ، مع الاختلاف فى الظروف : من الصراع على الماء والسيطرة على القبائل إلى الصراع على (الثراء) والاحتفاظ بمنصب الخلافة.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب قبل وبعد الإسلام (2)
- العرب قبل وبعد الإسلام (1)
- مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
- العدوة لعصور الظلام
- السامية والحامية ولغة العلم
- رد الى الاستاذ الأستاذ طلال الربيعى بشأن مقالى (أسباب فشل ال ...
- أسباب فشل اليسار المصرى
- الدولة شخصية اعتبارية
- الإخوان المسلمين وأنظمة الحكم
- الإخوان المسلمون وعلاقتهم بالاستعمار الإنجليزى والأمريكى
- أفغانستان فى القرنيْن التاسع عشر والعشرين
- الفرق بين لغة العلم ولغة العواطف الدينية
- حياة سيد قطب الدرامية
- المرأة رمز الحية ورمز الحياة
- الطوباوية العربية وطلب المستحيل
- متى يكون المثقف مستقلا ؟
- المثقف والثقافة السائدة (3)
- رد على الأستاذ محمد نبيل الشيمى
- المثقف والثقافة السائدة (2)


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (3)